معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل

جمهوريًا نكسة لترامب وتقدّم لكروز وروبيو.. وديمقراطيًا أداء طيب لساندرز أمام كلينتون

معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل
TT

معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل

معركة آيوا.. الترجمة الأولى لسباق الرئاسة الأميركية الطويل

اجتازت معركة الرئاسة الأميركية لعام 2016 خلال الأسبوع محطتها الأولى عبر التجمّعات الانتخابية في ولاية آيوا، بوسط الولايات المتحدة الغربي، والحال أنه بخلاف الفوارق الضخمة التي أظهرتها استطلاعات الرأي المبكرة، اختلطت الأوراق تمامًا في معسكر الجمهوريين وكان الفارق ضئيلاً بصورة لافتة عند الديمقراطيين.

انتزع السيناتور تيد كروز، أحد ممثلي ولاية تكساس في مجلس الشيوخ الأميركي، الصدارة في معركة ترشيح الحزب الجمهوري الأميركية لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية منزلاً هزيمة مبكرة ومؤلمة بالملياردير اليميني المثير للجدل دونالد ترامب الذي كانت تعطيه استطلاعات الرأي - تقريبًا من دون استثناء - تقدمًا مريحًا على جميع منافسيه. غير أن تقدم كروز وإن أكد قوة قاعدته المسيحية المحافظة، وأعطى جرعة قوية لحملته على حساب فرص ترامب الذي لا يعد بالضبط جزءًا من «المؤسسة الحزبية» الجمهورية، فإن المراقبين رصدوا الأداء اللافت على مرشح يرون أنه قد يشكل خطرًا أكبر على فرص كروز هو السيناتور الشاب ماركو روبيو. ذلك أن روبيو يتحدر من أصل لاتيني مثل كروز، ومثله أيضًا يمثل ولاية ضخمة ومؤثرة انتخابيًا لا بد للجمهوريين من كسبها في نوفمبر المقبل، كما أنه من الجناح اليميني في الحزب.
آيوا.. كولاية
كولاية، قد لا تكون آيوا معيارًا للولايات الأميركية، وما يصدق عليها لا يصدق بالضرورة على غيرها من الولايات. فهي بصفة عامة ريفية ومدنها متوسطة إلى صغيرة الحجم، ثم إنها إن كانت محافظة، فإنها مالت غير مرة خلال العقود الأخيرة إلى الحزب الديمقراطي وخرج منها ساسة ديمقراطيون ليبراليون مع أن ريفيتها وهويتها «البيضاء» الغالبة وضعتها عمومًا في خانة الجمهوريين.
في أي حال كانت أهمية المحطة الأولى في آيوا اختبار مدى دقة استطلاعات الرأي ومدى قدرة المرشحين المتخلفين عن ركب المقدمة في الحزبين عن مواصلة مسيرة التحدي، والحال أنه خرج عمليًا من السباق المرشح الديمقراطي الثالث مارتن أومالي الحاكم السابق لولاية ماريلاند في أعقاب عجزه الواضح عن إحداث اختراق ملموس في حصص المتنافسين الرئيسين هيلاري كلينتون والسيناتور بيرني ساندرز، أحد ممثلي ولاية فيرمونت (إحدى أصغر الولايات الأميركية من حيث عدد السكان) في مجلس الشيوخ، والعضو الوحيد في مجلسي الكونغرس الذي يعتبر نفسه اشتراكيًا.. فقد حصلت كلينتون، زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون ووزيرة الخارجية السابقة والسيناتورة السابقة عن ولاية نيويورك، بما يقل بقليل عن 49.9 في المائة مقابل حصول ساندرز على 49.6 في المائة، أما أومالي فكان نصيبه 0.6 في المائة فقط.
الصورة كانت مختلفة عند الجمهوريين. فهنا كانت استطلاعات الرأي تعطي دونالد ترامب، على مستوى آيوا، وكذلك على المستوى الوطني ككل، تقدمًا طيبًا على المرشحين الجمهوريين الذين ينتمون جميعًا إلى التيار اليميني المحافظ في الحزب. غير أن السيناتور كروز أخذ يقضم من شعبية ترامب في آيوا، مستفيدًا من دعم الجماعات الإنجيلية المحافظة وهي قوية بصورة لافتة في الولاية، ومن ثم مع اقتراب موعد الاختبار الكبير خلال الأسبوع الفائت برز كروز وتقدّم في عدد من الاستطلاعات على ترامب، مع ترجيح حصول المنافس الثالث السيناتور روبيو على ما يتراوح بين 13 و17 في المائة من الأصوات، وتراجع نسبة تأييد جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا السابق، وسليل أسرة بوش التي أعطت أميركا رئيسي جمهورية خلال العقود الأخيرة.
غير أن نتيجة آيوا كانت لافتة بأنها منحت المرشحين اللاتينيين كروز وروبيو نتيجتين تشجعهما على المضي قدمًا بثقة إلى الامتحانات الانتخابية المقبلة، ولا سيما، يوم «الثلاثاء الكبير» في أول مارس (آذار) المقبل.

* «الثلاثاء الكبير»
في هذا اليوم المهم جدًا لناحية «غربلة» المرشحين الأقوياء تشارك مجموعة من الولايات في طول أميركا وعرضها في إجراء منافستها الترشيحية (بين انتخابات تمهيدية وتجمعات انتخابية) في يوم واحد، وبينها: آلاباما وآلاسكا وأركنسو وكولورادو وجورجيا وماساشوستس ومينيسوتا ونورث داكوتا وأوكلاهوما وتينيسي وتكساس وفيرمونت وفيرجينيا ووايومينغ. ولا شك، ستكون الأنظار في هذا اليوم الطويل منصبة على الولايات الكبيرة المؤثرة بينها، مثل تكساس وماساتشوستس وجورجيا وفيرجينيا وتينيسي ومينيسوتا. في «الثلاثاء الكبير» تتضح عدة أمور على رأسها:
1 - القدرة المالية لكبار المرشحين التي ستساهم بمضيهم قدمًا حتى المؤتمر الحزبي الكبير قبل موعد الانتخابات، وهو المؤتمر الذي يجري فيه فعليًا ورسميًا تبني كل حزب لمرشحه الرئاسي. وجزء من هذه القدرة المالية يعكس متانة علاقات المرشح بقوى الضغط والشركات والمؤسسات المالية الكبرى، وكبار اللاعبين النافذين في بيئة المال والأعمال والتأثير السياسي.
2 - اتساع رقعة التأييد والجذب عند كل مرشح، لأن «الثلاثاء الكبير» يغطي عمومًا مختلف أرجاء الولايات المتحدة من ماساشوستس وفيرمونت في الشمال الشرقي إلى تكساس في الجنوب الغربي، ومن جورجيا في الجنوب الشرقي إلى مينيسوتا في الشمال على حدود كندا. وفي إطار رقعة التأييد والجذب هناك عامل التنوع الإثني والطبقي والثقافي والمعيشي الذي لا بد للمرشح الناجح أن يتمكن من اختراقه.
3 - قوة الماكينة التنظيمية الانتخابية لكل مرشح، وحنكتها الإدارية، وفعاليتها في التحرك، وكسب المناصرين، ومخاطبة الإعلام، واستغلال وسائط التواصل الاجتماعي.
4 - عدد المندوبين إلى المؤتمرين الحزبيين سيتأثر إلى حد كبير بنتيجة ذلك اليوم.
لذا، يتوقع معظم المراقبين والمحللين أن يكون دور «الثلاثاء الكبير» حاسما بالنسبة للمنافسة المحتدمة في معسكر الحزب الجمهوري، مع أن هناك محطتين أخريين تفصلان المتنافسين الجمهوريين عن ذلك اليوم المهم، هما ولايتا ساوث كارولينا ونيفادا. أما بالنسبة إلى المنافسة في معسكر الديمقراطي فالشيء المؤكد أنها لن تحسم بدورها في المحطة الثانية، التي هي الانتخابات التمهيدية الترشيحية في ولاية نيوهامبشير، حيث يتقدم السيناتور ساندرز وفق كل استطلاعات الرأي على هيلاري كلينتون بفارق كبير. وما يذكر في هذا السياق أن نيوهامبشير ملاصقة جغرافيًا لولاية فيرمونت، أي ولاية ساندرز، التي تولى فيها منصب عمدة مدينتها الأكبر بيرلينغتون، ثم شغل مقعدها الوحيد في مجلس النواب الأميركية، ولاحقًا شغل ولا يزال يشغل أحد مقعديها في مجلس الشيوخ.

* الاختبار المقبل
الاختبار الانتخابي المقبل هو ولاية نيوهامبشير، وهي صغيرة من حيث المساحة والسكان تقع في شمال شرقي الولايات المتحدة وتمتد بين ضواحي مدينة بوسطن، إحدى أعرق مدن «العالم الجديد»، وحدود كندا. وهذه الولاية تعد وسطية سياسيا، محافظة اقتصادية لكنها ليبرالية اجتماعيًا، وبالتالي تعد عادة من الولايات المتأرجحة التي يتنافس عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري في كل انتخابات رئاسية. في نيو هامبشير - كما سبقت الإشارة - يرجح فوز بيرني ساندرز على هيلاري كلينتون بفارق كبير، إذا صدقت استطلاعات الرأي، أما على صعيد الجمهوريين فإن أحدث استطلاعات الرأي، لشبكة «سي إن إن» يعطي دونالد ترامب الصدارة بـ29 في المائة، ولقد قفز إلى المرتبة الثانية لأن السيناتور ماركو روبيو بـ18 في المائة، يليه السيناتور تيد كروز بـ13 في المائة ثم حاكم ولاية أوهايو جون كاسيك بـ12 في المائة، يليهم بفارق كبير كل من كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرسي وسيدة الأعمال كارلي فيورينا بـ4 في المائة لكل منهما.

* آلية الانتخابات
في الولايات المتحدة تجرى الانتخابات الرئاسية، وكذلك الانتخابات المخصصة لملء مقاعد مجلسي الكونغرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، في السنوات الشفعية مثل العام الحالي 2016، وبالنسبة للانتخابات الرئاسية التي تجرى كل أربع سنوات فإنها تنطلق من انتخابات تمهيدية أو ترشيحية حزبية تجرى أما عن طريق الاقتراع أو عبر تجمّعات انتخابية تقليدية تعود إلى بواكير نشوء البلاد.
من حيث المبدأ الانتخابات التمهيدية عمليات اقتراع تنظم لاختيار المرشحين الذين سيشاركون في الانتخابات العامة، بغض النظر عن نوعها. ويؤدي عادة تحقيق الفوز في الانتخابات التمهيدية إلى اختيار المرشح أو دعمه من قبل حزب سياسي معين لخوض الانتخابات العامة. أما الانتخابات العامة فهي انتخابات تجري لاختيار من سيمثل الحزب من بين المرشحين الذين سبق اختيارهم في الانتخابات التمهيدية (أو من خلال مؤتمر أو لجنة حزبية أو عريضة التماس) لتولي منصب اتحادي (أي مستوى البلاد) أو مستوى ولاية أو في حكومة محلية. ويتمثل الغرض من الانتخابات العامة في إجراء الاختيار النهائي من بين مختلف المرشحين الذين جرى تعيينهم من جانب الأحزاب أو الذين يخوضون الانتخابات كمستقلين أو غير منتمين إلى حزب سياسي رئيسي. علاوة على ذلك، تجري ولايات كثيرة انتخابات خاصة يمكن الدعوة إلى إجرائها في أي وقت لكي تخدم غرضًا معينًا، مثل اختيار مرشح لشغل منصب شاغر غير متوقع في أحد المناصب المنتخبة. في الانتخابات الرئاسية، بعد الانتخابات التمهيدية في الولايات، يعقد كل حزب مؤتمرًا وطنيًا لاختيار المرشح الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية رسميًا، وهو في العادة المرشح الذي حصل على دعم أكبر عدد من مندوبي المؤتمر، استنادًا لانتصاراته في الانتخابات التمهيدية. وعادة، يختار المرشح للرئاسة نفسه مرشحًا يخوض الانتخابات معه ليكون مرشح الحزب لنائب الرئيس.
وجدير بالذكر، أنه لا تعقد الأحزاب السياسية مؤتمرات وطنية إلا في سنوات الانتخابات الرئاسية. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، ستستضيف مدينة كليفلاند بولاية أوهايو المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري بين 18 و21 يوليو (تموز) المقبل. بينما يعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بين 25 و28 يوليو. أما عن موعد الانتخابات الرئاسية، فإن هذه الانتخابات تجرى كل أربع سنوات في أول يوم ثلاثاء يلي أول يوم اثنين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني). والسبب في ذلك التقليد يعود إلى أن الولايات المتحدة كانت على مدى فترة زمنية طويلة من تاريخها مجتمعًا زراعيًا في معظمها. ولقد أخذ المشرّعون بالاعتبار التاريخ المناسب لهم عندما اختاروا شهر نوفمبر، الذي يقع بعد موسم الحصاد ولكن قبل أن يجعل طقس الشتاء السفر صعبًا، نظرًا لأنه أسهل شهر بالنسبة للمزارعين والعمال الريفيين للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
ولأن الكثير من سكان المناطق الريفية يعيشون على مسافات بعيدة عن مراكز الاقتراع، اختير يوم الثلاثاء بدلاً من الاثنين من أجل تمكين أولئك الذين يحضرون قداس يوم الأحد من بدء السفر بعد الصلاة والوصول إلى المكان الذي يقصدونه في الوقت المناسب للإدلاء بأصواتهم. أضف إلى ما سبق أن المشرّعين أرادوا الحؤول دون وقوع يوم الانتخابات في أول نوفمبر لسببين هما: الأول، أن يوم أول نوفمبر عند المسيحيين هو عيد جميع القديسين، أي اليوم الذي يلتزم الكاثوليك فيه بحضور القداس، كما أن التجار يصفّون في العادة حساباتهم للشهر السابق في اليوم الأول من كل شهر.
هذا، بما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، أما بالنسبة للهيئة التشريعية، أي الكونغرس بمجلسيه، تُعرف الانتخابات التي يصوّت فيها الأميركيون لانتخاب ممثليهم في مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) بالانتخابات النصفية، لأنها تجرى في منتصف الولاية الرئاسية التي تمتد أربع سنوات. والحال أن الأميركيين ينتخبون كل سنتين كل أعضاء مجلس النواب، كما ينتخبون نحو ثلث عدد أعضاء مجلس الشيوخ الذين يخدم كل منهم لفترة ست سنوات. كما يختار الناخبون أيضًا مسؤولين لشغل مناصب رسمية في الولايات (كحكام الولايات) والحكومات المحلية.

* شروط الترشح لرئاسة الولايات المتحدة
لكل منصب منتخب اتحادي (أي على مستوى البلاد) متطلبات مختلفة، تنص عليها المادتان الأولى والثانية من الدستور الأميركي. وفيما يخص رئاسة الجمهورية يجب أن يكون المرشح لمنصب رئاسة الولايات المتحدة مولودًا في الولايات المتحدة، وألا يقل عمره عن 35 سنة، وأن يكون مقيمًا في الولايات المتحدة لمدة 14 سنة على الأقل. ويجب على نائب الرئيس أن يستوفي الشروط المؤهلة نفسها. ولا يجوز لنائب الرئيس أن يكون من الولاية ذاتها التي ينتمي إليها الرئيس بموجب التعديل الثاني عشر للدستور الأميركي.

* «الكلية الانتخابية»
الرئيس الأميركي، رسميًا ينتخب بالأصوات الانتخابية لـ«الكلية الانتخابية» أو المجمع الانتخابي وليس بأغلبية الأصوات الشعبية، ولقد سبق لأربعة رؤساء أميركيين أن تولوا الرئاسة مع أنهم حازوا من الأصوات الشعبية على أقل من منافسيهم هم: جون كوينسي أدامز عام 1824 الذي تقدم عليه منافسه اندرو جاكسون (بالأصوات الشعبية وكذلك الانتخابية) لكنه انتخب بأصوات مجلس النواب لأن جاكسون لم يحصل على غالبية مطلقة في الكلية الانتخابية. روذرفورد هايز عام 1876 الذي تخلف عن منافسه صامويل تيلدن، لكنه فاز بفارق صوت واحد في الكلية الانتخابية. ثم بنجامين هاريسون الذي تخلف عن غروفر كليفلاند عام 1888، وأخيرًا جورج بوش الابن الذي تخلف عن منافسه آل غور عام 2000.
الكلية الانتخابية، أو المجمع الانتخابي، عبارة عن مجموعة من المواطنين تعيّنهم الولايات للإدلاء بأصواتهم لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس نيابة عن جميع المواطنين في الولاية. وتختلف عملية اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية بين ولاية وأخرى، ولكن الأحزاب السياسية تسمي عادة أعضاء الكلية الانتخابية خلال مؤتمرات حزبية تنظم في الولاية أو من خلال التصويت في اللجنة المركزية للحزب. ويقوم الناخبون في كل ولاية، من خلال الإدلاء بأصواتهم للرئيس ونائب الرئيس، باختيار أعضاء الكلية في يوم إجراء الانتخابات العامة. إن الكلية الانتخابية، وليس أصوات الناس، هي التي تنتخب الرئيس، ولكن عمليتي التصويت هاتين مرتبطتان بشكل وثيق.
وعن كيفية عمل نظام الكلية الانتخابية فإنه يعمل بإعطاء لكل ولاية عددا من أصوات الكلية مساويًا لعدد الأعضاء الذين يمثلون تلك الولاية في الكونغرس. وتخصص ثلاثة أصوات انتخابية لمقاطعة كولومبيا، أي العاصمة واشنطن. وهناك 538 صوتًا انتخابيًا في الكلية الانتخابية، ويجب على المرشح للرئاسة الحصول على 270 صوتًا انتخابيًا من أجل الفوز في الانتخابات (أي أكثرية بسيطة). وتتبع جميع الولايات، ما عدا ولايتين، نظام الفائز يفوز بالكل، وهو الذي يحصل بموجبه المرشح الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات الشعبية في الولاية على جميع أصوات الكلية الانتخابية للولاية.
ومن ثم، يجتمع أعضاء الكلية عادة في عواصم ولاياتهم في ديسمبر (كانون الأول) للإدلاء بأصواتهم. ثم ترسل بعد ذلك أصوات الكلية إلى واشنطن، حيث يصار إلى فرزها خلال جلسة مشتركة للكونغرس تنظم في يناير (كانون الثاني).



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».