اليونيسكو يوصي بالتعليم المتعدد اللغات القائم على اللغة الأم

تقارير أممية: أفضل الدول الرائدة عالميًا تدرس بلغاتها الأصلية

شعار اليوم الدولي للغة الأم (اليونيسكو)
شعار اليوم الدولي للغة الأم (اليونيسكو)
TT

اليونيسكو يوصي بالتعليم المتعدد اللغات القائم على اللغة الأم

شعار اليوم الدولي للغة الأم (اليونيسكو)
شعار اليوم الدولي للغة الأم (اليونيسكو)

احتفلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) يوم 21 فبراير (شباط) الماضي ككل عام باليوم الدولي للغة الأم، وكان الاحتفال هذا العام تحت شعار «التعليم الجيد ولغة التدريس ونتائج التعلم»، تأكيدا على أهمية اختيار اللغات المناسبة للتعليم.
وقالت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو، في رسالتها بهذه المناسبة إن «اختيار هذا الموضوع (التعليم الجيد ولغة التدريس ونتائج التعلم) يؤكد أهمية اللغات الأم للتعليم الجيد والتنوع اللغوي من أجل المضي قدما في تنفيذ خطة التنمية المستدامة الجديدة لعام 2030، حيث تركز الخطة على التعليم الجيد والتعلم مدى الحياة للجميع سعيا إلى تمكين الناس كافة رجالا ونساء من اكتساب المهارات والمعارف والقيم اللازمة لتحقيق كل تطلعاتهم والمشاركة في حياة مجتمعاتهم على أكمل وجه».
وأضافت أن هذا هو أمر مهم للغاية للفتيات والنساء، وكذلك للأقليات والسكان الأصليين وسكان المناطق الريفية. وقد أخذت هذه المسألة بعين الاعتبار في إطار العمل الخاص بالتعليم حتى عام 2030 الذي أعدته اليونيسكو، وهو ما يعد بمثابة خريطة طريق لتنفيذ جدول أعمال التعليم حتى عام 2030، الذي يشجع على احترام استخدام اللغة الأم في التدريس والتعلم احتراما تاما، وعلى صون التنوع اللغوي وتعزيزه. فالتنوع اللغوي ضروري للمضي قدما في تحقيق هذه الأهداف، كما أنه مهم للغاية في نجاح تنفيذ كل ما تنص عليه خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بشأن النمو وفرص العمل والصحة والاستهلاك والإنتاج وتغير المناخ.
وأشارت بوكوفا إلى أن اليونيسكو تركز بالمثل على تعزيز التنوع اللغوي على شبكة الإنترنت، وذلك من خلال دعم مضامين محلية ملائمة، فضلا عن توفير الدراية الإعلامية والمعلوماتية، منوهة بأن اليونيسكو تبرز عن طريق برنامج نظم المعارف المحلية ومعارف السكان الأصليين أهمية اللغة الأم واللغات المحلية بوصفها وسائل لصون ونشر ثقافات ومعارف السكان الأصليين الزاخرة بالمواعظ والحكم.. وتعد اللغات الأم في أي نهج متعدد اللغات من العناصر الأساسية للتعليم الجيد الذي يشكل الأساس الذي تقوم عليه عملية تمكين النساء والرجال ومجتمعاتهم.
وتابعت: «يجب علينا الإقرار بهذه القوة الكامنة في اللغات الأم وتعزيزها لكي لا يتخلف أحد عن الركب، ومن أجل صنع مستقبل أكثر عدلا واستدامة للجميع. إن اللغات هي الأدوات الأقوى التي تحفظ وتطور تراثنا الملموس وغير الملموس، لن تساعد فقط كل التحركات الرامية إلى تعزيز نشر الألسن الأم على تشجيع التعدد اللغوي وثقافة تعدد اللغات، وإنما ستشجع أيضا على تطوير وعي أكمل للتقاليد اللغوية والثقافية في كل أنحاء العالم، كما ستلهم في تحقيق التضامن المبني على التفاهم والتسامح والحوار، وتحظى اللغات بثقل استراتيجي مهم في حياة البشر والكوكب بوصفها من المقومات الجوهرية اللغوية وركيزة أساسية في الاتصال والاندماج الاجتماعي والتعليم والتنمية، ومع ذلك فهي تتعرض جراء العولمة إلى تهديد متزايد أو إلى الاندثار كليا».
وأوضحت بوكوفا أنه حين تضمحل اللغات يخبو كذلك تألق التنوع الثقافي وتبهت ألوانه الزاهية، ويؤدي ذلك أيضا إلى ضياع الفرص والتقاليد والذاكرة والأنماط الفريدة في التفكير والتعبير، أي الموارد الثمينة لتأمين مستقبل أفضل، لافتة إلى أن هناك أكثر من 50 في المائة من اللغات المحكية حاليا في العالم والبالغ عددها 7000 لغة معرضة للاندثار في غضون بضعة أجيال، و96 في المائة من هذه اللغات لا يتحدث بها سوى 4 في المائة من سكان العالم، أما اللغات التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم فلا يزيد عددها عن بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن مائة لغة.
وفي عالم اليوم، يتجسد التعليم الجيد للجميع في مراعاة السياقات الثقافية واللغوية المتعددة والمتنوعة في المجتمعات المعاصرة. إذ إن اللغة، وبوجه خاص تعليم اللغة واختيار لغة التدريس، هي قضايا رئيسية تتولى المرتبة الأولى في النقاش حول الجودة، ويتمثل التحدي الذي يواجهونه واضعو السياسات التعليمية في ضمان معايير تعليم اللغة لجميع سكان بلد ما، وكذلك حماية حقوق أولئك الذين ينتمون إلى مجموعة لغوية أو عرقية محددة.
وتشجع اليونيسكو الدول على اعتماد تعليم ثنائي أو متعدد اللغات قائم على اللغة الأم، ما يمثل عاملا مهما للدمج الشامل والجودة في مجال التعليم. ويشير التعليم المتعدد اللغات بالنسبة لليونيسكو إلى إدراج ثلاث لغات على الأقل في التعليم، أي اللغة الأم، ولغة إقليمية أو وطنية، ولغة عالمية. وتبين البحوث أن التعليم الثنائي أو متعدد اللغات القائم على اللغة الأم تعليم ذو تأثير إيجابي على التعلم ونتائجه، ففي الكاميرون مثلا كشف تقرير الرصد العالمي لتوفير التعليم للجميع أن الأطفال الذين تلقوا دروسا في لغتهم المحلية، لغة «الكوم»، يظهرون ميزة ملحوظة في إتقان القراءة والفهم مقارنة مع الأطفال الذين يتلقون دروسا باللغة الإنجليزية فقط، كما أظهرت أبحاث أخرى أن للتعليم المتعدد اللغات القائم على اللغة الأم تأثيرا إيجابيا في القدرة على اكتساب لغة ثانية.
وصرحت بوكوفا بأن تعدد اللغات مصدر قوة وفرصة للبشرية، فهو يجسد تنوعنا الثقافي ويشجع تبادل وجهات النظر، وتجديد الأفكار وتوسيع قدرتنا على التصور.
وتشير عبارة «التعليم القائم على اللغة الأم» بوجه عام إلى استخدام اللغات الأم في البيئة المنزلية وفي المدارس، ويستحسن أن ترتكز عملية اكتساب الكفاءات اللغوية وتعلم القراءة والكتابة باللغة الأم على موارد مكتوبة تشمل على سبيل المثال لا الحصر المطبوعات والكتب التمهيدية والكتب المدرسية، لأن ذلك يدعم التعبير الشفهي.. وتسهم المواد المكتوبة باللغات الأم في تعزيز قدرة الدارسين على اكتساب مهارات القراءة والكتابة، وفي بناء أسس متينة للتعلم، ويوجد في العالم اليوم كثير من اللغات غير المدونة، علما بأنه أحرز بعض التقدم في تطوير قواعد الإملاء.
تجدر الإشارة إلى أن كثيرا من اللغويين وأخصائيي التربية والمعلمين المحليين والدوليين يتعاونون مع شعوب أصلية في أميركا اللاتينية أو مع قبائل في آسيا مثلا من أجل تطوير قواعد الإملاء، ويعتبر استخدام الحواسيب لإنتاج الكتب والتكاليف المنخفضة نسبيا للطباعة الرقمية من الأمور الواعدة، فيما يخص إنتاج مواد مكتوبة بتكلفة أقل يمكن لعدد أكبر من الأشخاص أن يشتروها وينتفعوا بها. وتشجع اليونيسكو التعليم الثنائي اللغة أو المتعدد اللغات القائم على اللغة الأم في سنوات التعليم الأولى نظرا إلى أهمية هذا الأمر في بناء أسس متينة للتعلم، فاستخدام اللغة الأم مع صغار الأطفال في المنزل أو في التعليم ما قبل المدرسي يساعدهم على اكتساب مهارات القراءة والكتابة بلغتهم الأم على نحو سهل، وقد يساعدهم أيضا على اكتساب لغة ثانية (قد تكون لغة وطنية) في مرحلة لاحقة من تعليمهم المدرسي.
وتشير عبارة «التعليم الثنائي اللغة والمتعدد اللغات»، وحسب التعريف الذي اعتمدته اليونيسكو إلى استخدام لغتين أو أكثر كوسيلة للتعليم»، واعتمدت المنظمة في عام 1999 عبارة «التعليم المتعدد للغات» للإشارة إلى استخدام ما لا يقل عن ثلاث لغات في التعليم، هي اللغة الأم، واللغة الإقليمية أو الوطنية، ولغة دولية، وتم التشديد على أهمية التعليم باستخدام اللغة الأم في السنوات الأولى من التعليم المدرسي في عدد من الدراسات والبحوث والتقارير منها التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الذي تصدره اليونيسكو كل سنة.
وتشير دراسات أجريت عن تجربة ماليزيا الاقتصادية والصناعية، التي حققت لها نهضة متميزة في العالم، وهي التي تمثلت في مشروع اعتماد اللغة الإنجليزية في تعليم مبادئ العلوم والرياضيات بدل اللغة الماليزية، ووصف هذا المشروع بأنه «التنازل الأهم في مسيرة الصناعة الاقتصادية الماليزية». وبعد 6 سنوات من التجربة قررت ماليزيا إيقاف مشروع تدريس الرياضيات والعلوم باللغة الإنجليزية والعودة إلى التدريس باللغة الماليزية «المالوية»، والسبب حسب ما جاء في القرار هو أن الدراسات التي أجريت على أكثر من 10 آلاف مدرسة أثبتت فشل التجربة وأن التدريس بالإنجليزية (غير اللغة الأم) أدى إلى تدهور مستوى الطلبة على المدى البعيد، وتدهور في مستوى أدائهم في الرياضيات، بحسب تقرير نشرته وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية المصرية.
وقد ثبت منذ ستينات القرن الماضي أن التدريس بغير اللغة الأم، ولا سيما في المرحلة الابتدائية ذو نتائج سلبية على نمو الطلاب اللغوي والعاطفي وولائهم للغتهم وثقافتهم، وهذا ما تؤكده كثير من الدراسات الأجنبية والعربية التي تلح على أن اللغة الأم هي الأساس في التعليم.
ومن جانبها، أشارت الأمم المتحدة في كثير من تقاريرها إلى أن الدول التي تقف في الصدارة العالمية كلها تدرس بلغاتها الأم، وهناك 19 دولة تتصدر العالم تقنيا يسير فيها التعليم والبحث بلغاتها الأم. وفي دراسة حديثة لأفضل 500 جامعة عالمية موجودة في 35 دولة تبين أنها جميعا تدرس بلغاتها الأم.
وقال عالم اللغويات الأميركي ليوناردو بلومفلير إن « تعلم لغة إضافية إلى لغة الأم له فؤاد كثيرة، مشيرا إلى أن أحسن سن للبدء في تعلم لغة ثانية هي بين سن 10 و12 سنة، فإذا تم البدء قبل ذلك فإن العملية التعليمية غالبا ما تكون بطيئة وغير مجدية، موضحا أن إتقان الطفل لأكثر من لغة يكسبه قدرات على التحليل والربط والقياس والاستنتاج والتفكير والتعبير عن المفاهيم بطريقة مختلفة يتقنها نتيجة تعلمه لغتين، وهذا ما لا يتوفر للتلميذ الذي يتعلم لغة واحدة».
وأضاف «أن خير دليل على ذلك هو الدراسة التي قام بها الباحثان (لامبرت وبيل) بمنطقة مونتريال بكندا، حيث تمت مقارنة مجموعتين من الأطفال في سن 10 سنوات، تضمنت المجموعة الأولى أطفالا يتعلمون اللغتين الفرنسية والإنجليزية معا، وتضمنت الثانية أطفالا يتعلمون لغة واحدة فقط، لافتا إلى أن من النتائج التي خلصت إليها الدراسة تفوق الأطفال الذين يتعلمون اللغتين فكريا على الأطفال الذين يتعلمون لغة واحدة، وقد أرجع البحثان هذا التفوق الذي تتمتع بها المجموعة الأولى في الانتقال من نظام رمزي إلى آخر».
ومن جانبه، قال عالم اللغويات جون شومسكي إن « البرامج التعليمية التي تتبنى أسلوب التعليم باللغة الأم ثم بلغة ثانية أجنبية فيما بعد قد أثبتت نجاحا ملحوظا في كثير من مناطق العالم، كما أنها حققت نتائج إيجابية مهمة سواء على الصعيد النفسي والاجتماعي والتربوي، وذلك لأنها تقلل من آثار الصدمة الثقافية التي يتعرض لها الطفل عند دخوله المدرسة، وتقوي إحساسه بقيمته الذاتية وشعوره بهويته، وترفع من إحساسه بإنجازه على المستوى الأكاديمي، كما أنها تساعده في توظيف القدرات والمهارات التي اكتسبها باللغة الأم في تعلم اللغة الثانية».
ويرى آخرون أنه من الثابت علميا أن المتعلمين الأكبر سنا أفضل بكثير من حيث معدل سرعة تعلم اللغة الأجنبية وتحصيلها النهائي، إضافة إلى ذلك أجريت دراسة في عام 1988 لمعرفة إيجابيات وسلبيات تعليم اللغة الأجنبية بالمرحلة الابتدائية خلصت إلى أن أنسب صف لتعليم اللغة الأجنبية هو الصف الرابع الابتدائي بعد أن يكون الطفل قد تمكن من مهارات تعلم لغته الأم.
ومن المعلوم أن قضايا التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات وتعزيز التعليم للجميع وتنمية مجتمعات المعرفة تمثل محاور مركزية في عمل اليونيسكو، ولكن يستحيل السير قدما في هذه المجالات من دون توفير التزام واسع ودولي بتعزيز التعدد اللغوي والتنوع اللغوي، بما في ذلك صون اللغات المهددة.



حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح
TT

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

اللهجات المختلفة تشير أحياناً إلى منشأ المتحدث بها، أو درجة تعليمه، أو وسطه الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، تقف اللهجات عائقاً أمام التعلم والفهم، كما أنها في بعض الأحيان تقف عقبة أمام التقدم المهني ونظرة المجتمع للمتحدث. ولهذا يتطلع كثيرون إلى التخلص من لهجتهم، واستبدالها بلغة «راقية» أو محايدة تمنحهم فرصاً عملية للترقي، وتحول دون التفرقة ضدهم بناء على لهجة متوارثة لا ذنب لهم فيها.
هذه الفوارق بين اللهجات موجودة في كل اللغات، ومنها اللغة العربية التي يحاول فيها أهل القرى اكتساب لهجات أهل المدن، ويتحدث فيها المثقفون إعلامياً بلغة فصحى حديثة هي الآن اللغة السائدة في إعلام الدول العربية. ولكن من أجل معالجة وسائل التعامل مع اللهجات واللكنات، سوف يكون القياس على اللغة الإنجليزية التي تعد الآن اللغة العالمية في التعامل.
هناك بالطبع كثير من اللهجات الإنجليزية التي تستخدم في أميركا وبريطانيا وأستراليا ودول أخرى، ولكن معاناة البعض تأتي من اللهجات الفرعية داخل كل دولة على حدة. وفي بريطانيا، ينظر البعض إلى لهجة أهل شرق لندن، التي تسمى «كوكني»، على أنها لهجة شعبية يستخدمها غير المتعلمين، وتشير إلى طبقة عاملة فقيرة. وعلى النقيض، هناك لهجات راقية تستخدم فيها «لغة الملكة»، وتشير إلى الطبقات العليا الثرية، وهذه أيضاً لها سلبياتها في التعامل مع الجماهير، حيث ينظر إليها البعض على أنها لغة متعالية، ولا تعبر عن نبض الشارع. وفي كلا الحالتين، يلجأ أصحاب هذه اللهجات إلى معالجة الموقف عن طريق إعادة تعلم النطق الصحيح، وتخفيف حدة اللهجة الدارجة لديهم.
الأجانب أيضاً يعانون من اللكنة غير المحلية التي تعلموا بها اللغة الإنجليزية، ويمكن التعرف فوراً على اللكنات الهندية والأفريقية والعربية عند نطق اللغة الإنجليزية. ويحتاج الأجانب إلى جهد أكبر من أجل التخلص من اللكنة الأجنبية، والاقتراب أكثر من النطق المحايد للغة، كما يسمعونها من أهلها.
وفي كل هذه الحالات، يكون الحل هو اللجوء إلى المعاهد الخاصة أو خبراء اللغة لتلقي دروس خاصة في تحسين النطق، وهو أسلوب تعلم يطلق عليه (Elocution) «إلوكيوشن»، وله أستاذته المتخصصون. ويمكن تلقي الدروس في مجموعات ضمن دورات تستمر من يوم واحد في حصة تستمر عدة ساعات إلى دورات تجري على 3 أشهر على نحو أسبوعي. كما يوفر بعض الأساتذة دورات شخصية مفصلة وفق حاجات الطالب أو الطالبة، تعالج الجوانب التي يريد الطالب تحسينها.
ومن نماذج الأساتذة الخصوصيين ماثيو بيكوك، الذي يقوم بتدريب نحو 20 طالباً أسبوعياً في لندن على تحسين نطقهم، حيث يتعامل مع حالة طبيب في مستشفى لندني يعاني من لهجته الكوكني، ويريد التخلص منها حتى يكتسب مصداقية أكبر في عمله كطبيب. ويقول الطبيب إنه يكره الفرضيات حول لهجته من المرضى والمجتمع الذي يتعامل معه.
ويقول بيكوك إن الطلب على دروس تحسين اللهجات في ارتفاع دائم في السنوات الأخيرة. كما زاد الطلب على الدروس بنسبة الربع في بريطانيا بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في العام الماضي. وكان معظم الطلب من الأوروبيين المقيمين في بريطانيا الذين يريدون التخلص من لكنتهم الأوروبية حتى يمكنهم الاختلاط بسهولة في بريطانيا، وتجنب التفرقة ضدهم من الشعب البريطاني.
ويقدم أحد فروع الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن دروساً شخصية في الإلقاء وتحسين اللهجة. ويقول كيفن تشابمان، مدير فرع الأعمال في الأكاديمية، إن الإقبال في العام الأخير على هذه الدروس زاد من 3 إلى 4 أضعاف. ويتلقى الطلبة دروساً فردية للتخلص من لهجات قروية، ولكن مع تقدم الدروس، يكتشف المدرس أن الطالب يحتاج أيضاً إلى معالجة أمور أخرى غير اللهجة، مثل الاضطراب والضغوط النفسية عند الحديث مع الإعلام وكيفية الإلقاء الصحيح.
وتجرى بعض هذه الدروس عن بعد، عن طريق برامج فيديو مثل «سكايب» يمكن للطالب أن يستمع إلى إلقائه عبر الفيديو من أجل تحسين لهجته. وترتبط دروس تحسين اللهجات في معظم الأحوال بتحسين أساليب التواصل والإلقاء عبر الوسائل الإلكترونية، وهي مقدرة يحتاجها أصحاب الأعمال في توصيل أفكارهم بوضوح وبساطة إلى زبائن الشركة والموردين الذين يتعاملون معهم، خصوصاً أن التعامل في عالم الأعمال الحديث يكون في مناخ دولي من جميع أنحاء العالم.
وبخلاف أصحاب الأعمال، يقبل على دروس تحسين اللهجة والحديث العام شرائح مجتمعية أخرى، مثل المدرسين والمحامين. وتقول فيليستي غودمان، مدربة الصوت التي تعمل في مدينة مانشستر، إنها فوجئت بأن بعض طلبتها اعترفوا بأنهم فشلوا في مقابلات عمل بسبب اللهجة، وهي تعتقد أن أصحاب الأعمال قد يقصدون القدرة اللغوية أو كيفية النطق، بدلاً من اللهجة، عند رفض المتقدمين لوظائف معينة.
ومن شركة متخصصة في تدريب الموظفين الذين يعملون في مجال السلع والخدمات الفاخرة، اسمها «لندن لكشري أكاديمي»، يقول مديرها العام بول راسيل، المتخصص في علم النفس، إن التفرقة ضد بعض اللهجات موجودة فعلاً. وهو يقوم بتدريب موظفي الشركات على التعامل بلهجات واضحة مع كبار الزبائن الأجانب. ويقول إن العامة تحكم على الأشخاص من لهجتهم رغماً عنهم، خصوصاً في بعض المجالات، حيث لا يمكن أن ينجح أي شخص بلهجة قوية في التواصل مع المجتمع المخملي في أي مكان.
ولمن يريد تحسين لهجته أو لغته بوجه عام، مع جوانب كيفية لفظ الكلمات والإلقاء العام، عليه بدورات تدريبية متخصصة، أو بدروس خصوصية من مدرب خاص. وتتراوح التكاليف بين 30 و40 جنيهاً إسترلينياً (40 و52 دولاراً) في الساعة الواحدة. ويحتاج الطالب في المتوسط إلى دورة من 10 دروس.
ولا يلجأ مدرسي النطق الصحيح للغات إلى الإعلان عن أنفسهم لأنهم يكتفون بمواقع على الإنترنت والسمعة بين طلبتهم من أجل الحصول على ما يكفيهم من دفعات الطلبة الجدد الراغبين في التعلم. ويقول روبن وودريدج، من مدرسة برمنغهام، إن تكاليف التعلم اللغوي الصحيح تعادل تكاليف تعلم الموسيقى، وهو يقوم بتعليم ما بين 40 و50 طالباً شهرياً.
ويضيف وودريدج أن سبب الإقبال على دروسه من رجال الأعمال والأكاديميين هو رغبتهم في تجنب الافتراضات المرتبطة بلهجتهم. فعلى رغم جهود التجانس والتعايش الاجتماعي، فإن التفرقة ضد اللهجات ما زالت منتشرة على نطاق واسع في مجتمع مثل المجتمع البريطاني.
وعلى الرغم من أن أكاديمية لندن للموسيقى والفنون الدرامية تقول في شروط اختباراتها إن اللهجات الإقليمية مقبولة، فإن وودريدج يؤكد أن معظم طلبة مدرسة برمنغهام للنطق الصحيح يأتون من مدارس خاصة، ولا يريد ذووهم أن تكون لهجة برمنغهام ذات تأثير سلبي على مستقبلهم.
ويقول أساتذة تعليم النطق اللغوي إن الفرد يحتاج إلى كثير من الشجاعة من أجل الاعتراف بأن لهجته تقف عقبة في سبيل نجاحه، ولذلك يلجأ إلى تغيير هذه اللهجة. ويشير بعض الأساتذة إلى حساسية التعامل مع مسألة اللهجات، والحاجة إلى الخبرة في التعامل مع كيفية تغييرها، ويعتقد أنه في بريطانيا، على الأقل، ما بقيت التفرقة ضد اللهجات، واستمر النظام الطبقي في البلاد، فإن الإقبال على خدمات تحسين اللهجات سوف يستمر في الزيادة لسنوات طويلة.
- كيف تتخلص من لكنتك الأجنبية في لندن؟
> هناك كثير من المعاهد والجامعات والكليات والمدارس الخاصة، بالإضافة إلى المعلمين الذين يمكن اللجوء إليهم في دورات تدريبية، في لندن لتحسين النطق باللغة الإنجليزية، أو التخلص من اللكنة الأجنبية. والنموذج التالي هو لمدرسة خاصة في لندن، اسمها «لندن سبيتش وركشوب»، تقدم دورات خاصة في تعليم النطق الصحيح، وتساعد الطلبة على التخلص من اللكنة الأجنبية في الحديث.
وتقول نشرة المدرسة إنه من المهم الشعور بالثقة عند الحديث، وإن الدورة التدريبية سوف تساهم في وضوح الكلمات، وتخفف من اللكنات، وتلغي الحديث المبهم. وترى المدرسة أن هناك كثيراً من العوامل، بالإضافة إلى اللهجة أو اللكنة الأجنبية، تمنع وضوح الحديث باللغة الإنجليزية، وهي تعالج كل الجوانب ولا تكتفي بجانب واحد.
وتقدم المدرسة فرصة الاستفادة من درس نموذجي واحد أولاً، قبل أن يلتزم الطالب بالدورة التدريبية التي تمتد إلى 10 حصص على 3 أشهر. كما يمكن للطالب اختيار حل وسط بدورة سريعة تمتد لـ5 حصص فقط. وتصل تكلفة الدورة المكونة من 10 حصص إلى 1295 جنيهاً (1685 دولاراً)، ويحصل الطالب بالإضافة إلى الحصص على دليل مكتوب في مائة صفحة للتدريب اللغوي، وخطة عمل مخصصة له، بالإضافة إلى واجبات دراسية أسبوعية. وللمدرسة فرعان في لندن: أحدهما في حي مايفير، والآخر في جي السيتي، شرق لندن بالقرب من بنك إنجلترا.