مقتل «بطل» أفغاني في طريقه للمدرسة

حمل السلاح إلى جانب عمه في الحرب ضد طالبان

الطالب واصل أحمد اثناء حمله السلاح ضد جماعة «طالبان» في ولاية أوروزغان قبل مقتله (واشنطن بوست)
الطالب واصل أحمد اثناء حمله السلاح ضد جماعة «طالبان» في ولاية أوروزغان قبل مقتله (واشنطن بوست)
TT

مقتل «بطل» أفغاني في طريقه للمدرسة

الطالب واصل أحمد اثناء حمله السلاح ضد جماعة «طالبان» في ولاية أوروزغان قبل مقتله (واشنطن بوست)
الطالب واصل أحمد اثناء حمله السلاح ضد جماعة «طالبان» في ولاية أوروزغان قبل مقتله (واشنطن بوست)

ذات يوم، حمل واصل أحمد السلاح ضد جماعة «طالبان»، حيث كان يقاتل بجوار عمه في الدفاع عن قريتهم الأفغانية في أوروزغان. وقد أعلنت قوات الأمن المحلية أن الصبي كان بطلاً بحق، واكتسحت صوره المزدانة بأكاليل الورود شبكات التواصل الاجتماعي، العام الماضي.
إلا أن مسؤولين أفغان أعلنوا، أول من أمس، أن الصبي البالغ 10 سنوات، أطلق متمردون النار عليه وأردوه قتيلاً بينما كان في طريقه للمدرسة، حسبما أفادت وكالة «أسوشييتد برس». كان واصل قد ترك الميليشيا والتحق بالصف الرابع في المدرسة قبل مقتله بشهور، حسبما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز».
ويأتي مقتل الطفل في خضم انتقادات موجهة لظاهرة استغلال الأطفال المقاتلين في أفغانستان من جانب كل من قوات الحكومة والمتمردين. ورغم كونها ممارسة تجرمها القوانين الأفغانية، فإنها لا تزال شائعة، حسب ما أوضحته منظمات تعمل بمجال المساعدات.
في هذا الصدد، قالت تشارو لاتا هوغ، مديرة منظمة «تشايلد سولدجرز إنترناشونال»، في تصريحات لصحيفة «غارديان»، إن جهود فرض الالتزام بالتعهدات الحكومية بمنع استخدام الأطفال في مهام عسكرية اتسمت «بالبطء والتقاعس».
من جهتها، وثقت الأمم المتحدة تجنيد ونشر 68 طفلاً من جانب قوات وطنية وشرطة محلية أفغانية، إضافة إلى «طالبان»، تبعًا لتقرير صدر عام 2015 - وأوضحت المنظمة الدولية أن انخفاض الأعداد يرجع إلى الانخفاض الحاد في البلاغات عن هذه الحالات. وفي هذا الصدد، أكد بيان صادر عن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأطفال والصراعات المسلحة، أنه: «ظاهرة مثيرة للقلق، فلا تزال (طالبان) تتولى تجنيد أطفال لتنفيذ هجمات انتحارية وزرع عبوات ناسفة، بجانب استخدامهم في أعمال قتال وكجواسيس». وفي تصريحات لـ«أسوشييتد برس»، قال نائب رئيس قائدة قوة الشرطة بإقليم أوروزغان، رحيم الله خان، إن واصل أطلق عليه النار في مدينة تيرين كوت، مشيرًا إلى أن عمه، الملا عبد الصمد، كان يقاتل في وقت سابق في صفوف «طالبان»، قبل أن ينقلب عليهم منذ سنوات.
وأضافت الصحيفة أن والد واصل انضم أيضًا لعبد الصمد الذي تم تعيينه قائدًا للشرطة المحلية.
وتحولت القوات العاملة تحت إمرة عبد الصمد إلى خط الدفاع الحكومي في المواجهة ضد «طالبان». وخلال القتال، فقد عبد الصمد 80 رجلاً، منهم والد واصل. الصيف الماضي، ومع تكثيف «طالبان» هجماتها عبر البلاد وتردي الوضع الأمني في أوروزغان، ضاقت الحلقة المحيطة بمقاتلي عبد الصمد، حيث حاصرتهم «طالبان» لما يزيد على شهرين، حسبما ذكر هو خلال مقابلة أجريت معه. وبعد شهر من الحصار، خلف هجوم لـ«طالبان» وراءه عبد الصمد و10 من رجاله جرحى. وعليه، تولى واصل قيادة الدفاع، حسبما ذكر عبد الصمد. وعن هذا، قال: «خاض القتال بصورة أقرب للمعجزات»، مضيفًا أن واصل كان يطلق الصواريخ من على السطح. وذكر أن: «واصل نجح في قيادة رجالي نيابة عني على مدار 44 يومًا حتى استعدت عافيتي».
من جهته، أقام خان احتفالاً لتكريم واصل، وظهر بالصور مرتديًا خوذة عسكرية ويحمل بندقية - الأمر الذي اعترض عليه رئيس المجلس، محمد كريم خادمزاي، تبعًا لما نقلته «نيويورك تايمز». وقال الأخير: «عقد برنامج داخل مقرات الشرطة، حيث تناول مسؤولون شجاعته وبأسه، لكنني كنت معارضًا لهذه الخطوة، وأخبرت المسؤولين أنه بدلاً من تشجيعه على النشاطات العسكرية التي ستدمر مستقبله، دعوه يذهب للمدرسة، فهو لا يزال صغيرًا للغاية على حمل السلاح». من جانبه، قال رافي الله بيدار، من المفوضية الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، إن القوات المحلية لم لا ينبغي أن تغدق الثناء على واصل علانية. وأضاف أنه ربما حمل السلاح انتقامًا لمقتل أبيه، لكن لم يكن من القانوني أن تنصبه الشرطة بطلاً وتكشف هويته، خاصة للمتمردين.
* خدمة واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».