«داعش» يثير خشية واشنطن من «2016 ساخنة»

مع مواصلته التوسّع على حساب «القاعدة» في أفغانستان

الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
TT

«داعش» يثير خشية واشنطن من «2016 ساخنة»

الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)
الدواعش الأفغان سحبوا البساط من تحت أقدام «القاعدة» في ولايات عديدة في أفغانستان («الشرق الأوسط»)

حذرت الولايات المتحدة الأميركية من تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان خلال عام 2016، إذ قال الجنرال الأميركي جون نيكولسون، المرشح لخلافة الجنرال جون كامبل في قيادة القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، وقوامها نحو ثلاثة عشر ألف عسكري، إن الوضع الأمني في أفغانستان سيسوء أكثر مع حلول الربيع الأفغاني بعد شهرين، حيث يتوقع أن تصعّد حركة طالبان والجماعات المتطرفة المسلحة الأخرى من عملياتها.
كذلك أشارت لجنة «سيكار» الأميركية للشفافية، التي تحقق في المساعدات الأميركية والدولية إلى أفغانستان وموارد استعمال المنح الدولية المقدمة لها، إلى أن الحكومة الأفغانية تسيطر حاليا فقط على سبعين في المائة من أراضي البلاد، بينما تخضع باقي المناطق لطالبان وتنظيم داعش الذي يجند مقاتلين جددا إلى صفوفه.
يرى الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون الأفغان في العاصمة كابل أن التحذير الأميركي من تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان خلال عام 2016 يشير خصوصا إلى تصاعد نفوذ تنظيم داعش المتطرف في نسخته الأفغانية. وكانت «ولاية خراسان» المنبثقة عن التنظيم قد أعلنت عن حضورها في أفغانستان وباكستان، وعملت على توسيع انتشار «داعش» ونفوذه في أفغانستان على حساب حركة طالبان، متجاوزا حدود قواعده الأصلية في سوريا والعراق، وهو اليوم يهدد فعليا وجود حركة طالبان المسيطرة على أجزاء من البلد منذ عام 1996.
وفي هذا الاتجاه، كشف تقرير «لجنة القاعدة وطالبان» التابعة للأمم المتحدة أخيرا، أن عدد المنضوين تحت لواء «داعش» ومبايعيه يتزايد باطراد في عدة ولايات أفغانية. وأوضح التقرير نقلا عن مصادر حكومية أفغانية أن هناك على ما يبدو أنه توسّع كبير لتنظيم داعش، مشيرا إلى أن المجموعات المرتبطة بالتنظيم تنشط اليوم في 25 ولاية من أصل 34 ولاية تتكون منها أفغانستان.
ووفق المعلومات المتوافرة فإن معظم المنضمين الجدد هم أفراد جرى تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضها كان على خلاف مع القيادة المركزية لحركة طالبان، أو أنهم يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن الحركة.
التقرير الأممي أفاد أيضا بأن بين المنضمين أنصارا لتنظيم القاعدة و«عددا قليلا» من غير الأفغان جاءوا مباشرة من العراق وسوريا، وهم يشكلون حاليا - حسب حكومة كابل - النواة الصلبة لتنظيم داعش في البلاد.
من ناحية أخرى، تشير تقديرات قوات الأمن الأفغانية إلى أن نحو 10 في المائة من أعضاء حركة طالبان النشطين يؤيدون تنظيم داعش، لكن هذا الرقم غير ثابت نظرا لتغير التحالفات على الأرض بين الحين والآخر. وجاء أيضا أن المجموعات الموالية لـ«داعش» تقاتل القوات الحكومية الأفغانية بانتظام، لكنها نادرا ما تقاتل التنظيمات المسلحة الأخرى.
وما يجدر ذكره في هذا السياق أن حكومة كابل كانت قبل ستة أشهر من الآن قد نفت تكرارا في تصريحاتها الرسمية وجود «نفوذ حقيقي» لتنظيم داعش في أفغانستان، غير أن هذه التطمينات لا تتوافق البتة مع التقارير الاستخباراتية التي تؤكد منذ وقت مضى تزايد نفوذ هذا التنظيم المتطرف، علما بأن مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة كان قد حذّر من ازدياد عدد المسلحين الأجانب في بلاده ووصوله إلى ما يقرب من 7 آلاف مسلح.
الخبير الأمني الأفغاني عبد الستار منصف قال لـ«الشرق الأوسط»، في لقاء معه، إن تنظيم «داعش» بدأ يتوغل، ويوسع نفوذه في أفغانستان، بعد ارتكابه أبشع المجازر في المدن السورية والعراقية تحت راية الإسلام، مع إعلان ما سماه زورا بـ«الخلافة». وشدد على أن «خطر (داعش) أكبر وأشد من خطر طالبان على الأمن والاستقرار النسبيين في أفغانستان وباكستان». وأردف أن التنظيم «في حال استمر التجاهل الدولي فإنه لن يبقى في جغرافيا أفغانستان وحدها، بل سيتمدد إلى خارج الحدود ليشكل خطرا محدقا لدول المنطقة برمتها».
وفي هذا الإطار، كانت وزارة الدفاع الأفغانية قد أعلنت قبل ثمانية أشهر عن تشكيل قوة خاصة جديدة لمكافحة تنظيم داعش والتصدي لتهديداته المتزايدة، وذلك وسط تزايد المخاوف المرتبطة بتنامي أنشطة التنظيم الإرهابية في أرجاء أفغانستان. وقال القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني معصوم ستانيكزاي، أمام جلسة علنية للبرلمان، إن القوة الخاصة الجديدة ستركز جهدها بشكل رئيسي على التصدي لأنشطة الموالين لـ«داعش» في الأجزاء الشرقية من أفغانستان. وأكد ستانيكزاي أن قضية «داعش» هي الآن «أكثر القضايا أهمية وينبغي التعامل معها بصرامة، فالشعب الأفغاني قد ضاق ذرعا بهذه الجماعة الدخيلة على المجتمع الأفغاني».
وأوضح القائم بأعمال وزير الدفاع أيضا أن القوة الجديدة التي تتألف من جنود من الجيش الأفغاني ستواصل قمع الأنشطة المسلحة للموالين لـ«داعش» إلى جانب الغارات الجوية المستمرة لضرب أهداف التنظيم.
في المقابل، كان الموالون للتنظيم المتطرف قد كثفوا أخيرا من أنشطتهم والدعاية التي ينشرونها ضد الحكومة الأفغانية، إلى جانب بث الرعب في نفوس سكان الأجزاء الشرقية من أفغانستان، ضمن إطار هدفهم لإقامة قاعدة إقليمية في إقليم ننغرهار بشرق البلاد. ولكن هنا يبدي نويد أحمد جبار خيل، وهو محلل سياسي ومتابع لشؤون الجماعات الإسلامية، اعتقاده بأن تمدد «داعش» ما كان ليحصل لولا ضعف طالبان وفقدانها السيطرة على مقاتليها في كثير من المناطق. وأوضح جبار خيل أن طالبان تعرّضت في الآونة الأخيرة، وتحديدا بعد إعلان وفاة زعيمها الملا عمر، لتغييرات كثيرة، وكادت تنقسم إلى عدة تنظيمات متناحرة، بسبب الخلافات التي تلت وفاة الزعيم الراحل وتعيين خليفة له. وشرح أنه «بينما كان بعض القادة البارزين في الحركة منشغلين بخلافاتهم الداخلية، بدا أن زعيم الحركة الملا أختر منصور وجد في تغيير استراتيجية الحركة إزاء الحكومة الأفغانية وتنظيم داعش مفرا من كل تلك الخلافات ووسيلة مهمة لشغل مقاتلي الحركة بالقتال وتنظيم الصفوف». وتابع جبار خيل أن ظهور ظاهرة «داعش» الأفغانية وحد «طالبان» إلى حد كبير.
في مطلق الأحوال، مع تزايد التكهنات بشأن قوة «داعش» في أفغانستان، تواصل الولايات المتحدة وروسيا، على رأس دول أخرى، التحذير من تعاظم قوة التنظيم وتدفّق المسلحين باتجاهه، على حساب طالبان. وعلى الرغم من إشارة بعض المراقبين إلى أن الحكومة الأفغانية وراء ترويج مثل هذه التكهنات للحصول على دعم دول المنطقة، فثمة من يؤكد أن تحركات «داعش» على الأرض أثارت بالفعل قلقا لدى كل الأطراف المعنية بالأزمة.
وحتى طالبان نفسها، بعدما تلقت ضربات موجعة وقوية على يد «داعش» في شرق البلاد، باشرت باتخاذ خطوات للوقوف في وجه تنظيم يعتبر طالبان أول وأشرس أعدائه، ويحاول أن يشاطرها القوة العسكرية في شرق البلاد وجنوبها.
وكدليل على إدراك طالبان خطر تنظيم داعش على نفوذها، قررت قيادتها المركزية تشكيل قوة خاصة تهدف إلى الوقوف في وجهه والتصدي له. ومما يستحق الذكر هنا أن ولاية ننغرهار (شرق أفغانستان) كانت ساحة لمواجهات دامية بين التنظيمين المسلحين، وبعد معارك ضارية بين الجماعتين، واستيلاء «داعش» على مناطق شاسعة من شرق البلاد وبالقرب من الحدود الباكستانية، قرّرت قيادة طالبان تشكيل قوة خاصة تهدف إلى الوقوف في وجه التنظيم. وفي هذا الشأن، يؤكد قائد المولوي عبد السلام بصير، وهو قيادي سابق في طالبان تخلى عن الحرب، أن معلوماته تشير إلى أن «ثمة فِرقا عديدة لمسلحي الحركة في كل مديرية أفغانية وتسمى واحدة منها محليا (دلكي)، أي الجماعة القتالية، واللجنة المخوّلة بهذا المجال قررت أن يتم تعيين شابين أو ثلاثة من كل جماعة ليشكّل هؤلاء فرقة خاصة على مستوى المديرية، ثم لتشكّل جميع تلك الفرق قوة خاصة في الإقليم».
وحسب بصير، لا يقتصر عمل هذه القوة على مواجهة «داعش»، والدفاع عن أراضي الحركة، بل إنها قد تشارك في العمليات الهجومية. كذلك أوضح المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في تواصل مع وسائل إعلام أفغانية محلية، أن هناك العديد من مراكز تدريب هذه القوة، ولقد انضم إليها أعداد كبيرة من الشباب، مشيرا إلى أن هذه الفرق قد تشارك في العمليات الهجومية إذا دعت الحاجة.
أيضا، ووفق مصادر قبلية مقربة من طالبان، فإن الحركة شكّلت بموازاة هذه القوة لجانا من العلماء والمثقفين من مسلّحي الحركة، تجوب المدن والأحياء، وتحذر المواطنين من الانضمام إلى «داعش»، وتحضّهم على العمل مع طالبان ضد الفئة التي تصفها بالمتشددة والدخيلة.
الحديث عن وجود «داعش» في أفغانستان وباكستان بدأ في منطقة وزيرستان، عندما أعلن شاهد الله شاهد، المتحدث الأسبق باسم حركة «طالبان الباكستانية»، وعبد الرحيم مسلم دوست، القيادي السابق في «طالبان الأفغانية»، مبايعتهما لتنظيم داعش. ولقد نُشرت مبايعة مسلم دوست في الموقع الرسمي للتنظيم المتطرف. أما شاهد الله شاهد فكان قد فُصل قبل فترة من طالبان بتهمة التواصل مع الاستخبارات الباكستانية، وكان من المتوقع أن يقدم «داعش» على تعيين أحدهما زعيما لـ«ولاية خراسان»، إلا أن التنظيم وبشكل مفاجئ عيّن حافظ سعيد خان، القيادي السابق في «طالبان باكستان» من المنطقة القبلية أوروكزاي «أميرا لخراسان»، كما عيّن عبد الرؤوف خادم، من أعضاء اللجنة العسكرية لـ«طالبان الأفغانية»، نائبا لـ«ولاية خراسان»، وقُتل هذا الأخير في 9 فبراير (شباط) 2015، على أثر عملية نفّذتها طائرة أميركية بلا طيّار في ولاية هلمند بمديرية كَجَكِيْ، ولم يعين التنظيم خلفا له حتى الآن. وبعد ذلك لم تُنشر أخبار دقيقة حول مصير حافظ سعيد خان وشاهد الله شاهد، وإن كانت هناك شائعات تقول إن مسلم دوست سافر إلى سوريا.
من ناحية أخرى، كانت أكبر مجموعة مقاتلة تنفصل عن طالبان وتعلن الولاء لـ«داعش» الأفغاني هي حركة أوزبكستان الإسلامية. هذه الحركة تضم مقاتلين أجانب من دول آسيا الوسطى والقوقاز وإقليم الأويغور (تركستان الشرقية أو سنكيانغ لغرب الصين)، وزعيمها عثمان غازي. وكانت هذه المجموعة في الماضي جزءا أساسيا من حركة طالبان، ولكن بعدما انصرفت الحركة بعيدا عن برنامجها العالمي انفصلت هذه المجموعة عنها. وقبل أشهر بايع زعيم هذه المجموعة أبو بكر البغدادي زعيم «داعش» عقب وفاة زعيم طالبان الملا عمر في ظروف غامضة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».