تمسّك لبنان بـ«النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة خروج عن الإجماع العربي

«حزب الله» أيدّه تكتيكيًا وانقلب عليه مع بداية معركة القصير

وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق التقى أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي أمس في مكتبه بالعاصمة بيروت (دالاتي ونهرا)
وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق التقى أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي أمس في مكتبه بالعاصمة بيروت (دالاتي ونهرا)
TT

تمسّك لبنان بـ«النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة خروج عن الإجماع العربي

وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق التقى أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي أمس في مكتبه بالعاصمة بيروت (دالاتي ونهرا)
وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق التقى أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي أمس في مكتبه بالعاصمة بيروت (دالاتي ونهرا)

في الشكل يلتزم لبنان سياسة النأي بالنفس عن الصراعات والمحاور الإقليمية، لكن في المضمون تشكو قوى «14 آذار» من أن ثمة «فريقًا يصرّ على توريط البلاد في أزمات المنطقة، وجعله ملحقًا فيما يسمّى محور الممانعة من دون إدراك التبعات الخطيرة لهذه الخيارات». وترى مصادر في هذه القوى أن المواقف التي اتخذها وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة، التي أخرجت الدولة اللبنانية عن الإجماع العربي، الذي أدان بشدّة إحراق سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مشهد، ليست إلا صورة واضحة على أن لبنان بات يغرّد خارج السرب العربي.
وإذا كانت ذريعة باسيل بأن موقفه مستند إلى سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة، وتقديم الوحدة الداخلية أولوية التضامن مع العربي، يكون بذلك ضرب مبدأين أساسيين، الأول هزّ الوحدة الداخلية التي رفضت خروج لبنان عن إجماع الدول العربية، والثاني خالف سياسة النأي بالنفس الذي اعتمدته الحكومة في بيانها الوزاري، المقتبس من «إعلان بعبدا» الذي يرعى في بنوده الـ17 آلية النأي بلبنان عمّا يدور في المنطقة.
وبالعودة إلى مبدأ «النأي بالنفس» الذي أرسته طاولة الحوار الوطني، وبات يعرف بـ«إعلان بعبدا» الذي يتخذ منه باسيل سندا لقراره، فإن البند 12 من هذا الإعلان ينص على ما حرفيته: «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية، وذلك حرصًا على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة».
ولم يقتصر الانقلاب على مبدأ النأي بالنفس على باسيل، إذ سبقه إليه «حزب الله» بسنوات، عبر التفرد بقرار الانخراط في الحرب السورية، وضرب بـ«إعلان بعبدا» عرض الحائط بعد أسبوعين على إقراره وتوقيعه عليه. لا سيما البند المتعلّق برفض الانخراط في الحرب السورية والذي يشدد على «ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان أو استعمال لبنان مقرًا أو ممرًا أو منطلقًا لتهريب السلاح والمسلحين».
أمين سرّ حركة التجدد الديمقراطي أنطوان حداد، اعتبر أن «(النأي بالنفس) وضع كمبدأ أساسي عندما بدأت الأزمة السورية تتحول إلى حرب، وكان هدفه عدم التورط في الحرب السورية، وهذا المبدأ أيده مجلس الأمن الدولي، ثم جرى توسيع هذا المفهوم ليشمل كل جوانب الأزمة السورية والثورات العربية في إطار ما عرف بإعلان بعبدا».
وذكّر حداد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «إعلان بعبدا يفترض أن يشكل حجر الزاوية في سياسة لبنان الخارجية والحياد في سوريا، لكنه بالتأكيد ليس محايدًا في الصراع العربي الإسرائيلي، كما أن لبنان يلتزم سياسة التضامن العربي». ورأى أن «بعض المغرضين يحاولون تطبيق النأي بالنفس خارج الإجماع العربي». لافتًا إلى أن «إعلان بعبدا الذي بات جزءًا من البيان الوزاري رفض أن يكون لبنان طرفًا في أي خلاف خارجي». أما الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير، القريب من «حزب الله» فرأى أن «(النأي بالنفس) ليس إلا شعارًا اعتمد في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وكان هدفه إبعاد اللبنانيين عن التدخل في الشأن السوري، وكان يومها (حزب الله) يعتقد بأن النأي بالنفس قد يخفف الضغط عن النظام السوري، بعدما أعلن فريق «14 آذار» تأييده للثورة السورية ودعمه لها، وهذا ما ترجم في إعلان بعبدا».
وأكد قصير لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد تأزم الوضع في سوريا وبعدما أصبح النظام في خطر، لم يعد النأي بالنفس يعني (حزب الله)، والقوى المؤيدة له، فبدأ تدخله العسكري في سوريا من خلال معركة القصير»، لافتًا إلى أن «حزب الله قبل بـ(إعلان بعبدا) تكتيكيًا من أجل الحفاظ على الحوار الوطني، لكن لم يمض أسبوعان أو ثلاثة على حتى بدأت معركة القصير وبدأ التدخل العسكري العلني في سوريا تحت شعار الدفاع عن قرى يقطنها مواطنون لبنانيون، وحماية المقاقات الشيعية، ولذلك يمكننا القول إن مسألة (النأي بالنفس) انتهت مع بداية معركة القصير»، مشيرًا إلى أن «أطرافا لبنانية في «14 آذار» وبعض القوى الإسلامية تدخلت في الحرب السورية، وإن لم يكن تدخلها بحجم تدخل حزب الله.
وفي الترجمة الحقيقة لأبعاد موقف وزير الخارجية في الجامعة العربية، أكد أنطوان حداد، أنه «في حالة إحراق السفارة والقنصلية السعودية في إيران، أصبحت المملكة معتدى عليها، ومن واجب لبنان التضامن معها وفق إعلان بعبدا، الذي اتخذ منه البعض كلام حق يراد منه باطل عبر مخالفته الإجماع العربي». وسأل: «هل يعقل أن إيران أدانت الاعتداء على السفارة السعودية بينما امتنع لبنان عن ذلك؟، هذه مسألة لا تحتمل الاجتهاد». وذكّر أمين سرّ حركة التجدد الديمقراطي، أن «المملكة العربية السعودية دولة شقيقة لم يجد منها لبنان إلا الخير، وموقف أغلبية اللبنانيين يقول إن التطاول على السعودية هو تطاول على لبنان الذي يحترم القانون الدولي، لأن السعودية معتدى عليها بحسب القانون الدولي، ولأن لبنان هو جزء من العالم العربي».
وبرأي الباحث السياسي قاسم قصير: «إن سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة انتهت، ومشروع تحييد لبنان طرح كشعار لكن عمليًا لم يترجم، وليس خافيًا على أحد أننا بتنا أمام محورين لهما امتدادات محلية وإقليمية ودولية، وهذا ما جعل فكرة النأي بالنفس غير واقعية»، معتبرًا أن «خروج وزير الخارجية اللبناني عن الإجماع العربي في جامعة الدول العربية، سببه أن بيان الجامعة تضمن بندًا يدين (حزب الله)، الذي هو طرف أساسي في لبنان، وليس مرتبطًا بموقف لبنان من التضامن مع السعودية والاعتداء على سفارتها في طهران».



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».