زها حديد: أغلب المصاعب التي صادفتني كان سببها أني امرأة.. وعربية

غداة حصولها على الوسام الذهبي الملكي.. المعمارية الشهيرة تفتح قلبها لـ «الشرق الأوسط»

زها حديد  (تصوير: مارت ماكارتني)  -  نموذجان لمزهريات صممتها لشركة «سيتكو»   -  ثمرة أعمالها مع عزيز ووليد مزنر.. عبقريتها الهندسية جعلت العديد من بيوت الأزياء والمجوهرات تطلب التعاون معها
زها حديد (تصوير: مارت ماكارتني) - نموذجان لمزهريات صممتها لشركة «سيتكو» - ثمرة أعمالها مع عزيز ووليد مزنر.. عبقريتها الهندسية جعلت العديد من بيوت الأزياء والمجوهرات تطلب التعاون معها
TT

زها حديد: أغلب المصاعب التي صادفتني كان سببها أني امرأة.. وعربية

زها حديد  (تصوير: مارت ماكارتني)  -  نموذجان لمزهريات صممتها لشركة «سيتكو»   -  ثمرة أعمالها مع عزيز ووليد مزنر.. عبقريتها الهندسية جعلت العديد من بيوت الأزياء والمجوهرات تطلب التعاون معها
زها حديد (تصوير: مارت ماكارتني) - نموذجان لمزهريات صممتها لشركة «سيتكو» - ثمرة أعمالها مع عزيز ووليد مزنر.. عبقريتها الهندسية جعلت العديد من بيوت الأزياء والمجوهرات تطلب التعاون معها

زها حديد، معمارية مثيرة للجدل. البعض يرى في تصاميمها إبداعا لا مثيل له، وآخرون لا يرون فيها شيئا مميزا، من باب الرفض ليس إلا، وربما يرجع سبب ذلك لكونها امرأة. وحسب رأيها فإن أصحاب الرأي الأخير مجرد متحاملين لم يتقبلوا المسألة بعد أن هزت كيان ثقافة الهندسة المعمارية التي كانت قبلها حكرا على الرجال، من أساسها، وأنصفت المرأة.
لهذا سيذكرها التاريخ مبدعة في مجالها، كونها أول امرأة تحصل على جائزة «بريتزكر» التي تعد بمثابة «نوبل» الهندسة المعمارية في عام 2004، وأول امرأة تحصل على الوسام الذهبي الملكي، الذي يُعتبر أعلى تكريم يقدمه المعهد الملكي البريطاني «Royal Institute of British Architects –RIBA» لمعماري، خلال الأسبوع الماضي. فالجائزة تُمنح عادة لمعماريين أثروا في فن العمارة وتطوره بشكل كبير، بدليل أنها كانت من نصيب فطاحل من أمثال فرانك غيري الذي فاز بها عام 2000، ونورمان فوستر عام 1983، ولوكوربوزييه عام 1953، وجورج جيلبرت سكوت عام 1859 وغيرهم كثر، خاصة إذا عرفنا أن تاريخ الجائزة يعود لعام 1848.
في الكلمة التي ألقاها السير بيتر كوك، الذي فائز بالوسام في عام 2004، بهذه المناسبة، قال إن تميز زها حديد لا يضاهيه أحد «فنحن قد نتقبل الثقة بالنفس التي تعكسها من مخرج سينمائي أو مدرب كرة قدم، لكنها تسبب بعض الانزعاج للمهندسين المعماريين وتشعرهم بعدم الارتياح، ربما لأنهم في قرارة أنفسهم يحسدونها». وأضاف: «لنواجه الحقيقة، كان بإمكاننا منح الوسام لمعماري جيد وكفؤ، لكننا لم نفعل، في المقابل قدمناه لزها: فهي أكبر من ذلك بكثير».
بدورها، قالت عنها جاين دانكن، رئيسة اللجنة المشرفة على اختيار الفائزين، إنها «قوة مؤثرة في مجال الهندسة المعمارية وعلى مستوى عالمي»، مضيفة أن «أعمالها المتنوعة، من المباني إلى قطع الأثاث مرورا بالأحذية والسيارات، تستحق الاحترام وتبرر إعجاب الماركات العالمية والناس بها».
لا يختلف اثنان على أن زها حديد أشهر من نار على علم، لشخصيتها القوية والمثيرة للجدل، ولتصاميمها المميزة التي لا يمكن إلا أن تقف مشدوها أمام انسيابيتها وهندسيتها المجنحة والعملية في الوقت ذاته. فهي تتناغم مع محيطها، سواء كانت مركزا ثقافيا في باكو بأذربيجان أو دار أوبرا بالصين أو مسبحا أوليمبيا بلندن، أو مكتبة في جامعة أكسفورد تتحدى المباني الفيكتورية المحيطة بها، أو متحفا في روما، وهلم جرا من المباني التي أصبحت موجودة في العديد من العواصم العالمية كشواهد على قدراتها من جهة، ورغبة هذه العواصم في فرض مكانتها، الثقافية أو السياسية، في العالم، من جهة ثانية. ومع ذلك تبقى لزها إنجازات أخرى لا تقل أهمية، على رأسها تغييرها وجهات النظر حول المرأة وتعبيدها الطريق أمامها لدخول مجال كانت تشعر فيه قبلها بالرهبة والغربة.
بعد تلقيها الجائزة كان لها لقاء مع «الشرق الأوسط» فتحت فيه قلبها وقالت بصراحة: «لم أكن في البداية أعير الأمر أهمية لأنني كنت أرفض أن أوضع في خانة (امرأة معمارية)، أو (معمارية عربية)، لكنني اكتشفت في ما بعد أنه من الضروري أن أتقبل أن رحلتي وإنجازاتي يمكن أن تكون مصدر إلهام لغيري ممن دخلن هذا المجال حديثا أو يفكرن في دخوله». وتتابع: «أنا امرأة، وعربية ومعمارية، وبينما لا أستطيع أن أنكر حقيقة أن البيولوجيا والجغرافيا حددتا ماهيتي منذ البداية، من دون أن أختار، فإن الثالثة لم تتبلور وتتحدد إلا بعد أربعين عاما من العمل الشاق. ويمكنني القول إن أغلب المصاعب التي واجهتها طوال هذه السنوات لم تكن بسبب عدم قدرتي على العمل أو الإنجاز، بقدر ما كانت بسبب كوني إما امرأة أو عربية أو ما يمكن جمعه في (امرأة عربية). الجهل من جهة، والرفض من جهة ثانية، مهما كانت نسبة هذا الرفض صغيرة أو كبيرة، واضحة أو مبطنة، متعمدة أو غير متعمدة، فقد شكلت لي تحديات كبيرة أكون سعيدة إذا كانت نتيجتها تعبيد الطريق أمام جيل جديد من المعماريات».
فعدد الطالبات في تزايد، وهو ما يثلج الصدر، لكنها تضيف أن الأمر لا يعني أن الباب أصبح مفتوحا على مصراعيه أمامهن، أو أن العقليات تغيرت تماما، بل العكس، فالعوائق والعقليات لا تزال موجودة مع فرق مهم وهو أن فرصة البقاء للأقوى أصبحت أيضا متوافرة.
وتتابع زها: «ما زلت ألمس بعض الرفض، لكني اكتشفت أنه يقويني ويجعلني أكثر دقة في عملي، علما بأن أي معماري، امرأة كان أو رجلا، لا يجد الطريق أمامه مفروشا بالورود.. فنحن في مجال صعب، يحتاج إلى الكثير من الصبر والإرادة والمثابرة، والأهم من هذا الكثير من الثقة بالنفس والإيمان بما نقدمه. ربما تحتاج المرأة إلى قوة أكبر من الرجل حتى تُثبت نفسها. فقد كان البعض، إلى عهد قريب، مقتنعا بأن المرأة لا تتمتع بعقل منطقي يخول لها التميز في هذا المجال، بينما يعتقد البعض الآخر أنها لا تستطيع أن تنجز مشروعا تجاريا ضخما أو تتعامل مع فريق عمل كبير، مقترحين أن تستغل قوتها الكامنة في تصميم الديكور الداخلي، وأثبتنا لهم العكس».
لا تنكر زها أن المرأة قد تفهم أكثر من الرجل في مجال التصميم المنزلي نظرا لتمتعها بحس فني، إلا أنها تستنكر أن هذا الاعتقاد نابع من القناعة بأن المرأة لا تستطيع التعامل مع مؤسسات كبيرة وتفضل التعامل مع زبون أو شخص واحد فقط. وتعلق متحدية: «كامرأة أستطيع أن أصمم ناطحة سحاب مثلهم».
شهدت زها في الأعوام الـ15 الأخيرة زيادة إقبال الجنس اللطيف على دراسة الهندسة المعمارية، إلى حد أن الأمر أصبح طبيعيا لا يثير الاستغراب أو الاستنكار، وهو ما لم يأت من فراغ، بل نتاج العمل بلا كلل، والرغبة في التطور الدائم. فـ50 في المائة من طلبة العام الدراسي الأول يكونون إناثا، لكن هذا العدد يتقلص مع الوقت، لأن بعضهن لا يقوى على التحديات، حسبما تقول، مؤكدة أن «العديد من أفضل طلبتي من الإناث» إلا أنهن مع الوقت يتخلين عن هذا الحلم، و20 في المائة فقط منهن يتخرجن أو يصمدن في المهنة بعد التخرج، بسبب الظروف الاجتماعية. فبعضهن يجدن صعوبة في العودة إذا توقفن عن العمل لأسباب عائلية أو خاصة. وتشرح: «المرأة تعمل الآن في الخارج ورغم ذلك لم تتغير مسؤولياتها العائلية، ونحن نعرف أنه من الصعب على شخص واحد القيام بكل شيء وبنفس المستوى».
من الأشياء التي تستمتع بها زها حديد كثيرا التعليم، الذي مارسته منذ أن كانت هي نفسها في الجامعة «لأننا نُعلم ونتعلم ممن نعلمهم في الوقت ذاته» كما تقول، على شرط ألا تكون العملية مجرد تنظير. ولا تخفي أنها تستمد متعتها من مساعدة الطلبة على اكتشاف قدراتهم واستغلالها إلى أقصى حد. وتقول: «أنا لا أؤمن بأنه يمكنك تعليم الهندسة المعمارية لأنها غير ملموسة.. نعم باستطاعتك أن تحاضر في تاريخها، أو في المسائل التقنية أو نظريات التصميم، لكن الأساس هو أن تساعدهم على تطوير رؤيتهم وتصميمها بأنفسهم». ما تقوم به أنها تطرح مشكلة وتطلب منهم حلها، وتعترف بأن حلولهم تفوق أحيانا ما كانت تتوقعه منهم، مشيرة إلى أن «هذه متعة بحد ذاتها». هذه المتعة حسب رأيها لا يضاهيها في الوقت الحالي سوى حلم أن تأخذ إجازة للاستجمام وتخصيص بعض الوقت للعائلة والأصدقاء «لكن هيهات، فالمكتب لا يتوقف عن الاتصال بي، أحيانا في الثانية صباحا».
بيد أن كل شيء يهون عندما يعترف العالم كله بقدراتها وتحصل على جوائز مهمة لا يحلم بالحصول عليها العديد من الرجال، لتبقى علامة بارزة وشاهدا شاخصا على تطور المجتمع وتغير نظرته إلى المرأة وما يمكن أن تضيفه له. وكما قال لها السير بيتر كوك: «بطلتنا.. كم نحن محظوظون بك».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».