توبياس إلوود لـ {الشرق الأوسط}: روسيا والأسد يجب أن يبعدا من المفاوضات بينما ينتهكان القانون

وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية قال إن النظام السوري لن يستفيد من مساعدات المانحين

توبياس إلوود وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية
توبياس إلوود وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية
TT

توبياس إلوود لـ {الشرق الأوسط}: روسيا والأسد يجب أن يبعدا من المفاوضات بينما ينتهكان القانون

توبياس إلوود وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية
توبياس إلوود وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية

لم يخفِ وزير الدّولة لشؤون الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجيّة البريطانيّة توبياس إلوود، حماسته لما تحقق في الحرب ضد «داعش»، حين التقته «الشرق الأوسط» في لندن، وقد كان عائدا لتوه من اجتماع لمجموعة مصغرة من التحالف ضد «داعش» في روما.
تحدث إلوود عن «نصر تحقق في الشهور الأخيرة للتحالف الدولي»، وفقدان «داعش» لجزء مهم من الأراضي التي تسيطر عليها، وعن هشاشة التنظيم المتطرف، عكس التقارير التي يروجها التنظيم المتطرف أخيرا عن سطوة واسعة وقوية له في العراق وسوريا، وهو الذي لم يحقق أي انتصارات استراتيجية منذ مايو (أيار) الماضي، بل خسر 40 في المائة من أراضيه هناك. وتحدث إلوود أيضًا عن نبرة الانتقادات الحادة التي تحدث بها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند حيال الدور الروسي في سوريا، وارتفاع حدة قصفها لمواقع المعارضة المعتدلة والمدنيين، ومساهمة كل ذلك في تقوية تنظيم داعش، والتأثير سلبا على مفاوضات جنيف. كما تطرق إلى مؤتمر الدول المانحة الذي عقد أمس، واستراتيجية بلاده الدبلوماسية في دعم المفاوضات السورية، التي جمدت حتى الخامس والعشرين من الشهر الحالي، وعن استراتيجيتهم كذلك لإنهاء معاناة الشعب السوري، تحضيرا للانتقال السياسي بعيدا عن نظام الأسد.
* ما موقفكم الآن من روسيا خاصة بعد تكثيف غاراتهم على المدن السورية تزامنا مع مفاوضات جنيف؟
- موقفنا أن روسيا والنظام السوري يجب ألا يجلسا على طاولة المفاوضات، في حين يتم قصف المعارضة المعتدلة، وقتل المدنيين، عمدا، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي. على جميع الأطراف أن تصل إلى طاولة المفاوضات بالتزام منها لإنهاء معاناة الشعب السوري. وفي الوقت نفسه، فإن بريطانيا لا تزال متمسكة في دعمها لمحادثات السلام السورية - السورية. ولا تزال العملية السياسية هي الحاسمة لضمان الانتقال السياسي، بعيدا عن الأسد، وفي وضع حد لمعاناة الشعب السوري. ولكن يجب علينا أن نكون واقعيين، فالتقدم في المفاوضات يأخذ بعض الوقت في النزاعات من هذا النوع، وليس في حال الملف السوري فقط، وهذه الوقفة، أي التأجيل، قد تسمح لجميع الأطراف بإعادة قراءة ما تم من مناقشات حتى الآن، وتساعد على التأكيد على أن جميع الأطراف تشارك بحسن نية.
لقد ساهمنا سابقا في اجتماع فيينا الخاص بسوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وفي اجتماع نيويورك في ديسمبر (كانون الأول)، للدفع بالملف السوري إلى المفاوضات، والاتفاق على سبل تعاون المجتمع الدولي مع بعضه البعض للمساعدة في جعل سوريا أكثر استقرارا. ونحن الآن بحاجة لرؤية وصول المساعدات الإنسانية بصورة كاملة وغير مقيدة في سوريا، ووضع حد لجميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي على النحو المبين في قرار 2254 الصادر من مجلس الأمن الدولي.
* واحدة من مفردات مؤتمر المانحين، الحديث عن خلق فرص عمل للاجئين السوريين. هل تعتقد أن البلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين، مثل لبنان والأردن، سيسمحون بإعطاء أذونات عمل مترافقة مع خلق فرص اقتصادية من قبل الدول المانحة والأمم المتحدة؟
- لا أستطيع أن أتحدث بالنيابة عن هذه الدول، فهذا قرار يخص المسؤولين فيها. ولنلاحظ أنه ليس باستطاعة هذا المؤتمر وحده تسوية كل المشكلات، فهذا المؤتمر أيضًا سيعمل على بناء الفرص الاقتصادية وخلق فرص عمل للاجئين ومواطني البلد المضيف على حد سواء. وبالإضافة إلى ذلك، يهدف إلى جعل حياة أولئك الذين لا يزالون في سوريا، أفضل، من خلال تمويل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، وإعادة بناء المرافق الصحية. وكانت محاولة إدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، ومضايا، نموذجا لذلك.
* هل هذا يعني أنه سيكون هناك تعاون مع النظام السوري في هذا المجال، وهل سيستفيد النظام السوري من التمويل؟
- الهدف من المؤتمر هو دعم منظمات الأمم المتحدة لتقديم المساعدات داخل سوريا، وأعضاء النظام السوري لم تتم دعوتهم إلى المؤتمر ولم يشاركوا فيه، والنظام لن يستفيد من هذه الأموال المخصصة للدعم.
* بمناسبة الحديث عن المساعدات، وقع عدد كبير من البريطانيين على عريضة تطالب القوات الجوية البريطانية برمي المساعدات من طعام ودواء إلى المحاصرين في مضايا وبقية المدن السورية. هل من استجابة لذلك الطلب مستقبلا؟
- هذا الحل متروك للنهاية وبعد استنفاد الحلول الأخرى، لكنه حل غير عملي في الحقيقة. إذ من سيقوم على توزيع تلك المساعدات في حال وقوعها عشوائيا؟ إضافة إلى أنها قد تقع في الأيدي الخطأ التي لا تحتاجها.. أو في المكان الخطأ. ولنا تجارب سابقة في ذلك، فقد صدف مرة في دولة أفريقية أن وقعت المساعدات في منطقة تنتشر فيها الألغام، وركض الناس باتجاهها بمن فيهم الأطفال. إذن الطريقة غير آمنة. ويفضل أن تتم عبر الطريق البري بشاحنات، ويتفق مسبقا على الجهات المحلية التي ستتسلمها وتشرف على توزيعها.
* في عام 2015 عبر المتوسط أكثر من 220 ألف مهاجر جزء كبير منهم هرب من الحرب في سوريا. وبما أن المملكة المتحدة طرف في برنامج الأمم المتحدة لإعادة توطين اللاجئين السوريين. كيف ستتجاوب بريطانيا مع موضوع تدفق اللاجئين، باستثناء منح اللجوء لعشرين ألف لاجئ سوري خلال خمس سنوات؟
- بريطانيا وضعت في حسابها كما أعلن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون سابقا، إعادة توطين 20 ألف لاجئ سوري خلال خمس سنوات، من ذوي الاحتياج الملح بينهم ومن سكان المخيمات في المجتمعات المضيفة، مثل من هم بحاجة إلى العلاج، والنساء والأطفال، وقد وصل إلى بريطانيا حتى الآن ألف لاجئ تقريبا. ولنكن صريحين، فالسبب في تحديد عدد من يمنحون حق إعادة التوطين، أن تكلفة إقامة اللاجئ في بريطانيا، تعادل التكلفة التي يمكن أن تقدمها الحكومة البريطانية لعشرين لاجئا في بلاد الجوار السوري. أيضًا نحن ندرك أن اللاجئين يريدون في النهاية العودة إلى سوريا وبداية حياة جديدة في وطنهم. وبقاؤهم هناك يساعد على سرعة العودة، طبعا بعد وجود حل سياسي عادل. لذا ندعمهم لتحقيق هذا الغرض بتحسين مستوى حياتهم في المجتمعات المضيفة. فقد ساهمت بريطانيا، مثلا، في التحاق 200 ألف طفل سوري بالتعليم الرسمي في لبنان في السنة الحالية للمساعدة في توفير التعليم لجميع اللاجئين السوريين. وتلتزم بريطانيا مع الدول المانحة بتوفير التعليم لجميع أطفال اللاجئين والمجتمعات المضيفة بحلول نهاية السنة الدراسية 2016 - 2017، بالإضافة إلى المساهمة في توفير فرص عمل للاجئين في الدول المجاورة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.