صور وكلمات.. من الداخل السوري

«أبو المجد» الضابط في النظام بعث برسائل نصية تضمنت أخبارًا من الخطوط الأمامية وشكوى من «الدوريات المملة الرتيبة»

صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)
صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)
TT

صور وكلمات.. من الداخل السوري

صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)
صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)

على امتداد أكثر من عام، قمنا بعمل صحافي استثنائي. من جانبه، حرص «أبو المجد»، ضابط شرطة سوري، جرت الاستعانة به كثيرًا في أدوار تليق بضابط جيش، على إرسال رسائل نصية إلينا طيلة الوقت، وضمت الرسائل أخبارًا من الخطوط الأمامية، وشكوى من الدوريات المملة الرتيبة التي يتعين عليه القيام بها، وأحيانا كانت تتخلل شكواه تعبيرات تكشف مشاعر رعب أو فخر أو شك.
بالنسبة لنا، كان أبو المجد بمثابة نافذة بالغة الأهمية على حرب مستعرة داخل سوريا أجبرنا في كثير من الأحيان على متابعتها عن بعد. أما بالنسبة له، فعلى ما يبدو دارت أهمية التواصل معنا حول الاتصال بأشخاص يعيشون خارج دائرة هذه الحرب الكارثية، لكنهم في الوقت ذاته لا يزالون يأبهون لما يمر به.
في 19 مايو (أيار) من العام الماضي، بعث أبو المجد ببعض الصور. بدا في واحدة منها وعلى وجهه علامات الإنهاك والتعب، وهو يدخن نرجيلة ويحاول رسم ابتسامة على وجهه، وأمامه ظهر قدحان من القهوة على الطاولة.
كان على وشك استقلال حافلة إلى تدمر، المدينة الصحراوية السورية التي كانت على وشك السقوط في يد تنظيم «داعش». في ذلك الوقت، كان كثير من القوات الحكومية قد فرت، لكن أبو المجد والعشرات معه صدرت لهم أوامر بالقتال في معركة رأى أنها محسومة سلفًا.
وقد التقط تلك الصور خصيصًا بهذه المناسبة، وبعث لنا برسالة يقول فيها: «تلك قد تكون آخر الصور».
ومنذ ذلك الحين، لم ترد إلينا أي رسائل منه. وبعد ستة أسابيع، تلقى والداه اتصالاً هاتفيًا من شخص وصف نفسه بأنه جندي، وحذرهم: «لا تتشبثوا بالأمل»، ثم أغلق الهاتف.
وتوجه والداه إلى مكتب أمني حيث سلم إليهما مسؤول بيروقراطي ورقة مكتوبا عليها: «مفقود»، وفيما بعد اتضح أن هذه الكلمة تخفي وراءها قصة مروعة لنضال جندي من أجل البقاء، وصراعاته الداخلية بين الواجب والخوف.
كنا قد تقابلنا مع أبو المجد منذ أكثر من عام أثناء إعداد تقرير عن مدينة تدمر في شهر أبريل (نيسان) 2014. كنا ضمن آخر مجموعة صحافيين دوليين زارت المدينة ورأت بقاياها القديمة؛ بعضها جرى تحطيمه من قبل تنظيم «داعش». كان عمر أبو المجد حينها يبلغ 24 عاما، وكان أحد أفراد الحراسات ضخمة العدد المكلفة بحمايتنا.
فقدت مدينة تدمر الحياة كما فقدت السياحة، وتستطيع أن ترى الرجال جالسين على بلاط شوارعها الخرسانية لا يفعلون شيئا. كان مسلحو «داعش» على بعد أميال قليلة شرقا، بينما احتلت دبابات الجيش السوري قلعة العصور الوسطي القابعة فوق الحطام.
همست النساء لنا عن أقربائهن الذين اختطفوا أو اختفوا في سجون النظام في أعقاب ثورة اجتاحت المدينة. كان بعضا من مرافقينا عصبيين، مما جعل البائعين بالمحال يحدقون فيهم بعيون متسعة. بالنسبة للجنود الصغار مثل أبو المجد، كانت زيارتنا تسلية نادرة، ففي وسط الحطام، تسلق الجنود الأحجار الجيرية الضخمة في خطوات عبثية.
وبعد ذلك بشهر، كتب أبو المجد لكي يقول فقط: «أهلا». وفيما بعد فتح أبو المجد هاتفه ليتحدث عن بعض الأشياء التي يفتقدها مثل شجر الرمان والعنب في التربة البركانية بقرية عائلته في مرتفعات الجولان.
ومع تطور المحادثة عبر «واتساب»، تأرجح أبو المجد بين فخره بالخدمة الوطنية التي يؤديها، والخوف والضجر، وحتى الغضب من الظلم والعجز الذي شاهده في أداء الحكومة في الحرب.
وبفحص المحادثات بشكل مستمر، اتضح أن أبو المجد كان على صلة بالمئات داخل سوريا عن طريق الهاتف، وتطبيق «سكايب»، و«واتساب»، و«فيسبوك»، و«تويتر»، وغيرها من المواقع. تنوعت اتصالاته بين أفرد من المنشقين عن الجيش؛ وإسلاميين متمردين، ونشطاء، ومسؤولين حكوميين، وأطباء، ورجال أعمال، وقادة في جميع المجالات. كان هناك أناس ممن يدعمون الحكومة وآخرون ممن يشمئزون منها، وآخرون ممن بقوا في المنطقة «الرمادية في الوسط» الذين فقط يريدون للحرب أن تنتهي.
فضلنا استخدام اسم الضابط «أبو المجد» اسما حركيا ولم ننشر صورته لكي نحمي عائلته ولكي نسلط الضوء على حياة «صف» وجنود الجيش النظامي. يندرج أبو المجد ضمن جماعة فرعية لكنها مهمة؛ جماعة سنية موالية للنظام. تهيمن الغالبية السنية في سوريا على المعارضة، كذلك على فئة المجندين الإلزاميين، وكذلك كثير من المدنيين المسالمين وموظفي الدولة من السنة. ولو أن كل السنة ثاروا لما استمر للرئيس بشار الأسد في الحكم للآن.

الموالي الهادئ
نشأ أبو المجد في «اليرموك»، معسكر اللاجئين الفلسطينيين الصاخب جنوب دمشق حيث يعيش أيضا كثير من السوريين. بعد فترة قصيرة من بداية الاحتجاجات والمظاهرات السياسية وعمليات الاعتقال التي قامت بها قوات الأمن عام 2011، فقدت عائلة أبو المجد بيتها وظلت تنتقل من بيت لآخر.
الضابط أبو المجد من الموالين، فهو ابن ضابط جيش متقاعد برتبة بسيطة، لكنه لم يكن من هؤلاء الذين ملأوا صفحاتهم على «فيسبوك» بأعلام سوريا أو صور الثوار القتلى، أو القسم بالولاء للرئيس الأسد، فكانت أغلب الصور التي تبادلها مع الآخرين إما لأصدقائه أو أقربائه.
كان أبو المجد قد التحق بوحدة شرطة قبل قيام الثورة بعام واحد، وكانت مهمته تعقب تجار المخدرات والبغايا. ولكن بعد أن شكلت الحرب ضغطا على الجيش، جرى إرسال كثير من وحدات الشرطة لمواقع القتال، وكُلف أبو المجد بالوقوف في الخطوط الأمامية لنقاط التفتيش ورصد أنشطة الثوار شرق مدينة حمص حول تدمر.
ونظرا لشح الإمدادات والهبوط الكبير في قيمة الليرة السورية، تقلص راتب أبو المجد، مما جعله يسخر من أن ما يتقاضاه يبلغ ما يعادل مائة دولار أميركي، وهو مبلغ يكفي بالكاد لشراء التبغ بنكهة التفاح التي يفضلها. كان أبو المجد يعيش قصة حب سرا مع ابنة عمه، لكنه الآن متخوف من عدم قدرته على تدبير نفقات الزواج منها بعد أن قتلته الوحدة. كتب أبو المجد في سبتمبر (أيلول) الماضي 2014: «أرجوك أخبرني ما آخر الأخبار. ليس لدينا تلفزيون هنا ولا كهرباء، أعيش في المنفى. أنا ميت.. ميت».
عندما حصل على تصريح بالعودة، عاد أبو المجد إلى بيته بمدينة دمشق، فقد كان غيورا من الجنود الذين يقضون مدة خدمتهم في العاصمة والذين يستطيعون تناول المشروبات والتنزه بصحبة الفتيات والاستمتاع بالكهرباء بشكل منتظم، ووصف ذلك بقوله: «أشعر كأنهم يعيشون في أوروبا».
أبلغنا أبو المجد ذات مرة بأنه رأى في الحلم أنه وقع في قبضة «داعش»، وكان ذلك بعد أن هاجم التنظيم نقاطا أمنية وقتل كثيرا من زملائه بمنطقة شاعر النفطية المجاورة. في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، كتب أبو المجد أنه موجود بمنطقة باردة في طقس ممطر ومحاط بمسلحين وفى انتظار تعزيزات. وتساءل: «لو أنني مت، فهل ستترحمون على؟».
* خدمة «نيويورك تايمز»



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.