قبطان «سفينة الحب» يخاطب «حمى اللجوء السوري» على خشبة المسرح

بعد تحويل سهرات «كرافانات» الزعتري لأمسيات ثقافية.. نوار بلبل يطلق آخر أعماله في يوم المسرح العالمي

نوار بلبل تبنى الصوت الحر بآخر أعماله لنقل الثورة السورية إلى خشبة المسرح - جانب من التدريبات والبروفات على المسرحية - تدريبات داخل «خيمة شكسبير» في «الزعتري» على مسرحية بلبل
نوار بلبل تبنى الصوت الحر بآخر أعماله لنقل الثورة السورية إلى خشبة المسرح - جانب من التدريبات والبروفات على المسرحية - تدريبات داخل «خيمة شكسبير» في «الزعتري» على مسرحية بلبل
TT

قبطان «سفينة الحب» يخاطب «حمى اللجوء السوري» على خشبة المسرح

نوار بلبل تبنى الصوت الحر بآخر أعماله لنقل الثورة السورية إلى خشبة المسرح - جانب من التدريبات والبروفات على المسرحية - تدريبات داخل «خيمة شكسبير» في «الزعتري» على مسرحية بلبل
نوار بلبل تبنى الصوت الحر بآخر أعماله لنقل الثورة السورية إلى خشبة المسرح - جانب من التدريبات والبروفات على المسرحية - تدريبات داخل «خيمة شكسبير» في «الزعتري» على مسرحية بلبل

ارتسمت علامات الاضطراب على وجهه وعكست طاقته المبعثرة ما بين عمله الفني الجديد وهمومه الإنسانية التي تركها في «خيمة شكسبير» في مخيم الزعتري وحنينه إلى وطنه الذي باتت العودة إليه حلما ضئيلا. وانهمكت أنامل المخرج والكاتب المسرحي السوري نوار بلبل بلف سيجارة على شرفة المركز الثقافي الفرنسي في عمان القديمة. ثم تنفس الصعداء قبل أن يرتشف قهوة أعدها أحد المشاركين في مسرحية «سفينة الحب» خلال استراحة البروفا. وبعد سكون عكرته زمامير السيارات، مازح بلبل فريق عمله الذي التف حوله لاستراق السمع لحديثه مع «الشرق الأوسط» حول محاولاته لنقل الصوت السوري الحر إلى خشبة المسرح.
«سفينة الحب» هو عمل بلبل الثالث في الأردن بعد «شكسبير في الزعتري» و«روميو وجولييت». ومع أنه نال جوائز عدة خلال مسيرته الفنية الحافلة يعتبر المخرج السوري أن آخر أعماله أكبر قيمة له من مسيرته الفنية بكاملها، مؤكدا أنه الآن يتقاضى أجره إنسانيا وليس ماديا. المسرحية تخاطب «حمى اللجوء السوري»، إذ يقول بلبل: «في يومنا هذا، لم نعد نسأل السوريين عن حالهم، بل استفسارنا الأول بات: إلى أين نسافر؟ ومن واجبنا تسليط الضوء على هذه الظاهرة والتطرق للمحظورات». وأتت له الفكرة بعد زيارة قام بها مؤخرا لأوروبا ولقائه بكثير من السوريين وسماعه لقصصهم المؤلمة جدا أثناء رحلات الموت في البحر قبل الوصول إلى بر الأمان، وما رافقها من حالات غرق الأطفال والنساء ومعاناة المسنين ورعب الشبان والشابات النفسي. وأمضى بلبل الصيف الماضي وهو يكتب نصا مؤلفا من أربعة ملفات: حمى اللجوء، جرحى الحرب، المعتقلين لدى النظام، والمغتصبات.
وبعيدا عن البكائية والتراجيديا، تحكي المسرحية قصة فرقة مسرحية من كل شرائح سوريا وأطيافها كانت تقدم عروضا مسرحية في الداخل من نصوص أوروبية وعربية. وفي 2011 ومع بدء الثورة السورية تتبعثر هذه الفرقة وتتشتت. وبعد خمس سنوات يقرر أفرادها الاجتماع مجددا لتجريب حظهم في اللجوء -كحال السوريين اليوم- ولإعادة إحياء نشاطاتهم المسرحية في أوروبا، بحسب بلبل.
إلى ذلك، يقول المخرج: «يجتمع الأفراد في مركب (سفينة الحب) ويقررون الإبحار لأوروبا من اليونان ومن ثم إيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا». ويضيف مستطردا، «باعتبارهم فرقة مسرحية يختارون نصوصا لكتاب سكة الرحلة بستة مشاهد بدءا بمشهد للمسرحي اليوناني أريتستوفانيس ومن ثم آخر من عمل خادم سيدين للإيطالي كارلو غولدوني. وعند المرور من إسبانيا سيؤدي الممثلون مشهدا من دون كيشوت لثربانتس الإسباني ومن ثم مشهدا لشكسبير البريطاني من مسرحية حلم ليلة صيف يليه مشهد لموليير الفرنسي من ترتوف، وتختتم المسرحية بمشهد تراجيدي من فاوست لغوته قبل غرق المركب ومصرع جميع ركابه بالقرب من ألمانيا».
وبهذا يكون المركب هو خشبة المسرح يتناوب ركابه أدوار البطولة والأدوار التقنية مرورا بالمشاهد في عرض البحر. وعن جوهر العمل يقول بلبل: «نسعى لتسليط الضوء في نهاية كل مشهد على قضية ناتجة عن النزاع السوري»، ويستطرد شارحا، «هناك نقطة تحول للشخصيات المهمومة على السفينة في كل مشهد، ففي لحظة من اللحظات ننتقل من التمثيل إلى الواقع والتركيز على الجانب الإنساني وعما يحمله السوري اليوم من الأوجاع ولكن بطريقة مسرحية لشد الجمهور».
ويشارك في العمل الذي كتبه ويخرجه بلبل مجموعة من الأطفال والشبان السوريين الذين لجئوا إلى الأردن على رأسهم الطفل السوري الموهوب إبراهيم سرحان، بطل مسرحية بلبل الأخيرة «روميو وجولييت» وشاب فلسطيني متطوع في الزعتري وشابة سورية ستكون صوت المغتصبات في سوريا.
واختار بلبل يوم 27 مارس (آذار) المقبل الذي يصادف يوم المسرح العالمي لإطلاق العرض الأول من «سفينة الحب». إذ يقول: «جرت العادة أن نستغل يوما مدنيا بعيدا عن السياسة واليوم هذا بالذات اختاره دائما لأنه من حقنا كأحرار الاحتفال فيه».
وعن التكاليف المالية اللازمة لتنفيذ العرض المسرحي سيكلف قرابة 28 ألف يورو مقسمة بين أجور للممثلين وطاقم العمل الذي سيعملون قرابة الثلاثة أشهر ونصف ومصاريف التنقلات بين المحافظات، إضافة إلى تكلفة الديكور ووجبات الطعام والإضاءة وتكاليف صنع المركب الذي سيُنفذ عليه العرض المسرحي. وتطوع مسؤول الديكور الفرنسي «جان إيفيبيزيان» بالمساهمة في تصميم ديكور المسرحية مجانا. وبإمكان المؤمنين بقضية نوار الإنسانية ورسالة المسرحية السامية التبرع لهذا العمل من خلال صفحته على الإنترنت.
يشار إلى أن مسرحية «سفينة الحب» سيتم عرضها في الأردن وبعدها سينتقل العرض للعاصمة الفرنسية باريس الصيف المقبل وسيقوم بتمثيلها مجموعة فنانين فرنسيين وبإخراج للممثل السوري نوار بلبل لرغبة الأخير إيصال رسالة المسرحية والتي هي رسالة الثورة السورية للجمهور الفرنسي والأوروبي بلغتهم المباشرة.
وبدأت مبادرات بلبل الأخيرة في الأردن عام 2013 عند تردده إلى مخيم الزعتري لإمضاء وقت مع الأطفال السوريين هناك. وقرر بعدها إخراج «الأطفال من لعبة الكبار» ورسم البسمة والضحكة على وجوههم وإعادتهم لعمرهم الحقيقي. واستطاع بلبل تحويل خيمة عادية في عمق المخيم إلى أول مائة متر مربع حرة من سوريا الحرة كما يراها الأحرار، بحسب قوله. وفي تلك الخيمة، «خيمة شكسبير» رقص وغنى ومثل أكثر من 120 طفلا واستطاعوا نسيان همومهم ولو لوهلة. وفي داخل تلك الخيمة استطاع بلبل تحضير عرض مسرحية «شكسبير في الزعتري» من بطولة أطفال المخيم. قال: «عندي قناعة أن أي شخص قادر على التمثيل.. فأي شخص لديه وجع ليرويه، قادر على الوقوف على خشبة المسرح».
وخلال فترة البروفات، أكد بلبل أنه لم يعمل مع 120 طفلا فحسب، بل عمل مع 120 عائلة «باتوا كلهم نقادا ومخرجين، تذوقوا الفن بعيدا عن السياسة والهموم والأوجاع اليومية». ويشرح مستطردا، «أصبح اللاجئون في الكرافانات يطفئون نشرات الأخبار ولو لساعتين يوميا ليخرجوا من جو الحرب لتستضيف مساكنهم وسهراتهم أمسيات مسرحية وثقافية».
وتضمنت مبادرات نوار في الزعتري تحفيز الأطفال لرسم لوحة ضخمة متكاملة للتعبير عن أنفسهم سافرت لتروي حكاياتهم إلى لندن ونيويورك وغيرها وهو في صدد تحضير فيلم وثائقي عن تجربته من لحظة نصب «خيمة شكسبير» وإلى اكتمال آخر جزء من اللوحة. وعن اللوحة يقول بلبل: «بدأ الأطفال في رسوم تعبيرية عن نزيف سوريا والدماء ودموية النزاع والظلم». ويضيف: «ولكننا لاحظنا وبعد تذوق الأطفال للمسرح وبعد استنشاقهم للحرية في خيمة شكسبير باتت تتحول صور الدمار والدماء وأصبح اللون الأحمر في لوحاتهم لون الورود، وعادت البيوت لتتعمر». ويستطرد: «ومن خلال هذه اللوحة، استطاع الأطفال ترميم آخر صورة رأتها عيونهم في سوريا قبل اللجوء من خلال الفن».
وبعد تجربة الزعتري، أطلق بلبل عمله الثاني «روميو وجولييت»، الذي صور معاناة الأطفال المصابين جراء الأزمة في دول اللجوء، وربطها مع الأطفال المحاصرين داخل المدن السورية. إذ روت المسرحية قصة حب بين روميو، الطفل السوري الذي يعيش في الأردن إبراهيم سرحان، وجولييت، طفلة سورية تحت حصار النظام في سوريا. وعن تلك التجربة، يقول بلبل: «تعاملت مع الأطفال على أنهم بالغون وممثلون محترفون، وتعلمت منهم كثيرا بدوري».
وأخيرا، أكد بلبل أنه يعتزم العودة لسوريا مجرد انفراج الأزمة وسقوط الأسد وقال: «الثورة الحقيقية قادمة لترميم نفوس ومجتمع سوريا فأمامنا تحديات كبيرة.. ولكن نحن شعب يحب الحياة.. والسيران».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».