كيف تغيرت أوضاع التعليم العالي في العالم العربي في آخر 5 سنوات؟

الاضطرابات أزاحت تونس من الصدارة لتذهب إلى قطر

تطور التعليم العالي في الدول العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة
تطور التعليم العالي في الدول العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة
TT

كيف تغيرت أوضاع التعليم العالي في العالم العربي في آخر 5 سنوات؟

تطور التعليم العالي في الدول العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة
تطور التعليم العالي في الدول العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة

التعليم العالي والتدريب هو المؤشر الفرعي الخامس في المؤشر الكلي لتنافسية الدول، ويساهم إلى حد كبير في رفع أو تخفيض قيمة وترتيب مؤشر تنافسية الدولة بين أقرانها، كما أن عدم وجود عمالة جيدة تعتبر من أهم المعوقات التي تواجه قطاع الأعمال حول العالم.
ويشير خبراء المنتدى الاقتصادي العالمي من صانعي تقرير التنافسية الذي يصدر سنويا إلى أن جودة التعليم العالي والتدريب أمر بالغ الأهمية بالنسبة للاقتصادات التي ترغب في الارتقاء في سلسلة القيمة لعمليات الإنتاج.
ويتطلب اقتصاد اليوم، الذي يسير مسرعا نحو العولمة، من البلدان أن توفر عمالا متعلمين قادرين على التكيف بسرعة مع البيئة المتغيرة والاحتياجات المتطورة لنظم الإنتاج، لذا يهتم المنتدى بصياغة مؤشر «التعليم العالي والتدريب» الذي يقيس معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية والتعليم العالي، وكذلك جودة التعليم «حسب تقييم مجتمع الأعمال»، بالإضافة إلى بُعد تدريب الموظفين، حيث يعتبر صانعو تقرير التنافسية أن التدريب يجب أن يكون على رأس أولويات قطاع الأعمال، على الرغم من إهمال الكثير من الاقتصادات هذا الجانب، الذي يضمن إلى حد كبير التطوير المستمر لمهارات العمال.
وتشير بيانات تقرير التنافسية العالمية إلى تباين أداء وتطور الدول العربية فيما يخص مؤشر التعليم العالي، من قطر الـ27 عالميا والأولى عربيا إلى موريتانيا الأخيرة عربيا وعالميا، إلا أن اللافت للنظر بشكل أكبر هو تطور ترتيب الدول العربية خلال السنوات الماضية، حيث تحسن ترتيب 3 دول هي الأردن وقطر والسعودية، واستقر ترتيب دولة واحدة وهي البحرين، تراجع ترتيب 9 دول هي الجزائر ومصر والكويت ولبنان وموريتانيا والمغرب وتونس والإمارات وسلطنة عمان، بينما خرجت 4 دول من التصنيف مثل ليبيا وسوريا واليمن نتيجة صعوبة جمع البيانات من هذه الدول التي تعاني من اضطرابات شديدة وصلت لمرحلة الحرب الأهلية.
وكان التغير الأكبر من نصيب تونس التي كانت تحتل المركز الأول عربيا والثلاثين عالميا في تقرير 2010-2011. ثم تراجعت 46 مركزا عالميا في 5 سنوات إلى المركز 76. لتسبقها الآن 4 دول من مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى لبنان والأردن.
ففي 2010-2011 كانت تونس تحتل المركز الثامن عالميا في جودة تعليم الرياضيات والعلوم، والمركز 18 في درجة تدريب الموظفين، بينما كان معدل التحاق الطلاب بالتعليم العالي يضعها في منتصف الترتيب العالمي.
وحتى فيما يخص التعليم الأساسي كان ترتيبها رقم 22 في الجودة ورقم 33 في معدل الالتحاق.
ومع ذلك كانت المشكلة الخامسة لرجال الأعمال في تونس هي توفر قوة عمل متعلمة كافية، حيث قال 8.6 في المائة من رجال الأعمال المستطلع آراؤهم في التقرير إن عدم وجود قوة عمل متعلمة كافية هي أحد العوامل الأكثر تعقيدا لممارسة الأعمال التجارية.
في هذا الوقت، كانت قطر تحتل المرتبة الثانية عربيا وفي المرتبة رقم 32 عالميا، وكانت نقطة قوتها أنها أفضل دول العالم من حيث جودة إدارة المدارس العليا والكليات، بينما كانت نقطة ضعفها هي انخفاض معدل الالتحاق بالجامعة، حيث لم تكن قطر ضمن قائمة الـ100 دولة الأعلى في معدل الالتحاق في تقرير يشمل 140 دولة، بينما احتلت قطر المرتبة الخامسة عالميا في جودة التعليم الأساسي.
وكان عدم توفر قوة عمل متعلمة كافية هو المشكلة الثالثة بالنسبة لرجال الأعمال في قطر، حيث ذكر 10.6 في المائة من رجال الأعمال المستطلع آراؤهم في التقرير أنها أحد العوامل الأكثر تعقيدا لممارسة الأعمال التجارية.
أي أن أوضاع التعليم في قطر كانت غالبا أقل جودة من تونس.
أما في تقرير التنافسية لعام 2015- 2016 فقد تغيرت الأوضاع كثيرا، فقد استقر ترتيب تونس فيما يخص معدل الالتحاق بالجامعة في وسط الجدول، بينما انهار ترتيبها فيما يخص مؤشرات الجودة، فانخفض ترتيبها في مؤشر جودة نظام التعليم من المركز 20 عالميا إلى المركز 89 مقارنة بتقرير 2010- 2011، وتراجع ترتيب تونس في جودة تعليم الرياضيات والعلوم من الثامن إلى المركز 53 عالميا، وتراجعت في مؤشر مدى تدريب الموظفين من المركز 18 عالميا إلى المركز 106.
ما يعني أن الاضطرابات التي واجهت الدولة لم تؤثر على المؤشرات الكمية ولكن الكيفية، بالإضافة إلى المؤشرات المرتبطة بوجهات نظر رجال الأعمال المستطلع آراؤهم، والذين بالطبع تميل أرائهم للسلبية كلما ازدادت الأوضاع سوءا، وهذا وضع مشابه لما حدث في مصر أيضا.
أما أهم النماذج على تحسن الأوضاع فكان الثلاثي الأردن وقطر والسعودية، حيث تحسن ترتيب الأردن 7 مراكز خلال الخمس سنوات الماضية، لتصل إلى المركز رقم 50 عالميا في مؤشر التعليم العالي والتدريب في تقرير التنافسية 2015- 2016، كما تحسن ترتيب قطر بخمسة مراكز إلى المرتبة 27 عالميا، والأولى عربيا، كما تحسن ترتيب المملكة العربية السعودية بمركزين لتحتل المرتبة رقم 49 عالميا.
وتحسن كثير من المؤشرات الفرعية لقطر بشكل ملحوظ، حيث تحسن ترتيبها فيما يخص معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي من المركز 49 عالميا إلى المركز 10 عالميا، بسبب ارتفاع معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي إلى 111.6 في المائة، وهذا يعني أن المدارس القطرية تستقبل طلابا في مرحلة الثانوية العامة أكثر من عدد سكانها في هذه الفئة العمرية، نتيجة استقبالها لعدد كبير من الوافدين، وهي نقطة تميز، حيث سيتوفر لمجتمع الأعمال عدد كبير من الشباب المتعلم الذي يسد احتياجات العمل، بينما ما زال معدل الالتحاق بالتعليم العالي متدنيا، حول 14.3 في المائة فقط، ما يضع قطر خارج أفضل 100 دولة، كما حافظت قطر على تواجدها في مراكز متقدمة فيما يخص معايير الجودة، فهي الثاني عالميا فيما يخص جودة النظام التعليمي، والخامس في جودة تعليم الرياضيات والعلوم، ونفس الترتيب فيما يخص جودة تدريب الموظفين، والمركز السابع فيما يخص جودة إدارة المدارس، وهو مركز متأخر قليلا عن المركز الأول الذي حصدته في 2010- 2011.
أما القفزة الحقيقية التي حققتها قطر فكانت في مجال توفير خدمات التدريب المتخصصة، حيث تحتل المرتبة رقم 17 عالميا في هذا المجال مقارنة بالمركز رقم 71 منذ خمس سنوات.
وبالنسبة للمملكة السعودية، فقد تحسن تقييم مؤشر التعليم العالي والتدريب بسبب ارتفاع معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي إلى 116.2 في المائة، لتحتل المرتبة السابعة عالميا، مقارنة بالمركز 43 في 2010- 2011، هذا كما تحسن معدل الالتحاق بالجامعة أيضا.
ورغم تحسن قيمة المؤشر في دول الجزائر والبحرين والكويت والإمارات إلا أن ترتيبها لم يتحسن بين دول العالم، بسبب الوتيرة البطيئة لهذا التحسن مقارنة بدول أخرى استطاعت تحسين قيمة مؤشرها وترتيبها معا.
وتتراوح قيمة مؤشر التعليم العالي والتدريب من صفر إلى 7 وفقا لمجموع المؤشرات الفرعية المكونة له، مثل معدلات الالتحاق بالمدارس والتعليم العالي وجودة التعليم ودرجة تدريب الموظفين، وحصلت قطر، الأفضل عربيا، على 5.12 نقطة من أصل 7 نقاط، بينما حصلت موريتانيا على 2.13 نقطة فقط في آخر تقرير للتنافسية.
وتعتبر الدولة النموذج فيما يخص هذا المؤشر هي سنغافورة، التي حصلت على 6.20 نقطة من أصل 7. تليها فنلندا في المركز الثاني وهولندا في المركز الثالث.
ويبلغ معدل الالتحاق بالجامعة في سنغافورة 82.7 في المائة، وهي الأفضل عالميا في تدريس مواد العلوم والرياضيات، وتحتفظ بموقع بين أفضل 10 دول في كافة مؤشرات جودة التعليم، ما ساهم في جعلها في المركز الثاني بين دول العالم الأكثر تنافسية.



«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».