ميليشيات إيران في الشرق الأوسط بانتظار انتخابات 26 فبراير

بعد رفع العقوبات المالية بنتيجة الاتفاق النووي

عناصر من الباسيج الإيراني هلى دراجاتهم النارية يستعرضون حضورهم في طهران (غيتي)
عناصر من الباسيج الإيراني هلى دراجاتهم النارية يستعرضون حضورهم في طهران (غيتي)
TT

ميليشيات إيران في الشرق الأوسط بانتظار انتخابات 26 فبراير

عناصر من الباسيج الإيراني هلى دراجاتهم النارية يستعرضون حضورهم في طهران (غيتي)
عناصر من الباسيج الإيراني هلى دراجاتهم النارية يستعرضون حضورهم في طهران (غيتي)

مع التوترات الإقليمية التي بلغت أوجها في الشرق الأوسط، كيف سيكون تأثير الاتفاق النووي على السياسة الخارجية الإيرانية بعدما رُفعت العقوبات المالية عنها؟ وهل يتوقع من القيادة الإيرانية في طهران تبنّي مواقف أكثر عدوانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن مع تدفق الأموال عليها، أم أنها على العكس ستفضِّل اتخاذ مواقف أكثر اعتدالا؟ والأهم من ذلك، كيف سينعكس ذلك كله على أذرع إيران المقاتلة في الخارج، لا سيما حزب الله في لبنان والميليشيات العراقية مثل «الحشد الشعبي»؟

ترافق رفع العقوبات المالية عن إيران مع تحرير نحو 100 مليار دولار أميركي ذهبت إلى خزينة القيادة في طهران. فوفقًا لدراسة نشرت أخيرًا من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» تملك إيران نحو ملياري دولار أميركي مجمّدة في الولايات المتحدة، ونحو 50 مليار دولار في بلدان مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، ما يجعل مجموع هذه الأصول ما لا يقل عن 60 مليار دولار أميركي، فضلا عن مليارات الدولارات المستحقة على شركات النفط إلى الحكومة الإيرانية.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي ستفعله إيران بهذه الأموال؟ ترتبط الإجابة عن هذا السؤال، وفق الخبراء، بالصراع القائم بين التيار المتطرف المؤيد لـ«المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني من جهة وما يوصف في الغرب بتيار «المعتدلين» أو «الإصلاحيين» من أنصار الرئيس حسن روحاني من جهة ثانية.
أليكس فاتانكا، وهو باحث في «معهد الشرق الأوسط» بالولايات المتحدة، تحدّث خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» عن «توافق بشأن الاتفاق النووي من كلا الجانبين» إلا أنه حين يتعلق الأمر بالتطبيق والمتابعة العملية نلاحظ أن روحاني يسعى إلى مزيد من التكامل مع الولايات المتحدة مع تخفيف حدة التوتر على المستوى الإقليمي. وأردف الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط وإيران بالتحديد، موضحًا أن «روحاني يعمل على تطبيع العلاقات كونه يعلم، أنه في حال الممانعة، قد تفرض العقوبات من جديد، أما خامنئي فيريد تخطي الاتفاقية وهو يتجنّب التقارب الكامل مع الولايات المتحدة». ولقد كان لهذا الصراع بين التيار المعتدل والتيار المتطرف في إيران انعكاساته على مجرى الترشح لانتخابات «مجلس الشورى» الإيراني – أي مجلس النواب ومجلس الخبراء، الذي يتألف من مجموعة نافذة من رجال الدين التي تراقب عن كثب عمل «المرشد الأعلى»، وهي المسؤولة عن اختيار خلف له.
جدير بالذكر أن عشرات من المرشحين المعتدلين كانوا قد أقصوا عن الانتخابات التي ستجري في السادس والعشرين من فبراير (شباط) على غرار حسن الخميني (البالغ من العمر 43 سنة) حفيد آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو من الملالي الذين تربطهم علاقات وثيقة بالتيار الموصوف بـ«الإصلاحي».
التيار «الإصلاحي» هذا يرى أنه من الضروري أن تلجأ إيران إلى استغلال الاتفاق النووي كخطوة أولى لتحقيق تقارب أكبر مع الولايات المتحدة وللانفتاح على المجتمع الدولي. ووفق فاتانكا «على سبيل المثال، لا يرغب روحاني في التواجد في اليمن»، بينما لا يزال التيار المتطرف أو «المحافظ» من ناحيته يؤمن بأن الهدف الأول لإيران يجب أن يتمثل في تصدير الثورة الخمينية، ومن ثم دفع الولايات المتحدة وحلفائها خارج الشرق الأوسط.
«يركز خامنئي والحرس الثوري الإيراني أولا على العراق، ومن ثم على لبنان وسوريا، وأخيرًا على اليمن» وفق الباحث فاتانكا. وهو يشرح أنه «على مر السنوات الماضية، عمدت إيران إلى ضخ الموارد في العراق بحيث أصبح البلدان (إيران والعراق) مرتبطين بعلاقات وثيقة اجتماعيًا واقتصاديا وسياسيا»، ويستطرد «كما أن إيران تركّز بشكل أساسي على معاقل الشيعة في العراق، من دون الاكتراث كثيرًا لمناطق السنة كالأنبار أو الموصل، إلى أن بات اليوم من الصعب التفريق أين يبدأ العراق وأين تنتهي إيران».
ومن خلال دعم حكّام طهران للميليشيات العراقية الشيعية المتعدّدة مثل «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل ألحق» و«كتائب أبو الفضل العباس»، فرضت إيران سيطرتها على المشهد السياسي في العراق عبر تمويل هذه الميليشيات وتسليحها وتدريبها حتى باتت أكثر ولاءً لجارتها الفارسية من ولائها للحكومة العراقية، ونجحت إيران من جديد بتطبيق النهج الذي سبق أن استخدمته في لبنان. وهنا يقول الباحث شارحًا ومقارنا «حزب الله اللبناني هو أكبر نجاح حققته السياسة الخارجية الإيرانية».
وحقًّا، فإن العلاقة العضوية لإيران مع الحزب الشيعي اللبناني أعطتها دورا لطالما سعت وراءه في أحداث بلاد الشام: «والأهم من ذلك، يجب أن نتذكر أن الخميني كان يدعو عناصر حزب الله أولاده الأعزاء، ذلك أن هناك ارتباطًا عاطفيًا بين الحرس الثوري وحزب الله»، حسب فاتانكا.
أما فيما يتعلق بالمشهد السوري، فنجد أن «حصة إيران» تنامت بشكل كبير في سوريا، حيث يُعتقَد أن حزب الله اللبناني نشر وفقا لمصادر مقرّبة من الحزب ما بين 7000 إلى 10000 مقاتل. «فهم إيران الأول ألا تدع سوريا تسقط بين أيدي النظام السعودي» وفق الباحث فاتانكا. وبعد خمس سنوات من الثورة والصراع، ما زال بشار الأسد في السلطة وها هو عاد إلى تحقيق انتصارات ويستعيد الكثير من الأراضي التي كان قد خسرها، وكله بفضل الدعم الإيراني المالي والعسكري والسياسي المتواصل له، إضافة إلى التدخل الروسي. والحقيقة أن إيران سخّرت مواردها وعناصر الميليشيات العراقية التابعة لها وحزب الله من أجل تعزيز وضع الطائفة العلوية في سوريا. وفي هذا الصدد ذكرت «التايمز» أن إيران تمكّنت من ضخ ما بين الملياري دولار شهريًا لدعم نظام الأسد في سوريا. كما تشير معظم التقارير أن الهيمنة الإيرانية على المشهد السوري الهشّ باتت أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى.
أما اليمن، من جهته، فيأتي في المرتبة الأخيرة إقليميًا من حيث الأولويات الإيرانية. بما أن إيران تكتفي حاليا بتدخل مباشر محدود في اليمن، وهي تفضل الاعتماد على الحوثيين المتحالفين مع قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. وبالتالي ليس لديها الكثير لتخسره هناك. وتعليقًا على ذلك، يعتبر الباحث فاتانكا أن الحرب في اليمن تحتاج إلى تسوية سياسية «فإيران لديها القليل لتقدمه إلى اليمن الذي يعتبر البلد الأفقر عربيًا والذي يحتاج إلى ملايين من الدولارات يمكن أن توفرها له دول الخليج».
باختصار، ومع عدم حصول أي تغيير في موازين القوى، من غير المرجح أن تشهد السياسة الإيرانية في المنطقة تغييرا كبيرا نتيجة الاتفاق النووي، وفق كينيث بولاك، الخبير في سياسات الشرق الأوسط في «معهد بروكينغز»، الذي تطرق إلى هذه المسألة العام الماضي أمام لجنة السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.
بل على العكس اعتبر بولاك أن «خامنئي سيرى أن الاتفاق النووي هو بمثابة تنازل كبير لمصلحة روحاني واليسار الإيراني، وبالتالي، سيرى حاجة لكي يثبت للإيراني المتطرف أن الاتفاق النووي لا يعني أن إيران تخلّت عن آيديولوجيا الخميني وعن عداوتها للولايات المتحدة».
وفي هذه الحالة، ستعمد إيران إلى تصعيد نشاطاتها في مناطق قد تستخدم فيها الأقليات الشيعية حيث تملك مصالح استراتيجية، وبالتالي، تُدخل المنطقة في مزيد من الصراعات والاضطرابات. أما الحل لإنهاء الصراع، وفق فاتانكا، فلن يأتي سوى من اللاعبين الإقليميين، على الأخص، من إيران والمملكة العربية السعودية.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».