قطار المصالحة الفلسطيني لم يهتد إلى محطته الأخيرة

كعكة السلطة وإسرائيل ومأسسة الانقسام تجعل من اتفاق حقيقي «كبير الثمن»

قطار المصالحة الفلسطيني لم يهتد إلى محطته الأخيرة
TT

قطار المصالحة الفلسطيني لم يهتد إلى محطته الأخيرة

قطار المصالحة الفلسطيني لم يهتد إلى محطته الأخيرة

تأجل لقاء كان يفترض أن يعقد أمس بين حركتي فتح وحماس، في العاصمة القطرية «الدوحة» إلى اليوم، وربما بحسب مصادر مطلعة، يتأجل مرة ثانية إلى وقت غير محدد، في محطة أخرى وجديدة لقطار المصالحة الذي انطلق قبل سنوات ولا يبدو أنه سيصل إلى محطته الأخيرة.
وتسعى كل من فتح وحماس هذه المرة، إلى الاتفاق على آلية محددة لتنفيذ بنود سابقة، وهذه ليست المحاولة الأولى. وفي مرات سابقة، وضعت الحركتان اتفاقا شاملا ثم وضعتا له في اتفاق آخر، إطار عمل، ثم في اتفاق ثالث آلية تطبيق، حتى وصلا إلى حكومة توافق، وأعلنا، لاحقا، أنها فشلت ويجب استبدالها بحكومة وحدة، وهذا صلب ما يبحثا عنه هذه المرة.
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة، إن مشكلة المصالحة الفلسطينية أنها تعالج الانقسام بالتقسيم؛ إذ تريد كل من الحركتين الاحتفاظ بحصتهما من الكعكة (السلطة والمنظمة والأجهزة الأمنية والمال والشرعية). وتختصر نقاشات المصالحة الطويلة فيما مضى، إلى حد كبير، هذا الإشكال، الذي يعطل اليوم تشكيل حكومة وحدة وطنية، إذ تريد فتح إجراء انتخابات شاملة تعالج بعدها كل القضايا العالقة، وتصر حماس على حل مشكلة موظفيها السابقين باستيعابهم في الحكومة وتفعيل الإطار القيادي للمنظمة وإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.
وقالت مصادر مطلعة إن الخلاف الحالي بين فتح وحماس هو قديم وقائم ومستمر. وبحسب المصادر، فإن حركة فتح تريد إقامة حكومة وحدة تشارك فيها حماس وتلتزم ببرنامج منظمة التحرير تكون مهمتها حل المشكلات العالقة في قطاع غزة والتجهيز لانتخابات عامة بعد 3 شهور، على أن تسوى المشكلات الأخرى لاحقا، فيما توافق حماس على تشكيل حكومة وحدة، لكنها تريد برنامجا يشير إلى دعم المقاومة، وتريد من الحكومة توظيف موظفي حماس السابقين، ولا تريد تأجيل الملفات الأخرى بل العمل على صفقة متكاملة.
كما يختلف الطرفان حول تشغيل معبر رفح للسبب نفسه، إذ تريد فتح تسلم المعبر بالكامل بحسب ما تشترط مصر والعالم، وتريد حماس أن يبقى موظفوها هناك على قاعدة المشاركة وليس الإقصاء.
وهذه الخلافات، على طريق مصالحة بين الطرفين تبدو متواضعة، إذا ما قورنت بملفات أخرى تم «طمرها» لأن حلها يستحيل، وهي التي في الحقيقة تقود إلى مصالحة بمعنى وحدة «السلطة الواحدة»، ومن بينها ملف الأجهزة الأمنية مثلا، الذي ظل كما هو، بيد فتح في الضفة وبيد حماس في غزة، وسلاح المقاومة الذي لم يطرح أصلا على طاولة البحث، والمصالحة المجتمعية التي توقف بفعل «الفلس»، والبرامج السياسية المتناقضة للأطراف.
وقال مسؤول كبير لـ«الشرق الأوسط»، إن ما يجري هو محاولة لإدارة الانقسام الآن، لأن إنهائه بمفهوم توحيد المؤسسات وأجهزة الأمن يبدو مستحيلا الآن وبعيد المنال. وأضاف، «الذي يجري أن الطرفين بحاجة لاتفاق».
ولا يختلف اثنان في الشارع الفلسطيني على أن الأزمات الداخلية والتغييرات الإقليمية ومسيرة السلام المتعثرة، قادت الفصيلان إلى البحث عن مصالحة، لكن بدوافع تبدو أكبر من المصالحة نفسها.
وقال المحلل السياسي طلال عوكل، لـ«الشرق الأوسط»، «قطار المصالحة انطلق بسبب فشل البرامج». وأضاف، «فتح وصلت إلى طريق مسدود فيما يخص نهج المفاوضات، وحماس أدركت أن تجربة الحكم والمقاومة لم تنجح، الطرفان لم يقدما كثيرا لمستقبل الفلسطينيين، ولذلك فإنهما لا يريدان تحمل وزر الفشل وحدهما». ويرى عوكل «أنها مصالحة إجبارية»، لكنها تواجه «عقبات كبيرة».
وتابع «هناك عقبات خارجية وداخلية، خارجيا الأهم هو إسرائيل، وداخليا الأهم هو مأسسة الانقسام».
ويرى عوكل أنه من دون دفع أثمان حقيقة فإنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق. ويقول إن الاتفاق ممكن مع تراجع قوة تأثير الإقليم على الحركتان بعدما أدركا أنه لا وزن للفلسطيني في المعادلات الإقليمية وإنما يوظف فقط من خلالها، لكن «الثمن كبير». وأردف «ثمن مواجهة إسرائيل وثمن تقديم تنازلات كبيرة».
ومن غير المعروف ما إذا كان الفصيلان مستعدين لمثل هذه الأثمان في هذا الوقت.
لكن مسؤولا في حركة فتح قال لـ«الشرق الأوسط» إن حركته تتوجه إلى التخلص من كل العقبات بدعوة معقولة تتلخص بإقامة انتخابات عامة تفرز جهة حاكمة وتقرر ماذا تريد.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن المصالحة في هذا الوقت تعني حكومة وحدة وانتخابات.
وكان عباس أوضح رؤيته في الأمر برمته قبل بدء محادثات الدوحة بقوله: «منذ 8 سنوات نريد حلا بيننا وبينا إخوتنا في غزة. ذهبنا إلى مكة وقسمنا اليمين، وبعد 3 شهور انقلبوا علينا، وذهبنا إلى الدوحة والقاهرة وغزة وعقدنا اتفاقات فما المطلوب بعد ذلك». وأضاف «قلنا لحماس إذ بدكم حكومة مشتركة نحن نوافق على الرغم مما سندفعه من ثمن، قالوا لا بعد ذلك والآن وصلني جواب حول الانتخابات لا يريدون انتخابات».
وردت حماس بإعلانها أنها لا توافق على رؤية عباس. وقال الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري إن رؤية عباس وفتح هي انقلاب على المصالحة وإن حكومة الوحدة هي ثمرة للمصالحة وليست شرطا. كما أعلن أبو زهري أن حركته ترفض برنامج المنظمة برنامجا للحكومة.
ومع هذه الرؤى المتباينة وسنوات طويلة من الخلافات، يحاول الأشقاء مجددا في الدوحة. لكن كم مرة وقع الطرفان اتفاقات قبل ذلك.
اتفاق مكة عام 2007: وقعت الحركتان اتفاق تشكيل حكومة وحدة وبعد شهور سيطرت حماس على غزة.
اتفاق اليمن 2008: وضع الطرفان وثيقة مصالحة لكنهما اختلفا على تفسيرها.
حوار دكار 2008: اتفقا على بدء حوار أخوي بإشراف الرئيس السنغالي لكنهما لم يتابعا.
اتفاق القاهرة 2009: بعد سلسلة لقاءات مصر طرحت ورقة مصالحة وتدعو إلى انتخابات وبعد خلاف حول الورقة تم تجميدها.
لقاء دمشق 2010: أعلن الفصيلان أنهما قريبان من اتفاق جديد وجلسا مرات ولم يعلناه.
اتفاق المصالحة في 2011: أعلن الفصيلان من القاهرة الاتفاق على تشكيل حكومة مستقلين وإجراء انتخابات.
إعلان الدوحة 2012: الرئيس عباس ومسؤول حماس خالد مشعل يعلنان اتفاقا بتشكيل حكومة وانتخابات.
لقاء القاهرة 2012: لبحث وضع آلية تطبيق لاتفاق الدوحة.
اتفاق القاهرة 2013: إعلان تطبيق اتفاق المصالحة.
اتفاق الشاطئ في غزة: إعلان تشكيل حكومة مستقلين وإجراء انتخابات.



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.