وزير العدل ييأس من «العدالة في لبنان».. ويلجأ إلى القضاء الدولي لملاحقة ميشال سماحة

خبير قانوني: الخطوة قد تواجه بعدم موافقة الحكومة وصعوبة تصنيفها في جرائم المحكمة الدولية

وزير العدل اللبناني أشرف ريفي في مؤتمره الصحافي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
وزير العدل اللبناني أشرف ريفي في مؤتمره الصحافي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
TT

وزير العدل ييأس من «العدالة في لبنان».. ويلجأ إلى القضاء الدولي لملاحقة ميشال سماحة

وزير العدل اللبناني أشرف ريفي في مؤتمره الصحافي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
وزير العدل اللبناني أشرف ريفي في مؤتمره الصحافي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)

أعلن وزير العدل اللبناني أشرف ريفي أنه سيلجأ إلى القضاء الدولي في ملف الوزير السابق ميشال سماحة، معتبرا أن «المحاكمة الزائفة له في لبنان لا تحول دون محاكمته مجددا أمام المحكمة الجنائية الدولية»، ورأى أن ما وصلت إليه الأمور في محاكمته كشفت النقاب عن حجم الاستنسابية في المنظومة القضائية الاستثنائية في لبنان»، في إشارة إلى قرار المحكمة العسكرية بتخلية سبيل سماحة الشهر الماضي، مقابل كفالة مالية قدرها 150 مليون ليرة لبنانية (100 ألف دولار)، بعدما أمضى أربع سنوات ونصف في السجن نتيجة إدانته بـ«محاولة القيام بأعمال إرهابية والانتماء إلى مجموعة مسلحة».
وكان وزير العدل قد وقّع مشروع مرسوم إحالة ملف سماحة على المجلس العدلي، باعتبار أن الجرائم التي ارتكبها تشكل اعتداء على أمن الدولة، وأحال المشروع على رئاسة مجلس الوزراء لإقراره والسير به، إنما اعتراض وزراء فريق «8 آذار»، ولا سيما حزب الله لا يزال يحول دون إقراره.
ويرى أستاذ القانون الدولي أنطوان صفير، أنّ إحالة القضية إلى المحكمة الدولية ليس بالأمر السهل وقد تواجه عوائق متمثلّة بموافقة الحكومة عليها، إضافة إلى صعوبة تصنيفها ضمن الجرائم التي تنص عليها المحكمة الجنائية الدولية. وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المحكمة الدولية تختص في البحث بثلاث جرائم هي الحرب والإبادة وضد الإنسانية، ومن الصعوبة تصنيفها ضمن إحداها»، مضيفا: «الموضوع دقيق من ناحية التصنيف ومن ناحية الإحالة الذي يتطلب موافقة الحكومة وهو الأمر نفسه الذي يحول دون إحالة القضية إلى المجلس العدلي، ومن ناحية التصنيف، إلا إذا وضعت المحكمة الجنائية يدها على الملف بقرار من مجلس الأمن الدولي وهذا الأمر من الصعب أن يجد طريقه نحو التحقيق».
وكان سماحة قد اعترف في الجلسة الأولى من إعادة محاكمته في يوليو (تموز) الماضي إفادته أمام المحكمة التي اعترف فيها بنقل متفجرات في سيارته إلى لبنان بعد تسلمها من مدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك في دمشق من أجل استخدامها في عمليات ضد شخصيات ومناطق لبنانية معينة.
ونشرت وسائل الإعلام اللبنانية أشرطة صوتية مسجلة لسماحة ساهمت في إدانته، إذ يتحدث فيها بوضوح عن مخطط التفجير مع شخص يدعى ميلاد كفوري، وهو الشخص الذي وشى به إلى السلطات. وقال سماحة إن كفوري هو الذي «استدرجه» إلى هذا المخطط.
وفي مؤتمره الصحافي قال ريفي: «اتخذ اليوم هذه الخطوة وأنا أدرك أن المخاطر كبيرة، لكن ذلك لن يخيفنا، وأنا اليوم كمواطن لبناني، وكوزير للعدل، مسؤوليتي أن أبقى دائما على قدر الآمال التي حلم بها الشعب اللبناني».
وسأل: «كيف يطلق سراح مجرم استهدف العيش المشترك، كيف يتجرأ البعض في الدفاع عن الذي قرر أن يتآمر على وطنه أرضاء لمخططات الفتنة والقتل، بأن ينسف موائد الإفطار في شهر التسامح والمغفرة، كيف يفلت من العقاب العادل من خطط لاستهداف مشايخ أجلاء وصائمين أبرياء كيف نغفر ذنب من تواطأ مع النظام السوري على حساب مصلحة وطنه واستقراره فخطط لاستهداف نواب وقيادات سياسية وشخصيات دينية ومرجعيات روحية، كيف نسامح من أراد إشعال بذور الفتنة بين المسلمين والمسيحيين أرضاء لأوامر أسياده في الخارج، كيف نصمت عن كل ذلك؟»، مضيفا: «هل ظنوا أننا صم بكم عمي، ربما هكذا أرادونا ولكننا لم نكن ولن نكون».
وأضاف ريفي: «لم نترك بابا للوصول إلى العدالة في لبنان إلا وطرقناه، أما وقد أوصدت دوننا الأبواب بفعل المحاولات المستمرة لتعطيل القرار في مجلس الوزراء من قبل قوى الأمر الواقع، وإصرارهم على عرقلة إحالة القضية إلى المجلس العدلي، لا لسبب إلا لأنهم يعلمون علم اليقين أن هذه الإحالة ستجعل القضية في أيدي من هم أصلا أهل لها، حيث لا نفوذ لهم ولا تأثير. إنني أجد نفسي مضطرا لا بل مدفوعا بواجبي الوطني والأخلاقي، أن أضع بين أيدي اللبنانيين خيارا لا مفر منه وهو اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.