انتكاسة تحل بمحادثات {جنيف 3} والمعارضة تتهم النظام وروسيا بإجهاضها

وفد الهيئة امتنع عن الاجتماع بالمبعوث الدولي وطالب بوقف فوري للقصف العشوائي

سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يتحدث إلى الإعلام مع زملائه من أعضاء وفد المعارضة إلى اجتماع جنيف أمس (إ.ب.أ)
سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يتحدث إلى الإعلام مع زملائه من أعضاء وفد المعارضة إلى اجتماع جنيف أمس (إ.ب.أ)
TT

انتكاسة تحل بمحادثات {جنيف 3} والمعارضة تتهم النظام وروسيا بإجهاضها

سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يتحدث إلى الإعلام مع زملائه من أعضاء وفد المعارضة إلى اجتماع جنيف أمس (إ.ب.أ)
سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يتحدث إلى الإعلام مع زملائه من أعضاء وفد المعارضة إلى اجتماع جنيف أمس (إ.ب.أ)

ما كادت المحادثات غير المباشرة التي استعجل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بالقول إنها تمثل «الانطلاقة الرسمية» للمفاوضات غير المباشرة بين وفدي النظام والهيئة العليا للمفاوضات، أن تبدأ، حتى أصيبت بضربة ربما تكون قاتلة، سددها النظام والطيران الروسي في عمليات القصف الأخيرة التي استهدفت مدينة حلب وكانت الأعنف في سنوات الحرب الخمس وفق المعارضة الموجودة في جنيف. وجاءت النتيجة المباشرة لهذا التطور الخطير الذي يبدو أن الاجتماع الذي حصل ليل أول من أمس بين مساعدة وزير الخارجية الأميركي آن بترسون ومساعد وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، لم ينجح في تجنبه، أن قرر وفد المعارضة مقاطعة الاجتماع الذي كان مقررا بينه وبين دي ميستورا عصر أمس، الذي كان من المفترض أن ينقل خلاله المبعوث الدولي رد النظام على المطالب التي تشدد عليها المعارضة والتي جعلت منه شرطا للخوض في المفاوضات غير المباشرة رسميا.
وجاء مشهد التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بين وفدي النظام والمعارضة ليسكب الماء البارد على من أملوا بدء انطلاقة المسار الذي رسمه مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2254، فما كاد رئيس وفد النظام السفير بشار الجعفري ينتهي من حديثه للصحافة عقب لقائه مع دي ميستورا الذي زاد على الساعتين، حتى جاءت مجموعة من وفد المعارضة إلى «ساحة الأمم» الواقعة قبالة المدخل الرئيسي لمقر الأمم المتحدة لتندد بالمجزرة التي ترتكب في حلب ومحيطها. وتكلم من الوفد سالم المسلط ورياض نعسان آغا والدكتور منذر ماخوس، وكلهم ركزوا على رسالة أساسية، هي أن لا محادثات ولا مفاوضات بأي شكل ما لم يتوقف القصف الروسي وقصف النظام.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس، إنه من الواضح أن النظام ومعه روسيا «يستخدمان القصف ورقة تفاوضية أو مسعى لإجهاض المفاوضات». وأضافت هذه المصادر التي تواكب عن قرب مجريات ما يحصل في جنيف، أن «توقيت القصف» في اليوم الثاني لأول اجتماع عقدته المعارضة مع المبعوث الدولي يمكن أن تكون له عدة أهداف، أحدها «نزع المصداقية» عن المعارضة وتعريتها عن جمهورها في الداخل، كذلك «دق إسفين بينها وبين الدول الراعية» التي ضغطت عليها من أجل الانتقال إلى جنيف والمشاركة في المحادثات مع دي ميستورا ولاحقا في المفاوضات مع وفد النظام.
إذا كانت ثمة نقطة يتفق عليها الطرفان السوريان مفادها أن المفاوضات «لم تبدأ». ففي كلمته إلى الصحافة نفى الجعفري انطلاقها، مستندا إلى حجتين: الأولى، أن وفده، في هذه المرحلة التحضيرية، «لا يعرف مع من يتحاور ولا هوية المتحاورين»، كما أنه لا يعرف ما إذا كان هناك وفد للمعارضة أو وفدان أو أكثر. وأضاف الجعفري أن المسائل «الإجرائية» لم تهيأ بعد وأنه طلب أسماء وفد المعارضة من المبعوث الدولي لكنه لم يحصل عليها بعد. كذلك أفاد الجعفري أن «أجندة المفاوضات غير واضحة»، من غير أن ينسى تكرار التهمة التي استخدمها سابقا وهي اتهام الوفد المقابل بـ«عدم الجدية» وكونه «من الهواة». وبالطبع أكد الجعفري أن الحكومة السورية تتفاوض وفق القرار 2254، وأنها «لا تقبل فرض شروط مسبقة أو تدخل خارجي».
لكن هذه التفاصيل «التقنية» ضاعت لدى المعارضة بالنظر لضخامة التطورات التي شهدتها الساعات الأخيرة. وفي حديثهم للصحافة، وصف رياض نعسان آغا ما حصل بـ«التصعيد الجنوني الذي تقوم به قوات النظام والطيران الروسي» الذي «لم يحصل مثله في سنوات الحرب الخمس». وأضاف الناطق باسم الوفد المفاوض أن رسالة الوفد هي «صيحة إنذار» للمجتمع الدولي كله، داعيا المجتمع الدولي إلى «تحمل مسؤولياته». وتساءل: «ألا يستطيع المجتمع الدولي أن يسمح لأطفالنا بأن يعيشوا وألا يموتوا إما جوعا أو تحت القصف؟». واستباقا لما يمكن أن يساق بحق المبعوث الدولي من اتهامات، شدد نعسان آغا على أن دي ميستورا «لا يستطيع التعامل» مع هذا الأمر، وأن المسؤولية «تقع على كاهل الدول العظمى بما فيها روسيا التي وقعت على القرار الدولي» رقم 2254 الذي ينص في بنديه 12 و13 على الإجراءات الإنسانية من وقف القصف الموجه ضد المدنيين وإخلاء الأسرى والمعتقلين وفك الحصار عن البلدات والمدن المحاصرة.
وجاء في بيان بالإنجليزية للمعارضة، المطالبة بوقف «فوري للقصف العشوائي» الروسي واتهام له ولروسيا بـ«تهديد المسار السياسي» ومطالبة للأسرة الدولية بأن «تبرهن» على قدرتها على فرض احترام قرارها.
وفيما عقد دي ميستورا لقاءات خارج مقر الأمم المتحدة مع أفراد مما يسمى «وفد لوزان» المدعوم روسيا الذي طالب وفق ما قالته مصادره لـ«الشرق الأوسط»، بمعاملة شبيهة بمعاملة الوفدين الآخرين، عاد وفد الهيئة العليا ليؤكد أنه الوفد المعارض الوحيد الذي «لا شك بشرعية تمثيله»، لأنه منبثق عن قرار مجلس الأمن وعن مؤتمر الرياض «ديسمبر (كانون الأول) الماضي» بتكليف من الأسرة الدولية. وقال منذر ماخوس أحد الناطقين باسم الهيئة إن للمبعوث الدولي أن يجري المحادثات مع من يريد لكن «خارج الإطار الزماني والمكاني» الذي تجري فيه محادثاته مع وفد الهيئة.
وحتى بعد ظهر أمس، لم يكن وفد المعارضة واضحا لجهة السلوك الذي يريد اتباعه في موضوع الاستمرار في محادثاته مع المبعوث الدولي تعليقها. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر الوفد أن نقاشا مطولا جرى بين أعضائها الموجودين في جنيف، الذين انضم إليهم محمد علوش عضو المكتب السياسي لجيش الإسلام والمفاوض «الرئيسي» للوفد، لرسم طريقة التعاطي مع التطورات الميدانية الخطيرة. كذلك تشاور الوفد مع المبعوثين الغربيين الموجودين في جنيف منذ الخميس الماضي في إطار مجموعة الدعم الضيقة للمعارضة السورية التي ضغطت بشدة لحفز الوفد على قبول دعوة دي ميستورا وعدم توفير «نجاح مجاني للنظام». لكن القرار اتخذ أخيرا بالامتناع عن العودة إلى مقر الأمم المتحدة. ولم يصدر مكتب دي ميستورا تفاصيل عن خططه لهذا اليوم أو للأيام القادمة.
وهكذا، فإن تطورات الأمس تشكل «انتكاسة» جدية لجهود الأمم المتحدة كما أنها تبين، وفق ما قاله مبعوث دولي «صورة لما تمكن أن تكون عليه المفاوضات»، مستدلا بما حصل في حروب أخرى حيث كان كل طرف يسعى لتحسين مواقعه التفاوضية من خلال تحقيق مكاسب ميدانية. وتساءل المبعوث المشار إليه عن حقيقة «النوايا السورية والروسية» وعن رغبة الطرفين اليوم في انطلاق محادثات تليها مفاوضات بينما وضع النظام الميداني يتحسن، ويستطيع بالتالي وفي أي وقت أن يعطل المفاوضات بحجج مختلفة وبأعمال ليس أقلها دموية ما حصل في حلب ومحيطها في الساعات الأخيرة.



قناة السويس تتوجس من تجدد التهديدات في البحر الأحمر

عملية قطر حاملة بترول يونانية عبر قناة السويس بعد تعرضها لهجمات من جماعة الحوثيين (هيئة قناة السويس)
عملية قطر حاملة بترول يونانية عبر قناة السويس بعد تعرضها لهجمات من جماعة الحوثيين (هيئة قناة السويس)
TT

قناة السويس تتوجس من تجدد التهديدات في البحر الأحمر

عملية قطر حاملة بترول يونانية عبر قناة السويس بعد تعرضها لهجمات من جماعة الحوثيين (هيئة قناة السويس)
عملية قطر حاملة بترول يونانية عبر قناة السويس بعد تعرضها لهجمات من جماعة الحوثيين (هيئة قناة السويس)

جددت «تهديدات» جماعة الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية المارة بالبحر الأحمر، مخاوف مصرية من تفاقم أزمة قناة السويس، التي تراجعت إيراداتها بشكل لافت منذ الحرب الإسرائيلية على غزة.

ورغم حديث مصري سابق عن مؤشرات إيجابية لعودة حركة الملاحة بالبحر الأحمر في ظل اتفاق الهدنة منذ بداية العام الحالي، فإن اعتزام «الحوثيين» مواصلة الهجمات يعني «مضاعفة الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها مصر، بسبب تراجع حركة التجارة الدولية عبر القناة»، وفق برلمانيين وخبراء أشاروا إلى أن «أزمة الملاحة بالبحر الأحمر متوقفة على وقف الحرب نهائياً على قطاع غزة».

وأعادت جماعة الحوثيين اليمنية تهديداتها للسفن الإسرائيلية، محذرة من مرور السفن الإسرائيلية، عبر البحر الأحمر، أو بحر العرب، أو مضيق باب المندب، أو خليج عدن، إذا لم ترفع إسرائيل قرار وقف دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.

وقالت الجماعة، في إفادة لها الثلاثاء، إنها «ستستأنف عملياتها البحرية ضد إسرائيل، حتى إعادة فتح المعابر إلى قطاع غزة ودخول المساعدات والاحتياجات من الغذاء والدواء».

تراجع لافت في إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)

وقدّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حجم خسائر بلاده بسبب التحديات الإقليمية وتهديدات حركة الملاحة التجارية الدولية بنحو «7 مليارات دولار العام الماضي»، وقال في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن «إيرادات قناة السويس تراجعت إلى ما يزيد على 60 في المائة».

ويشير التصعيد الحوثي الجديد إلى استمرار تعطل حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وقناة السويس، وفق عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) محمد بدراوي، الذي أشار إلى أن «أي تهديد جديد سيفاقم من خسائر قناة السويس».

ويرى بدراوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «حركة الملاحة في قناة السويس شهدت تحسناً نسبياً مع بداية العام الحالي، بالتزامن مع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر»، مشيراً إلى أن «عودة التصعيد مرة أخرى ستؤثر على حركة عبور السفن»، موضحاً أن «صعوبة الأزمة في ارتباط التهديدات الأمنية في باب المندب بالحرب على غزة، ما يعقد أي حلول نتيجة لتعدد الأطراف الدولية والإقليمية في تلك الحرب».

وفي وقت سابق، قال رئيس هيئة قناة السويس المصرية الفريق أسامة ربيع إن «مؤشرات إيجابية لعودة الاستقرار في منطقة البحر الأحمر أسفرت عن تغيير 47 سفينة، الشهر الماضي، مسارها للعبور عبر القناة، بدلاً من طريق رأس الرجاء الصالح»، وتوقع خلال مشاركته في المؤتمر السنوي الدولي للنقل البحري واللوجيستيات، نهاية فبراير (شباط) الماضي، «عودة مزيد من الخطوط الملاحية للقناة، حال استمرار الاستقرار بالمنطقة».

وتعيد تهديدات الحوثيين المخاطر مجدداً لحركة الملاحة عبر قناة السويس، رغم مؤشرات التحسن التدريجي خلال الأسابيع الأخيرة، وفق مستشار النقل البحري المصري، والخبير في اقتصادات النقل أحمد الشامي، وأشار إلى أن «عدداً من شركات الشحن بدأ يلجأ لمجرى (القناة)، مرة أخرى، بعد رصد تراجع هجمات الحوثيين منذ بداية العام»، إلى جانب «ارتفاع تكلفة الشحن عبر طريق رأس الرجاء الصالح».

ونجحت قناة السويس في عملية «قطر ناقلة بترول يونانية»، سبق وأن تعرضت لهجوم من جماعة الحوثيين في البحر الأحمر، وأكدت في إفادة لها، الاثنين، «الجاهزية، للتعامل مع حالات العبور الخاصة وغير التقليدية»، إلى جانب «توافر حزمة متنوعة من الخدمات البحرية والملاحية».

ويعتقد الشامي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «قناة السويس ستتأثر مجدداً بأي هجمات جديدة للحوثيين»، لكنه يرى أن التأثير «لن يكون قوياً عن الوضع الحالي لها»، مشيراً إلى أن «مصر تبذل جهوداً لتطوير وتنويع خدماتها الملاحية، للحفاظ على تنافسية المجرى الملاحي لقناة السويس»، إلى جانب «التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها القاهرة لاحتواء الموقف الإقليمي، بما في ذلك وقف هجمات الحوثيين».

ويرجح خبير اقتصادات النقل «عودة حركة التجارة الدولية عبر قناة السويس تدريجياً في النصف الثاني من العام الحالي».

بينما يختلف في ذلك البرلماني المصري، الذي يرى أن «شركات الشحن العالمية قد اعتمدت تعريفات جديدة لخطوط الملاحة البديلة لقناة السويس، ومن المستبعد أن يكون هناك تحسن قبل نهاية العام الحالي».