سوباش تشاندرا «أبو التلفزيون الهندي» رحلة ملياردير عصامي من الصفر

حرب الخليج على «سي إن إن» كانت الوميض لبناء إمبراطورية إعلامية

سوباش تشاندرا لديه برنامجه التلفزيوني الخاص الذي يقدم فيه لرواد الأعمال الناشئين دروسًا في مجال الأعمال («الشرق الأوسط»)
سوباش تشاندرا لديه برنامجه التلفزيوني الخاص الذي يقدم فيه لرواد الأعمال الناشئين دروسًا في مجال الأعمال («الشرق الأوسط»)
TT

سوباش تشاندرا «أبو التلفزيون الهندي» رحلة ملياردير عصامي من الصفر

سوباش تشاندرا لديه برنامجه التلفزيوني الخاص الذي يقدم فيه لرواد الأعمال الناشئين دروسًا في مجال الأعمال («الشرق الأوسط»)
سوباش تشاندرا لديه برنامجه التلفزيوني الخاص الذي يقدم فيه لرواد الأعمال الناشئين دروسًا في مجال الأعمال («الشرق الأوسط»)

أصبح محل إشادة كواحد من أباطرة الإعلام، وهو «أبو التلفزيون التجاري الهندي». لقد كتب سوباش تشاندرا (65 عاما) تاريخ البث التلفزيوني الهندي مستندا إلى خلفية تاجر أرز، كان يدير وحدة تغليف ومدينة للألعاب الترفيهية في بلاده.
صبغت الرؤية والمغامرة رحلة سوباش تشاندرا من شاب في الـ18 من العمر يتخلى عن دراسة الهندسة، إلى أن يصبح رئيسا لما بات إمبراطورية في مجال الإعلام والترفيه والبنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والألعاب الإلكترونية وتكرير الذهب، تقدر قيمتها بـ3.5 مليار دولار.
ولدى تشاندرا برنامجه التلفزيوني الخاص، الذي يقدم فيه لرواد الأعمال الناشئين دروسا في مجال الأعمال.
ولقصته وميض خاص، بداية من معاناة الأسرة ماديا، واضطراره إلى مساعدة أسرته، مع عدم قدرته على دفع نفقات دراسته الجامعية. رفض تشاندرا أن يرضخ لضربة القدر هذه، وقد نجح بالفعل في كتابة مصيره، وبناء إمبراطورية اقتصادية ضخمة.
تكشف القصة عن قدر كبير من الجرأة وتعود جذورها إلى يناير (كانون الثاني) عام 1991، حيث كان تشاندرا يتابع أخبار حرب الخليج مباشرة على «سي إن إن»، وتساءل لماذا لا يمكن أن تنقل قناة هندية مثل هذه الأحداث. ومن ثم، فقد قرر أن يدخل مضمار القنوات الفضائية. سعى تشاندرا عمليا لمقابلة الرئيس التنفيذي لشركة «إيشاسات»، والتقى معه أخيرا في كندا، حيث كان يقضي عطلة الكريسماس عام 1991، وقيل له إنه تم تخصيص أجهزة الاستقبال الخاصة بالأقمار الصناعية لصالح شركة واحدة تسمى «التلفزيون الفضائي لإقليم آسيا» (ستار). طرق تشاندرا أبواب شركة «ستار» في هونغ كونغ، فوجدا استقبالا فاترا. في النهاية، ونتيجة لإصراره، تم الاتفاق على عقد اجتماع مع ريتشارد لي، ابن لي كا شينغ، مالك شركة «ستار». لكن الاجتماع انتهى بملاحظة غير سعيدة، حيث استبعد لي الفكرة، وقال إنها غير مربحة في الهند. طلب لي 5 ملايين دولار سنويا نظير توفير جهاز إرسال واستقبال خاص بالقمر الصناعي، وهو 4 أضعاف الرقم الذي حدده فريقه لخطة العمل. وافق تشاندرا، ولكنه أصر على توقيع الاتفاق فورا. جعل لي تشاندرا ينتظر ساعتين قبل أن يرفض.
عاد تشاندرا غاضبا، وبدأ بالتواصل مع الروس، الذين كان لهم قمر صناعي متمركز فوق الهند. كان ثمة ما يجذب لي للذهاب إلى الهند في 1992. التقى أباطرة الإعلام في ذلك الوقت، لكن أيا منهم لم يكن مستعدا لدفع 5 ملايين دولار مقابل جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بالقمر الصناعي.
بعد ذلك التقى لي مع تشاندرا الذي أخذه إلى مصنع شركته «إيسل بروباك». ودفع حجم المنشأة، بوصفها الأكبر من نوعها في العالم، لي إلى تغيير موقفه. وفي مايو (أيار) 1992، وقع اتفاقا مع تشاندرا.
قال سيدارث راي، وهو مسؤول تنفيذي تلفزيوني سابق: «كان سوباش تشاندرا آخر رجل واقف. أقبل على أكبر مخاطرة وكتب قصة البث التلفزيوني الهندي».
في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 1991، انطلقت قناة فضائية هندية، والتي كانت بالنسبة إلى الشعب الهندي إيذانا بانطلاق عصر التسلية التلفزيونية. أما القنوات التلفزيونية التجارية الهندية التي انطلقت بعد ذلك، فقد تأثرت بإرث قناة «زي» بصورة أو بأخرى.
وقال تشاندرا لاجتماع إعلامي مؤخرا أثناء تدشين سيرته الذاتية «ذا زي فاكتور»: «شعرت الشركات الإعلامية القائمة أن التلفزيون الفضائي لن يكتب له النجاح في البلاد. ولأنني لم أكن أعرف أي شيء عن صناعة الإعلام، فلم يكن لدي ما أخشاه».
أصبحت «زي» قناة تسلية تعمل على مدار 24 ساعة في غضون عام من انطلاقها، وحافظت على ريادتها للسوق حتى عام 2000، رغم انطلاق الكثير من القنوات الفضائية الأخرى.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.