الجامعة الأميركية في القاهرة تضيف 3 آلاف كتاب نادر للمكتبة الرقمية العربية

في مشروع لإتاحة 15 ألف كتاب للباحثين بينها كتب من القرن الـ19

الجامعة الأميركية  في القاهرة تضيف 3 آلاف كتاب نادر للمكتبة الرقمية العربية
TT

الجامعة الأميركية في القاهرة تضيف 3 آلاف كتاب نادر للمكتبة الرقمية العربية

الجامعة الأميركية  في القاهرة تضيف 3 آلاف كتاب نادر للمكتبة الرقمية العربية

في خطوة جديدة لدعم المحتوى العربي على الإنترنت، أعلنت الجامعة الأميركية بالقاهرة انضمامها للمكتبة الرقمية «المجموعات العربية على الإنترنتArabic Collections Online (ACO)»، وإتاحة ما لديها من الكتب العربية للباحثين بالاشتراك مع جامعة نيويورك في دبي، وجامعة كولومبيا، وجامعة كورنيل، وجامعة برينستون، والجامعة الأميركية في بيروت.
وتعد مكتبة «المجموعات العربية على الإنترنت» مكتبة رقمية للكتب المؤلفة باللغة العربية والتي أصبحت في المجال العام. وهي مشروع رقمي ضخم ممول من قبل جامعة نيويورك أبوظبي، ويهدف إلى عرض ما يقارب خمسة عشرة ألف كتاب من قبل جامعة نيويورك والجامعات الأخرى المشاركة خلال مدة خمس سنوات من العمل.
وتضم المكتبة الرقمية حاليا 1370 كتابا تتنوع ما بين مجالات الأدب والتجارة والأديان والشعر والعلوم وغيرها، يعود بعضها إلى أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين. ومن بين عناوينها: «كتاب النعم السوابغ في شرح الكلم النوابغ للزمخشري» الصادر عام 1870، ويمكن تصفح الكتب بجودة عالية وطباعتها أيضا.
وحول الهدف من المبادرة، يقول مارك مويلهاوزلر، مدير مركز التميز للشرق الأوسط والثقافة العربية بمكتبة الجامعة بالقاهرة: «سيتمكن الباحثون من الوصول إلى كتب عربية لم يكن ممكنًا الوصول إليها من قبل. كما سيتمكنون من وضع أيديهم على نصوص رقمية، ولن يكون عليهم طلب نسخ لتلك النصوص عن طريق الاقتراض ما بين المكتبات أو من المكتبات الأخرى».
ويوضح مويلهاوزلر أن الفكرة وراء هذه المبادرة تكمن في إيجاد خدمة مماثلة لGoogle Books وHathiTrust، قائلاً: «شرعت كثير من المكتبات في إقامة مكتبات رقمية للحفاظ على مجموعات الكتب الموجودة لديها وإتاحة وصول المستخدمين لها. تهدف المجموعات العربية على الإنترنت إلى إقامة مكتبة رقمية لكتب الأدب العربي لأن Google Books لا يتاح لديها كتب باللغة العربية. وبالنسبة للطلاب والباحثين بالجامعة هنا، فهم لا يواجهون مثل هذه الصعوبة عند البحث عن كتاب مطبوع. أما الطلاب في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، فلديهم إمكانية الحصول على كتاب ما عبر اقتراض الكتاب من مكتبة أخرى، ولكن هنا، ليس لدينا الوسائل لتحقيق هذا. ومع ذلك، إذا قامت جامعة ما برقمنة كتاب لديها، سيمكننا أتاحته للطلاب كمادة بحثية حينذاك».
وعلى الرغم من أن الجامعة لديها مجموعة ضخمة من الكتب والمواد البحثية باللغة العربية، حيث تضم مكتبة الجامعة مجموعات نادرة من الكتب والوثائق والصور التي تعود لقرون سحيقة، من بينها مجموعة كتب تعود لعام 1790، فإنه يمكنها إتاحة مجموعة ثانوية فقط منها، كما أن إتاحة بعض هذه الكتب والمواد يكون مقيدًا بقوانين حقوق الملكية. يقول مويلهاوزلر: «ينص القانون المصري أن حقوق الملكية تسقط بعد مرور 70 عاما على وفاة الكاتب أو صاحب حق الملكية. ونتيجة لذلك، نحن مقيدون بعدد الكتب التي يمكن اختيارها. وحتى الآن، فقد اخترنا 3.000 كتاب ضمن مجموعة اللغة العربية الخاصة بنا. وقد صدرت هذه الكتب في أواخر القرن التاسع عشر، ولم تعد حقوق الملكية سارية عليها».
وحول اختيار الكتب التي ستدخل ضمن المجموعة المرقمنة، يقول مويلهاوزلر: «أمام الجامعة ثلاث سنوات من العمل لإتمام هذا المشروع. إن القيام بمسح صفحات كل كتاب على حدة هو ما يستغرق كثيرا من الوقت، هذا بالإضافة إلى الرقابة على الجودة، وتحويل المجموعات والكتب. إنه جهد مبذول من فريق كبير، حيث يشترك جميع العاملين في المكتبة تقريبًا في هذه العملية».
يأمل مويلهاوزلر أن يتوسع المشروع لخدمة أغراض كثيرة، قائلاً: «أتمنى أن ينتج عن هذا المشروع مشروعات أخرى. وأتمنى أن تكون هذه المكتبة الرقمية مصدرًا لمختلف أنواع الأبحاث. على سبيل المثال، تتضمن دراسة اللغويات الحوسبية إجراء تحليل متعمق لذخيرة النصوص أو اللسانيات، وآمل أن تتاح لنا الفرصة لاستخدام المحتويات التي نقوم بمسحها في تشكيل مجموعة من النصوص لكي تكون منتجًا فرعيًا لهذا المشروع. كما ستتاح الكتب التي سيتم مسحها كي تستخدم في التدريس، وذلك لسهولة الوصول إليها، وستتاح الفرصة لاستخدامها في بعض الدورات الدراسية على الإنترنت والتي نعتزم إقامتها بالجامعة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)