وسعت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن والمحالفة ميدانيًا نظام بشار الأسد، معركتها من ريف محافظة حلب الشمالي بشمال غربي سوريا، إلى ريف محافظة الحسكة الجنوبي في شمال شرقي سوريا، حيث حققت تقدمًا سريعًا جدًا ضد تنظيم داعش. في حين بدت المعركة في ريف حلب الحدودي مع تركيا شبه مجمّدة، في خطوة بدت تهدئة للتوتر مع تركيا التي تواصل مدفعيتها قصف مناطق سيطرة ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية في «جيب» مدينة عفرين الكردي والمنطقة المجاورة لمدينة أعزاز في شمال حلب.
مصدر كردي بارز تحدث لـ«الشرق الأوسط» قال إن الابتعاد عن التصعيد في ريف حلب الشمالي، ومن ضمنه عدم التقدم إلى مدينة أعزاز، «يأتي كمسعى لتجنب إحراج حليفنا الرئيسي الولايات المتحدة الأميركية مع تركيا»، قائلاً: «نحن لا نستخدم منطق تخيير واشنطن بيننا وبين تركيا في العلاقة مع الولايات المتحدة»، مؤكدًا أن الأكراد «يعون أهمية العلاقة مع أميركا، ويدفعون باتجاهها، ويعون أنه لا يمكن التفريط بهذه العلاقة مهما كانت الظروف»، واصفًا تلك العلاقة بـ«الاستراتيجية».
وقال المصدر إن منطقة الشدادي، في ريف الحسكة، تتمتع بأهمية بالغة بالنسبة للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ويأتي الهجوم فيها تأكيدًا لهذا التعاون مع التحالف الدولي. وتابع: «من يقصف (داعش) في الشدادي اليوم أمام تقدم قوات سوريا الديمقراطية، هي الولايات المتحدة، وهذا ما يظهر حجم التنسيق والتشاور والتحاور مع الولايات المتحدة». ثم قال إن محاربة «داعش» و«جبهة النصرة» و«من يحاصرون عفرين اليوم» هي «أولوية بالنسبة لنا».
هذا، وحققت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» تقدمًا كبيرًا في منطقة الشدادي أمس، وصفه رامي عبد الرحمن مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأنه «الأسرع والأكثر أهمية في المعركة الدائرة ضد (داعش) في شمال سوريا». وقال عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن معركة الشدادي منفصلة عن معركة ريف حلب، لكن الأخيرة «لا تشهد هجمات بالوتيرة التي كانت قائمة الأسبوع الماضي، رغم أن هناك اشتباكات محدودة، وقد تمكنت قوات المعارضة من استعادة السيطرة على بلدة الشيخ عيسى»، مشيرًا إلى أن خريطة المعارك الميدانية في ريف حلب «تظهر أن هناك تراجعًا في وتيرة هجمات الأكراد، ما يشير إلى أن التقدم إلى مارع، كما كان مخططًا، لن يتحقق في الفترة الآنية».
وعلى العكس من ريف حلب، قال عبد الرحمن (وهو كردي) إن مقاتلي «سوريا الديمقراطية» الذين يتألفون من مقاتلون أكراد وحلفائهم العرب «سيطروا على نحو 50 كيلومترًا حلال 72 ساعة، وباتوا على مشارف مدينة الشدادي»، مؤكدًا أن هذا التقدم «هو الأسرع في المنطقة، ويحظى بدعم أميركي». وأردف «إذا استمر التقدم بهذه الوتيرة، فإن مقاتلي سوريا الديمقراطية سيسيطرون على الشدادي خلال ساعات». ويلتقي ذلك مع ما أكده مصدر كردي بأن معركة الشدادي «كان مخططًا لها منذ العام الماضي، وحددت ساعة الصفر قبل بدء الهجوم». وأكد عبد الرحمن أيضًا أن تنظيم داعش «بات اليوم محاصرا في الحسكة على يد مقاتلي الميليشيا ذات الغالبية الكردية وفي ريف حلب الشرقي على يد قوات النظام وحلفائه»، مؤكدًا أن «أميركا وروسيا، تحاصران داعش بالوكالة، وكل في منطقة عملياته (غرب نهر الفرات وشرقه) المرسومة وفق تنسيق بينهما».
وحسب «المرصد» فإن ميليشيا «سوريا الديمقراطية» قطعت طريقين رئيسيين يستخدمهما «داعش» لنقل الإمدادات، الأولى تصل بين الشدادي ومدينة الموصل في العراق، والثانية تربطها بالرقة، معقل التنظيم في سوريا. وتمكنت أيضا من السيطرة على حقل كبيبة النفطي، شمال شرقي الشدادي، إثر اشتباكات وغارات جوية نفذتها طائرات التحالف الدولي.
التقدم في الشدادي، قطع طريق الإمداد بين معقل التنظيم في الرقة مع مدينة الموصل، حيث استطاعت الميليشيا ذات الغالبية الكردية قطع طريق إمداد الموصل - الشدادي من الشرق، وطريق الشدادي - الرقة من الغرب. وتتمتع المدينة الصغيرة التي تبعد 60 كيلومترًا عن مدينة الحسكة، وتعتبر «عاصمة» التنظيم في محتفظة الحسكة بأهمية استراتيجية أخرى، تتمثل في منع التنظيم المتشدد من الاستفادة من آبارها النفطية، علما بأن النفط هو الشريان الحيوي لتمويل التنظيم. وتضم الشدادي حقل نفط «الجبسة» وفيها مديرية حقول الحسكة ومعمل للغاز الحر. وتتبع للمديرية، آبار في أرياف الحسكة والرقة ودير الزور، تعد بالمئات، فضلاً عن محطات نفطية منها غونة والحويزية والكبيية والجبسة تربطها بمصفاة حمص وبانياس. وكانت تنتج شهريا ما بين 28 إلى 30 ألف برميل. أما الجسة، نفسها، فمنطقة صحراويّة وفيها عدد قليل من القرى ومعمل الغاز ينتج قرابة 16 ألف متر مكعب يوميا ويغذي محطات الوقود في المحافظات الوسطى والداخلية في سوريا. وحسب التقارير بدأت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» عملية عسكرية في ريف الحسكة الجنوبي فجر الثلاثاء على ثلاثة محاور، وحسب «المرصد» السوري هذا التقدم السريع يعود إلى الغارات الكثيفة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وعلى جبهة أخرى في محافظة حلب، بشمال غربي سوريا، حققت الميليشيا نفسها تقدمًا خلال الأيام الماضية على حساب فصائل المعارضة ما أثار استياء تركيا التي بدأت السبت الماضي قصف مواقع سيطرة الانفصاليين الأكراد في الريف الشمالي. واستهدفت المدفعية التركية طوال ليل الخميس الجمعة مواقع سيطرة الانفصاليين الأكراد في قصف هو «الأعنف» منذ أسبوع، وفق عبد الرحمن. ووسعت تركيا هذه المرة من دائرة استهدافها، بحسب عبد الرحمن، إذ لم يقتصر القصف على مناطق سيطرت عليها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» حديثا على مقربة من الحدود التركية، بل تعداها إلى مناطق في ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي بينها «جيب» عفرين الذي تقطنه غالبية كردية ويتاخم لواء الإسكندرونة (محافظة هاتاي التركية).
وترافق المعارك في سوريا غارات للتحالف الدولي بقيادة واشنطن الداعم للميليشيا ذات الغالبية الكردية، وأخرى روسية تؤمن غطاء جويا لقوات النظام السوري، أيضا للتقدم على حساب الفصائل المعارضة للنظام.
ميليشيا «سوريا الديمقراطية» تنقل معركتها إلى الشدادي «تجنبًا لإحراج واشنطن مع تركيا»
المرصد السوري لـ {الشرق الأوسط}: روسيا وأميركا تحاصران «داعش» بالوكالة في الحسكة وريف حلب الشرقي
ميليشيا «سوريا الديمقراطية» تنقل معركتها إلى الشدادي «تجنبًا لإحراج واشنطن مع تركيا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة