إيران: تحديات الإعلام وسط الانتخابات المتنازع عليها

مجالس مصممة لمنح الجمهورية الإسلامية واجهتها الديمقراطية المزعومة

لغة التحدي ضد الانتخابات الإيرانية
لغة التحدي ضد الانتخابات الإيرانية
TT

إيران: تحديات الإعلام وسط الانتخابات المتنازع عليها

لغة التحدي ضد الانتخابات الإيرانية
لغة التحدي ضد الانتخابات الإيرانية

يتوجه الناخبون الإيرانيون في غضون ثلاثة أسابيع إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء، وهي المجالس المصممة لتمنح الجمهورية الإسلامية في إيران واجهتها الديمقراطية المزعومة.
ولقد واجهت وسائل الإعلام الإيرانية، وعلى الدوام، مشكلة كيفية تغطية هذه الانتخابات من دون المساس بأخلاقيات المهنة الصحافية. ونشرت صحيفة «الاعتماد» اليومية في طهران تقول: «تختلف الانتخابات في جمهورية إيران الإسلامية عن أي انتخابات في أي مكان آخر في العالم. ونقطة الاختلاف في الانتخابات الإيرانية تكمن في تجديد ولاء الشعب للنظام الإسلامي القائم وللمرشد الأعلى للثورة في البلاد».
ومن شأن تغطية مثل تلك الممارسات أن تكون أمرا يسيرا، وخصوصا في ظل أن أغلب وسائل الإعلام في إيران مملوكة وتحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة لمختلف أجهزة الدولة بما في ذلك الحرس الثوري الإسلامي أو آيات الله الأقوياء وغيرهم من جنرالات الجيش المتقاعدين الذين يستفيدون من الدعم الحكومي المستمر.
ومع ذلك، ففي كل مرة تعقد الانتخابات في البلاد تصطدم السلطات مع وسائل الإعلام المحلية بسبب أن الصحافيين، حتى في ظل الأنظمة المستبدة، لا يمكنهم بحال مقاومة إغراءات تقديم القصص الصحافية الجيدة. وبالتالي، فإن كل موسم انتخابي في إيران يشهد وبكل تأكيد عمليات اعتقال موسعة بحق الصحافيين. ولن تكون هذه الانتخابات استثناء من هذه القاعدة. ومن بين الصحافيين المعتقلين مجموعة من المخضرمين في المهنة الإعلامية على شاكلة عيسى سهرخيز، وإحسان مزندراني والذين قضوا أطول فترات الاعتقال في سجون النظام الإيراني كما هو الحال في مكاتب رؤساء التحرير في السنوات الأخيرة. كما أن هناك صحافيون معتقلون للمرة الأولى مثل عفارين شيتساز، ويونس داحمردي، وسامان صفرزاي، وفارناز بورمرادي.
وحال كتابتي لهذا المقال، فإن هناك 43 صحافيا إلى جانب 87 مدونا إيرانيا قابعين في سجون النظام، مما يضع الجمهورية الإسلامية في مقدمة دول العالم على ترتيب القمع الصحافي. وتهدف الحملة الأمنية المضادة لوسائل الإعلام إلى أن تكون بمثابة إنذار لكل الصحافيين حتى لا يلقوا بالشكوك المعتادة على صحة ونزاهة الانتخابات أو حتى طرح التساؤلات حول ضرورتها في المقام الأول. ولقد سلط النائب العام الإيراني علي جعفري الضوء على الغموض الذي يشوب الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الحملة الأمنية على وسائل الإعلام، حيث قال: «للصحافيين حرية نشر كل ما يروق لهم، ولكن ما لا نسمح به، رغم ذلك، هو نشر التقارير الصحافية غير الصحيحة. وأولئك الذين ينشرون التقارير غير الصحيحة يذهبون إلى السجن».
والسؤال المطروح هو: من الذي يحدد الصحيح من غير الصحيح في ما يتعلق بالتقارير الصحافية؟ وعلى أي حال، ألا ينبغي أن تكون عقوبة التقارير غير الصحيحة هو تكذيبها بدلا من الزج بالصحافيين في غياهب السجون؟
ليس هناك من شك في أن الانتخابات في إيران لها وضعية شديدة الخصوصية.
ولنبدأ بأولئك الذين يرغبون في الترشح للانتخابات والذين يجب عليهم المرور خلال مستويات متعددة من الانتقاء والتصفية قبل تلقي الموافقة الرسمية على ترشحهم في الانتخابات. وحتى بعد ذلك، فإن المرشحين المصادق عليهم لا يُسمح لهم بالبدء في حملتهم الانتخابية من تلقاء أنفسهم، ولكن يتعين عليهم التصرف وفق قواعد شديدة الصرامة خلال فترة الحملة الانتخابية التي تمتد لأسبوعين فقط. وحتى بعد انتهاء الانتخابات، يتعين التحقق من نتائجها من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو الجهاز الذي يسيطر عليه 12 مُلا من ملالي النظام الحاكم والذين يمكنهم تحويل الفائز إلى خاسر والعكس بالعكس وفقا لتقديرهم. وغني عن القول إنه يمكن المرشد الأعلى نقض قرار مجلس صيانة الدستور في أي وقت. قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الشهر الماضي: «لن نسمح لمعارضي نظام البلاد بالترشح في الانتخابات. ولكننا سوف نسمح لهم فقط بالتصويت كأفراد لكل من يختارونه من المرشحين المعتمدين».
ونظرا لأن خامنئي ينظر إلى كل انتخابات عامة من زاوية أنها استفتاء شعبي عليه بنفسه فهو يشعر بقلق بالغ وعميق حول نسبة المشاركة والتصويت. وسجلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، والتي جاءت بالسيد حسن روحاني رئيسا للجمهورية الإسلامية، أدنى مستوى من المشاركة والتصويت في تاريخ البلاد. ثم جرى انتخاب روحاني بأقل عدد يُذكر من أصوات الناخبين، مما يعكس حقيقة المناورة السياسية التي صاغها معارضوه للتشكك في مشروعيته كرئيس للبلاد.
وهكذا، تمارس السلطات كل حيلة تعرفها من أحل ضمان أكبر قدر من المشاركة والتصويت في الانتخابات الحالية. وكانت خطوتهم الأولى هي إعادة النظر في أعداد المؤهلين للتصويت من 55 مليونا إلى 51 مليونا على الرغم من حقيقة مفادها أن وزارة الداخلية الإيرانية، والتي تشرف على تنظيم الانتخابات، كانت قد أعلنت رسميا عن أكبر الأرقام المسجلة. وعندما أشارت بعض الصحف إلى ذلك خرج عليها النائب العام بتحذيره من «نشر التقارير الصحافية غير الصحيحة».
ومع ذلك، وقبل الحملة الأمنية الأخيرة، فإن بعض الصحف الإيرانية في طهران، والتي استخدمت آخر الأرقام الإحصائية الرسمية المعلنة، قالت إن القاعدة الانتخابية الإيرانية تفوق بكثير رقم 55 مليون ناخب. وبالتالي، فإن الإصرار الحكومي على تعزيز الرقم الأدنى المسجل يشير إلى خشية الحكومة من انخفاض نسبة المشاركة والتصويت. وكان النائب العام الإيراني غاضبا أيضًا عندما نشر بعض الصحافيين قصص إخبارية تُظهر أن عدد المرشحين المتنافسين على مقاعد مجلس الخبراء هو الأدنى في تاريخ الجمهورية الإسلامية. ويعتبر مجلس الخبراء ذا أهمية قصوى بسبب، وعلى أدنى تقدير ممكن، أنه يملك سلطة عزل واختيار المرشد الأعلى للبلاد.
والحقيقة أنه لم تتم الموافقة هذه المرة إلا على 166 مرشحا فقط لعدد مقاعد مجلس الخبراء البالغة 88 مقعدا، وهو أدنى رقم مسجل في تاريخ الجمهورية الإسلامية بالفعل. ففي انتخابات مجلس الخبراء الأخيرة، تنافس 164 مرشحا على 82 مقعدا في المجلس. ولقد تمت الموافقة، في ست دوائر انتخابية على الأقل، على مرشح واحد فقط لمقعد واحد فقط، مما يعني انعدام المنافسة من الأساس. وكانت هناك لمحة درامية خفيفة في المسرحية الانتخابية الإيرانية مع تنحية حسن، الحفيد الأكبر لآية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية. فلقد حاول الفصيل الموالي للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني تعزيز الشاب حسن الخميني بوصفه «الأمل في المستقبل»، ولقد عمدوا إلى نشر الملصقات التي وصفته بأنه «آية الله العظمى» أو حتى «العلامة» (أي العالم الكبير). ولقد استبعد حسن الخميني في نهاية المطاف بسبب أنه لم يحضر الامتحان التحريري الذي يؤكد معرفته بالدين الإسلامي! (بطبيعة الحال، يمكن لخامنئي إعادة ترشيح حسن الخميني كمعروف من جانبه. ولكن تلك الخطوة من شأنها الإطاحة بطموحات الشاب العلمية كرجل دين شيعي). فقدت الملحمة الانتخابية الإيرانية جزءا كبيرا من مصداقيتها عندما قررت السلطات استبعاد ما يقرب من 99 في المائة من أولئك الذين تقدموا بطلبات الترشح للانتخابات.
وفي ما لا يقل عن 40 حالة، كان المرشحون المستبعدون هم من الملالي الذين يعملون لدى الحكومة نفسها في وظائف أئمة صلاة الجمعة. وفي ممارسة مفعمة بالسخرية، استخدمت السلطات الإيرانية المادة 38 من قانون الانتخابات لتبرير قرارات الاستبعاد المعلنة. وتنص المادة المذكورة على: «يمكن استبعاد أحد المرشحين للانتخابات على أساس عدم الالتزام التام بتعاليم الإسلام».

وبعبارة أخرى، فالقرار يقول إنه من بين 40 مدينة إيرانية هناك أئمة لصلاة الجمعة غير ملتزمين بتعاليم الإسلام. وتلك من القصص المثيرة للاهتمام بكل المقاييس. ولكن الصحافيين الإيرانيين الذين عرجوا على ذكرها انتهى بهم الحال في سجون النظام.



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.