سيطرة الميليشيات على مؤسسات الدولة أدت إلى انهيار الاستثمار الأجنبي في اليمن

وزير التخطيط اليمني: دول الخليج ستساعد بنحو 70 % من إعادة الإعمار

سيطرة الميليشيات على مؤسسات الدولة أدت إلى انهيار الاستثمار الأجنبي في اليمن
TT

سيطرة الميليشيات على مؤسسات الدولة أدت إلى انهيار الاستثمار الأجنبي في اليمن

سيطرة الميليشيات على مؤسسات الدولة أدت إلى انهيار الاستثمار الأجنبي في اليمن

باشرت سلطات التمرد المتمثلة في الميليشيات الحوثية وأتباع الرئيس اليمني المخلوع علي صالح محاولات فاشلة في التنصل من تبعات فاتورة الاستثمار الأجنبي المنهار في اليمن، بعد سيطرتها على مؤسسات الدولة. واستحوذ الانقلابيون على الهيئة العامة للاستثمار بعد موجة استقالات من قبل كبار المسؤولين فيها، مما أدى إلى وقوع قطاع الاستثمار الأجنبي كاملاً تحت رحمة التمرد الذي تسبب في انهيار هذا القطاع بشكل شبه تام.
وبحسب ياسر علي إسماعيل مسؤول وحدة الطوارئ في اليمن، فإن هيئة الاستثمار اليمنية رصدت فعليًا حالة انهيار تام للاستثمارات الأجنبية في البلاد، وذلك منذ تولي الانقلاب زمام السلطة، وقال إن «الهيئة بادرت إلى تشكيل لجنة لبحث وتجميع وقائع المعلومات الميدانية للأضرار التي لحقت بالمشروعات الاستثمارية في القطاعات الإنتاجية والخدمية، كما عملت على تشكيل وحدة طوارئ في المقر الرئيسي للهيئة العامة للاستثمار لتلقي أي بلاغات من قبل أصحاب المشروعات المتضررة والمتابعة المستمرة لأي مستجدات بهذا الشأن، تمهيدًا لحصر تلك الأضرار، واستكمال الإجراءات اللاحقة بهدف إيجاد الحلول والمعالجات اللازمة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة».
ورفض إسماعيل الإقرار بشكل صريح بأن الأوضاع المتردية ناتجة عن سقوط الهيئة تحت حكم التمرد الحوثي، مما أدى في نهاية الأمر إلى عزوف تام عن الاستثمار في اليمن الذي يقع تحت احتلال صريح تحاول قوات التحالف العربي القضاء عليه منذ مارس (آذار) الماضي.
وفي السياق ذاته، قال الدكتور علوي بافقيه وزير المغتربين في الحكومة اليمنية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاستثمار في اليمن عانى طوال فترات الصراع السياسي من المراحل السابقة، ابتداء من دخول اليمن في 2010 ثم 2011، عندما صار الوضع لا يشجع على الاستثمار في البلاد، بعد أن تعرض القطاع لنكسات متتالية، انتهت باحتلال الحوثيين لمؤسسات الدولة، ليس على مستوى الاستثمار في البلاد فقط، بل على مستوى الاستثمار البسيط في البقالات والدكاكين الصغيرة التي اضطرت إلى الإغلاق».
وذهب إلى أن «من الصعب التحدث عن الاستثمار في ظل ما تمر به البلاد من صراع، رغم قرار إنشاء اللجنة العليا للإعمار التي جرى التوجيه من خلالها إلى إصلاح المناطق المتضررة».
وشدد بافقيه الذي كان يعمل سابقًا في الهيئة العليا للمناطق الحرة، على أن ظروف الصراع السياسي قضت على الاستثمار في اليمن، رغم المميزات الموجودة في البلاد التي لم تتوفر في أي دولة أخرى، موضحًا أن اللجنة العليا للإعمار ناقشت بشكل دقيق أهمية تزامن إعادة الإعمار مع مشروع التعافي السياسي الاقتصادي، نظرا لاستحالة إعادة الإعمار في ظل عدم التوافق السياسي في البلاد.
وكشف عن الجهود التي بذلتها اللجنة التي كانت في اتجاهين؛ أولهما جهود محلية بذلت من خلال مؤسسات الدولة كالصندوق الاجتماعي للتنمية وصندوق الإشغال ووزارة الإنشاءات على مستوى محافظة عدن ومحافظة لحج وأبين والضالع، ومحاولة رصد المباني السكنية والمنشآت الحكومية المتضررة جراء الصراع الذي دار في هذه المناطق، في ظل غياب معلومات واضحة عن تعز، نظرًا للظروف التي تمر بها المنطقة. وبيّن أن المشروع قدّر حجم المبالغ النقدية المخصصة لإعادة إعمار اليمن بنحو 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، من خلال مسح ميداني للأضرار التي شملت الطرق والمنشآت والمباني الحكومية والخاصة، بدعم من عدد من المنظمات الدولية لاستكمال صور الأقمار الصناعية لمحاولة تحديد الأضرار وحجم تكلفتها، هي مرحلة أولية، تشمل إجراء جمع معلومات أولية ودراسة في أربع محافظات، هي صنعاء، وعدن، وتعز وزنجبار في أبين فقط، وغير شاملة لجميع مناطق اليمن.
وقال إن «هناك مناطق في اليمن لا يشملها المشروع، فالمبلغ الذي طرح وقدرت قيمته بنحو 100 مليار دولار لن يشمل سوى المحافظات الأربع، أما محافظات مثل الضالع، وحجة، وأبين وصعدة والحديدة فأتوقع أن المبالغ التي ستقدر لإعادة إعمارها ستفوق المبالغ المرصودة للأربع محافظات (صنعاء، وتعز، وعدن، وزنجبار)».
ولفت إلى أن أكبر التزام جاء من دول مجلس التعاون الخليجي وتعهدها بالمساهمة في إعادة إعمار اليمن، واصفًا إياه بأقوى التزام حصلت عليه اللجنة.
وفي السياق ذاته، توقع محمد الميتمي، وزير التخطيط في الحكومة اليمنية، أن تسهم دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 70 في المائة من حجم المبالغ النقدية المخصصة لإعادة إعمار اليمن المقدرة بـ100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، مؤكدًا العمل - حاليًا - على وضع تصور مستقبلي لإعادة الإعمار، وفقا لمبادرة قادة دول الخليج في الدورة الـ36، من خلال مسح ميداني للأضرار التي شملت الطرق والمنشآت والمباني الحكومية والخاصة، لتحديد حجم تكلفة الأضرار.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.