من التاريخ: مسيرة الاقتصاد الدولي والحرب العالمية الثانية

هربرت هوفر
هربرت هوفر
TT

من التاريخ: مسيرة الاقتصاد الدولي والحرب العالمية الثانية

هربرت هوفر
هربرت هوفر

عبرت مسيرة النظام الاقتصادي الدولي الكثير من المراحل من خلال الثورة التجارية وما ولدته من فائض رأسمالي لم تشهده أوروبا من قبل إلى تطبيق النظرية «الميركانتيلية» خلال القرنين السابع والثامن عشر. وهذا ما دفع نحو تقوية الدولة المركزية من خلال تكديس رأس المال وحماية الصناعات المحلية من المنافسة بتحجيم الواردات وقصر التجارة مع المستعمرات على الدولة المُستعمرة. ولقد نجح هذا النظام الذي طبقته الدول بتشدد كبير في خلق بيئة اقتصادية دولية معتمدة على الفردية الاقتصادية وغير مؤمنة بفكرة الاعتماد المتبادل أو حرية التجارة، ناهيك من حرية حركة رأس المال والتي كانت مقصورة على الدولة. كل هذه كانت مفاهيم جديدة، من حيث التطبيق ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ولقد منح هذا النظام الميزة للدول الأوروبية القوية لتزداد ثراءً على حساب الآخرين وعلى رأسهم المستعمرات.
بيد أن هذا النظام ما لبث أن بدأ يتعرض لمشكلات كثيرة - كما رأينا على مدار الأسابيع الماضية - فغدا مصدرًا لكثير من المشكلات على الرغم من التطور المذهل الناتج عن الثورتين الصناعيتين في أوروبا، وهو ما وضع الدول الأوروبية ومستعمراتها في حالات احتكاك اقتصادي وسياسي مستمر، وصل إلى حد الصراعات والحروب. ولعل خير مثال على ذلك كانت «حرب جنكينز إير Jenkin›s Ear War» - أو «أذن جنكينز» - التي اندلعت بين بريطانيا وإسبانيا بذريعة قطع أُذن عريف بريطاني في إحدى المستعمرات الإسبانية، وهكذا أسهمت الاحتكاكات التجارية بين المستعمرات في إشعال الحروب.
ومع ذلك، استمر النظام الاقتصادي على وتيرته من المنافسة وتطبيق السياسيات التي حذر منها المفكّر آدم سميث، التي تعرف في علم الاقتصاد بأطروحة «على حساب جارك» Beggar thy neighbor أي أن كل دولة تؤسس لصناعاتها وتقوي اقتصاداتها على حساب جيرانها من الدول الأخرى من خلال كثير من الممارسات على رأسها تحجيم التجارة البينية من خلال الجمارك الباهظة أو التعريفات أو الحصص التجارية. وسرعان ما دخل العالم في مرحلة متقدمة لهذه الفرضية من خلال ما عرف بـ«القومية الاقتصادية» Economic Nationalism أي بزيادة تطبيقات الدول للممارسات الحادة من التجارة ولمنع خروج رأس المال من الدولة، حفاظًا على الثروة القومية وحماية للعملة المحلية من التأثر بالعجز في ميزان المدفوعات لديها.
هذه السياسات ظلت قابلة للتحمّل حتى نهاية القرن التاسع عشر على الرغم من المشكلات والأزمات، ولكن مع بداية القرن العشرين بدأ النظام الاقتصادي يعاني بشدة من التوترات الاقتصادية التي أدت أو كانت نتيجة للحرب العالمية الأولى، وهو ما دفع بدوره إلى بداية دخول العالم في مرحلة الكساد العالمي عقب الحرب خاصة في أوروبا. ذلك أن هذه القارة بدأت تعاني بشدة من نتائج الحرب المدمرة على اقتصاداتها، وبخاصة، ألمانيا التي تعرّضت لصلح مُهين في فرساي، الضاحية الباريسية، مما أدى إلى تكبيلها وحلفائها بتعويضات ما كانت لتستطيع الخروج منها، ناهيك من الآثار المدمرة للحرب على اقتصادات وموازنات الدول التي خاضتها أو تأثرت بها.
عند هذا الحد انتشرت الأمراض الاقتصادية الشائعة في هذه الفترة، وعلى رأسها البطالة والفقر والتضخّم، ولا سيما، في الدول التي هُزمت في الحرب. وهو ما أدى إلى بداية ظهور الفوضى في النظام الاقتصادي الدولي، الذي بدأ يدخل في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي في حالة ركود أصبح معروفًا فيما بعد بـ«الركود الكبير».
كان من الأسباب الرئيسة وراء «الركود الكبير» الهبوط الحاد في أسعار المنتجات الصناعية والغذائية على حد سواء بسبب زيادة المعروض نتيجة التطور التقني الكبير الذي شهده العالم، خاصة في الولايات المتحدة، فبات الفائض في السلع الزراعية المعروضة يفوق الطلب. والشيء نفسه انطبق على كثير من الصناعات بعدما هبطت أسعار التكلفة جراء التطور التكنولوجي، وهو ما جعل الولايات المتحدة في ذلك الوقت تسعى للسيطرة على ضغوط انخفاض الأسعار Deflation أي عكس التضخم.
ومن ثم، أخذت الأحوال تضطرب دوليًا، فبدأ «الركود الكبير» بإفلاس بعض البنوك الأوروبية وكانت البداية مع بنك النمسا، وهو ما صاحبه انهيار كامل في البورصة الألمانية وانتشار حالات الإفلاس في أوروبا، إلى أن وصل الكساد بريطانيا ذاتها فكان يكلفها ما يقرب من تسعين مليون إسترليني في اليوم الواحد. وهو ما أدى إلى إعلانها التوقف عن تحويل الإسترليني إلى ذهب في الوقت الذي كانت فيه هذه العملة هي معيار التقييم والتداول الدولي، مع العلم أن المخزون الدولي من الذهب كان متمركزًا في الولايات المتحدة التي كانت أكثر الاقتصادات استقرارًا وعمقًا وحجمًا - وبدرجة أقل فرنسا - وهو ما أدى إلى مشكلات تجارية إضافية بدأ العالم كله يعاني منها.
عندها لجأت الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى التوسّع في تطبيق سياسات «القومية الاقتصادية» المتمثلة بزيادة الجمارك وإعاقة التجارة الخارجية والحفاظ على النقد المحلي والأجنبي المتوافر لديها في محاولة للحد من آثار «الركود الكبير». وسعيًا لتخفيف حدة الكساد اقترح الرئيس الأميركي هربرت هوفر (حكم بين 1929 - 1933) تطبيق الدول حظرًا طوعيًا على تلقي أقساط الديون من الدول المهزومة في الحرب، إلا أن فرنسا التي كانت تعتقد أن الديون كفيلة بإبقاء ألمانيا قيد السيطرة رفضت الفكرة من الأساس. وعند هذا الحد أدركت الدول الأوروبية ضرورة العمل الجماعي من أجل معالجة هذه الأزمة بالتعاون فيما بين الدول قبل فوات الأوان. وبناءً عليه دعت عصبة الأمم إلى عقد مؤتمر اقتصادي دولي في لندن عام 1933 بمشاركة 62 دولة لتداول الأمر والسعي لاحتواء الموقف المتدهور دوليًا.
يومذاك كان على جدول الأعمال ثلاثة محاور أساسية هي: مشكلة الديون والتجارة واستقرار أسعار الصرف. ولقد كانت المشكلة الملحّة في حقيقة الأمر تكمن في استقرار أسعار الصرف الدولية، لأن الدول كانت تلجأ إلى ما يسمى بـ«الخفض التنافسي للعملة» Competitive Devaluation بهدف تشجيع التجارة ووقف خروج رأس المال، وهو ما أضر بشكل كبير بالتجارة والتي رؤي أنها أحد المخارج الأساسية من الركود. وكادت الدول أن تصل إلى صيغة مقبولة لوضع نظام دولي يمنع هذه الممارسة، غير أن الركود كان قد ضرب بشدة في الولايات المتحدة - التي صارت أكبر القوى الاقتصادية عالميًا - مما دفع البيت الأبيض لوقف تحمّسه لهذه الآلية بعدما زادت الأصوات المعارضة في الإدارة الأميركية لعدم الانخراط في مشكلات القارة الأوروبية اقتصاديًا، بينما يعاني الاقتصاد الأميركي من انحسار شديد. ومن ثم ارتؤي في ضوء ذلك ضرورة تعامل كل دولة مع مشكلات سعر الصرف لديها في إطارها الوطني والإحجام عن ضخ الأموال في آلية دولية قد تفشل. والمعنى أن الإصلاح الاقتصادي كان الحل، لكن الدول الأوروبية ما كانت قادرة مع «الكساد الكبير» على صياغة هذا الحل.
وهكذا تركت أوروبا نفسها تواجه هذه الكارثة الاقتصادية وهي غير مدركة أنها ستكون أحد الأسباب الأساسية لبداية متغيرات ستؤدي إلى حرب ضروس جديدة على غرار الحرب العالمية الأولى. وما دفع أكثر بهذا الاتجاه بدء ظهور التطرف السياسي بعد استيلاء الفاشيين على الحكم في إيطاليا وكانت الأوضاع الاقتصادية المتردية سببًا رئيسيا وراء هذا الانقلاب الفاشي. وسرعان ما تبعتها ألمانيا بأسلوب ديمقراطي عندما صوّت الشعب لصالح الحزب النازي (القومي الاجتماعي) الذي أوقف دفع ديون ألمانيا وبدأ عمليات التسليح وبناء الدولة الألمانية بكل قوة. وهكذا ساهم تدهور النظام الاقتصادي الدولي في دق طبول الحرب العالمية الثانية، وهو ما دفع دول الحلفاء المنتصرة إلى ضرورة صياغة نظام اقتصادي دولي يستطيع العمل على تلافي كل هذه المشكلات للدفع بالاستقرار السياسي عالميًا بعد الحرب، كما سنرى.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.