مسابقة «القطان» للرواية والشعر والقصة توحّد الفلسطينيين

فاز بجوائزها مبدعون من غزة ورام الله ومن فلسطينيي 48 والمهجر

فائزون بالجائزة
فائزون بالجائزة
TT

مسابقة «القطان» للرواية والشعر والقصة توحّد الفلسطينيين

فائزون بالجائزة
فائزون بالجائزة

أعلنت مؤسسة عبد المحسن القطان، وضمن برنامجها للثقافة والفنون، في قصر رام الله الثقافي، مساء السبت الماضي، نتائج مسابقتها للكاتب الشاب للعام 2015. في حفل تخلل عرضًا موسيقيًا أدائيًا بعنوان «وحل» يعبر عن حالة «الوحل» التي يعيشها الوطن العربي.
وذهبت جائزة الرواية لمجد كيّال عن روايته «مأساة السيد مطر»، فيما ذهبت جائزة القصة القصيرة للميس عبد الهادي عن مجموعتها «معطف السيدة»، فيما تقاسم كل من نضال الفقعاوي عن مجموعته مجموعة «ظهيرة – قصائد في عربة الإسكافي»، وسراب القاسم عن مجموعتها «قمح في قطن» جائزة الشعر، وجميعها أعلنها محمود أبو هشهش، مدير عام برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطان.
وكان لافتًا أن الجائزة وحدت الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وفلسطينيي المهجر، فالفائز بجائزة الرواية مجد كيّال من يافا يخضع للإقامة الجبرية بقرار من سلطات الاحتلال، بينما الفائزة بجائزة القصة القصيرة من بيرزيت، والفائزان بجائزة الشعر مناصفة من غزة ورام الله، فيما أوصت لجان الجائزة بنشر روايات ومجموعات شعرية وقصصية لفلسطينيين أحدهم مقيم في تركيا، وآخر في النرويج، وثالث في ألمانيا.
وتكونت لجنة تحكيم جائزة الكاتب الشاب للعام 2015 في حقل الرواية، من: الكاتب والروائي اللبناني جبور الدويهي (بيروت)، الناقد والأكاديمي الأردني د. زياد الزعبي (عمان)، الكاتبة الروائية الفلسطينية عدنية شبلي (برلين)، الكاتب الروائي العراقي علي بدر (بروكسل). ونظرت اللجنة في خمس وعشرين مخطوطة روائية تقدم بها مشاركون فلسطينيون شباب تتراوح أعمارهم ما بين 22 - 35 عامًا يقيمون في أماكن مختلفة داخل فلسطين التاريخية وخارجها.
ورأت اللجنة أن «مأساة السيد مطر» لمجد كيّال (يافا)، الفائزة بجائزة الرواية «رواية غنية ومتنوعة في الأسلوب ومكتوبة بلغة متماسكة وناضجة، بل رأى بعض أعضاء اللجنة أنها رواية استثنائية، ليس على مستوى الجائزة فحسب، وإنما على مستوى السرد العربي، من حيث معالجتها الأحداث التاريخية بهذه القوة وهذا العنف، باستخدام لغة غنوصية، فلسلفية دينية، وأنها تفكك، في الوقت ذاته، هذه اللغة، كما أنها مكتوبة بشكل مبتكر، وخارج التصنيفات الكلاسيكية للسرد العربي، حيث يعتمد الروائي ببراعة على تبئير متنوع سمح بطرح الكثير من المواضيع، بأسلوب واعٍ، وفي لعب على طيف من الشخصيات التي تتبادل أدور الرواة للحدث الواحد».
وأوصت اللجنة أن تذهب الجائزة لهذه الدورة مناصفة ما بين نضال يوسف سليمان الفقعاوي (غزة) عن مجموعته «ظهيرة – قصائد في عربة الإسكافي»، وسراب خالد محمود القاسم (رام الله) عن مجموعتها «قمح في قطن».
وجاء في بيان اللجنة حول مجموعة «ظهيرة – قصائد في عربة الإسكافي» للفقعاوي: «تقدم هذه المجموعة صوتًا شعريًا حرًا من سطوة تأثيرات شعرية بعينها، وإن تشي بتعددية مشارب صاحبها الشعرية، عبر قصيدة نثر لافتة، بلغة سليمة تتمتّع بغنى إيقاعيّ، وعمق تأمّليّ، واشتغال على الموضوعات الهامشيّة، وعلى شعريّة التفاصيل الصغيرة التي لا يلتفت إليها الشعر التقليدي في العادة، ومحاولة رصد الذات من خلال تلك التفاصيل في قصائد متماسكة، ولغة بسيطة غير محملة بالبلاغة، حتى لا تتحول إلى محمول رمزي للماضي».
أما عن مجموعة «قمح في قطن» للقاسم، فقالت اللجنة: تقدم هذه المجموعة صوتًا شعريًا أنثويًا جديدًا، عبر قصيدة نثر تحفل بانشغالات الأنثى (التقليديّة أحيانًا)، وتغلب عليها النزعة التأمّليّة التي ترفع من سويّتها وشعريّتها. ثمّة حرارة إيقاعيّة ومعاينات جديدة ومدهشة أحيانًا، في قصائد تحتشد رويدًا رويدًا بالصور والمعنى والحس، وكأنها تخلق من فراغ وليس من صورة سابقة، شيء شبيه بالنحت، يبدأ من الفراغ وليس من المادة، في بحث جدي لصورة «الآخر»، وهو هنا «الرجل»، عبر تجربة شخصية جريئة وحساسة، وبالتالي تعكس القصائد صورة المرأة داخل هذه الثقافة التي تتكلم داخلها، بجرأة غير جارحة كونها أصيلة.
وتكونت لجنة تحكيم جائزة الكاتب الشاب للعام 2015 في حقل القصة القصيرة، من: الكاتب الروائي د. جبور الدويهي (بيروت)، الناقد والأكاديمي د. زياد الزعبي (عمان)، الكاتب والشاعر زكريا محمد (رام الله)، الكاتبة الروائية د. عدنية شبلي (برلين)، نظرت في اثنتي عشرة مجموعة قصصية.
وأوصت اللجنة بالإجماع على منح جائزة الكاتب الشاب للعام 2015 في حقل القصة القصيرة للمجموعة القصصية «معطف السيدة» لصاحبتها ميس فؤاد محمود عبد الهادي (بيرزيت): «لأنها تضيء بقصصها الاثنتين والأربعين، وإن بتفاوت في العمق والبناء، جوانب إنسانية من حياة المجتمع الفلسطيني، في نصوص رقيقة جدًا حول لحظات قاسية، وموضوعات مبتكرة وذات صلة بالواقع، تتناوب عليها الشخصيات في القصص بلغة مختزلة وشيقة، ودون أي زخرفة أو توصيفات نمطية».



«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب

«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب
TT

«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب

«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب

كثيراً ما اهتم الأدب العربي برصد تجليات العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب، لا سيما في بعدها العاطفي الرومانسي، وهو ما ظهر في روايات مثل «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم و«موسم الهجرة للشمال» للطيب الصالح، لكن كتاب «الخواجاية» الصادر عن دار «الشروق» مؤخراً اختار أن يطرح القضية نفسها من خلال سيرة روائية واقعية تقدمها المؤلفة فيموني عكاشة لأمها الهولندية.

أول تجليات هذه العلاقة مفارقة اسم المؤلفة نفسه، فهي ابنة رجل مصري يدعى أنور عكاشة، وامرأة هولندية تدعى غيردا. اختار الأب اسم ولديه، عبد الله وكمال، على اسم أبيه وأخيه، ثم أراد أن يرضي زوجته فاختار لابنته هذا الاسم المركب الذي يجمع بين اسم (فام)، أم زوجته، و(خوني) اسم شقيقتها، فجاء الاسم (فيموني) بعد حذف حرف الخاء لثقله في النطق.

تروي تلك السيرة إذن قصة الحب والزواج بين أنور، مهندس النسيج المصري بوسامته ومرحه وثرائه الأرستقراطي، وبين غيردا جليسة الأطفال التي لم يتحمس أهله في البداية لها كخيار للزواج كونها أجنبية، فضلاً عن مهنتها. وفي المقابل لم تكن عائلة «غيردا» متحمسة لأنور بسبب اختلاف الجنسية والثقافة والجغرافيا.

ذاكرة حديدية

يغطي الكتاب الفترة منذ الستينيات حتى انتفاضة 25 يناير 2011، حيث لم تكتف المؤلفة بما رأته وسمعته، بل راحت تجمع شهادات عائلية من هنا وهناك وهي تحاول أن تلملم فتات ذاكرتها التي كانت أمها تطلق عليها «ذاكرة السمكة»، مقارنة بذاكرتها الحديدية التي كانوا يعتبرونها «أرشيف العائلة الحي» سواء في مصر أو في هولندا. كانت تعرف كل تواريخ العائلتين، من تزوج ومتى ولد أو مات حتى إنها صححت لشقيقة زوجها (كوثر) ذات مرة تاريخ ميلاد ابنها الثاني وأنه قد ولد قبل أسبوعين من تسجيله الرسمي في شهادة الميلاد. يبرز في رد فعل شقيق المؤلفة حين عرف أن والدته قد أصيبت بالخرف فصاح: «يا نهار أسود! من سوف يخبرنا بتواريخ وأحداث العائلة؟ نحن لا نعرف شيئاً».

كانت صدمة إصابة الأم بخرف الشيخوخة نابعة من حقيقة أنها كانت متوهجة وحاضرة الذهن وتحب أن تلعب كل ألعاب الذاكرة، حتى قبل أسبوعين فقط من وقوعها فريسة للمرض، لم تفقد قدرتها الفذة على الحكي وتذكر كل التفاصيل الدقيقة عن عائلتها منذ كانت طفلة صغيرة وما عاشته في أثناء الحرب العالمية الثانية وقصصاً كثيرة عن حياة ملوك أوروبا والممثلين والمغنيين والموسيقيين الذين كانت تتابع أخبارهم وتعرف كل تفاصيلهم منذ صغرها وتحتفظ في كراسات خاصة بصورهم جميعاً، حتى الكومبارس الموجودين في خلفية مشهد ما.

وتروي المؤلفة كيف اعتقدت أن جدتها الهولندية باردة المشاعر وهي صغيرة حين ذهبت بصحبة والدتها لزيارتها في أوروبا. كان موعد الطائرة قد تغير ولم تستطع أمها أن تخبر جدتها بموعد وصولهما، فأخذتا القطار من أمستردام إلى مدينة زوولة، حيث تعيش هناك. كانتا تضحكان وهما تتخيلان الإثارة التي سيحدثها وصولهما المفاجئ. وعندما وصلتا بالفعل، صدمت الحفيدة عندما وجدت جدتها تفتح الباب بكل هدوء وتسلم عليهما ببساطة كأنهما كانتا تشتريان الخبز من السوق وتأخرتا فقط لمدة نصف ساعة!

ذُهلت الحفيدة من هذا الاستقبال البارد، ولكن أمها شرحت لها أن الجدة تشعر بالفرحة ولكن طريقتها في التعبير عن ذلك مختلفة عنهم في مصر، نحن الذين نصرخ ونبكي ونتعانق عندما نقابل شخصاً عزيزاً جاء من السفر. من هنا عرفت المؤلفة مبكراً ومنذ صغرها أنها معلقة بين عالمين مختلفين تماماً وثقافتين تتنازعان، ليس فقط بين عائلتيها هنا وهناك، ولكن بداخلها أيضا كصراع كان كبيراً في صغرها لكنها حسمته فيما بعد وتعايشت معه واستغلته لصالحها، مع انحياز كامل للحياة في مصر التي رفضت أن تغادرها إلا لفترات محدودة.

من منظور الأم غيردا عن شخصية زوجها المستقبلي، كان لأنور نصيب من اسمه، فهو يضيء المكان الذي يوجد به بحكاياته وضحكاته وشخصيته الجذابة. يعشقه الكبير والصغير على السواء كما أنه وسيم ورياضي ويمارس السباحة بانتظام. يستطيع التحدث ببساطة مع الجميع، أنيق في ملابسه ووجهه دائماً مبتسم وله ضحكة خلابة. برع في الرقص، خاصة التانغو الذي قلما رأت أحداً يرقصه ببراعة مثله. كان الفتى المحبوب في عائلته، أخواته يفضلن أن يلجأن إليه في مشاكلهن أكثر من أخيهن كمال الأكثر عصبية وتحفظاً. لم يكن غريباً أن تقع في حبه من أول نظرة.

لم يسر الأمر بسلاسة مطلقة، فقد كان صعباً على والد غيردا، الجد بيريند، أن تتزوج ابنته في بلد بعيد ومن رجل مسلم، خاصة أنه لم ير أنور أو أحداً من العائلة، لكن غيردا كانت قد أخبرته بالغرام الشديد بينهما في رسائلها إليه وإلى أمها وأختيها، كما أخبرتهم بجدية أنور في العلاقة وحدثتهم كثيراً عن شخصيته الحنونة المحبة.

رحلة المرض والموت

بدأت رحلة غيردا مع المرض و«التيه الطويل» حين بدأت تفقد تركيزها وتنسى الكثير من الأشياء وتخلط بين الأشخاص والأماكن، كما تخلط بين المطبخ ودورة المياه. قال طبيب الصدر الشهير إن ما بها قد يكون نقصاً في الأكسجين وعليها أن تتوقف عن التدخين. كان هذا أمراً شبه مستحيل، فهي تدخن منذ كانت في الرابعة عشر وهي الآن في الرابعة والثمانين لا تترك السيجارة فمها. خبأت الابنة كل السجائر، وبالفعل نجحت لمدة أسبوعين ولكنها شاهدتها ذات مرة تجلس في الشرفة وتمسك بولاعتها تشعلها وتشمها وتعود تشعلها وهي تبحث في جيوبها عن شيء وتحضر حقيبتها وتلقي بكل ما فيها آملة أن تجد سيجارة. كانت تبحث في كل مكان بالمنزل. شعرت ابنتها بمدى تعاستها، قررت أن عدة سجائر في اليوم لن تضر لكن لم تتوقف حالات هذيانها وصراخها من ألم غير مفهوم.

بل كانت حالتها تسوء. تنتابها نوبات من الشك والارتياب في كل من حولها وبدأت تتصرف تصرفات عجيبة. كانتا على وشك الخروج ذات مرة، طلبت فيموني من الخادمة أن تعد حقيبتها ووضعت الدواء بداخلها مع بضعة مناديل ورقية. ظنت الأم أن الخادمة تريد سرقتها أو ربما تريد قتلها لسرقة خاتم أمها الثمين الذي تحبه، فحاولت الهرب من المنزل ولما لم تقدر تظاهرت بالنوم على المقعد وانتهزت فرصة دخول الخادمة إلى المطبخ لتحضر كوباً من الماء ثم اختفت من المنزل.

جن جنون أولادها تماماً وهم يبحثون عنها في كل مكان، نزلت الابنة إلى الشارع تسأل كل من يمر إن كان رأى امرأة كبيرة في السن تسير وحدها. شعرت بالرعب أن يحدث لها مكروه وعندما رجعت إلى المنزل كانت تصرخ وتبكي كالمجنونة، وفجأة خرجت الأم من وراء ستارة حجرة الطعام. صرخت فيها الابنة قائلة:

- أنتِ هنا وراء الستارة طوال الوقت؟

ردت وهي تهمس:

- قدماي آلمتاني من كثرة الوقوف ولم أستطع مناداتك حتى لا تعرف تلك المرأة - تقصد الخادمة - بمكاني وتقتلني.

تقبلت فيموني مرض والدتها وصارت تتعامل مع مزاجها المتقلب كشيء روتيني. لم يكن هناك خيار آخر، تعودت أن تطلب من الطبيب تغيير دوائها عندما تزداد حالاتها سوءاً. كما رفضت أن تودعها داراً للمسنين في هولندا لتلقي رعاية أفضل، كانت سرعان ما تطرد ذلك الخاطر بعيداً. لم تتحمل أن تبتعد عنها كما لم تتخيل أنها ستفقدها قط، كانت تنخرط في البكاء إن تخيلت حدوث أي شيء لها.

وتروي فيموني عكاشة مشهد النهاية المؤثر قائلة: «في الساعة الثامنة صباحاً، استيقظت على مكالمة من المستشفى تبلغني أن السيدة غيردا توفيت. لم أعِ ما أقوله، طلبت من المتحدث أن يكرر ما قاله. وعندما فعل قلت له: هل أنت متأكد أنها السيدة غيردا؟ أبلغني تعازيه وكلمات أخرى حاول أن يواسيني بها. أقفلت الهاتف وأنا أبكي، أمي الصامدة دوماً لا يمكن أن ترحل عن الحياة، كيف لكل تلك البهجة والحيوية أن تموت؟».