مساع أميركية روسية لإنقاذ جنيف ـ 3.. وعلوش التحق بجنيف

المعارضة تربط دخولها في مسار المفاوضات «رسميًا» بردود النظام السوري

أعضاء في وفد المعارضة السورية برئاسة أسعد الزعبي ونائبه جورج صبرا في طريقهما إلى لقاء المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)
أعضاء في وفد المعارضة السورية برئاسة أسعد الزعبي ونائبه جورج صبرا في طريقهما إلى لقاء المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)
TT

مساع أميركية روسية لإنقاذ جنيف ـ 3.. وعلوش التحق بجنيف

أعضاء في وفد المعارضة السورية برئاسة أسعد الزعبي ونائبه جورج صبرا في طريقهما إلى لقاء المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)
أعضاء في وفد المعارضة السورية برئاسة أسعد الزعبي ونائبه جورج صبرا في طريقهما إلى لقاء المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس (أ.ف.ب)

بدأ يوم جنيف السوري أمس بـ«تخبط» أممي وانتهى ببارقة أمل تتمثل بوصول أحد راعيي مؤتمر جنيف 3 نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إلى المدينة السويسرية للقاء نظيرته الأميركية آن باترسون الموجودة فيها منذ ثلاثة أيام سعيا لدعم جهود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا المتعثرة ومحاولة لإنقاذ «المؤتمر» الذي يلاقي عقبات كأداء بسبب المطالب والمواقف المتناقضة لوفدي النظام والمعارضة.
وكان اللقاء الأميركي - الروسي منتظرا ليلا، وعلم أن السفير الأميركي المولج الملف السوري الموجود في جنيف إلى جانب باترسون سيشارك في اللقاء. وبحسب دبلوماسيين غربيين ضالعين في الاتصالات الحالية، فإن لقاء غاتيلوف - باترسون يندرج في إطار تعزيز الاتصالات السياسية والدبلوماسية من أجل «منع انهيار جنيف 3 في أيامه الأولى». ويضاف اللقاء المذكور إلى الجهود التي تبذلها «المجموعة الضيقة» لأصدقاء الشعب السوري «11 بلدا غربيا وعربيا وإقليميا» التي التقت وفد المعارضة ليل الأحد كما تجتمع دوريا بدي ميستورا وهي عازمة على «مواكبة» الاتصالات التي لم تصل بعد إلى مرحلة التفاوض. ويربط وفد الهيئة العليا للتفاوض بين انطلاق المفاوضات غير المباشرة مع وفد النظام بتنفيذ مضمون البندين 12 و13 من القرار الدولي رقم 2254 الذي ينص على وقف القصف ووضع حد للحصار والتجويع وإطلاق سراح النساء.
وحتى ليل أمس، لم يكن مكتب دي ميستورا قد حدد تاريخا جديدا للقاء وفد النظام للمرة الثاني بعد لقاء أول حصل مساء الجمعة الماضي. كذلك، لم يعرف بعد متى سينجح المبعوث الدولي في وضع الوفدين المشار إليهما في قاعتين منفصلتين لإطلاق المفاوضات الحقيقية التي يريدها دي ميستورا أن تدور حول ثلاثة محاور: إنسانية وأمنية وسياسية بحيث يتنقل هو شخصيا ومعاونوه بين الوفدين ناقلا المواقف والشروط وساعيا لتضييق الفجوة بينهما.
وسط هذا المشهد الرمادي، حقق المبعوث الدولي نصف إنجاز حين نجح في حمل وفد المعارضة على المجيء إلى مقر الأمم المتحدة بعد أن كان قد التقاه بشكل غير رسمي في فندقه ليل الأحد - الاثنين. وقد أصدر العميد أسعد الزعبي، رئيس وفد التفاوض المعارض بيانا أعلن فيه أن المعارضة «لن تتنازل عن مواقفها» المتمسكة بتطبيق القرار الدولي ولا مفاوضات قبل ذلك. وأشار الزعبي إلى أن اللقاء «الأول» مع دي ميستورا ركز على وقف القصف الروسي وفك حصار قوات النظام وحزب الله عن القرى والبلدات المعزولة (18 بلدة) وإيصال المساعدات والإفراج عن المعتقلين.
وسط هذه الأجواء، فإن السؤال الذي تردد أمس في أروقة مقر الأمم المتحدة تناول مدى قدرة الطرفين الأميركي والروسي على التفاهم من أجل إيجاد «مخرج» ملائم من شأنه توفير حجج مقنعة لدي ميستورا حتى يستطيع الانطلاق في وساطته.
وأمس مساء وصل إلى جنيف القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش الذي عينته الهيئة العليا «كبير المفاوضين». وأعلن علوش لدى وصوله إلى مطار جنيف أن التنظيم «جزء من المعارضة» وعمل معها في مؤتمر الرياض (ديسمبر/كانون الأول) الماضي، وملتزم بما صدر عنه. وحمل علوش تهمة الإرهاب للنظام الذي وصفه بأنه «يرتكب جرائم حرب» بالمشاركة مع حزب الله وإيران، منددا بما تفعله روسيا في سوريا.
من جانبه، قال سالم المسلط عقب انتهاء الاجتماع مع دي ميستورا إن المعارضة «تلقت رسائل إيجابية للغاية» من الأخير بشأن مطالباتها الخاصة بالمسائل الإنسانية، وإنها ما زالت تربط دخولها في مسار المفاوضات «رسميا»، بالردود التي ستحصل عليها من النظام السوري. وكشف المسلط أن اجتماعا سينعقد اليوم بين دي ميستورا ووفد النظام، وأن المعارضة «تنتظر الردود» التي تحتاجها عبر دي ميستورا لتقرر ما ستفعله.
وفيما أكد المسلط أن المعارضة «ستقوم بكل ما في وسعها» للمشاركة في المسار السياسي، فقد شن بالمقابل هجوما عنيفا على روسيا التي اتهمها بأنها تسعى لإيجاد «هتلر جديد» في سوريا. وقلل المسلط من أهمية الهدن المحلية التي أبرمت ميدانيا، معتبرا أنها «غير ذات جدوى وغير فاعلة»، وأن المطلوب هو التوصل إلى «حل جذري للمناطق المحاصرة»، معتبرا أن النظام هو المسؤول الأول عن ذلك.
على صعيد متصل، أعلنت الهيئة العليا للمعارضة عن تشكيل لجنة استشارية نسائية من 40 عضوة غرضها مواكبة المفاوضات. وجدير بالذكر أن دي ميستورا حريص على أن يكون للنساء موقعهن في المفاوضات وسبق أن اجتمع بوفود منهن، في إطار المجتمع المدني، الكثير من المرات. وقالت نغم الغادري وهي نائبة رئيس الائتلاف الوطني وإحدى عضوات اللجنة، إن الغرض من المبادرة «دعم وفد المعارضة بكل الخبرات» التي تتمتع بها النساء المنتميات إلى اللجنة.
ومع احتمال اقتراب المفاوضات، ما زالت الأطراف الأخرى التي وجهت إليها الدعوات وتعرف إعلاميا بـ«مجموعة لوزان» بعيدة عن الاتصالات الرسمية. وحتى أمس، لم يكن دي ميستورا قد التقاها في إطار المشاورات التي يجريها. وأبرز أطراف هذه المجموعة قدري جميل وهيثم المناع وصالح المسلط ورنده قسيس. وأمس، أعلن المناع تعليق المجلس الديمقراطي السوري وهو تحالف أحزاب سورية عربية وكردية الامتناع عن المشاركة ي المفاوضات طالما أن أعضاء الوفد الستة «من الأكراد والتركمان» لم توجه لهم الدعوات للمشاركة. وكانت المجموعة قدمت لائحة من 35 اسما إلى دي ميستورا، وهي تطالب بـ«معاملة بالمثل» شبيهة بمعاملة وفد الهيئة العليا المعارض وتصر على أنها «وفد» وليست مجموعة استشارية. ولم يصدر أي رد حتى مساء أمس عن مكتب المبعوث الدولي.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.