إسرائيل ترفع القيود عن التنقل من وإلى رام الله بعد إعادة تقييم الأوضاع الأمنية

مسؤولون يحذرون من انتفاضة جديدة عقب فرض قيود صارمة على الفلسطينيين

طفلة فلسطينية في حالة فزع إثر إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على هدم منازل في قرية خربة جنبة (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية في حالة فزع إثر إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على هدم منازل في قرية خربة جنبة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل ترفع القيود عن التنقل من وإلى رام الله بعد إعادة تقييم الأوضاع الأمنية

طفلة فلسطينية في حالة فزع إثر إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على هدم منازل في قرية خربة جنبة (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية في حالة فزع إثر إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على هدم منازل في قرية خربة جنبة (أ.ف.ب)

رفعت إسرائيل مساء أول من أمس القيود التي فرضتها على مداخل رام الله في الضفة الغربية المحتلة لمنع دخول غير المقيمين إلى المدينة، التي استمرت طيلة النهار، وفرضت غداة هجوم استهدف جنودًا إسرائيليين. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه «بعد إجراء تقييم للوضع، عادت الحركة على المعابر من وإلى رام الله إلى طبيعتها».
والحظر الذي فرض، أول من أمس (الاثنين)، هو الأول من نوعه الذي يلجأ إليه الجيش الإسرائيلي في رام الله، حيث مقر السلطة الفلسطينية، منذ بدء موجة أعمال العنف الأخيرة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وجاءت هذه التدابير بعد أن أقدم فلسطيني يعمل في مكتب النائب العام التابع للسلطة الفلسطينية، على فتح النار على 3 جنود إسرائيليين قرب حاجز عسكري يشكل مدخلا إلى رام الله، مما أدى إلى إصابتهم بجروح. وقتل الفلسطيني على الأثر برصاص عناصر الحاجز. ويدعى الفلسطيني أمجد سكري وهو في الثلاثينات من عمره ومن قرية قريبة من مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية.
وأغلق حاجز بيت ايل الذي استهدفه الهجوم، الأحد، بالإضافة إلى الطرق المؤدية إلى شمال الضفة الغربية المحتلة، ما عدا واحدة ضاقت بالسيارات التي وقفت تنتظر وقتًا طويلاً، بينما قامت مجموعة من الجنود الإسرائيليين بالتدقيق في هويات كل شخص، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وخلال سريان قرار فرض القيود، منع الجنود الإسرائيليون الكثير من السيارات من التقدم وأجبروها على العودة إلى رام الله، مما تسبب بصفوف انتظار طويلة أغضبت الفلسطينيين وزادت من صعوبة تنقلاتهم. وأنزل الجيش الإسرائيلي الشاب مهدي زيد (28 عامًا) من سيارة أجرة عمومية بعد التدقيق في هويته، وأجبره على العودة إلى مدينة رام الله. وقال الشاب: «لدي امتحان من أجل وظيفة. أنتظر هذا منذ سنة». وتابع: «أخذ جندي بطاقة هويتي ودقق فيها وأعادها إليّ في البداية، ثم جاء جندي آخر وأخذها وغاب لمدة خمس دقائق ثم قال لي: لن تذهب».
وأكد دبلوماسيون وموظفون في المجال الإنساني أجانب أنهم تمكنوا من العبور إلى رام الله بسلامة. إلا أن دبلوماسيًا غربيًا قال إن القيود على حركة الفلسطينيين «ستؤثر على قدرتنا على التفاعل»، مضيفًا: «تم إلغاء عدد من الاجتماعات لأن نظراءنا الفلسطينيين لم يتمكنوا من الوصول إلى موقع الاجتماع». وأثار الهجوم الذي قام به سكري ذعرًا لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وتعرضت قوات إسرائيلية مرة على الأقل في السابق لهجوم نفذه رجل أمن فلسطيني.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هاجم الأحد الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر صفحته على «فيسبوك»، قائلا إن عباس «لم يستنكر حتى الهجوم الذي ارتكبه أحد رجاله». ومنذ بداية أكتوبر، قُتل 161 فلسطينيًا بينهم عربي إسرائيلي واحد، و25 إسرائيليًا وأميركيًا وإريتريًا في أعمال عنف تخللتها عمليات طعن ومواجهات بين فلسطينيين وإسرائيليين وإطلاق نار. وكان آخر القتلى، أول من أمس، شابًا فلسطينيًا حاول طعن جنود إسرائيليين بالقرب من مستوطنة سلعيت شمال الضفة الغربية المحتلة، وأطلقت عليه النار، بحسب الرواية الإسرائيلية. وأوضح مصدر أمني فلسطيني أن الشاب (17 عامًا) يُدعى أحمد عبد اللطيف توبة وهو من بلدة في شمال الضفة الغربية المحتلة.
واتخذت إسرائيل سلسلة تدابير مشددة ضد الفلسطينيين ردًا على موجة العنف، فيما يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي لضغوط سياسية بسبب فشل حكومته في وقف الهجمات. وحذر مسؤولون إسرائيليون من أن فرض قيود صارمة على الفلسطينيين قد يؤجج العنف ويؤدي إلى انتفاضة واسعة النطاق. وجدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أول من أمس انتقاده للاحتلال الإسرائيلي «المذل» للأراضي الفلسطينية. وقال بان كي مون في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» إن «الفلسطينيين - ولا سيما الشباب - يفقدون الأمل أمام الاحتلال القاسي والمذل الذي لا ينتهي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.