خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز الرسمية للصين، التقت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية الصيني وانغ يي، وأجرت معه حوارا مستفيضا، تناول أهمية زيارة الأمير سلمان ومضامينها، بجانب طيف من القضايا الإقليمية والدولية.
أُجري اللقاء في «قاعة الشعب الكبرى»، المبنى الضخم الذي تُنظم فيه اللقاءات الرسمية الكبرى، وتُعقد في أحد أقسامه الثلاثة جلسات مجلس نواب الشعب.
تُعدّ «القاعة» (حسب التسمية الرسمية) أحد أشهر المعالم المعمارية في العاصمة الصينية بكين، بل في عموم الصين. وكان هذا الصرح اللافت المطلّ على ساحة تيان آن من في قلب بكين، قد شُيّد عام 1959 بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، ويلقب بـ«أحد المباني العشرة العظام»، وهي عشرة مبان شيّدت في ذلك العام التاريخي. استغرق بناء هذا الصرح عشرة أشهر، وأُنجز بأيدي متطوعين.
ولي العهد السعودي التقى رئيس الدولة الصينية في إحدى ردهات «القاعة»، التي لا تغيب عنها صورة الزعيم المؤسس ماو تسي تونغ والنجمة الحمراء، بينما كانت «الشرق الأوسط» تنتظر الموعد المحدد مع الوزير وانغ.
جرى اللقاء مع الوزير مباشرة بعد نهاية اجتماع الأمير سلمان بالرئيس الصيني في الردهة المجاورة، وقد تجاوز موعده المحدد. وحين سألت «الشرق الأوسط» الوزير وانغ عن السبب، أجاب بأن الارتياح الذي ساد أجواء اللقاء دفع الطرفين للإسهاب في المواضيع. وقال أيضا، إن الزيارة حققت هدفين؛ الأول رفع مستوى التنسيق، والثاني توسيع مجالات التعاون الاستراتيجي وكامل الأبعاد. وأكد الأمير سلمان، خلال الاجتماع، مبدأ الصين الواحدة، وأدان الحادثة الإرهابية التي وقعت في الصين. كما تناول البحث بين الجانبين السعودي والصيني، مسائل إقليمية، في مقدمتها سوريا والقضية الفلسطينية والمشروع النووي الإيراني، وكانت الرؤى متفقة حيال معظمها. ولقد أثنى الرئيس الصيني على الزيارة، وأكد ضرورة قيام منطقة «تجارة حرة» مع الخليج، وكان هناك توافق ملحوظ حول مصر. وبالنسبة لسوريا، كان ثمة توافق في الرؤية العامة، مع تأكيد بكين رؤيتها الخاصة في هذا الشأن.
الوزير وانغ يي (60 سنة)، دبلوماسي مخضرم محترف، تتميز شخصيته بالتفاعل والانفتاح. يتكلم اللغة اليابانية بطلاقة، وتولى لفترة منصب السفير في طوكيو. وهو خريج جامعة بكين للدراسات الدولية (قسم اللغات الآسيوية والأفريقية) حيث درس اليابانية. وبعد التحاقه بالعمل الدبلوماسي، درس في معهد العلاقات الخارجية بجامعة جورجتاون في العاصمة الأميركية واشنطن. ثم حاز الماجستير في العلاقات الدولية في جامعة بكين للشؤون الخارجية. وفي فبراير (شباط) 2001، رُقّي إلى منصب نائب وزير خارجية للشؤون الآسيوية. وبعد توليه السفارة لدى اليابان، ثم إدارة شؤون تايوان، عُيّن في مارس (آذار) 2013 وزيرا للخارجية. وهو صهر تشيان جيادونغ، أحد كبار معاوني رئيس الوزراء الأسبق شو إن لاي. وفيما يلي نص المقابلة:
* كيف تقيّمون زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلمان لبلادكم؟
- هذه الزيارة التي جاءت بناء على دعوة من نائب الرئيس الصيني لي يوانتشاو، تُعدّ الزيارة الأرفع من نوعها، بعد زيارة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز لبلادنا في يناير (كانون الثاني) 2006، وبعد الزيارة الثانية لولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز بعد 15 عاما. فهي زيارة تاريخية نعلق عليها أهمية كبيرة. وقد جرى للأمير سلمان استقبال رفيع، إذ التقى كلا من الرئيس شي جينبينغ، ورئيس مجلس الدولة لي كتشيانغ، ومستشار الدولة ووزير الدفاع تشانغ وانتشيوان. كما أجرى نائب الرئيس لي يوانتشاو محادثات مع ولي العهد السعودي، توصل خلالها الجانبان إلى توافق كبير حول العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، ووقعا على مجموعة من وثائق التعاون الثنائي، وأصدرا بيانا مشتركا.
وقد أجمعت قيادتا الجانبين، على ضرورة الارتقاء بعلاقات الصداقة الاستراتيجية بينهما إلى مستوى أعلى في الظروف الراهنة، بما يفتح آفاقا جديدة لعلاقات ثنائية مستمرة، مما يستوجب من كل من الجانبين مواصلة التفاهم وتبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر. والعمل على توسيع التعاون في مجالات العلوم والتقنية المتقدمة، مثل القطارات الفائقة السرعة، والاستخدام السلمي للطاقة النووية، والطيران، والفضاء. بالإضافة إلى توثيق التعاون في المجالات التقليدية مثل الطاقة، والاقتصاد، والتجارة، وغيرها. وتكثيف التبادل في المجالات الثقافية والإنسانية. والإسراع في إقامة منطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي. والعمل على دفع إقامة «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير»، و«طريق الحرير البحري في القرن الـ21»، بما يضفي حيوية جديدة على صداقة الجانبين. وعليه، يمكن القول إن زيارة ولي العهد، الأمير سلمان بن عبد العزيز، للصين، تكللت بنجاح تام.
* كيف تقيّمون العلاقات الصينية - السعودية في ظل الوضع الراهن؟
- لقد شهدت العلاقات الصينية - السعودية، في السنوات الأخيرة، تطورا شاملا وسريعا، بفضل العناية الشخصية لقيادتي البلدين، وجهودهما المشتركة، حيث أقاما صداقة عزيزة وأخوة طيبة، وجعلا بلديهما شريكين وثيقي الصلة، يتعاملان مع بعضهما البعض على قدم المساواة، ويتبادلان الدعم والتأييد، ويتعاونان من أجل تحقيق مكاسب مشتركة. ويعود تطور العلاقات بين البلدين بشكل أساسي، كما يرى الجانب الصيني، إلى ثلاثة أسباب:
أولا، الاحترام والثقة المتبادلان اللذان يعدان أساسا مهما لتطوير العلاقات الثنائية. وعلى الرغم من اختلاف التاريخ والثقافة والنظام الاجتماعي والنمط التنموي بين الصين والسعودية، فإن البلدين تعاملا دائما مع بعضهما البعض، على قدم المساواة، وفي إطار من الثقة والاحترام المتبادل. الأمر الذي ضمن تطورا مستمرا للعلاقات الثنائية مضى في الاتجاه السليم.
ثانيا، يعدّ التعاون ذو المنفعة المتبادلة قوة دافعة مستمرة لتطوير العلاقات الثنائية، التي باتت تتميز بالتكامل الاقتصادي القوي، الذي يخلق في المجرى العملي توافقا على مستوى المصالح الأساسية للشعبين، وآفاقا واعدة.
ثالثا، تعدّ الصداقة الشعبية رابطة مهمة لتقريب العلاقات بين البلدين. إن الصداقة التقليدية التي تربط بين الشعبين الصيني والسعودي تشكل أساسا اجتماعيا وشعبيا متينا لتطوير العلاقات الثنائية.
إن تعزيز علاقات الصداقة الاستراتيجية بين الصين والسعودية، في الوضع الراهن، لا يتفق مع المصلحة الواقعية والطويلة المدى للبلدين والشعبين وحسب، بل يساهم في تدعيم أسس السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم.
* على مدى أكثر من ألف سنة، حافظت شعوب الخليج والشعب الصيني على علاقات ودية، عبر طريق الحرير الذي حقق التبادل التجاري والتواصل الثقافي بين الجانبين. فما البرامج التي سيجري تنفيذها لدفع التواصل الثقافي والأكاديمي بين البلدين؟
- للصداقة بين الصين والبلدان العربية جذور ضاربة في أعماق التاريخ. إذ ربط طريق الحرير الصين بالبلدان العربية قبل ألفي سنة. وتعمل الصين الآن على الدفع باتجاه بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير»، و«طريق الحرير البحري في القرن الـ21»، اللذين يلتقيان في غرب آسيا حيث تقع السعودية وشمال أفريقيا، مما يخلق فرصا، ويؤسس لمستقبل واعد للصين ودول المنطقة، لتحقيق التنمية المشتركة والازدهار للجميع. إننا على استعداد للعمل مع الجانب السعودي من أجل بناء «الحزام» مع «الطريق»، وتوسيع مجالات التعاون، وتعميق تكامل المصالح، ورفع مستوى التعاون المتبادل المنفعة، وإحياء «طريق الحرير» الباهر.
* تجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية 73 مليار دولار، هل ترون أن تجارة النفط أساس العلاقات بين البلدين؟ وما رأيكم في مستقبل التعاون الصيني - السعودي في مجال الطاقة؟
- نحن نسعى دائما إلى تعزيز التعاون المتعدد الأبعاد مع السعودية، الذي يحقق منفعة متبادلة ومكاسب مشتركة للطرفين. ومجال الطاقة، يعد فعليا، من أهم مجالات التعاون بين بلادنا والسعودية. وقد جاء انسجاما مع متطلبات التنمية في بلدينا، وحقق مصلحة مشتركة لشعبينا.
السعودية أكبر دولة منتجة للطاقة، واحتياجات الصين لها زادت بسبب نموها الاقتصادي. توجد إمكانيات ضخمة لتعاون متبادل المنفعة بين الجانبين. لكن تعاون بلادنا مع السعودية هو تعاون مميز، ولا يقتصر على مجال الطاقة، بل يشمل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها. وسنواصل تعزيز هذا التعاون المتبادل المنفعة بيننا في مختلف المجالات في المستقبل.
* ما رأيكم في التعاون الصيني - السعودي في مجال مكافحة الإرهاب؟
- التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب تعمق باستمرار في السنوات الأخيرة، وحقق تطورات إيجابية كثيرة. غير أن العالم ما زال يعيش وضعا معقدا وخطيرا على هذا الصعيد. من جانبنا، نرفض بشكل قاطع، الإرهاب بأشكاله كافة. وندعو المجتمع الدولي إلى التعاون في مكافحته، وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقواعد العلاقات الدولية المعترف بها. وندعو كذلك، إلى اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية ودبلوماسية لمعالجة ظاهرة الإرهاب بشكل شامل، بما يؤدي إلى تجفيف منابعه. كما نرفض اتخاذ معايير مزدوجة في مكافحة الإرهاب، أو ربطه بدولة معينة أو بعرق أو دين.
وفي هذا المجال، نقدر للسعودية إدانتها أعمال العنف الإرهابية الخطيرة، التي وقعت في أول مارس (آذار) في مدينة كونمينغ بمقاطعة يونان الصينية. إن كلينا متضرر من الإرهاب، ويواجه وضعا خطيرا ومعقدا في مكافحته. ونحن على استعداد لتعزيز التواصل والتعاون مع السعودية في هذا المجال وفقا لمبدأ الاحترام المتبادل والمساواة، من أجل حماية السلام والاستقرار في المنطقة، والعالم بأكمله.
* عبّرت الصين على الدوام عن اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط؛ فما الاعتبارات الجيوسياسية، عدا موارد الطاقة، التي تحفزكم على الاهتمام بالمنطقة؟
- منطقة الشرق الأوسط كتلة مهمة وفريدة من جميع النواحي الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية والطاقوية وغيرها. ونحن نهتم بحماية السلام والاستقرار في هذه المنطقة، وتعزيز التنمية المشتركة مع دولها. يرى البعض أن مشاركة بلادنا في القضايا الشرق الأوسطية تجري بينما أعيننا على الطاقة. لكن الحقيقة هي أن بلادنا بدأت دعمها للقضايا العادلة للشعب الفلسطيني بكل قوتها، قبل أن تستورد النفط من المنطقة.
إن ما يهمنا في منطقة الشرق الأوسط، يتمثل في النقاط التالية:
أولا، العدالة، أي حماية القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، واحترام خيارات الشعوب بإرادتها المستقلة.
ثانيا، السلام، أي حماية استقرار المنطقة، ودفع الحلول السياسية للقضايا الساخنة.
ثالثا، التنمية. إن التنمية السليمة في دول الشرق الأوسط تصب في مصلحة العالم، وفي مصلحة الصين أيضا.
رابعا، التواصل، أي تحقيق الاستفادة المتبادلة مما لدى الغير من مزايا، عبر الحوار بين مختلف الحضارات والتعلم المتبادل.
ونحن حريصون على تقديم المزيد من السلع إلى الشرق الأوسط في المستقبل، وتقديم مساهمات أكبر لتدعيم السلام والتنمية في المنطقة، وذلك تماشيا مع تنامي قدرتنا الذاتية.
* ما موقف الصين من البرنامج النووي الإيراني؟
- موقفنا من ملف إيران النووي واضح وثابت للغاية، إذ نرفض قيام إيران بتطوير وامتلاك الأسلحة النووية، ونؤيد منطقة الشرق الأوسط والخليج لأن تكون منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وقد جرى التوصل إلى أول اتفاق بين دول «5+1» وإيران، بعد عشر سنوات من المفاوضات، في جنيف نهاية العام الماضي. ويُعد ذلك تقدما مهما حققته الجهود الدبلوماسية منذ تفاقم موضوع ملف إيران النووي. وفي الآونة الأخيرة، أطلقت دول «5+1» مع إيران، المفاوضات حول الاتفاق الشامل، وعلى جميع الأطراف مراعاة هموم الآخرين، وتسوية الخلافات بشكل ملائم، والسعي إلى تحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وصولا إلى اتفاق شامل يَحل ملف إيران النووي بشكل شامل ونهائي في يوم مبكر، أي يحل المشكلة من جذورها. وهذا يخدم مصلحة إيران ومصلحة المنطقة برمتها.
وبوصف بلدنا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وعضوا في آلية دول «5+1»، فقد أوفينا بالالتزامات الدولية المطلوبة، وننصح بالتصالح والحث على التفاوض، ونسعى إلى إيجاد حل سلمي يراعي هموم جميع الأطراف. ونأمل من إيران ودول الخليج العربية تسوية الخلافات عبر التشاور والمفاوضات وحل المشكلات بشكل ملائم، بما يجعل العلاقات بينها أكثر وئاما وتناغما.
* فيما يتعلق بالصراع في سوريا، كان للصين موقف واضح للغاية يعارض التدخل العسكري الخارجي فيها. فما موقفكم من مباحثات جنيف وجهود التفاوض للتوصل إلى تسوية سياسية؟
- بعد أكثر من ثلاث سنوات من اشتعال فتيل الحرب في سوريا، أجمعت الأطراف الدولية كافة، على أن الحرب لن تحل المشكلة، وأن تحقيق الحل السياسي عبر المفاوضات يمثل الطريق الوحيد للخروج من الأزمة. وقد أجرت الحكومة السورية والمعارضة جولتين من المفاوضات، في إطار مؤتمر جنيف لغاية الآن، حيث أعرب كلاهما عن رغبته في مواصلة المفاوضات، على الرغم من وجود خلافات وصعوبات، وهذا ليس أمرا سهل المنال. كما قلتُ في مؤتمر «جنيف 2»، يجب أن يكون الحوار والتفاوض عملية متواصلة تستلزم جهودا مستمرة من دون انقطاع، إذ إنه من المستحيل التعويل على مؤتمر أو اثنين لفك عقدة الكراهية التي تراكمت خلال الاشتباكات الدموية الدائرة منذ ثلاث سنوات. كما يجب على المجتمع الدولي تشجيع الطرفين السوريين على إجراء الجولة الثالثة من المفاوضات في أسرع وقت ممكن وفقا لروح بيان اجتماع جنيف، والاستمرار في المفاوضات حتى الخروج بالنتائج وإيجاد «الطريق الوسط» الذي يراعي هموم الطرفين ويحظى بقبول لدى جميع الأطراف، بما يحقق السلام للبلاد، ويضمن مستقبل الشعب.
إننا كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ندرك تماما مسؤوليتنا والتزاماتنا في الحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين. وإن موقفنا من المسألة السورية موضوعي ومنصف وجدي ومدروس، وجوهره يتمثل في: أولا، ضرورة الحفاظ على المقاصد والمبادئ لميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، خاصة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بوصفه إحدى مسلمات العلاقات الدولية.
ثانيا، ضرورة الحفاظ على الاستقلال والسيادة وسلامة الأراضي للبلدان، فهو أساس النظام الدولي.
ثالثا، ضرورة الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وحماية المصلحة الأساسية والبعيدة المدى للشعب السوري، وذلك من ثوابت سياستنا تجاه منطقة الشرق الأوسط.
على مدى ثلاث سنوات، بذلنا جهودا دؤوبة، سواء في الدفع باتجاه حل سياسي أو باتجاه تدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا، أو تقديم المساعدات الإنسانية. شاركنا بشكل نشط في مؤتمر جنيف ومؤتمر جنيف 2، ولعبنا دورا بناء فيهما. وحافظنا على الاتصال مع جميع الأطراف السورية بأشكال مختلفة، ناصحين بالتصالح ومشجعين على التفاوض. كما شاركنا بنشاط في أعمال تدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا، وفي هذه اللحظة بالذات، تقوم السفن العسكرية الصينية بحراسة النقل البحري للأسلحة الكيماوية في سوريا، في البحر الأبيض المتوسط. ونتابع الأوضاع الإنسانية في سوريا باهتمام بالغ. ونشاطر الشعب السوري معاناته. وبذلنا جهودا كبيرة لدفع مجلس الأمن الدولي إلى تبني القرار بشأن القضية الإنسانية في سوريا بالإجماع. وفي الوقت نفسه، قدمنا دفعات عديدة من المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري واللاجئين السوريين في الخارج، عبر قنوات مختلفة. كل هذه الجهود تهدف إلى إيجاد حل سياسي للمسألة السورية، وإعادة السلام والأمان إلى الشعب السوري.
* كيف يقيم الجانب الصيني عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل وآفاقها؟ وما الدور الصيني في هذا الصدد؟
- جرى استئناف مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل في السنة الماضية، وهذا أمر جيد جدا. لكن مع تطرق المفاوضات إلى المسائل الجوهرية، زادت الصعوبات. قد اتخذ الجانب الفلسطيني موقفا مرنا وعمليا من أجل استمرار المفاوضات، فنأمل من الجانب الإسرائيلي تجنب وضع مواضيع جديدة في جدول أعمال المفاوضات، وجعل أقواله وأفعاله وخطواته تعزز من القوة المساندة وتقلل من القوة المقاومة، بما يضمن تقدم المفاوضات وعدم انحرافها. كما يجب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف منصف وعادل، والعمل على بذل جهود سلمية سعيا إلى تحقيق تقدم جوهري في المفاوضات في وقت قريب.
إننا كأصدقاء لفلسطين ولجميع الدول العربية، حافظنا على دعمنا الثابت لقضية الشعب الفلسطيني العادلة، وندعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وتلعب بلادنا باستمرار دورا إيجابيا في حل القضية الفلسطينية، إذ اتخذت، منذ العام الماضي، سلسلة من الخطوات المهمة في اتجاه النصح بالتصالح والحث على التفاوض، وفي مقدمتها الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع لتسوية القضية الفلسطينية التي طرحها الرئيس شي جينبينغ، خلال مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حين زار الصين، التي تكتسب أهمية كبيرة في بلورة التوافق الدولي حول تعزيز السلام.
وفي نهاية العام الماضي، زرت فلسطين وإسرائيل، حيث بذلت مزيدا من الجهود لدى الطرفين وفقا لـ«الرؤية ذات النقاط الأربع» للرئيس شي جينبينغ. وقلت لهما إن الاعتراف المتبادل بحق الوجود للجانب الآخر هو شرط مسبق للمفاوضات، وإن المراعاة المتبادلة لهموم الجانب الآخر عنصر لا غنى عنه، وإن التفكير في مكان الجانب الآخر سبيل إيجابية لدفع المفاوضات. أعتقد أنه إذا استطاع الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي ترجمة هذه النقاط الثلاث على أرض الواقع، فسيكون هناك أمل بنجاح المفاوضات.
لقد ظلت فلسطين ومعها الدول العربية متمسكة جميعا بمفاوضات السلام كخيار استراتيجي، ونحن نقدر ذلك تقديرا عاليا. إن حل القضية الفلسطينية يتطلب جهودا مشتركة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكذلك حشد عقول وجهود المجتمع الدولي. إن الصين حريصة على توفير المزيد من «الطاقة الإيجابية» لدفع مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل، ومشاركة الأطراف كافة في بذل جهود دؤوبة لتحقيق حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية في أقرب وقت.
* كيف تنظرون إلى العلاقات الصينية - الأميركية حاليا، لا سيما بعد لقاء رئيسي البلدين، الذي ركز على التنافس في المحيط الهادي وبرنامج كوريا الشمالية النووية والأمن الإلكتروني؟
- في يونيو (حزيران) الماضي، عقد الرئيس شي جينبينغ والرئيس أوباما لقاء تاريخيا في منتجع اننبيرغ بولاية كاليفورنيا الأميركية، وتوصلا إلى توافق مهم حول إقامة نمط جديد من العلاقات بينهما كدولتين كبيرتين. وهذا خيار استراتيجي اتخذته كل من الصين والولايات المتحدة بشكل مشترك، وتعهد جدي قطعه الطرفان أمام العالم بعد الاطلاع على الظروف العالمية والوطنية، وزخم تطور العلاقات الصينية - الأميركية. كما يعبر هذا عن عزم الصين والولايات المتحدة على كسر ما يُسمى بـ«الفخ التاريخي»، المتمثل في انزلاق العلاقات بين الدول الكبرى إلى المواجهة والمجابهة، وشق طريق جديد في عصر العولمة يخلو من المواجهة، أو المجابهة، ويقوم على الاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك.
لقد شهد التعاون بين الصين والولايات المتحدة تطورات جديدة ومستمرة في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والمحلية والإنسانية والثقافية والطاقوية والبيئية وغيرها، في ظل التوافق المهم بين رئيسي البلدين. ويبقى البلدان على تواصل وتنسيق فعالين حول القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية، وملف إيران النووي، والمسألة السورية، والتغير المناخي، وأمن الإنترنت وغيرها. ويعمل الجانبان على إقامة منظومة التفاعل الإيجابي، التي يغلب فيها التعاون على المنافسة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، حتى تصبح هذه المنطقة حقولا تجريبية لإقامة علاقات من نوع جديد بين الدول الكبيرة. ويمكن القول إن العلاقات بين البلدين مقبلة على فرص جيدة لتحقيق المزيد من التطور. الصين والولايات المتحدة دولتان كبيرتان تختلفان في النظام الاجتماعي والتاريخ والثقافة، وتعيشان مراحل مختلفة على مستوى التنمية، لذا توجد خلافات، وحتى مشاكل وتحديات في العلاقات بينهما بطبيعة الحال، ويتطلب هذا معالجة مدروسة وسليمة من الجانبين.
يصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ35 لإقامة علاقات دبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة. وخلال هذه الفترة، تحقق العلاقات تقدما تاريخيا، وفي الوقت نفسه، مرّت العلاقات بتعرجات وصعوبات كثيرة. إن أهم ما يمكن استنتاجه من هذه التجارب، ضرورة احترام المصالح الجوهرية، والانشغالات الكبرى، والسيادة، وسلامة الأراضي لبعضهما البعض. وكذلك احترام النظام الاجتماعي والطريق التنموي اللذين اختارهما الجانب الآخر، وإلا تعرضت علاقات البلدين للتشويش والأضرار. إننا على استعداد لبذل جهود مشتركة مع الجانب الأميركي، والتمسك بكل ثبات بإقامة نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى بوصفه الاتجاه الصحيح، والعمل على تعزيز التواصل والتنسيق والتعاون في المجالات كافة، وإيجاد حلول ملائمة للخلافات والملفات الحساسة، بما يدفع العلاقات الصينية - الأميركية إلى تحقيق تطور صحي ومستقر ومستمر لما فيه الخير للشعبين وشعوب العالم.
* سؤال أخير، ما تعليقكم على التوتر الذي تشهده العلاقات الصينية - اليابانية؟
- هذا التوتر غير مرغوب فيه. غير أنه جاء نتيجة خطوات استفزازية متكررة من جانب اليابان، تمس قضايا تاريخية، وكذلك قضية جزر دياويوي. قبل فترة ليست بعيدة، أصرت القيادة اليابانية على القيام بزيارة مبايعة لمعبد ياسوكوني الذي يقدس أرواح مجرمي الحرب العالمية الثانية، ضاربة بمعارضة شعوب مختلف الدول عرض الحائط، الأمر الذي لا يدمر الأسس السياسية للعلاقات الصينية - اليابانية بشكل خطير، ويجرح مشاعر الشعب الصيني وحسب، بل يمس بالثقة المتبادلة بين دول المنطقة على المستويين السياسي والأمني والسلام والاستقرار في المنطقة، وأثار الحذر والحيطة لدول الجوار في آسيا والمجتمع الدولي.
نحن نتمسك بالوسائل السلمية، ونلتزم سياسة الصداقة والشراكة مع دول الجوار. وندعو دائما إلى تطوير علاقات الصداقة والتعاون وحسن الجوار بين بلادنا واليابان، على أساس المبادئ الواردة في الوثائق السياسية الأربع بين البلدين، وبروح الاستفادة من عِبَر التاريخ، ونتوجه نحو المستقبل. وقد بذلنا ونبذل، منذ وقت طويل، جهودا جبارة من أجل تطوير علاقاتنا بطوكيو بطريقة صحية ومستقرة. ونحث الجانب الياباني على تصحيح موقفه من القضايا المتعلقة بالتاريخ والأراضي الإقليمية، والكف عن القيام بخطوات استفزازية، وتغيير نهجه، وكسب ثقة دول الجوار الآسيوية، من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة، ولعب دور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.