الصحافيون والمراسلون الأفغان بعد مضي خمسة عشر عاما من حضور القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لا يزالون يواجهون صعوبات ومشكلات جمة تهدد بتقييد حرية الكلمة، وتهدد حياة العشرات منهم الذين يقومون بتغطية الأحداث الدامية اليومية التي تقع في عموم المناطق الأفغانية التي تشهد باستمرار حربا مستعرة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية. وليّ أرين، واحد من الصحافيين الأفغان القلائل الذين يقومون بتغطية الحوادث الميدانية، وتجده حاضرا في كل المعارك التي يشنها الجيش الأفغاني من أجل تطهير المناطق من مقاتلي طالبان، ويعمل ولي أرين، البالغ من العمر 27 عاما، في قناة محلية تتميز بنقل الأخبار السريعة وحضورها القوي في الساحة وبرامجها الشيقة لمشاهديها في مرحلة ما بعد طالبان. حركة طالبان ترى في الإعلام عدوا خفيا لها، وهددت عدة قنوات تلفزيونية ومراسليها بتصفية جسدية بعد أن قاموا بنقل الأخبار من ولاية قندوز التي سقطت بيد طالبان لعدة أيام. وتقول طالبان إن هؤلاء الصحافيين قاموا بنقل الأخبار الخاطئة وعمدوا إلى تشويه صورة مقاتليها بعد السيطرة على المدينة من خلال بث أخبار كاذبة مفادها أن مقاتلي طالبان قاموا باغتصاب الفتيات في جامعة قندوز، الأمر الذي أدى إلى فتح جبهة جديدة لطالبان ضد الإعلام المحلي، وهددت بشكل صريح بأنها ستستهدف قناة «طلوع» التي يعمل فيها «ولي أرين»، وبعد عدة أشهر من التهديد ترجمت طالبان وعيدها باستهداف حافلة كانت تقل موظفين في قناة «طلوع» مما أسفر عن مقتل خمسة صحافيين في القناة وإصابة عشرين آخرين غالبيتهم موظفون في القناة.
يقول أرين إنه يدرك تماما المخاطر الأمنية التي تحيط بالصحافيين والمراسلين، خصوصا أولئك الذين يقومون بنقل الأخبار والحوادث الأمنية في الميدان، مشيرا إلى أن التهديدات التي تطلقها طالبان لا تخيفه؛ بل سيظل أكثر قوة، وأنه سيستمر في عمله الصحافي حتى لو أدى ذلك إلى دفع حياته ثمنا للحرية وحرية الكلمة. يضيف أرين لـ«الشرق الأوسط» أن «الحرية التي نتمتع بها لم نحصل عليها مجانا، ولا يمكن الاحتفاظ بها مجانا، فهي تتطلب تضحيات كبيرة، وعلينا نحن الجيل الصاعد تحمل تبعاتها وتحمل كل المخاطر التي نواجهها في سبيل الاحتفاظ بالمنجزات التي تحققت خلال الأربعة عشر عاما الماضية».
تزوج «ولي أرين» وهو الوجه المعروف لجميع الشعب الأفغاني الذين يتابعون القناة التي يعمل فيها، من خلال تقاريره المتميزة وحضوره الدائم في الساحة، وهو أب لطفلين، ويقول إنه غادر البلاد برفقة أطفاله لمدة أسبوعين فقط بعد أن تصاعدت وتيرة التهديدات خلال الفترة الأخيرة، لكنه لم يتحمل الغياب عن الساحة، وعاد فورا، مشيرا إلى أنه تعهد بأنه لن يغادر أفغانستان مهما كان مستوى الخطر، وأنه سيظل فيها ينقل الأخبار ويوجد في الميدان حتى آخر يوم في حياته المهنية. وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول خروج المئات من الشباب الأفغان إلى أوروبا هذه الأيام وما إذا كان هو ينوي الخروج من البلد بسبب تصاعد التهديدات الأمنية ضده، قال أرين إن الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى، وهو يدرك تماما أن لا أحد يستطيع إلحاق الأذى به أو بعائلته دون مشيئة الله تعالى، وبالتالي، فإن مسألة الخروج من البلد وترك الساحة للمسلحين والمتمردين الذين يسعون إلى إرجاع أفغانستان إلى القرون الوسطى وإلى العهد الحجري، غير واردة له، ويؤكد أن المتمردين لن ينجحوا في هذه المحاولة، وأنه سيبقى في البلد وينقل الحقيقة إلى المشاهد عبر تغطية الأحداث، وأن التهديدات ليست جديدة بالنسبة له، فهو عاش في زمن الحرب الأهلية في المدينة ولم يغادرها. وتظل أفغانستان مكانا غير آمن للصحافيين والمراسلين الأفغان والأجانب؛ حيث قتل العشرات منهم خلال تغطية الحرب الجارية في هذه البلاد منذ الإطاحة بنظام طالبان نهاية عام 2001.
ويوجد حاليًا في أفغانستان مائة وخمسون محطة إذاعية وثلاثون قناة تلفزيونية، في مؤشر على تطور الصحافة وميلادها من جديد بعد الإطاحة بحركة طالبان.
استعاد المشهد الإعلامي عافيته في أفغانستان بعد سقوط حكم حركة طالبان قبل خمسة عشر عاما. وعلى الرغم من تواضع الإنجازات التي حقَّقتها المهام العسكرية الدولية بعد أكثر من عشرة أعوام من بدئها، فإن هناك كثيرا من الإعلاميين الذين يعملون بجد ونشاط على تطوير الصحافة والإعلام في جميع أنحاء البلاد.
واحتلت أفغانستان في «مؤشر حرية الصحافة» لعام 2010 الذي نشرته منظمة «مراسلون بلا حدود» مرتبة أفضل بكثير من جارتيها باكستان وإيران. وفي حين لم يكن يوجد في أفغانستان قبل عام 2001 سوى إذاعة واحدة تابعة لحركة طالبان اسمها «صوت الشريعة»، صار يوجد الآن مائة وخمسون محطة إذاعية. والإذاعة هي الوسيلة الأكثر انتشارًا في أفغانستان، وفي هذا البلد الذي تنتشر فيه الأمية على نطاق واسع، ويتم فيه توزيع وسائل الإعلام المطبوعة بطبعات صغيرة، تزداد معاناة الصحافيات من الضغوط الاجتماعية.
الصحافيون والصحافيات في أفغانستان مستهدفون من المتطرِّفين ولا يستطيعون حتى يومنا هذا ممارسة عملهم بحرية في المناطق الريفية، خصوصا الصحافيات بعد أن تم حرمانهن في السابق من العمل طيلة أعوام. زد على ذلك أنَّ الأوضاع الأمنية في البلاد تحول دون ممارسة المرأة العمل الصحافي بصورة طبيعية.
ولا يعاني الصحافيون في أفغانستان من حركة طالبان وحدها، بل من أمراء الحرب أيضًا؛ من زعماء الميليشيات الذين وصلوا في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي إلى السلطة والثروة، وأصبحوا الآن غارقين في كثير من النشاطات الإجرامية مثل تجارة المخدرات التي تدر عليهم كثير من الأرباح، وتحوَّلوا في الوقت نفسه إلى امتلاك وسائل إعلام خاصة بهم. وعلى سبيل المثال تعد قناة «تلفزيون أين» ملكًا لزعيم الحرب الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي يتمتَّع بنفوذ واسع، وهو الآن يتقلد منصب النائب الأول للرئيس الأفغاني. وهؤلاء الزعماء لديهم حضور كبير الآن ضمن المشهد الإعلامي في أفغانستان. ويقول حكمت صافي، وهو صحافي في وكالة «أنباء باجهوك» الخاصة الحائزة على «جائزة حرية الصحافة» التي تمنحها في كلِّ عام لجنة حماية الصحافيين: «يتم تشغيل نصف المحطات التلفزيونية الأفغانية، التي يبلغ عددها ثلاثين محطة، من قبل أمراء الحرب».
لا يعاني الصحافيون إذن في أفغانستان من حركة طالبان وحدها، بل أيضًا من أمراء الحرب الذين يملكون الآن خمس عشرة محطة تلفزيونية أفغانية تضمن لهم حضورًا كبيرًا في المشهد الإعلام؛ حيث أنشئت وكالات محلية تقوم بنقل الأخبار إلى معظم وسائل الإعلام الأفغانية، كما أنَّها صنعت لنفسها اسمًا لامعًا من خلال أمانتها المهنية وجودة عملها. ولكن عمل حكمت وصحافيين آخرين من أمثاله ليسن بالعمل السهل والهين، وفي هذا الصدد، يقول صافي: «كثيرًا ما تنقصنا المعلومات الموثوقة، الأمر الذي يصعِّب عملية البحث». ويذكر هنا مثال هجوم إرهابي، ويتساءل: «كيف ينبغي لنا الكشف عن عدد الضحايا؟ إذ إن الدوائر الحكومية لا تقدِّم في الغالب أي إجابة، وحركة طالبان وحدها هي التي تسرع في الإعلان»، مشيرا إلى أن القوات الدولية ليست أفضل حالاً من الحكومة في سياستها الخاصة بتقديم المعلومات. ومن المفترض، حسب قول صافي، أنَّ القوَّات الأجنبية أيضًا تقوم بتزييف المعلومات، وكثيرًا ما تحاول قوة المساعدة الأمنية الدولية التكتم على عدد الضحايا المدنيين الذين يسقطون نتيجة الضربات العسكرية. ويشير صافي إلى صعوبة الحصول على الحقيقة في أفغانستان: «بعد تنفيذ أي عمل عسكري يقولون لنا إنَّ هذا الهجوم تم تنفيذه من قبل حركة طالبان». وهذا يظهر بوضوح أنَّ الصحافيين الأفغان معرَّضون للخطر من عدة جهات، وأنَّهم كذلك عرضة لضغوطات كثيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، ينتشر بين الصحافيين في أفغانستان قدر كبير من الرقابة الذاتية، وكذلك تحدِّد الحساسيات الاجتماعية المحافظة ما يجوز للصحافيين كتابته وما يحظر عليهم تناوله. زد على ذلك أنَّ استمرار عمل الصحافة عالية الجودة في أفغانستان يبقى مرهونًا أيضًا بتوفير المال الذي كثيرًا ما يكون الصحافيون في أمسّ الحاجة إليه. إلى جانب ذلك، فقد انتشرت مؤخرا في أفغانستان الرقابة الذاتية، فقد تعرَّض الصحافيون في أفغانستان في الأعوام العشرة الماضية، بحسب معلومات منظمة «مراسلون بلا حدود»، لمئات من أعمال العنف، وقتل منهم في هذه الفترة ما لا يقل عن ستة عشر صحافيا. الصحافيون الأفغان يعملون في الخط الأمامي في جبهات القتال، وتحاول القنوات المحلية الوليدة الوصول إلى المعلومة وإلى السبق الصحافي، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى إلحاق الأذى بالصحافيين والمراسلين الأفغان الذين ينقلون الحقيقة من الميدان إلى المشاهد، من قبل أطراف الصراع.
أفغانستان: تهديدات طالبان لا تخيف السلطة الرابعة
صحافي أفغاني لـ «الشرق الأوسط» : مستعد لأن أدفع حياتي ثمنًا لحرية الكلمة ولن أغادر العاصمة كابل
أفغانستان: تهديدات طالبان لا تخيف السلطة الرابعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة