هدوء حذر في اليوم الأول للهدنة في سوريا.. وخروق محدودة في بعض المناطق

المعارضة تصفه بـ«المقبول» وتؤكد التزامها بوقف إطلاق النار

سوريون يتجولون في أحد شوارع دمشق خلال اليوم الأول للهدنة (أ.ف.ب)
سوريون يتجولون في أحد شوارع دمشق خلال اليوم الأول للهدنة (أ.ف.ب)
TT

هدوء حذر في اليوم الأول للهدنة في سوريا.. وخروق محدودة في بعض المناطق

سوريون يتجولون في أحد شوارع دمشق خلال اليوم الأول للهدنة (أ.ف.ب)
سوريون يتجولون في أحد شوارع دمشق خلال اليوم الأول للهدنة (أ.ف.ب)

ساد الهدوء الحذر طوال يوم أمس في معظم المناطق السورية المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار الذي انطلق رسميا منتصف الليل، وذلك في هدنة واسعة هي الأولى من نوعها منذ بدء الأزمة قبل خمس سنوات. وخلال الساعات الأولى لانطلاقها سجّلت خروق في بعض المناطق، تبادل كل من المعارضة والنظام اللذين أعلنا الالتزام بها الاتهامات بشأنها. وقد أعلن «الائتلاف الوطني» السوري عن خرق النظام لوقف إطلاق النار بقصف قواته 15 منطقة بالرشاشات الثقيلة والمدفعية والبراميل المتفجرة، فيما أشارت وكالة «سانا» التابعة للنظام إلى سقوط قذائف من مواقع المعارضة على مدينة دمشق.
عضو «الهيئة العليا للمفاوضات» فؤاد عليكو وصف اليوم الأول للهدنة بـ«المقبول»، مشيرا إلى وقف القصف والعمليات العسكرية في معظم المناطق باستثناء بعض الخروق التي قام بها النظام. وأشار عليكو في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المعارضة «تلمس هذه المرة جدية في حلّ الأزمة السورية»، إلا أنه أبدى تخوفه في الوقت عينه من أن يعمد النظام إلى استغلال وجود «داعش» و«النصرة» في بعض المناطق التابعة للمعارضة لافتعال اشتباكات. وأضاف «هناك ضغوط أوروبية تمارس على أميركا وروسيا لحل الأزمة بعدما وصل الخطر إلى بلدان أوروبية من خلال التفجيرات، إضافة إلى زيادة عدد اللاجئين الذين بلغ عددهم في عام 2015 نحو مليون لاجئ، وهو ما قد يؤدي إلى نجاح الحل السياسي».
من جهته، أكد أمين سر الهيئة السياسية في «الائتلاف الوطني» أنس العبدة أن «الجيش السوري الحر» وفصائل الثورة لا تزال ملتزمة بالهدنة، مشيرا إلى أن «نشاط الجيش الحر بالأصل لم يكن إلا للدفاع عن المدنيين وحماية مناطق الثوار». واعتبر العبدة أن الخروق الموثقة خلال الساعات الأولى تتعمد إجهاض الهدنة، وإحباط أي مدخل للحل السياسي، مضيفا: «لا يمكن ترك نظام الأسد ليقوّض المساعي الدولية وقرار مجلس الأمن 2254 بعد كل الجهود، ومن واجب رعاة الاتفاق أن يتدخلوا لفرض الهدنة، وإجبار النظام على تنفيذ القرارات الدولية بكل تفاصيلها».
في هذه الأثناء، أعلن الجيش الروسي وقف حركة طيرانه بشكل تام ليوم واحد السبت فوق الأراضي السورية دعما لاتفاق الهدنة، بينما واصل التحالف الدولي بقيادة واشنطن شنّ غارات ضد مواقع «داعش» في محافظة الرقة (شمال وسط سوريا). وسجلت اشتباكات في مناطق عدة غير مشمولة بالاتفاق لوجود التنظيم المتطرف و«جبهة النصرة» فيها.
وتقضي الخطة الأميركية - الروسية التي قبلتها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السياسية والعسكرية بأن يتوقف القتال حتى يتسنى وصول المساعدات للمدنيين وبدء المحادثات لإنهاء الحرب. والهدنة تتويج لمساع دبلوماسية جديدة سلطت الضوء على ساحة القتال التي تغيرت بشدة بعد أن انضمت روسيا للحرب في سبتمبر (أيلول) بضربات جوية تهدف إلى مساعدة رئيس النظام بشار الأسد.
لكن ثمة الكثير من الثغرات في الاتفاق الذي لم توقعه الأطراف السورية المتحاربة بشكل مباشر، كما أنه أقل إلزاما من اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار. وهو أيضا لا يشمل «داعش» و«جبهة النصرة». وفي هذا الاتجاه، قال ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة لسوريا «فلنبتهل لنجاحها لأن هذه بصراحة أفضل فرصة يمكن أن نتخيل حصول الشعب السوري عليها خلال السنوات الخمس الأخيرة كي يرى شيئا أفضل، ونأمل أن يكون شيئا له صلة بالسلام». وتوقع دي ميستورا انتهاكات للاتفاق من حين لآخر، لكنه دعا الأطراف لضبط النفس وتفادي التصعيد. ويوم أمس اجتمع في جنيف فريق العمل الخاص بوقف إطلاق النار الذي شكلته الدول الـ17 في المجموعة الدولية لدعم سوريا لتقويم مدى الالتزام الاتفاق، بحسب ما ذكر دي ميستورا.
على صعيد آخر، مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ عند منتصف الليل بالتوقيت المحلي «عمّ الهدوء غالبية الأراضي السورية» التي تنتشر فيها قوات النظام وفصائل المعارضة، بحسب «مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن. وأشارت «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف.ب) إلى هدوء لم تشهده مناطق قريبة من أطراف العاصمة، منذ وقت طويل، وإلى غياب سحب الدخان التي كانت تتصاعد عادة من جوبر والغوطة الشرقية في ريف دمشق. وحقا، في دمشق، قال عمار الراعي (22 سنة) وهو طالب جامعي في كلية الطب «تفاجأت بالهدوء الذي حصل منذ ليل أمس وحتى الآن»، مضيفا «أحد أصدقائي في ألمانيا أرسل لي رسالة في الصباح يسألني فيها مازحا: هل انتهت الحرب، ومتى تنصحني بالعودة؟». وتابع «ربما هي المرة الأولى التي نستيقظ فيها من دون أصوات قصف أو مدفعية، دمشق أجمل من دون حرب».
كذلك في مدينة حلب التي شهدت معارك شبه يومية بين النظام والفصائل المعارضة منذ صيف 2012، ساد المدينة الهدوء الكامل. وقال أبو نديم (40 سنة)، وهو عامل مطبعة يسكن في حي بستان القصر، بشرق حلب الواقع تحت سيطرة الفصائل المعارضة: «أتمنى أن تنجح الهدنة وأن يستمر وقف إطلاق النار وأن يلتزم النظام بعدم القصف بسلاح الجو والمدفعية (...) لعلنا نستعيد جزءا بسيطا من حياتنا قبل الحرب».
وبحكم استثناء تنظيم داعش وجبهة النصرة من اتفاق الهدنة، فإن المناطق المعنية بالاتفاق، بحسب مصدر سوري رسمي و«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، تقتصر على الجزء الأكبر من محافظة ريف دمشق، ومحافظة درعا جنوبا، وريف محافظة حمص الشمالي (وسط البلاد) وريف محافظة حماه الشمالي (الشمال الغربي)، ومدينة حلب وبعض مناطق ريفها الغربي (الشمال). وحسب الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش فإنه توقع أن ينجح تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية على الأرجح في عشرة في المائة فقط من الأراضي السورية.
وبعدما صرح مسؤول كبير في القيادة العامة للقوات المسلحة الروسية هو الجنرال سيرغي رودسكوي بأن «الطيران الروسي لن يقوم بطلعات فوق سوريا يوم 27 فبراير (شباط)»، وذلك لتفادي «أي أخطاء ممكنة» في الأهداف ودعما لاتفاق الهدنة، قال رودسكوي إن سلاح الجو الروسي أوقف بعد بدء سريان الهدنة «بالكامل عمليات القصف في المنطقة الخضراء، أي في القطاعات التي توجد فيها مجموعات مسلحة تقدمت بطلبات لوقف إطلاق النار». وكان «المرصد» قد أشار في وقت سابق إلى أن الطيران الروسي لم يقم منذ منتصف الليل بأي طلعة في الأجواء السورية.
ومن جانبه، ذكر فارس البيوش قائد جماعة «فرسان الحق» التي تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر، أن قصف النظام توقف في بعض المناطق لكنه مستمر في مناطق أخرى. ووصف الأمر بأنه انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار. وتابع في حديث لـ«رويترز» بقوله: «هناك مناطق توقف القصف فيها لكن هناك مناطق أخرى حصلت فيها خروق من قبل النظام كمنطقة كفرزيتا في حماه عن طريق استهدافها بالمدفعية، وكذلك مورك في الريف الشمالي لحماه. نحن نترقب الوضع وملتزمون بالهدنة من قبل تشكيلات الجيش الحر». ولفت إلى أن استمرار الخروق قد يؤدي إلى انهيار الاتفاقية». في هذه الأثناء، قالت جماعة «جيش الإسلام» إن قوات النظام أسقطت برميلين متفجرين وفتحت النار على مواقعها اليوم ضمن انتهاكات عديدة لاتفاق وقف الأعمال القتالية في منطقة الغوطة الشرقية القريبة من دمشق.
وفي تقرير أعدّه المكتب الإعلامي في «الائتلاف الوطني»، حدّد خروقا في الساعات الأولى لوقف إطلاق النار في بعض المناطق من قبل النظام. وأشار إلى أنّه وبعد أقل من ساعة من دخول الهدنة حيز التنفيذ قصفت قوات النظام مدينة تلبيسة بمحافظة حمص والتفاحية بمحافظة اللاذقية ومدينة داريا بضواحي دمشق واللطامنة بمحافظة حماه واليادودة بمحافظة درعا وحي بني زيد بمدينة حلب.
في حي التضامن بجنوب العاصمة دمشق، قصفت أبنية سكنية في شارع دعبول بالحي برشاشات الـ14.5. وفي ريف دمشق قُصفت بلدتا نولة وحرستا القنطرة براجمات الصواريخ من مواقعها في القرية الشامية. وعلى أوتوستراد دمشق - حمص، قرب مدينة دوما، مشّطت قوات النظام الأوتوستراد بالأسلحة المتوسطة، وأيضا في دوما مشطت وقصفت القوات بالقنابل برج الشيشان. وقصفت بلدة اليادودة بدرعا بالرشاشات الثقيلة من عيار 23. وفي أقصى الشمال السوري، قصفت أيضا مدينة أعزاز بريف محافظة حلب الشمالي من قبل قوات النظام و«جيش الثوار» المنضوي تحت لواء ميليشيا «مجلس سوريا الديمقراطي» بالرشاشات الثقيلة، وكذلك تعرضت مواقع الثوار بجبل عندان لقصف مماثل. وبالنسبة لحي بني زيد بمدينة حلب فإنه تم قصفه بقذيفتي هاون. بينما قصفت مدينة تلبيسة بريف حمص بمدفعية مصدرها قرية النجمة الشيعية واستهدفت الأحياء السكنية في المدينة. وطال قصف قوات نظام مدينتي اللطامنة وكفرزيتا في ريف حماه الشمالي، الخاضعتين لكتائب الثوار.
وفي جبل التفاحية في ريف اللاذقية، ورغم سريان الهدنة، بقي القصف ليلا من قبل قوات النظام وحلفائه على الجبل، والمناطق المحررة بريف اللاذقية.
في المقابل، نقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر عسكري زعمه أن المعارضة أطلقت عدة قذائف صاروخية على أحياء سكنية في مدينة دمشق مصدرها جوبر ودوما. وذكر مصدر أمني سوري لوكالة الصحافة الفرنسية أن «نحو عشر قذائف سقطت في منطقة العباسيين الممتدة من ملعب العباسيين الواقع على ساحة العباسيين إلى حي الزبلطاني».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.