البنتاغون يرفض إرسال قائد غوانتانامو إلى محكمة فرنسية

معتقلون فرنسيون سابقون قاضوه

البنتاغون يرفض إرسال قائد غوانتانامو إلى محكمة فرنسية
TT

البنتاغون يرفض إرسال قائد غوانتانامو إلى محكمة فرنسية

البنتاغون يرفض إرسال قائد غوانتانامو إلى محكمة فرنسية

رفض البنتاغون طلب محكمة في فرنسا بأن يمثل أمامها الجنرال جفري ميلر، القائد السابق لسجن غوانتانامو، ليشهد في قضية رفعها فرنسيان مسلمان كانا اعتقلا في غوانتانامو.
من جهته، قال مصدر عسكري أمس إن البنتاغون، عادة، لا يجيب عن مثل هذه المواضيع القانونية، خاصة إذا جاءت من جهات قانونية أجنبية، وإن هذه ثاني مرة تستدعي فيها محكمة فرنسية الجنرال ميلر، وثاني مرة لا يجيب فيها البنتاغون.
واستدعت محكمة في باريس الجنرال ميلر للمثول أمامها في الأول من الشهر المقبل. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن المحكمة تشك في أن أمرها سينفذ.
وفي عام 2001، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وغزو أفغانستان، اعتقلت القوات الأميركية هناك الفرنسيين نزار ساسي ومراد بنشلالي بتهمة القتال مع منظمة القاعدة. ثم نقلتهما إلى سجن غوانتانامو، حيث بقيا معتقلين حتى عام 2005، عندما أطلق سراحهما، وعادا إلى فرنسا. في وقت لاحق، رفعا قضايا في محاكم فرنسية ضد المسؤولين عن السجن، بقيادة الجنرال ميلر، بتهمة الاعتقال غير القانوني، والتعذيب، والإهانة.
يوم الخميس، من جهته، قال نزار ساسي لصحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية أول من أمس: «أمر غريب أن نرى جنرال غوانتانامو يستدعي، مثل أي شخص آخر، ليمثل أمام محكمة فرنسية»، لكن، قال ساسي إنه، أيضًا، يشك في أن الجنرال ميلر سيمثل أمام المحكمة.
وخلال السنوات القليلة الماضية، دعم مراد بنشلالي ونزار ساسي تحركاتهما القانونية بإرسال تقارير إلى مركز الحقوق الدستورية في نيويورك، وإلى المركز الأوروبي لحقوق الإنسان، وإلى منظمات دولية أخرى تدافع عن حقوق الإنسان.
وأمس، قال المصدر العسكري إن البنتاغون رفض في العام الماضي طلبا مماثلا من محكمة فرنسية أخرى. في ذلك الوقت، قال مايلز كاغين، متحدث باسم البنتاغون: «لا تعلق وزارة الدفاع على إجراءات قانونية دولية. هنا، في الولايات المتحدة، نحن حققنا في اتهامات عن سوء معاملات، وخشونة في التحقيقات، ونشرنا ذلك».
وهذه إشارة إلى تقرير الأدميرال ألبرت جيرج، الذي نشر في عام 2005، والذي جاء فيه أن التحقيقات كشفت «فقط ثماني حالات سوء معاملة، وهي من النوع الأقل أذى في مقياس العنف الجسدي».
في نفس عام 2005، نشر الجنرال الجوي راندل شمت نتائج تحقيق منفصل، وجاء فيه أن الجنرال ميلر، المطلوب الآن أمام المحكمة الفرنسية «يجب أن يعاقب لأنه فشل في مراقبة السجن مراقبة كاملة، ولأنه لم يضع حدا أقصى لوسائل المعاملة، ولطرق التحقيق».
لكن، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، لم يحقق أي شخص مع الجنرال ميلر.
وفي الأسبوع الماضي، دعت منظمة العفو الدولية إدارة سجن غوانتانامو لمعالجة معتقل قالت إنه تعرض لتعذيب وحشي، خاصة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). جاء ذلك في خطاب من مارغريت هوانغ فان، مديرة الفرع الأميركي للمنظمة، إلى مساعد وزير الدفاع للشؤون الصحية.
طلب الخطاب الإسراع بمعالجة السعودي مصطفى الهوساوي. وقال الخطاب إنه يعاني «مشكلات عدة في المستقيم، مؤلمة جدا ومهينة، وقد تكون نتيجة عمليات تعذيب مارسها موظفون أميركيون خلال اعتقاله».
وأضاف الخطاب أن الهوساوي: «لم يتلق أي علاج ضد الآلام المبرحة، ولم يخضع لفحص طبي جراحي ضروري»، وأن الامتناع عن تقديم «علاج طبي مناسب، ودائم، للمعتقل يخالف الالتزامات القانونية الدولية للولايات المتحدة».
لكن، قالت وكالة الصحافة الفرنسية، أول من أمس، إن الناطق باسم البنتاغون غاري روس رفض التعليق على قضية الهوساوي، لكنه قال إن «كل المعتقلين في غوانتانامو يتلقون علاجا طبيا يعادل ما يحصل عليه العسكريون الأميركيون الذين يعملون في غوانتانامو».
وفي عام 2014، أشار تقرير مجلس الشيوخ عن سجن غوانتانامو إلى التعذيب الذي خضع له الهوساوي عندما كان سجينا لدى «سي آي إيه»، قبل نقله إلى غوانتانامو.
وفي الوقت الحاضر، بعد أكثر من 14 عاما على هجمات 11 سبتمبر، تظل محاكمة الهوساوي، وآخرين متهمين بترتيب الهجمات، بقيادة خالد شيخ محمد، تشهد تعقيدات قانونية.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.