إصلاحات بوتفليقة.. حقيبة الدفاع لشخصية مدنية لأول مرة

الجزائر تستعد للمصادقة على دستور جديد لا يلقى إجماعًا

إصلاحات بوتفليقة.. حقيبة الدفاع لشخصية مدنية لأول مرة
TT

إصلاحات بوتفليقة.. حقيبة الدفاع لشخصية مدنية لأول مرة

إصلاحات بوتفليقة.. حقيبة الدفاع لشخصية مدنية لأول مرة

بدأ البرلمان الجزائري، أمس، مناقشة التعديل الدستوري، تمهيدًا للمصادقة عليه، الأحد المقبل. وبينما تلقى برلمانيو حزبي السلطة؛ «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، تعليمات صارمة في الغرفتين التشريعيتين بالتصويت إيجابيًا على مشروع التعديل، ظهر انشقاق في صفوف نواب المعارضة بين مؤيد ومعارض للمسعى.
ويتكون «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة الأولى) و«مجلس الأمة» (الغرفة الثانية)، من 606 أعضاء، ويهيمن عليهما برلمانيو «الموالاة» بنحو 75 في المائة، مما يضمن أغلبية مريحة لمشروع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. أما المجموعة الإسلامية «تكتل الجزائر الخضراء» (3 أحزاب مجتمعة) فلا يتعدى عدد برلمانييها الـ50.
وكان أقدم أحزاب المعارضة (جبهة القوى الاشتراكية)، قد أعلن عن مقاطعة جلسة التصويت، فيما ذكرت «حركة البناء الوطني» الإسلامية، أن المشروع «يتضمن أشياء كثيرة إيجابية ينبغي تثمينها». واحتجت بعض الأحزاب على عدم تمكين البرلمان من مناقشة التعديل الدستوري في جلسة علنية، والاكتفاء بالتصويت عليه برفع الأيدي. كما انتقد نشطاء حقوقيون وقطاع من الصحافة وأساتذة الجامعة، عدم عرضه على الاستفتاء الشعبي. علما بأن «المجلس الدستوري» كان قد فصل في هذا الموضوع بجواز عرضه على البرلمان فقط، بحجة أنه «لا يمس المبادئ العامة التي تحكم المجتمع ولا التوازنات بين السلطات».
وتتضمن المراجعة الدستورية نحو مائة تعديل، أبرزها الحد من الترشح للرئاسة بولايتين على أقصى تقدير، وترقية الأمازيغية إلى لغة رسمية مثل اللغة العربية التي تظل لغة الدولة. كما تتضمن إضفاء «لمسة مدنية» على مؤسسات الدولة، بالتقليل من تدخل الأجهزة الأمنية في عمل بعض الهيئات والمؤسسات، وخصوصًا القضاء.
وعلى هذا الأساس تم إطلاق فكرة دخول وزير دفاع مدني إلى الحكومة الجديدة، المنتظر تشكيلها بعد المصادقة على الدستور الجديد. وإذا تحقق ذلك، فإن رئيس الجمهورية الذي هو وزير الدفاع بحسب الدستور، قد يتنازل عن حقيبة الدفاع لشخص مدني. ومعروف أن كل وزراء الدفاع منذ الاستقلال جمعوا بين صفة الرئيس ووزير الدفاع قائد القوات المسلحة، وأكثر من جسد ذلك هو الراحل هواري بومدين (1965 - 1978).
وبخصوص احتمال تعيين وزير دفاع مدني، قال محمد خلفاوي، الضابط العسكري المتقاعد، لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن بوتفليقة والفريق الذي يشتغل معه أدركوا أنه ينبغي الانتقال إلى مرحلة جديدة، تماشيا مع التحولات في المجتمع، والأمر يتعلق برأيي بوصول الإصلاحات التي باشرها بوتفليقة في بداية حكمه إلى نهايتها. وأرجح أن الرئيس يريد أن يغادر الحكم في نهاية ولايته (2019) من الباب الواسع بفضل هذه الإجراءات الشجاعة».
يحتمل أن تشهد الحكومة الجديدة المرتقبة بالجزائر، بعد مصادقة البرلمان على تعديل الدستور الأحد المقبل، عضوية وزير دفاع مدني لأول مرة منذ الاستقلال، إذا أخذ في الحسبان أن عبد العزيز بوتفليقة، الذي يجمع بين منصبي رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بحسب الدستور، عسكري بحكم أنه كان ضابطًا في «جيش التحرير الوطني» أيام الثورة ضد المستعمر الفرنسي (1954 - 1962).
وأطلق هذه الفكرة المستشار بالرئاسة كمال رزاق بارة، عندما استضافته الإذاعة الحكومية أول من أمس، للحديث عن التعديل الدستوري، وعن قضية تشغل اهتمام قطاع واسع من الجزائريين، وهي التغييرات العميقة التي يشهدها جهاز الاستخبارات.
ففي سياق تفاعله مع الحدث الكبير، المتعلق بحل «دائرة الاستعلام والأمن»، قال بارة: «إننا قد نشهد في المستقبل تعيين وزير دفاع مدني، فينزل إلى البرلمان ليشرح ويقدم التفاصيل بشأن ميزانية وزارة الدفاع الوطني».
وهذا الموضوع يعد غير مألوف في الجزائر، باعتبار أن كل الوزراء تقريبا يخضعون (ولو شكليًا) لمراقبة البرلمان، فيردون على أسئلة النواب الشفوية والمكتوبة، ويقدمون التبريرات عن الإنفاق في قطاعاتهم، إلا وزير الدفاع الذي يعد فوق كل المسؤولين جميعًا. كما أن موازنة الجيش، التي تفوق 15 مليار دولار سنويًا، تفلت من كل الأجهزة المكلفة بمراقبة المال العام.
وأدرج بارة الموضوع في سياق مفهوم جديد، يجري تداوله على خلفية «الثورة»، التي أحدثها بوتفليقة في مصالح الأمن الاستخباراتي، وهو «الدولة المدنية» التي يقصد بها نهاية عهد الجنرال توفيق، مدير المخابرات المعزول في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي ترمز فترة رئاسته «للجهاز»، للقهر والظلم وخنق الحريات وتكميم الأفواه، بحسب خصومه. وهذه الممارسات السلبية، ينسبها له أشخاص من محيط الرئيس، على سبيل التأكيد أن تنحيته وحل الهيكل الذي كان يشرف عليه، كان بمثابة هدية من بوتفليقة للجزائريين. وقد نقل رزاق بارة هذا الخطاب معه إلى الإذاعة كي يبلغه بوضوح للمواطنين. ومن بين ما قال إن دور المؤسسة العسكرية لن يخرج مستقبلا عما تضمنته المادة 25 من الدستور، التي تقول إن وظيفة الجيش هي حماية سيادة البلاد وحدودها من المخاطر. غير أن «مناخ الحريات» الذي يقول أنصار الرئيس إنه سيشيع في الجزائر لا تطمئن إليه المعارضة، التي تقول إنها تخشى من «ميلاد دولة بوليسية»، في مكان «دولة العسكر».
وكان الرئيس قد حل في 25 من الشهر الحالي «دائرة الاستعلام» وعوضها بثلاثة مديريات، هي «الأمن الداخلي» و«الأمن الخارجي» و«المديرية الفنية». ووضعت تحت إشراف واحد من أشد ضباط الجيش ولاء للرئيس، هو اللواء بشير طرطاق. والهياكل الثلاثة تم ربطها مباشرة برئاسة الجمهورية، بعدما كانت «الدائرة» جزءًا من وزارة الدفاع.
والهيكلة الجديدة مؤشر قوي على الانتقال إلى «الدولة المدنية»، التي تحمل أشياء كثيرة تضمنها الدستور الجديد، من بينها أن منع المواطنين من السفر إلى الخارج لن يكون من اليوم فصاعدًا بيد جهاز الأمن، وإنما يتم بقرار من قاضي التحقيق. والمخابرات لن تكون لها الكلمة الفاصلة في تعيين الأشخاص في الوظائف الحكومية بمؤسسات الدولة. ومن «ثمار» الدولة المدنية أن المخابرات لن يمكنها التحقيق في قضايا الفساد، كما كان الأمر في السابق.
ومن الإجراءات الملموسة في بداية دخول إلى عهد «الدولة المدنية» عودة رئيس الوزراء الأسبق عبد الحميد إبراهيمي، الذي عاش في المنفى البريطاني مدة 25 سنة، ومنعه من دخول الجزائر طول هذه المدة، ينسب للجنرال توفيق على أساس أن إبراهيمي متابع قضائيًا بسبب اتهامه مسؤولين كبار في الدولة باختلاس 26 مليار دولار، دون أدلة.
وأول من أطلق هذا المفهوم هو عمار سعداني أمين عام حزب الأغلبية «جبهة التحرير الوطني»، الذي يعد من أكثر رجال النظام إخلاصًا لبوتفليقة. ففي عام 2014 شن هجومًا غير مسبوق على الجنرال «توفيق»، وصل إلى حد اتهامه بـ«التهاون» في حماية بوتفليقة من محاولة الاغتيال التي تعرض لها في 2007 بشرق البلاد، واتهمه بالوقوف وراء كل الانشقاقات في أحزاب المعارضة، وقال له: «ارحل لأنك فاشل». وهذا الهجوم لم يرد عليه «توفيق»، وكان مقدمة لإبعاده، ولإجراء سلسلة من التغييرات في جهاز المخابرات، وصفت بـ«التاريخية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.