علماء اجتماع عرب وأجانب يحتفون بمئوية علي الوردي

نظمت في الجامعة الأميركية ببيروت أخيرا ندوة عربية - دولية احتفاء والاحتفال بمئوية العلامة العراقي علي الوردي (1913 - 1995) لمناقشة أفكاره ومنهجه وأطروحاته الاجتماعية حول طبيعة المجتمع وشخصية الفرد العراقي والخروج بأفكار جديدة ترتبط بما يمر به العراق والعالم العربي من أحداث. وقد استغرقت الندوة يومين عبر ست جلسات متتالية. وقد خصص اليوم الأول للبحوث والمناقشات باللغة العربية. بدأت الجلسة الأولى بمائدة مستديرة برئاسة الدكتور طارق إسماعيل من جامعة كالغاري شارك فيها أبناء الوردي سناء وجعفر الوردي وإبراهيم الحيدري وبارق شبر من تلامذته ومريديه وطرحوا ملامح من شخصية الوردي وأفكاره ومؤلفاته وعلاقاته الاجتماعية. وقد تضمنت أوراق اليوم الأول 16 بحثا ناقشت أفكار الوردي ومساهماته وفلسفته ومنهجه الاجتماعي وكذلك الاتجاهات القيمية للشخصية العراقية ونقد الوردي للمنطق الأرسطي ونقده للعقل العراقي وغيرها من البحوث.
أما اليوم الثاني فقد خصص للبحوث باللغة الإنجليزية وهي 13 بحثا وشارك فيها أساتذة من كندا وأميركا وألمانيا ولبنان ومصر والعراق. ومنها «أفكار الوردي حول العراق»، و«العراق والعالم العربي»، و«الوردي والمفكرون العرب»، و«فهم الوردي للديمقراطية»، و«العراق اليوم في ضوء مفاهيم الوردي»، وغيرها من البحوث.
وقد أقيم المؤتمر برعاية كل من الجامعة الأميركية ببيروت قسم العلوم الاجتماعية والمجلة الدولية للدراسات المعاصرة والرابطة الدولية للدراسات المعاصرة والرابطة الدولية لدراسات الشرق الأوسط والمركز الدولي لدراسات الشرق الأوسط المعاصرة والمجلس العربي للعلوم الاجتماعية.
وتشكلت اللجنة المنظمة للمؤتمر من كل من الدكتور ساري حنفي (الجامعة الأميركية) والدكتور طارق إسماعيل (جامعة كالكوري)، والدكتورة لاهاي عبد الحسين (جامعة بغداد).
وكان المؤتمر الدولي بادرة طيبة للتعريف بعلم الاجتماع في العراق وبالوردي الذي يعد واحدا من أهم علماء الاجتماع العراقيين، والخروج به من دائرة «العراقي» إلى العربي الأوسع.
والوردي، كما هو معروف، علم بارز من أعلام الفكر الاجتماعي التنويري الذي خلف وراءه مؤلفات قيمة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وتاريخ الفكر الاجتماعي في العراق. وقد أثارت أفكاره الاجتماعية النقدية تساؤلات كثيرة، وخصوصا بعد سقوط النظام السابق والغزو والاحتلال، وما خلفه من فوضى وفراغ أمني وإداري وسياسي دفع إلى تأجيج المكبوتات وتفريغها بأشكال مختلفة من العنف والإرهاب.
إن أهمية علي الوردي تأتي من كونه قد درس وحلل حياة الناس الاجتماعية وسلوكهم وقيمهم وعاداتهم وعصبياتهم وتناقضاتها وأشار إلى مرجعية هذا السلوك وأصوله الاجتماعية والعشائرية والمصلحية دون تعصب وانفعال. وقد أخضع كل ما كتبه للفحص والمسائلة والنقد، منتقدا الظواهر السلبية والمفاهيم البالية. وكان في كل ما يكتبه مستقلا استقلالا ذاتيا وناقدا جريئا يتحدى المنظومات الفكرية والدينية والتقليدية، وخصوصا القبلية والطائفية، مستخدما أسلوبا يعتمد على السرد المبسط والكلام السهل الممتنع، منقبا في عمق الظواهر الاجتماعية المبعثرة في ثنايا التاريخ والمجتمع والشخصية. وقد تمخضت دراساته وبحوثه لطبيعة المجتمع وشخصية الفرد العراقي عن ثلاث فرضيات اجتماعية تكمل كل منهما الأخرى بعلاقة جدلية وهي ازدواجية الشخصية، والصراع بين قيم البداوة وقيم الحضارة، والتغير والتناشز الاجتماعيين.
والحقيقة هي أن أهم ما يميز فكر علي الوردي الاجتماعي عن بقية علماء الاجتماع في العراق أنه كرس حياته العلمية لدراسة المجتمع العراقي وشخصية الفرد العراقي وبذلك يعد مؤسس علم الاجتماع الحديث في العراق. وعلى الرغم من أنه عاش فترة صراع آيديولوجي حاد، غير أنه بقي محايدا ومستقلا ذاتيا، وربما بسبب ذلك اكتسبت دراساته أهمية بالغة، وأصبح في كل ما كتبه عن تاريخ العراق الاجتماعي شاهدا أمينا على قرن بكامله.