آيديولوجية تطبيق الشريعة

قراءة نقدية في كتاب «السياسة الشرعية مدخل لتجديد الخطاب الإسلامي»

آيديولوجية تطبيق الشريعة
TT

آيديولوجية تطبيق الشريعة

آيديولوجية تطبيق الشريعة

كتاب «السياسة الشرعية مدخل لتجديد الخطاب الإسلامي» للباحث الأردني الدكتور عبد الله إبراهيم زيد الكيلاني الذي نتناوله هنا بالدراسة النقدية، يستبطن رؤية للعالم، وهي رؤية سابقة عن المنهج. ويبدو أن صاحبه لا يريد أن يُظهر للقارئ في المقدمة، أو في الفصول الأربعة المكونة للدراسة، أنه يدافع عن فكرة مركزية مخفية، وهي «تطبيق الشريعة الإسلامية»، ولذا بث الفكرة بشكل نسقي في البحث كله.
يتسم كتاب «السياسة الشرعية مدخل لتجديد الخطاب الإسلامي» للدكتور عبد الله إبراهيم زيد الكيلاني، وهو عمل بحثي رصين، بجدية لا غبار عليها، واستطاع مؤلفه أن يتجاوز بعض مطبّات الفقه التقليدي الإسلامي المتخلف، كما اتسم بوسطية واعتدال فكري، دعمه بمنهج وخلفية مقصدية تجديدية من داخل مدرسة التأصيل. ولذا ظل وفيًا لهذا المنظور والمقصد، وجعل كل واحد منهما في خدمة الآخر. ولقد أبان الدكتور الكيلاني عن جدية وقدرة كبيرة في هذه القضية. ومن المسائل المثيرة والمفسرة لما أقصده هنا استدعاء الباحث بشكل جيد لما سماه «نظرية العموم» عند العلامة الشاطبي، ليجمع بين النص باعتباره مقولة مرجعية، والقصد باعتباره مآلا يراعي النتائج، ويستحضر مبدأ رفع الحرج، والمصلحة. ومن ذلك، استشهاده بقول العزّ بن عبد السلام «ومن اتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها، وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها، وإن لم يكن فيها إجماع ولا نص ولا قياس خاص، فإن فهم نفس الشرع يُوجبُ ذلك» (ص 57).
غير أن هذا المجهود سرعان ما يدخلنا لدائرة الالتباس الفكري الذي يمثله هذا النموذج من المنظّرين؛ حيث يلجأ الباحث بشكل متكرّر للقياس والرأي المعروف في الفقه التقليدي الإسلامي، ما يحقق استجلابًا لحكم من الماضي على وقائع سياسية معاصرة، في واقع عربي وإسلامي أكثر تعقيدا وتركيبا من حيث الظروف والدوافع، من خبرة الصحابة وما يطلق عليه «الخلافة الراشدة».
ليس هذا وحسب، بل إننا نجد الكاتب يعتمد مصطلح «علم السياسة الشرعية»، وهو ما يذكّرنا بمجهود سيف الدين عبد الفتاح وغيره في الدعوة لـ«علم سياسة إسلامي». وحينما نتتبع هذه الدراسة المتكونة من المقدمة وأربعة فصول، نسجل إخفاق الدكتور الكيلاني، في بيان المراد مما يقصده بعلم السياسة الشرعية، ومما زاد الأمر تعقيدا استعماله بمعان بعيدة عنه، مثل ما هو مقرّر (في الصفحة 15) عندما تطرق الباحث، لأدب السياسة عند الماوردي.
ولدى العودة لطريقة عرض الأفكار في الكتاب، فإن أول ما يسترعي انتباه المطلع على كتاب السياسة الشرعية مدخل لتجديد الخطاب الإسلامي، هو كثرة التعريفات. ومن ذلك تعريفه السياسة الشرعية بكونها «خطة لتشريع الأحكام الفقهية فيما لا نص فيه، وتطبيق الأحكام فيما فيه نص»، وهذا الاختزال الآيديولوجي لمفهوم السياسة، يراد به خدمة الفكرة المركزية المتمحوِرة حول تطبيق الشريعة، باعتبارها نواة ماهية الشرعية السياسية وعلة وجودها.
وهي كذلك -حسب صاحب الكتاب- تستند على مرتكزات من أهمها: «فهم النص وفق المنهج الشرعي ولا يقتصر المنهج الشرعي في المعنى القاموسي للفظ، بل يفهم النص على ضوء حكمته وعلته، طبقا لأساليب اللغة العربية، كما أن من مرتكزات السياسة الشرعية مراعاة فهم النصوص الجزئية بما لا يهدر المقاصد الكلية، إضافة إلى فهم الواقع الاجتماعي. ومن ثم وضع التدابير التي يتم بها تنظيم شؤون الأمة، ومرافقتها بما يتفق وروح الشريعة، وأصولها الكلية، ولو لم يرد فيها شيء من النصوص التفصيلية الجزئية الواردة في الكتاب والسنة».
وبعد أن يستعمل الباحث الأردني هذه التعاريف في تحليله ودفاعه عن «السياسة الشرعية»، وضرورتها في الواقع السياسي العربي المعاصر، يعود بنا من جديد ليصكّ تعاريف جديدة لغرض جديد، مرتبط بفكرة مركزية غير معلنة (تطبيق الشريعة). فالسياسة الشرعية تعني السياسة التشريعية: «وهي تدبير شؤون الأمة، وتنظيم مرافقها بما يتفق وروح الشريعة، وأصولها الكلية، ولو لم يرد فيه شيء من النصوص التفصيلية الجزئية الواردة في الكتاب والسنة». ويضيف أن هذه الماهية تتجاوز الفقه الجنائي (الحدود)، وتتجاوز النص الأصلي، ليقصد بها ما وافق الشرع، وما لم يخالف الشرع، كما ذهب إلى ذلك ابن القيم الجوزية. بمعنى أن السياسة الشرعية هي تدبير الشأن العام، أو تدبير الاجتماع الإنساني.
وبناءً عليه، وبخلفية رجل القانون، يخلص الدكتور الكيلاني السياسة التشريعية في كونها «خططًا تشريعية عامة ينبسط ظلها على التشريع كله، تقوم على المواءمة والتوفيق بين مصلحة الأصل من النصوص، وما يقتضيه إصلاح الواقع بظروفه الملابسة، أو الإتيان بحكم مناسب تجتهد فيه، يؤثر في معالجة الواقع»، الفقه السياسي يدور مدار المصلحة.
بالعودة للمعلن والظاهر، يؤكد الباحث في كتابه، أن دراسته هذه تأتي لتلقي مزيدًا من الضوء «على المعالجات الشمولية، وذلك بغرض تحليل تطبيقات الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة الكرام، ونماذج من فهم علماء الإسلام عبر التاريخ، وبيان كيف استندت تلك المعالجات إلى منهج شمولي فَهِم الواقع، فأدرك الحكم المناسب للواقع».
وفي الوقت الذي يعتبر «السياسة الشرعية» أداة الفقيه لتقديم المعالجات الفقهية التي يتصدّى لها المجتهد اليوم يرى أن السياسي يهمه النجاح. وبما أن السياسات عند الباحث هي أداة تنفيذ الأفكار، فإن صاحب «كتاب السياسة الشرعية» يهدف للجمع بين مهمة، الفقيه الناظر لصحة تطبيق القانون والسياسي الساعي للنصر، ويعتبر هذا الجمع مدخلا لتجديد الخطاب الإسلامي. وبالنسبة للباحث فالسياسة تستند إلى مرتكزات من أهمها: أولا، الفهم المقاصدي للنص. وثانيا، فهم النصوص على ضوء العموم المعنوي لا العموم اللغوي فحسب.
في الخبرة العربية الإسلامية لم يكن التنظير السياسي غائبًا في مجال الفقه والفكر الديني عمومًا لكنه قليل. ولم تكن الأدبيات متخصّصة في مجال السياسة الشرعية، بل كانت ذات صلة بأدباء وفلاسفة (الفارابي وابن سينا، تمثّلا منهج أرسطو وأفلاطون). في حين تأثر الفقه بشدة بعلم الكلام وجدله، ولذا كانت السياسة الشرعية في عمومها هي مجرد نصائح تهم التنظير للتدبير السلطاني. وبالتالي، غاب الجانب الحديث من علم السياسة، باعتباره علم دراسة السلطة، وليس هناك ما يوازيه في الخبرة التنظيرية الإسلامية القديمة. كذلك غاب الفقه الدستوري المتناول لتنظيم العلاقة بين السلطات في الدولة، لأن الفقه السياسي ركّز على مَن يتولى الإمامة، وكرّس أحادية السلطة واختزالها في شخص الحاكم متغلِّبًا كان، أم مبايَعًا من أهل الحل والعقد.
ومن هنا فإن حضور بعض الأفكار التي يمكن فهمها اليوم وتنسيبها لعلم القانون الدستوري، أو الإداري أو علم السياسة، لا يجب أن يحجب عن الباحثين حقيقة تاريخية هي أن التنظير الإسلامي لم يقصد بناء مثل هذه العلوم، ولا كان واقع الخبرة الإسلامية يسمح للفقيه بإبداع علم سلطة خاص بهذه الخبرة. والكتاب الذي بين أيدينا، وإن حاول استحضار هذه المعطيات، فإنه لم يتنبه لحقيقة كبرى هي ماهية السياسة الشرعية في ظل الدولة الحديثة. ذلك أن علم السياسة الغربي لم يولد إلا في ظل المرجعية العليا العَلمانية لهذه الدولة. وعلم السياسة الشرعية اليوم، لا يجب أن يكون علمًا دفاعيًا يقتات على القياس الفقهي، بل يجب أن ينطلق من قيم الإسلام وكليات القرآن لخلق نظرية جديدة في السلطة، تقطع مع الفقه التقليدي المتخلف، وتتجاوز مادية علم السياسة المعاصر. وبالتأكيد فهذه الغاية لن يصل إليها الفكر الإسلامي المعاصر بتبنيه لـ«أسلمة العلوم» ولا بنظرية التأصيل، لأن نظرية الأسلمة والتأصيل، هي تعبير عن ضيق أفق الفقيه والمفكر، وهذا الضيق ناتج عن معرفة دينية منغلقة تعتبر العلم محدودا في دائرة ما نص عليه الديني نفسه.
وواضحٌ أن الدكتور الكيلاني ملمٌّ بقضية الاجتهاد والإبداع، لكنه استعملها بشكل متواضع، لتجاوز الأدبيات السياسية للخبرة العربية التقليدية. ولم ينظر إلى تجاوز النظرية الغربية التي عمّمت تجربة الدولة القُطرية الحديثة على الأمة الإسلامية. والباحث وهو يدعو لفقه الواقع، استحضره في السياسة التشريعية المدنية المتعلقة بالإرث والأحوال الشخصية، والمشاركة السياسية في بلاد الغرب (ص 28) بشكل اجتهادي بارز. لكنه في مجال السياسات العمومية، ظل دفاعيًا، بل نهج في بعض الأحيان منهج الأدب السلطاني الاستبدادي. ومن ذلك تناوله بشكل تدبيري ما أطلق عليه مجالات تطبيق السياسة الشرعية في «الاقتصاد» (ص 45 وما بعدها).
وعلى الرغم من أن صاحب الدراسة، دافع عن مقاصد الشريعة ونجح في توسيع مفهوم الشورى، ودافع عن اعتماد الأغلبية والترجيح بها، مستندا بذلك على أطروحة عالم المقاصد الدكتور أحمد الريسوني، فإنه لم يذهب في ذلك لأبعد الحدود في التنظير لمأسسة السلطة والخروج من دائرة الحاكم الفرد، التي أفرزها التاريخ القَبَلي للسلطة. ولذلك تراه يتحدث عن ولي الأمر ويمنحه حقوقا في السياسة الشرعية، في المجال التشريعي والتنظيمي، وتجنَّبَ الخوض في علاقة السياسة القضائية بولي الأمر.
ولقد كان على الباحث أن يتجه لأصل العملية السياسية والسلطة في الإسلام، وهي الأمة. ويبدو أن اختياره في السياسة الشرعية، اتجه صوب مناقشة «السلطة» السياسية، التي اختزلها تارة في الفقيه، وتارة في الإمام، وتارة أخرى في أهل الحل والعقد. وكل هذه المنطلقات تكرّس التأصيل الديني للاستبداد السياسي، وتؤدي للاحتراب الأهلي حول السلطة.
ثم أن قلة اهتمام الكاتب بمصدر السلطة، جعل من بحثه تنظيرا وشرعنة لتأسيس سلطة فوقية لا تستمد شرعيتها من الأمة، أو الأمة الشعب في الدولة القُطرية المعاصرة، وبالتالي نسف دفاعه عن الديمقراطية والأغلبية. أضف إلى ذلك أن صاحب الكتاب، لم يتطرق لمسألة في غاية الأهمية وهي علاقة السياسة الشرعية بمنظومة الدولة الحديثة. وخصوصا جانب المأسسة التي تشكل تجربة خارج الخبرة العربية الإسلامية. فالسلطة لم تعد بيد الفقيه ولا الإمام أو الخليفة، بل موزعة على مؤسسات متشابكة ومركبة، تكون الدولة.
في مطلق الأحوال، يمكن اعتبار كتاب «السياسة الشرعية مدخل لتجديد الخطاب الإسلامي» للدكتور عبد الله إبراهيم زيد الكيلاني، نموذجا بارزا للعودة الملتبسة فكريًا لتناول السلطة السياسية من زاوية فقهية. وهو على الرغم من خلفيته المقاصدية ومنطلقه المعتدل والوسطي، دافع عن فردانية السلطة واستبدادية الحاكم، كما نظّر للفقه التقليدي السلطاني باسم الإسلام.
* أستاذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس – الرباط



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.