مقر مخابرات ألمانيا الشرقية يتحول إلى متحف

بيت الألف عين كان يضم 400 ألف عميل

اليوم أصبح جهاز الشتازي فصلا من الماضي وتحول إلى متحف يزوره الناس من دون خوف ({الشرق الأوسط) - إحدى غرف مبنى المخابرات الألمانية
اليوم أصبح جهاز الشتازي فصلا من الماضي وتحول إلى متحف يزوره الناس من دون خوف ({الشرق الأوسط) - إحدى غرف مبنى المخابرات الألمانية
TT

مقر مخابرات ألمانيا الشرقية يتحول إلى متحف

اليوم أصبح جهاز الشتازي فصلا من الماضي وتحول إلى متحف يزوره الناس من دون خوف ({الشرق الأوسط) - إحدى غرف مبنى المخابرات الألمانية
اليوم أصبح جهاز الشتازي فصلا من الماضي وتحول إلى متحف يزوره الناس من دون خوف ({الشرق الأوسط) - إحدى غرف مبنى المخابرات الألمانية

كان روخيه شتراسه رقم 103 في حي ليشتنبيرغ من الشوارع التي تصيب مواطني ألمانيا الشرقية بالرعب الشديد عند الاقتراب منه. فهناك كان مقر جهاز أمن الدولة أي المخابرات السرية التابعة لحكومة ألمانيا الشرقية الشيوعية وعرف لنحو نصف قرن باسم «شتازي». فمن كان يدخل هذا المبنى المحصن بجدران خرسانية ويبدو من الخارج كالقلعة الرهيبة، يكون مصيره إما السجن في زنزانة رهيبة أو الإرغام على العمل لحساب هذا الجهاز الذي أسسه إريك ميلكه في الثامن من فبراير (شباط) عام 1950 وأداره حتى زوال النظام الشيوعي عام 1989.
هذا المبنى المؤلف من عدة بيوت، الواحد إلى جانب الآخر كان بمثابة مملكة لميلكه لا يدخله سواه وعملاؤه وكان سكان ألمانيا الشرقية يسمونه «بيت الألف عين»، فرجاله كانوا متغلغلين في كل مكان حتى بين أفراد العائلة الواحدة، ولا غرابة أن يكون الزوج عميلا للشتازي وينقل معلومات سرية عن زوجته إذا ما كانت معارضة للنظام الشيوعي. وبنى هذا الجهاز شبكة تجسس داخل المدارس والمصانع والمكاتب والمقاهي والجامعات بهدف ضرب كل معارض للنظام بأشد الوسائل، وظل مسيطرا يراقب كل من يشك به ويعتقل المعارضين ويزج بهم في السجون عقودا طويلة، لذا كان بمثابة آلة رعب وتنكيل لعبت دورا كبير إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرق والغربي، أي بين حلفي وارسو والناتو (حلف الأطلسي) إلا أن دمر تماما بعد إزالة جدار التقسيم وتوحيد ألمانيا عام 1989.
واليوم أصبح جهاز الشتازي فصلا من الماضي وتحول إلى متحف يزوره الناس من دون خوف أو ولع، وبإمكان كل زائر أن يتفحص بكل هدوء مكتب ميلكه وقد يتمكن من وضع تصور عن شخصيته المهزوزة والمرعبة. فغرفته الأنيقة المفروشة بأفضل أنواع المفروشات لا تترك في النفس شعورا مريحا، فهي جرداء واسعة، في نهاية الغرفة مكتب من الخشب الأسود الثقيل يجسم عليه هاتفان باللون الأسود. وكان ميلكه يمضي معظم وقته في مكتبه وظل لعقود طويلة يلقى عبر ستار باهت اللون شفاف تدخله بعض أشعة الشمس نظرة إلى الشارع الذي لا يقل صمته رهبة عن صمت مكتبه. وفي إحدى الزوايا خزنة حديدية ضخمة كان وحده يملك أرقامها السرية وكانت تتضمن أسماء عشرات آلاف العملاء، وهناك حديث عن 400 ألف عميل، إضافة إلى أكثر من عشرة آلاف من الألمان الغربيين حتى توحيد ألمانيا، لذا فلا غرابة أن يجهد الآلاف من اقتحام مبنى هذه الدائرة ومكتب ميلكه في الـ15 من شهر يناير (كانون الثاني) عام 1990 للحصول على ملفه، رغم صعوبة ذلك، كي لا يتعرض للمضايقات والمشكلات من قبل حكومة ألمانيا الغربية. ففي أحد بيوت الدائرة كان أرشيف الرعب الضخم الذي احتوى على ملفات كل من تعامل معه أو كل من صنفه العملاء سواء من الألمان الشرقيين أو الغربيين أو كل من تعامل مع ألمانيا الشرقية يومها وقد لا تكون له علاقة بالجاسوسية. فدائرة الشتازي كانت من ضمن أفضل أجهزة المخابرات في العالم من حيث تنظيمها وعدد العاملين فيها أو جواسيسها أو تنظيم ملفات مواطني الألمانيتين الشرقية والغربية. فخلال هذه السنوات جمعت هذه الدائرة معلومات مهمة حتى عن ميولهم السياسية والرياضية والفنية والثقافية لأهداف معينة، واليوم يحق لكل من يعتقد أن له ملفًا لدى الشتازي التقدم بطلب للحصول عليه. ولقد تقدم بعد الوحدة أكثر من 7 ملايين شخص بطلب للاطلاع على ملفه أو للكشف عمن كان يتجسس عليه، على الرغم من أن أغلب أسماء العملاء مشفرة.
ولقد ترك منظمو المعرض كل غرف جهاز الشتازي كما كانت سابقا، بالأخص جناح ميلكه: غرفة نومه المجاورة لمكتبه وهي بسيطة ليس فيها سرير بل أريكة إلى جانبها جهاز تلفزيون وعدد من المقاعد بنفس لون مقاعد المكتب، وفي الخلف حمام صغير باللونين الأزرق والرمادي مع مغطس للاستحمام. ومن يلقي نظرة على المكان الذي قضى فيه رجل رهيب معظم سنوات حياته يشعر بالفعل بالضيق، فهو جامد يولد الشعور بأنه مرتبط باللاإنسانية. ولقد فشلت كل محاولات ميلكه لإدخال بعض الحياة إلى محيط مبنى الوزارة البالغ نحو 20 هكتارا ببناء مركز تجاري أو حتى وزارة أخرى، لكن انعكاس داخليته إلى الخارج كان قويا جدا إلى درجة أن المرء يشتم إلى اليوم أيضًا رائحة التعذيب والتنكيل.
ولا تقتصر معروضات مبنى الشتازي على الغرف، بل أيضًا أجهزة كان يستخدمها العملاء للتجسس، من بينها الآلات تصوير بأشكال مختلفة. فوراء لوح زجاج وضعت كاميرا بنتاغون وكانت من أحدث وسائل التنصت، فهي لا تصدر أي صوت عند التقاطها الصور وتم تثبيتها في أماكن خفية في الشوارع المكتظة أو مكاتب البريد والمتاجر والنوادي الرياضية والاجتماعية، واليوم تستخدم كل بلدان الغرب مثل هذا النظام. وفي علبة زجاجية سترة ثبت في ثقب الجيبة الصغيرة فيها ميني كاميرا خرج منها شريط إلى الجيب السفلي يسهل على لابس السترة الضغط بيده على زر دون ملاحظة أحد والتقاط الصور المطلوبة. ولقد تفنن خبراء صناعة أجهزة التجسس فسخروا حتى ربطات العنق لخدمتهم، فهناك ربطة عنق أنيقة وضعت في بطانتها ميني كاميرا ويمكن بحركة بسيطة التقاط الصور. وإلى جانب المئات من نماذج الكاميرات الخفية راعت الشتازي الأناقة النسائية. ففي شنطة يد مزينة بالتطريز وضع جهاز تنصت صغير يمكن عبر فتحة ضيقة التقاط محادثات على بعد مئات الأمتار.
ومن أجل مراقبة المواطنين أيضًا في حياتهم العادية مثلا في أوقات ممارستهم لهواياتهم مثلا الاعتناء بالحدائق والأزهار صنعت الشتازي وعاء للري مجهز بكاميرا أو لاقط يضعه العميل أمام باب حديقة جاره لسماع ما يدور من أحاديث. ومن الأجهزة الغريبة جذع شجرة تم تجويفه وزرع كاميرا فيه تعمل على الحركة إذا ما مر أحد من أمامها، كما جهزت السيارات العادية الخاصة بكاميرات أو أجهزة تنصب بزرعها داخل أبواب السيارة، ولم تسلم أجهزة التليفون حيث زرع العملاء ميكروفونات وأجهزة إرسال منفصل في جهاز التليفون ينقل بسرعة فائقة المكالمات. وفي المنازل تنصت الشتازي عبر زرعه أجهزة التنصت عالية التردد في ورق الجدران وداخل أنابيب رفيعة جدا.
ولا يقتصر المعرض على عرض مقتنيات الشتازي، ففي كل أسبوع تقام أنشطة مختلفة، حيث تعرض أفلام لها أهمية تاريخية، والهدف منها ليس فقط نقل صورة واضحة للجيل الذي لم يعايش ظلم نظام الديكتاتورية في ألمانيا الشرقية وبطش جهازها التجسسي، بل كي يرسم صورة متكاملة عن ألمانيا ما قبل وبعد الوحدة، فهذا جزء مهم من تاريخ ألمانيا حسب قول المشرفين على المعرض. أيضًا أفلام وثائقية عن تصنيف جهاز الشتازي الناس، فإما ضد النظام الشيوعي أو معه وأخرى تصور يوم اقتحم الآلاف مبنى الشتازي من أجل الوصول إلى الأرشيف الذي يعتبر اليوم حتى بالنسبة للمخابرات الغربية من الأهمية بمكان، وأفلام تتناول نقاشات تتعلق بكيفية التعامل مع هذا الأرشيف بعد زوال ألمانيا الشرقية.
كما تقام حلقات نقاش منها حلقة أقيمت قبل فترة نقاش فيها مختصون وزوار خفايا الحرب السرية بين المخابرات السرية الألمانية الغربية والألمانية الشرقية وأي الوسائل كان يلجأ إليها الطرفان عندما كانت الحرب الباردة في قمتها. وتعطى الفرصة لمن دخلوا سجون الشتازي كي يتحدثوا عن معاناتهم عبر حوار مع الجمهور، وعقدت حلقة كانت تتعلق بمصير ملفات الشتازي بعد مرور 25 عاما ونيف على سقوط النظام والجدار، فمنذ عام 1992 ويرفع أكثر من 5 آلاف شخص شهريا وحتى اليوم بطلب للحصول على ملفه أو باحث أو إعلامي بهدف البحث في تاريخ الشتازي وألمانيا الشرقية، لكن وباعتراف الهيئة المشرفة على ملفات الشتازي، فإن أمر تنظيم الطلبات يتطلب سنوات، فهناك الملايين من الملفات إذا ما وضع الملف إلى جانب الآخر، فإنه يشكل خطا يتعدى طوله المائة كلم. ومن الملفات المهمة التي تمكنت ألمانيا عام 2003 وبعد سنوات طويلة من المفاوضات من استرجاعه من دائرة الـ«سي آي إي الأميركية» ملف أطلق عليه اسم «خشب الورد» وهو 381 قرصا مدمجا فيه ما يقارب من الـ350 ألف معلومة تتضمن أفلاما وأسماء عملاء ألمانيا الشرقية في الخارج، وتردد أن الرئيس جورج بوش أوعز إلى رئيس الـ«سي آي إي» لشرائه من ضابط ارتباط روسي بنحو 73 ألف دولار.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».