من «فيسبوك» إلى القناني الفارغةاحتجاجات الشارع تتسع ضد الطبقة السياسية

بعض خطب الجمعة تحوّلت إلى دعوة للتقشف قابلتها عاصفة من الاستهجان

من «فيسبوك» إلى القناني الفارغةاحتجاجات الشارع تتسع ضد الطبقة السياسية
TT

من «فيسبوك» إلى القناني الفارغةاحتجاجات الشارع تتسع ضد الطبقة السياسية

من «فيسبوك» إلى القناني الفارغةاحتجاجات الشارع تتسع ضد الطبقة السياسية

عند بوابة المنطقة الخضراء، حيث كنت أحضر مؤتمرًا للمصالحة المجتمعية التي يتبناها البرلمان العراقي، أوقفت سيارة أجرة لم يتوانَ سائقها عن سؤالي حين دخلنا النفق المحاذي لفندق الرشيد.. هل تمكن «الجماعة»، ويقصد بهم حكام العراق الجدد، من تعبيد شارع كهذا «بلطه» مثلما قالها باللهجة العراقية الدارجة (رئيس النظام السابق) صدام حسين؟
احتجاج سائق التاكسي ضدي كان له ما يبرره من وجهة نظره طالما أنني كنت داخل المنطقة الخضراء مما أوحى له منظري أنني ربما أحد ساكنيها أو العاملين فيها، وكان ينتظر ردة فعلي لكي يكمل هجومه عليّ. سارعت إلى نفي انتمائي إلى هذه المنطقة التي تضم مكاتب الحكومة وكبار مسؤولي الدولة والأحزاب والقوى المتنفذة والمحمية بالحواجز والكتل الخرسانية والأسيجة الكهربائية وأنني صحافي أنتمي إلى منطقة الشعب الحمراء، حيث انعدام الخدمات بالإضافة إلى المفخخات والعبوات الناسفة.
سائق التاكسي هذا نموذج للبقال والقصاب والحلاق ممن باتت صيغ تعبيرهم عن فساد الطبقة السياسية تتخذ صيغًا وأشكالاً شتى يعبر عنها في الأقل أسبوعيًا من خلال مظاهرات احتجاج مستمرة منذ نحو ثمانية شهور بدأت تثمر الآن إحالة عدد من كبار الوزراء والمسؤولين إلى هيئة النزاهة والقضاء بتهم مختلفة أقلها الكسب غير المشروع وتضخم أموالهم خلال سنوات قليلة لا تنسجم مع ما يحصلون عليه من رواتب وامتيازات رغم كونها عالية جدًا بالقياس إلى الدخل الذي يحصل عليه المواطن العادي في العراق.
موجة الاحتجاجات التي بدأت عبر المظاهرات ورفع أشهر شعار في عراق ما بعد 2003 وهو القائل «باسم الدين باكونة الحرامية» أخذت تتسع إلى الحد الذي تم فيه رمي وزير التعليم العالي والبحث العلمي حسين الشهرستاني بالحجارة وقناني المياه الفارغة لدى زيارته إحدى الجامعات في محافظة المثنى الجنوبية الشيعية. الشهرستاني الذي تدور الأحاديث عن شموله بالتغيير الوزاري رغم انتمائه أكاديميًا إلى صنف التكنوقرط «يحمل شهادة دكتوراه في الكيمياء الذرية» بسبب ما يؤخذ عليه من وعود بإنهاء أزمة الكهرباء في العراق عام 2013 حين كان رئيسًا للجنة الطاقة الوزارية، بل وتصدير الكهرباء، وهو ما لم يحصل مما جعل العراقيين يبحثون عن تكنوقراط مستقلين لا سياسيين يحملون شهادات عليا، لكنهم ينتمون إلى أحزاب في الغالب إسلامية فشلت في بناء دولة مما جعل عددًا من المسؤولين العراقيين قبل الناس العاديين يقارنون بين الوضع في ظل نظام صدام حسين وبين الوضع الحالي. الأمر نفسه يتمثل في احتجاج من نوع آخر كان «فيسبوك» ميدانه الأبرز هذه المرة ضد رجل الدين والقيادي البارز في المجلس الأعلى الإسلامي جلال الدين الصغير. كان الصغير وخلال خطبة له في جامع براثا الذي يؤم صلاة الجمعة فيه دعا العراقيين إلى ترك تناول «النستلة» بوصفها ليست ضرورية وهو ما يعني أن من يتقاضى منهم راتبًا قدره 100 ألف دينار عراقي شهريًا (نحو 85 دولارًا أميركيًا) فإن بإمكانه مع اتباع سياسة تقشفية منزلية أن يعيش بـ30 ألف دينار (نحو 25 دولارًا أميركيًا) شهريًا، وذلك عبر نصيحة اشتعلت على أثرها مواقع التواصل الاجتماعي، وهي دعوة العراقيين إلى ترك تناول «النستلة» مما ذّكر العراقيين بمقولة ماري أنطوانيت حين سألت عن أسباب احتجاجات الفرنسيين، وحين قيل لها إنهم يبحثون عن الخبز تساءلت.. ولماذا لا يأكلون بسكويتًا؟ أما الصغير وبعكس أنطوانيت فدعا إلى توفير نحو 70 ألف دينار عراقي (60 دولارًا) بعدم تناول «النستلة» في حين أن معدل رواتب الطبقة السياسية العليا حتى بعد الترشيق الحكومي تتعدى الخمسة عشر ألف دولار أميركي.
وحيث إن من يتقاضى 100 ألف دينار هم المشمولون بشبكة الحماية الاجتماعية فإنه حتى الموظفون الذين يتقاضى أقل درجة فيهم نحو 500 ألف دينار شهريًا (400 دولار) لا تكفي حتى لبضعة أيام لمن يسكن دارًا بالإيجار (أقل مشتمل بسيط أو شقة للإيجار لا تقل عن 300 ألف دينار) ما عدا أجور الكهرباء والمولدة وكروت الهاتف وأبسط غذاء يمكن تناوله وهو الطماطم والبطاطا والباذنجان فإنها تكلف أكثر من 200 ألف دينار عراقي لعائلة تتكون من ثلاثة أفراد فقط.
يقول القيادي البارز في مظاهرات الجمعة في العراق جاسم الحلفي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «احتجاجات العراقيين سوف تتواصل لإرغام هذه الطبقة الفاسدة على الاختفاء عن المشهد السياسي لأنها هي سبب كل الكوارث والمآسي التي يعانيها العراقيون اليوم من مختلف الطبقات والتوجهات».
ويضيف الحلفي أن «حركة الاحتجاجات سوف تتواصل حتى لو لم تتخذ صيغة الاعتصامات المفتوحة حتى الآن وقد يؤخذ عليها تراجع العدد، لكن هذا لم يعد هو المعيار لأن حركة الاحتجاجات أصبحت أكثر تنظيما وسعة من ذي قبل، وهو ما بات يعطي نتائجه من خلال الحراك السياسي، سواء على صعيد البحث عن حكومة تكنوقراط بعد فشل حكومات المحاصصة أو من خلال الإحالة إلى القضاء».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.