كتاب جديد عن ليلى مراد يروي أسرار حياتها وإسلامها

ملكت القلوب بطلتها الأخاذة وأسرت الأسماع بصوتها الساحر.. وما زالت تثير الجدل حول حياتها التي كانت تغزل سطورها الأسرار.. تربعت ليلى مراد على عرش الغناء ولا تزال كلمات أغانيها ترددها الأجيال، ومع اقتراب ذكرى ميلادها الـ98 التي تحل في 17 فبراير (شباط)، أصدرت دار الشروق كتاب «الوثائق الخاصة لليلى مراد» للناقد السينمائي أشرف غريب، وتم إطلاقه مؤخرا ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ47.
بغلاف يحمل صورتها وهي في أوج أناقتها، وصور فوتوغرافية نادرة تسجل لحظات من حياتها قبل النجومية والشهرة ولقطات من أفلامها الخالدة ولقطات مع أبنائها ومع كبار الفنانين المصريين وصولا إلى شاهد قبرها بمنطقة البساتين؛ يتناول الكتاب عبر 223 صفحة سيرة ليلى مراد محاولا سبر أغوار حياة الفنانة المصرية الكبيرة التي كانت أول من حملت لقب «سندريلا» السينما المصرية، وأصولها اليهودية ونشأتها ودخولها عالم السينما والغناء، وزيجاتها الثلاث، وإشهار إسلامها والظروف المحيطة به، وملف علاقتها بإسرائيل والحقائق الغائبة بشأنه، وكيف أنها أصبحت طرفا في معادلة سياسية عقب ثورة يوليو 1952. ويكشف لغز اعتزالها المفاجئ والمسكوت عنه طيلة 60 عاما.
يقول المؤلف أشرف غريب: «قصتي مع وثائق ليلى مراد بدأت منذ 20 عاما، وبالتحديد منذ لحظة وفاتها تقريبا حين دخلت منزلها في جاردن سيتي لأول مرة في حياتي.. وبدأت فكرة جمع أوراقها الخاصة تلمع في ذهني وتتبلور انتظارا للحظة البدء في التنفيذ»، مضيفا: «على الرغم من انقضاء كل تلك السنوات فإنه لم يتم الكشف حتى الآن عن كثير من جوانب حياتها، أو تصويب ما لحق بها من مغالطات عمدية كانت أو غير عمدية، لذلك أردت لهذا الكتاب أن يكون مختلفا عما سبقه، فقد اعتمدت على أصول مجموعة من الوثائق الرسمية والخاصة لا تقبل الشك أو التأويل، تؤرخ لحياتها بشكل منضبط ودقيق». مشيرا «أدركت بعد أن فرغت من هذه الدراسة، أنني لم أقدم فقط تأريخا لنحو ثمانين عاما عاشتها ليلى مراد بكل صخب أضوائها وهدوء عزلتها، وإنما أيضا لعصر بأكمله كانت ليلى من أهم رموزه وأبرز عناوينه».
ولدت ليلى زكي مردخاي (ليلى مراد) في 17 فبراير عام 1918، حيث كان والدها زكي مراد يتحدر من أسرة يهودية مغربية وهاجر زكي مراد مردخاي من المغرب واستقر في الإسكندرية حيث التقى بوالدة ليلى جميلة إبراهيم روشو، وولدت ليلى في حي محرم بك بالإسكندرية، وتركت أسرة ليلى مراد الإسكندرية إلى حي العباسية بالقاهرة حيث كان والدها صديقا مقربا لكبار المثقفين والأدباء. وساهمت صداقته بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في انطلاقها كنجمة سينمائية حيث رشحها للوقوف أمامه في ثالث أفلامه «يحيا الحب» سنة 1938. تزوجت ليلى ثلاث مرات الأولى من دنجوان السينما المصرية أنور وجدي، ثم الضابط بالقوات المسلحة المصرية وجيه أباظه، ثم المخرج السينمائي فطين عبد الوهاب.
يشير المؤلف إلى أن ليلى برغم امتلاكها حنجرة ذهبية وصوتا قدمت به كل ألوان الغناء وبراعتها في الأداء التمثيلي فإنها كانت خجولة مما دفع المخرج محمد كريم مخرج فيلمها الأول يقول في مذكراته بأنه اضطر للاستعانة بفتاة من الكومبارس لتسجيل صوت ضحكة لأنها كانت تخجل حين تضحك.
جمع الكتاب كنزا من الوثائق التي تنوعت ما بين: صور فوتوغرافية ورسائل خطية ووثائق رسمية، وأخبار صحافية وملصقات دعائية ليكشف للقارئ عن قصة حياة نجمة متفردة في تاريخ السينما المصرية. ومن بين الوثائق التي ضمتها دفتي الكتاب: وثيقة زواج ليلى من الفنان أنور وجدي أمام قلم المأذونية بمحكمة مصر الابتدائية في الساعة الثانية عشرة ظهر يوم 15 يوليو 1945، وكانت وقتها على الديانة اليهودية، كما توجد وثيقة إسلامها رسميا أمام قاضي المحكمة الشرعية في يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) 1947. يشير الكتاب إلى أنها «نطقت بالشهادتين على يد فضيلة الشيخ محمود أبو العيون، أحد علماء الأزهر الشريف في ذاك الوقت وليس كما تردد من شائعات أنها أسلمت على يد حسن البنا». كما يبدد الكتاب بما يحويه من وثائق ما أشيع عن زيارتها لإسرائيل في سبتمبر (أيلول) عام 1952، حينما كتب مراسل صحيفة «الأهرام» في دمشق «منعت الحكومة عرض أفلام ليلى مراد وإذاعة أغانيها من راديو دمشق لأنها زارت إسرائيل وتبرعت بخمسة آلاف جنيه لحكومتها». ويشير الكتاب عبر وثيقة «بيان بتحركات ليلى مراد» الصادر عن القنصلية المصرية في باريس في 17 سبتمبر عام 1952 أنها كانت متواجدة في فرنسا وليس إسرائيل. ووثيقة أخرى بتاريخ 20 سبتمبر 1952، صادرة عن أنور وجدي يقر فيه بأن طلاقه من ليلى مراد لم يكن لأسباب دينية أو سياسية فهي «عربية مسلمة صميمة يحبها العرب جميعا.. وإنما الأسباب التي أوصلتنا لهذا الطلاق الذي نأسف له الآن كان لأسباب عائلية يحدث مثلها كل يوم وبين جميع الناس». كما تنفي الوثائق التي ضمها الكتاب موتها على الديانة اليهودية حيث يعرض صورة من شهادة وفاتها الصادرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995.
ويذكر المؤلف أن السبب في عدم وجود توثيق دقيق عن أعمال وأغنيات ليلى مراد كاملة؛ هو أنها توارت عن الظهور العلني قبل أن تعرف مصر عصر التلفزيون بخمس سنوات، لذا فإن أكثر تراثها هو ما حفظته ذاكرة السينما ومقدمات أفلامها وقصاصات الصحف.
يلفت الكتاب إلى أن السر وراء اعتزال ليلى مراد لم يكن يتعلق بجمالها وخوفها على صورتها أمام جمهورها وإنما كان لأسباب وظروف سياسية مرت بها مصر آنذاك، ويكشف المؤلف أن علاقتها بالرئيس محمد نجيب كانت السبب في ذلك وأنها لم تقرأ المشهد السياسي جيدا كما فعلت أم كلثوم ومن بعدها محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، وإنما يسرد المؤلف في القسم الثامن من الكتاب «ليلى مراد وعبد الناصر.. الاعتزال الغامض» تفاصيل انسحاب المنتجين الغامض عن أفلامها، واستبعادها من بعض الأفلام والاستعانة بأخريات منهم هند رستم، نتيجة لاضطهاد مجلس قيادة الثورة لها بسبب علاقتها بالرئيس محمد نجيب واستنجادها به في أزمة شائعة زيارتها لإسرائيل، وغنائها له ونشر صور لها وهي تحمل صورته وتتأمل فيها.
ومن القصص المؤثرة التي تبرز إنسانية ليلى مراد وعاطفة الأمومة لديها، قصة ولادة ابنها زكي فطين عبد الوهاب حيث واجهتها محنة صحية كبرى كادت تودي بحياتها أثناء الولادة للدرجة التي دفعت طبيبها الشهير د. علي إبراهيم لتخييرها هي وزوجها بين حياتها أو حياة الجنين، فاختار زوجها فطين حياتها بينما هي فضلت حياة الجنين قائلة: «لا.. المهم طفلي» مما اضطر الزوج لمغادرة المستشفى هربا من صعوبة الموقف، وبعد ساعات أخبره الطبيب بنجاة ليلى وابنها زكي.
يسجل الكتاب اعتزال ليلى مراد بعمر 37 عاما عقب فيلمها الأخير «الحبيب المجهول» نتيجة التضييق عليها من مجلس قيادة الثورة في عهد جمال عبد الناصر، ويذيل الكتاب بملاحق تضم مقالات كتبتها ليلى مراد عن حياتها، وقائمة بأفلامها وتفاصيلها، وقائمة بأغنياتها بداية من أول ما صدحت به؛ أغنية «يوم الصفا» في فيلم «الضحايا» عام 1935 وحتى أغنيات فيلم «الحبيب المجهول» عام 1955، فضلا عن قائمة أخرى بالأغنيات غير السينمائية التي تغنت بها في أسطوانات أو للإذاعة.