العراق: تجاوزات ميليشيات «الحشد الشعبي» في ديالى خدمت «داعش»

التنظيم المتطرف ما زال البديل الجاهز للعرب السّنة المهمشين

عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})
عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})
TT

العراق: تجاوزات ميليشيات «الحشد الشعبي» في ديالى خدمت «داعش»

عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})
عناصر من كتائب حزب الله والحشد الشعبي يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً بما حققوه في الرمادي بالعراق ({غيتي})

جاءت الحصيلة السياسية للحوادث الأخيرة في مدينة المقدادية ومحيطها، بمحافظة ديالى في العراق، والتي أسفرت عن وقوع ما يزيد على 60 قتيلا، لمصلحة تنظيم داعش المتطرف، الذي يبدو أنه على الرغم من الانتكاسات الأخيرة التي تعرّض لها ما زال يتمتع بدعم عدد من المناصرين في المناطق العربية السنّية الخاضعة لسيطرته. إذ أسهم التنظيم الإرهابي المتطرّف في خلق نزعة سنّية منحرفة، يتوقع المراقبون أن تستمر في منحاها الشاذ، في غياب وفاق وطني حقيقي بين السنّة والشيعة على المستوى المؤسساتي، وفي غياب قيادة عربية سنّية معتدلة تحظى بالمصداقية. وحتى بعد سقوط مدينة الرمادي، وفقدان «داعش» أكثر من 40 في المائة من الأراضي، ما زال التنظيم يحتفظ بمساحات واسعة من غرب وشمال العراق، وتحديدا في مدينتي الفلوجة والموصل.
أفاد منشور أصدرته شركة الإحصاءات العراقية «IIACCS» بأن الدعم الذي يبديه السكان الذين يعيشون في مدينة الموصل لـ«داعش» لا يزال قويا نسبيا. إذ يدعي المنشور أن نحو 40 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع اعتبروا أن «داعش» لا يزال يمثل وجهات نظرهم ومصالحهم.
وهذا رأي عبر عنه أيضا أحد سكان الموصل الذي تحدث إلى الشرق الأوسط شرط عدم الكشف عن هويته إذ رأى أن نصف السكان تقريبا لا يزالون يعتمدون على المنظمة، بغياب بديل آخر عنها.
يشير الناشط السياسي غانم العابد في حديث إلى الشرق أوسط «أن كثيرا من سكان الموصل لا يزالون يفضلون داعش على قوات الحشد الشعبي}.
من جهة أخرى، وصف أستاذ العلوم السياسية فنار حداد، في تقرير له صدر أخيرا، حالة الحرمان السني بـ«الرفض السنّي لدولة ما بعد 2003 المتمحورة حول الشيعة». وتناول كيف أن التباعد بين العراقيين العرب السنّة والدولة متجذر في رفض السنّة النظام الطائفي الذي ظهر بعد الغزو الأميركي للعراق، حيث إنه مع زوال مبدأ القومية العربية، الذي كان سائدا حينها، احتلت الهويات العرقية والطائفية الواجهة. ثم في فترة ما بعد 2003 حرمت سياسة «اجتثاث البعث» آلاف العرب السنّة من وظائفهم على الرغم من حقهم بها. كذلك لم يجد البعثيون وكثير من العرب السنّة مكانا لهم في النظام الجديد الذي هيمنت عليه الأحزاب السياسية الشيعية المدعومة من إيران، والتي كانت قادرة على النفاذ بشكل أفضل إلى خيرات البلاد. وفي سياق متصل، يقول أحد قدامى البعثيين إنه «حين اجتاح تنظيم داعش مدينة تكريت العام الماضي، تبين أن العديد من أعضاء التنظيم الذين سيطروا على المدينة من البعثيين القدامى كانوا رفاقا له في الحزب، منهم مهندسون وعقداء وعمداء ولواءات في الجيش».
وبحلول عام 2013، تمكن تنظيم داعش، الذي ولد من رحم تنظيم القاعدة، من التفوق على المنظمة الأم من حيث مظاهر الانحراف الأبشع للهوية المذهبية المتعصبة. ومما لا شك فيه أن سلسلة التدابير ذات النزعة المذهبية التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أسهمت إسهاما مباشرة في تعزيز هذه الانحرافات. فلقد عمدت القوات العراقية إلى قمع احتجاج في ديسمبر (كانون الأول) عام 2012، بعدما احتجزت هذه القوات حراس أحد الوزراء العرب السنّة. أضف إلى ذلك إقدام المالكي على تهميش وإقصاء شخصيات سنّية شعبية مهمة مثل طارق الهاشمي (نائب رئيس الجمهورية بين 2006 و2012) الذي حُكم عليه بالإعدام وهو موجود حاليا في تركيا، والنائب أحمد العلواني، ووزير المالية السابق رافع العيساوي، الذي كان هدفا لعدة محاولات اغتيال. وعليه، في عام 2013 كان نحو 60 في المائة من السنّة قد فقدوا ثقتهم في النظام القضائي العراقي، وهذا الرقم ارتفع ليصل إلى 80 في المائة في عام 2014، وفقا لدراسة أخرى أجرتها شركة «IIACSS».
واليوم، تظل العوامل التي أسهمت في ظهور التطرّف السنّي في أشكاله الأكثر رعبا قائمة، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي لرأب الصدع بين الطائفتين. ذلك أنه في انتقام واضح من التفجيرات التي كانت قد طالت الطائفة الشيعية وتبناها «داعش» في مدينة المقدادية، بمحافظة ديالى، عمدت الميليشيات الشيعية، وعلى رأسها «الحشد الشعبي»، في مطلع يناير (كانون الثاني) المنصرم إلى قتل ما يزيد على 43 سنّيا بوحشية فظيعة، وإحراق تسعة مساجد في مناطق كان قد أخرج مسلحو «داعش» منها.
وهنا يشير أحد سكان الموصل ممن التقتهم «الشرق الأوسط» – شريطة التكتم على هويته – قائلا «إن كثيرا من سكان الموصل ما زالوا يفضلون (داعش) على قوات الحشد الشعبي»، موضحا أن العرب السنّة يعتبرون الميليشيات المدعومة من إيران، والتي يجري تمويلها من الحكومة العراقية الحالية، أقوى من الدولة. وحقا، تسببت هذه الميليشيات «في عمليات تدمير وقتل على نطاق واسع بعد تحرير تكريت في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2015»، وفقا لتقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» بعنوان «الحصيلة المدمرة: تجاوزات الميليشيات في أعقاب استعادة السلطات العراقية مدينة تكريت» (Ruinous Aftermath: Militia Abuses Following Iraq’s Recapture of Tikrit). وعلى صعيد آخر، جاءت أزمة اللاجئين الناجمة عن الحرب الأهلية الدائرة لتزيد الأمور سوءًا. فاعتبارا من يونيو (حزيران) 2015، وصل عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى النزوح داخليا بسبب النزاع في العراق المندلع منذ يناير 2014 إلى 3.1 مليون شخص على الأقل، كما وصل عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية إلى 8.2 مليون. في المقابل، لم تبذل حكومة بغداد جهودا تستحق الذكر لمعالجة هذه المشكلة، علما بأن النازحين إما يخشون العودة إلى ديارهم أو منعوا من ذلك، كما هو الحال في المقدادية وجلولاء (وهي أيضا في محافظة ديالى) ومناطق أخرى.
وبناءً عليه، تتحمل الحكومة العراقية اليوم الحصة الأكبر من المسؤولية إزاء الوضع الحالي المتأزم. إذ يرى المراقبون أنه على حيدر العبادي أن يُحكم قبضته أولا على الميليشيات الشيعية، وثانيا يعود عن سياسات المالكي، لكي تتمكن حكومته كبداية من استعادة بعض شرعيتها. كذلك يتعين على الساسة العرب السّنّة المنضوين تحت «ائتلاف القوى العراقية» أخذ مواقف تصعيدية، بدلا من الاكتفاء كما فعلوا إزاء الحوادث الأخيرة بإعلان مقاطعتهم للجلسات المقبلة في البرلمان والحكومة، في إدانة لما يحدث في المقدادية.
هذه المبادرات، على الرغم من أهميتها، تبقى غير كافية على الإطلاق. فاستعادة مصداقية كل من مجلس الوزراء والقيادة السنّية تتطلب في عنوانها الأول مواجهة محن العراق الأكثر إلحاحا. وهو ما يفرض على المدى القصير وقف حمام الدم الطائفي من خلال الانخراط في حوار وطني، وإعادة الأسر النازحة إلى مناطقها الأم، وسداد جزء من الخسائر التي أنتجتها المعارك، وإعادة تهيئة البنية التحتية، وصرف رواتب موظفي الحكومة في المدن المحرّرة، وذلك بالتزامن مع عدد من الإصلاحات السياسية الضرورية.
أما على المدى الطويل، فلا بد من معالجة المظالم الاجتماعية والسياسية للمواطنين الخاضعين لسيطرة «داعش» لمحاولة استمالة أولئك الذين ما زالوا يدعمون المنظمة الإرهابية. وهذا يستلزم إنشاء أقاليم ذات حكم ذاتي في المناطق العربية السنّية، وتمرير «قانون الحرس الوطني» على مستوى البرلمان، وإجراء إحصاء سكاني جديد، فضلا عن تعديل قوانين مكافحة الإرهاب التي تعتبر مجحفة بحق العرب السّنّة، والتراجع عن قانون «اجتثاث البعث».
وفي اعتبار هؤلاء المراقبين فإنه ما لم تعمد حكومة العبادي إلى معالجة جميع هذه المطالب بجدية، والأهم ما لم تبدِ الطبقة السياسية استعدادا للخروج بحلول منصفة، فإن المجتمع العربي السّنّي سيظل يشعر بأنه لا يملك ممثلا شرعيا يتحدث باسمه ويدافع عن حقوقه. فاليوم يشعر الشيعة بأن لديهم مراجع قوية تمثلهم، مثل آية الله علي السيستاني ومقتدى الصدر وقادة ميليشياويين أقوياء من «الحشد الشعبي». وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأكراد، الذين على الرغم من الحساسيات العديدة بينهم فإنهم يتبعون زعامتين تاريخيتين مهمتين هما زعامتا البارزاني (بقيادة مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني) والطالباني (جلال طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني). أما على صعيد العرب السنّة، فسيبقى الفراغ يعوق ويحبط أي جهود لوقف النزاعات تاركا اليائسين والمحبطين منهم من دون خيار سوى الانضواء تحت راية التطرّف.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».