اللجوء السوري «كارثة» العصر.. وجيل كامل من الأطفال «معلق في الهواء»

أزمة سوريا نقلتها من ثاني أكبر مستضيف للاجئين إلى المصدر الثاني عالميا

اللجوء السوري «كارثة» العصر.. وجيل كامل من الأطفال «معلق في الهواء»
TT

اللجوء السوري «كارثة» العصر.. وجيل كامل من الأطفال «معلق في الهواء»

اللجوء السوري «كارثة» العصر.. وجيل كامل من الأطفال «معلق في الهواء»

تخطى عدد السوريين الذين اضطروا إلى الفرار من منازلهم بسبب النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات في بلدهم تسعة ملايين شخص مما أدى إلى أكبر مجموعة من النازحين في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
وقال رئيس المفوضية العليا للاجئين أنتونيو غوتيريس إن «من غير المقبول أن تحصل كارثة إنسانية بهذا الحجم أمام أعيننا دون أي مؤشر إلى مطلق تقدم من أجل وقف حمام الدم». وأضاف غوتيريس في بيان: «يجب عدم ادخار أي جهد من أجل تحقيق السلام وتخفيف معاناة شعب لا ذنب له يحاصره النزاع ويرغمه على الرحيل عن بيته وأهله وعمله ومدرسته».
«الشرق الأوسط» تواصل اليوم تغطيتها للذكرى السنوية الثالثة للثورة السورية وتتناول أزمة اللاجئين إلى الخارج والنازحين في الداخل، وتتناول أيضا أوضاع الأقليات وكيف أضعفت جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) المعارضة بممارساتها وانتهاكاتها خاصة في معقلها بالرقة.

كانت ثلاث سنوات من عمر الأزمة كفيلة بنقل سوريا من الدولة الثانية عالميا لناحية عدد اللاجئين الذين تستضيفهم على أراضيها إلى الدولة الثانية المصدرة للاجئين، إذ لم تتفوق عليها سوى أفغانستان التي فر منها أكثر من خمسة ملايين لاجئ من الحرب والقمع والفقر، توجه معظمهم إلى إيران وباكستان خلال العقود الثلاثة الماضية.
وإذا كانت إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تفيد بأنه لا يزال هناك 2.55 مليون لاجئ أفغاني، خارج بلدهم، فإن السوريين الفارين من الحرب يقتربون من أن يصبحوا أكبر مجموعة من اللاجئين في العالم حيث اقتربوا من تجاوز عدد اللاجئين الأفغان.
وتتوقع المفوضية، بحسب ما أوردته في «خطة الاستجابة الإقليمية للأزمة السورية لعام 2014»، أن يبلغ عدد اللاجئين السوريين بنهاية عام 2014 4.1 مليون لاجئ، بازدياد يعادل 1.7 مليون خلال العام الحالي، مشيرة إلى أن موجات تدفق السوريين هي «الأكبر في التاريخ الحديث»، في حين أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن «1.2 مليون طفل سوري أصبحوا لاجئين يعيشون في خيام أو في المجتمعات المضيفة».
أكثر من 2.5 مليون لاجئ سوري، يُستثنى منهم اللاجئون الفلسطينيون الذين فروا من سوريا، مسجلون حاليا لدى مفوضية اللاجئين، بوصفهم «لاجئين في دول مجاورة لسوريا في الشرق الأوسط»، في حين تشير تقديرات دولية إلى أن عدد النازحين داخل سوريا بلغ 6.5 مليون شخص.
وكانت وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة أطلقت نداء تمويل بقيمة 4.2 مليار دولار أميركي لمساندة اللاجئين السوريين حتى نهاية العام الحالي، لم تتسلم منه إلا 600 مليون دولار، أي ما يعادل 14 في المائة من المبلغ المطلوب. وتصف مفوضية اللاجئين في تقريرها حول خطة الاستجابة الإقليمية لسوريا خطة التمويل بأنها «واحدة من أضخم النداءات الطارئة للاجئين التي أطلقت حتى الآن»، علما بأنه مع عدم وجود أفق لانتهاء الأزمة قريبا يصبح إيجاد وسائل جديدة وإضافية للتمويل تحديا متزايدا.
ويتصدر لبنان، المتخبط أمنيا وسياسيا واقتصاديا بفعل أزمة سوريا، قائمة دول الجوار باستضافته أكثر من 962 ألف سوري مسجلين، عدا الذين يقيمون على نفقتهم الخاصة والعمال السوريين الموجودين أصلا في لبنان منذ ما قبل بدء الأزمة. وتحتل تركيا المرتبة الثانية بإيوائها نحو 635 ألف سوري، يليها الأردن الذي يستضيف أكثر من 584 ألف سوري، فالعراق حيث يتواجد 227 ألف سوري ومصر التي تستضيف بدورها 135 ألف سوري.
وينعكس عدم وفاء الدول والجهات المانحة بالتزاماتها المالية واستجابتها الفاعلة لنداءات التمويل بشكل سلبي على حياة اللاجئين السوريين، وعلى المجتمعات المضيفة في آن معا. فاللاجئون الذين يختارون الهرب من منازلهم وبلداتهم وأرضهم بحثا عن أمن وأمان مفقودين في سوريا، يعيشون في دول الجوار، وتحديدا في لبنان والأردن، معاناة من نوع آخر.
صحيح أن أحدا منهم لم يمت جوعا، ومنظمات الإغاثة الدولية والحكومات والهيئات المحلية تبذل قصارى جهدها لمساندتهم، لكن ذلك لا ينفي أن مستوى المعيشة والخدمات في أماكن إقامتهم لا سيما في الخيم (660 ألفا منهم) تحت رحمة المطر شتاء والحر صيفا، يبقى أقل بكثير من المستوى المطلوب. تكافح أسر اللاجئين للحصول على الخدمات الأساسية ودفع الإيجار وتوفير لقمة العيش وتلقي الرعاية الصحية، عدا عن تعرض الفئات الأكثر تهميشا منهم كالنساء والفتيات للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس ويجبرن على الزواج المبكر. على سبيل المثال، تفيد إحصاءات المفوضية على الصعيد الصحي، بأن هناك حاليا 41 ألف امرأة حامل في أوساط اللاجئات السوريات، اللواتي قد يحتجن إلى رعاية صحية عاجلة قبل الولادة وخلالها وبعدها. وتشير إلى أن «كلا من الأمهات والرضع معرضون للخطر بسبب نقص فرص الحصول على الخدمات الطبية، والتي في كثير من الحالات قد تكون مصحوبة بالصدمة وسوء التغذية والمرض والتعرض للعنف وإجبارهم على العيش في بيئات صعبة».
على الصعيد الغذائي، ورغم كل المساعدات المحلية والدولية، يعاني 70 في المائة من اللاجئين في مصر ولبنان من انعدام الأمن الغذائي، علما بأن نصف إنفاق الأسر السورية اللاجئة في لبنان يذهب إلى الطعام وأكثر من ثلثها في الأردن، في حين تعتمد الغالبية العظمى من الأسر التي تعيش في مخيمات اللاجئين على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم اليومية من الغذاء. ولا تقتصر المعاناة على اللاجئين فحسب، إذ يشكل استمرار وجودهم مع فشل مساعي الحل السياسي، عبئا ثقيلا على دول الجوار المضيفة، لا سيما لبنان والأردن اللذين يئنان من تبعات اللجوء السوري على الصعد كافة، وتحديدا الاقتصادية والأمنية. تلحظ خطة الاستجابة الإقليمية للأزمة السورية للعام الحالي، والتي وضعتها مفوضية اللاجئين، مساعدة سكان المجتمعات المضيفة والذين يقدر عددهم بـ2.7 مليون شخص، انطلاقا من أن الحماية الكافية للاجئين لا يمكن الحفاظ عليها من دون تعزيز التماسك الاجتماعي والاستثمار في البنى التحتية والاقتصاد والنظم الاجتماعية المحلية في المجتمعات المضيفة.
ويعد الأطفال الفئة الأكثر تضررا من النزاع السوري خلال 3 سنوات، إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قبل أيام من أن مستقبل 5.5 مليون طفل في داخل سوريا ولاجئين في دول الجوار «معلق في الهواء» بينما يسبب العنف وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية والضيق النفسي الشديد وتدهور الوضع الاقتصادي للعائلات في «تدمير جيل كامل».
وتقدر المنظمة الدولية، في تقرير بعنوان «تحت الحصار، الأثر المدمر على الأطفال خلال ثلاثة أعوام من النزاع في سوريا»، عدد الأطفال «الذين يتعرضون للأذى الأكبر بمليون طفل داخل سوريا»، قالت: إنهم «عالقون في المناطق المحاصرة أو في مناطق من الصعب الوصول إليها أو تقديم المساعدات الإنسانية فيها بسبب استمرار العنف»، في وقت تبدو «إمكانية وصول الأطفال اللاجئين في دول الجوار إلى المياه النقية والطعام المغذّي وفرص التعليم محدودة للغاية».
من ناحيتها، تتوقع مفوضية شؤون اللاجئين أن يتجاوز عدد الأطفال اللاجئين عتبة المليونين بحلول شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، في موازاة إشارتها إلى أن 60 في المائة منهم، ممن هم في سن الدراسة، غير ملتحقين بالمدارس. في مصر، لا يذهب 90 في المائة من الأطفال إلى المدرسة، أما في لبنان فأقل من 25 في المائة من الأطفال اللاجئين مسجلون في التعليم العام. وفي الأردن يبدو الوضع أفضل مع انخراط 55 في المائة من الأطفال اللاجئين في المدارس. وفي موازاة دق المنظمات الصحية المعنية ناقوس الخطر بعد تجدد ظهور فيروس شلل الأطفال بسبب البيئة الصحية والخدمية غير الآمنة، تكرر الجهات المانحة ومنظمات الإغاثة دعواتها للمساعدة بشكل عاجل لمنع «ضياع جيل كامل» من الأطفال السوريين، علما بأن 7 آلاف طفل على الأقل قتلوا خلال 3 سنوات من أزمة سوريا.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».