بداية سيئة لأسواق المال العالمية في 2016 أنقذتها «اللحظات الأخيرة»

«الشرق الأوسط» تستطلع أداء البورصات في يناير وتوقعات «القيادة» في فبراير

جانب من بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
جانب من بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
TT

بداية سيئة لأسواق المال العالمية في 2016 أنقذتها «اللحظات الأخيرة»

جانب من بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
جانب من بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

أنهت مؤشرات أسواق المال حول العالم، شهر يناير (كانون الثاني) بارتفاعات جماعية، لتختم أسوأ أداء لها منذ سبع سنوات، وقد تعيد هذه الارتفاعات الأمل مرة أخرى للمستثمرين في عام 2016.
وأغلقت أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي على مكاسب يوم الأحد، وهو اليوم الأخير من التداول في يناير، لتعوض بذلك بعضًا من الخسائر التي منيت بها خلال هذا الشهر.
وقادت المكاسب أسواق الأسهم في السعودية ودبي وأبوظبي، وحذت حذوها البورصات الأربع الأخرى في الدول الخليجية، إلا أن ذلك لم يحل دون إنهائها الشهر عند مستوى أدنى من الذي أنهت عنده عام 2015.
* السوق السعودية
وفي السوق السعودية، وهي الأكبر عربيًا، أنهى المؤشر العام لسوق الأسهم تداولات آخر جلسة بشهر يناير بارتفاع قدره 116 نقطة بما نسبته 1.98 في المائة ليغلق عند مستوى 5996 نقطة.
وقال محمود سعد، المحلل الفني بأسواق المال الخليجية لـ«الشرق الأوسط»، إن الارتفاع جاء مدفوعا بتصحيح قطاعي البنوك والبتروكيماويات لأوضاعهما، حيث ارتفع قطاع البنوك بنحو 2.7 في المائة، بدعم من أسهم بنك سامبا والأهلي والراجحي، وارتفاع قطاع البتروكيماويات بنحو 1.64 في المائة، مضيفًا أن مخاوف المستثمرين تبددت بفعل صعود النفط، حيث قفز خام برنت فوق 36 دولارا للبرميل الجمعة الماضي، وجاء قرار الفيدرالي الأميركي الأربعاء الماضي بتثبيت سعر الفائدة بلا تغيير في نطاق من 0.25 إلى 0.50 في المائة، داعما لصعود جميع الأسهم الخليجية الخميس الماضي وأول من أمس الأحد أيضا. ورغم هبوط قيم الأسهم بشدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكن متعاملين ومديري صناديق كثيرين يعتقدون أن مخاوف المستثمرين ستنحسر بما يكفي لحدوث موجة صعود قصيرة الأجل على الأقل في البورصات الخليجية، إذا ارتفع برنت فوق 40 دولارا.
وكان المؤشر السعودي (تاسي) قد بدأ شهر يناير لهذا العام عند مستوى 6911 نقطة وبدأ من هذه المنطقة نزيف في النقاط حتى وصل المؤشر إلى مستوى 5348 في جلسة 21 يناير، ليفقد أكثر من 1500 نقطة خلال 20 يوما، ثم تأتي جلسات الثلث الأخير من هذا الشهر لتقلص هذه الخسارة إلى 915 نقطة بمعدل خسارة 13 في المائة تقريبا لهذا الشهر. وجاءت الخسارة العامة مدفوعة بتراجع أسهم قطاع البتروكيماويات الذي فقد خلال هذا الشهر 12.5 في المائة، وعلى رأسه سهم سابك الذي فقد 8 في المائة. وتراجع قطاع البنوك الذي فقد خلال هذه الفترة أيضا نحو 10 في المائة، بدافع من أسهم البنك الأهلي وسامبا.
ويتوقع سعد أن يمثل مستوى 6300 و6500 نقطة «مستوى مقاومة» هام يبدأ من عنده جني الأرباح مرة أخرى، ناصحا المضارب بالخروج عند هذه المستويات، وبأن المستثمر يستطيع «التخفيف» والشراء بأسعار أقل بعد ذلك.
كما توقع أن يساهم قطاع البنوك في الارتفاع خلال فبراير (شباط) الجاري، وأنه يستهدف مناطق 14350 نقطة ويبدأ جني الأرباح من عندها. فيما ستمثل 3900 نقطة منطقة مقاومة «عنيدة» في قطاع البتروكيماويات، وبمجرد اختراقها من المتوقع أن يواصل الارتفاع إلى مناطق 4100 نقطة.
* سوق الإمارات
أما في الإمارات، فارتفع مؤشر سوق دبي المالية 4.9 في المائة الأحد لينهي الشهر أقل بقليل من مستوى ثلاثة آلاف نقطة، مغلقا عند مستويات 2997.77 نقطة. إلا أنها بقيت أقل بـ4.86 في المائة من مستواها عند نهاية العام الماضي. ولقد قاد قطاع الاتصالات هذا الصعود في المؤشر ليغلق القطاع عند مستويات 977.48 نقطة مرتفعا بنسبة 5.88 في المائة. كذلك كان سهم «الخليج للملاحة» صاحب الحظ الأوفر من الصعود الشهري بنسبة 33.87 في المائة، يليه سهم «بيت التمويل الخليجي» بنسبة 14.29 في المائة، وسهم شركة «اتصالات دو» بنسبة 5.88 في المائة.
كما كسبت سوق أبوظبي 3.7 في المائة وأنهت التداولات أعلى من مستوى أربعة آلاف نقطة، لكن بتراجع نسبته 5.9 في المائة عن نهاية الشهر الماضي.
* قطر
وفي قطر، كسبت سوق الأسهم 2.26 في المائة لتنهي التداولات عند مستوى 9481.30 نقطة، ما جعل خسائرها الشهرية توازي 9.1 في المائة، مرتدا من قاعه الشهري عند مستويات 8500 نقطة. وقاد الهبوط في المؤشر قطاعات كل من البضائع والخدمات الاستهلاكية بنسبة 12.53 في المائة والعقارات بنسبة 11.94 في المائة والصناعة بنسبة 10.65 في المائة وقطاع المصارف والخدمات المالية بنسبة 9.27 في المائة.
وقال محمد حلمي الخبير بأسواق المال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «على الرغم من عدم إغلاق أي مؤشر في السوق إيجابيا، فإن بعض الأسهم كان لها أداء إيجابي أعلى من السوق، مثل سهم أوريدو والذي أغلق على ارتفاع شهري قدره 5.73 في المائة، والبنك الأهلي القطري بنسبة 4.23 في المائة. لكن على الجانب الآخر كان هناك خسائر كبيرة من جانب بعض الشركات، مثل دلالة للوساطة 30.5 في المائة، والإسلامية القابضة 28.97 في المائة، والمجموعة الطبية 26.4 في المائة».
* الكويت
وفي الكويت، كسبت سوق الأسهم الأحد 2.1 في المائة، إلا أنها بقيت أدنى من مستوى نهاية عام 2015 بـ8.9 في المائة. كما كسبت سوق مسقط 3.3 في المائة لتنهي الشهر عند خسارة 4.2 في المائة، في حين ارتفع مؤشر السوق البحرينية 1.3 في المائة، لينهي الشهر خاسرا 2.4 في المائة. وتراجعت بورصات الخليج بشكل حاد خلال الشهر الماضي نتيجة تواصل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، والذي حقق بعض المكاسب الجمعة في الأسواق العالمية، إلا أنه يبقى ما دون 34 دولارا للبرميل.
* مصر
أما البورصة المصرية فكان أداؤها سلبيا معظم فترات الشهر، لتخسر البورصة نحو 38.6 مليار جنيه ليبلغ رأس المال السوقي لأسهم الشركات نحو 391.1 مليار جنيه (نحو 43.3 مليار دولار) مقابل 429.7 مليار جنيه (51 مليار دولار) خلال الشهر السابق بهبوط بلغت نسبته 9 في المائة.
وتراجعت مؤشرات السوق الرئيسية والثانوية بشكل جماعي، حيث هبط مؤشر السوق الرئيسي إيجي إكس 30 بنسبة 14.46 في المائة، ليسجل مستوى 5993 نقطة، فيما تراجع مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة إيجي إكس 70 بنحو 5.89 في المائة، ليبلغ مستوى 356 نقطة، بينما انخفض مؤشر إيجي إكس 100 الأوسع نطاقا بنحو 9.48 في المائة ليبلغ مستوى 716 نقطة.
وارتفعت قيم التداول خلال الشهر السابق لتبلغ 19.6 مليار جنيه (2.47 مليار دولار)، من خلال تداول 4.881 مليار ورقة منفذة على 426 ألف عملية، مقارنة بإجمالي قيمة تداول بلغت 16.1 مليار جنيه (2.03 مليار دولار) وكمية تداول بلغت 5.941 مليار ورقة منفذة على 450 ألف عملية خلال الشهر السابق له.
ورغم ارتداد المؤشر، فإن وليد هلال، نائب مدير شركة المصرية لتداول الأوراق المالية، يرى أن «الانخفاضات جاءت على غير العادة بهذا الشهر الذي يعد موسما للبورصة، فما زالت تلك الارتدادات تصحيحية لهذا الهبوط الكبير».
ويتوقع هلال أن يشهد شهر فبراير تكملة الموجة الهابطة الرئيسية، بعد أن تنتهي الارتدادات المؤقتة، والتي يتوقع لها الوصول لمستويات 6100 و6200 نقطة بحد أقصى قبل أن تعاود الهبوط للقاع الرئيسي 5500 نقطة مرة أخرى أو أقل منه قليلا، وإن كان الهبوط هذه المرة ربما يكون الأخير بعام 2016. ومنه ستبدأ المؤشرات رحلة صعود جديدة نتوقع أن تمتد على الأقل لمنتصف عام 2016 بناء على قواعد التحليل الفني.
ويرى هلال أن قطاع السياحة سوف يعود للحياة مرة أخرى بعد أن عانى لفترات طويلة إثر توقف الرحلات السياحية، وكذا قطاع الزراعة والأسمدة لما لمشروع استصلاح 1.5 مليون فدان من تأثير مباشر عليه، وأخيرا قطاع الإسكان الذي يعد واحدا من أهم القطاعات في موجات الصعود.
* أميركا
أغلقت الأسهم الأميركية على ارتفاع حاد يوم الجمعة الماضي، فجاءت موجة الصعود بعد القرار المفاجئ للمركزي الياباني لدفع سعر الفائدة إلى المنطقة السلبية، لتحقق المؤشرات ثاني مكسب أسبوعي على التوالي، لتختتم أسوأ أداء في يناير منذ 2009.
فلم يكن يكفي انتعاش مؤشر ستاندرد أند بورز 500 الأوسع نطاقا في الأسبوعين الأخيرين لعكس عمليات بيع واسعة لخسارة 2.5 تريليون دولار للأسهم الأميركية، ولو كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ من ذلك حسب آراء محللين، إلا أن المؤشر سجل أكبر مكاسب يومية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي بعد تراجع لأدنى مستوى له منذ 21 شهرا، ليقلص الخسارة الشهرية إلى 5 في المائة ليختتم الشهر مغلقا عند 1940 نقطة من 2043 نقطة أولى جلسات الشهر، ويتوقع أن يشهد المؤشر ارتفاعا لمستوى 2024 نقطة في فبراير الجاري، وقادت المكاسب شركات التكنولوجيا، قفز سهم شركة مايكروسوفت بنحو 5.83 في المائة، كما ارتفعت شركة أبل بنسبة 3.5 في المائة. وارتفع مؤشر ناسداك المجمع ليتخطى أسوأ شهر منذ مايو (أيار) 2010. ليغلق عند 4613 نقطة، من 5007 نقطة أولى جلسات الشهر خاسرا 8.92 في المائة.
كما صعد مؤشر داو جونز الصناعي بنهاية تداولات الشهر الماضي، ليغلق عند 16466 نقطة مفتتحا أولى جلسات السهر الماضي 17425 نقطة ليخسر 1137 نقطة بنسبة 6.46 في المائة.
وقال فيل كريس المحلل الاقتصادي لـ«الشرق الأوسط»، إن «جزءا من قوة الأسواق خلال الأسبوعين الأخيرين هو البنوك المركزية، فكانت الأرباح أفضل من المتوقع حتى الآن»، مضيفا أن خطوة المركزي الياباني جاءت لتزيد من عدم وضوح الرؤية خاصة مع البيانات الأخيرة لنمو الولايات المتحدة.
ويتوقع كريس بارتفاع أسهم إتنيا، كاردينال هيلث، سيسكو كوربريشن، روبر تكنولوجيزز، هيلروم هولدنجز خلال أولى جلسات فبراير الجاري.
وألقى راندي فريدريك العضو المنتدب لشركة شواب للبحوث المالية في تصريح له، اللوم على قرار الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) سببا لخسارة أسواق المال.
* أوروبيا
ساد الارتفاع أسواق المال الأوروبية ليغلق مؤشر فوتسي 100 البريطاني عند 6083 نقطة، بعدما بدء أولى جلسات الشهر الماضي 6242 نقطة مقلصا من خسائره على مدار الشهر بنسبة 2.5 في المائة، ومن المتوقع أن يشهد المؤشر تقلبات بيعيه خلال فبراير الجاري ليقترب من مستوى 6008 نقطة آخر الشهر. كما شهد مؤشر داكس الألماني ليغلق نهاية جلسات الشهر مرتفعا عند 9798 نقطة، من 10283 نقطة بداية جلسات الشهر خاسرا بنحو 8.8 في المائة، ومن المتوقع أن يشهد المؤشر الألماني موجات ربحية ليعيد المكاسب ويقترب إلى مستوى 10120 نقطة بنهاية شهر فبراير، وصعد مؤشر كاك الفرنسي ليخفض الخسائر التي حققها المؤشر بنهاية الشهر بنحو 4.75 في المائة ليغلق عند 4417 نقطة من 4637 نقطة بداية جلسات الشهر الماضي.
وأرجع مراقبون انخفاض أسعار الأسهم إلى تدهور أسعار النفط، واتجاه المستثمرين إلى العملات خاصة بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي للفائدة وتخفيض قيمة اليوان الصيني، والاتجاه إلى الاستثمار الأكثر أمانا.
* شرق آسيا
وقلصت الأسهم الصينية في الأسبوع الأخير من يناير بعض الخسائر التي شهدتها في بداية الشهر، حيث بدأت الأسهم الصينية الشهر على إغلاق للتداول مرتين على التوالي لتقلص خسائر الأسهم، ليختتم مؤشر هنغ سنغ الصيني جلسات الشهر عند 19683 نقطة منخفضة من 21914 نقطة بنسبة 10.18 في المائة، كما ارتفع مؤشر نيكي الياباني بعد قرار المركزي ليختتم أداء الشهر عند 17518 نقطة من 18450 نقطة أولى جلسات الشهر بنسبة 2.8 في المائة.
وقال محللون إن السوق الصينية حققت خسائر مشهودة في الشهر الأول من 2016 فأمام كل مستثمر يكسب، يخسر 16 آخرون في الأسبوع المنتهي في 15 يناير الماضي.
وانخفض مؤشر الأسواق الناشئة القياسي لـ838 سهم بنسبة 12 لأدنى مستوى له منذ عام 2009 ليخسر أرباح أعلى مستوى حققه في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

* الوحدة الاقتصادية لـ«الشرق الأوسط»



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».