الإرهاب وطبيعة الدولة والمجتمع في الساحل وغرب أفريقيا

قراءة في العوامل المحلية والإقليمية والدولية

واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)
واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الإرهاب وطبيعة الدولة والمجتمع في الساحل وغرب أفريقيا

واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)
واجهة الفندق الذي تعرض لهجوم من متطرفين ينتمون لـ{القاعدة} في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو في الشهر الماضي (أ.ف.ب)

أعادت الأحداث الإرهابية الأخيرة دول غرب أفريقيا لواجهة الأحداث الدولية باعتبارها منطقة جيوستراتيجية، تسعى المنظمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة لبناء نفوذها بها. ويظهر أن هذه الحركات استطاعت ترجمة استراتيجيتها الجديدة بتجاوزها النوعي للطريقة التقليدية التي تتبعها الحركات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا. وتعد العملية الأخيرة التي تمت يوم الأحد 17 يناير (كانون الثاني) 2016 على مطعم «كابتشينو» وفندق «سبلنديد» في مدينة واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، مؤشرا واضحا على مسار تطور الفعل الإرهابي من حيث اختيار الهدف وطريقة التنفيذ، ومن حيث ضحاياه. إذ أسفرت العملية عن قتل 29 شخصا وجرح 30 آخرين، لتشكل استمرارا طبيعيا للاعتداء الذي عرفه فندق «راديسون بلو» في باماكو عاصمة مالي، وأدى إلى سقوط 20 قتيلا بينهم 14 أجنبيا في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. كما يأتي هذا مع توالي عمليات الخطف التي تبناها تنظيم «المرابطين»، لكل من المواطن الروماني في منطقة تامباو يشمال بوركينا فاسو، والراهبة السويسرية يوم 8 يناير 2016.
وفي ظل ما يعيشه غرب أفريقيا والساحل، يمكن القول مع العديد من الخبراء والمتخصصين في علم دراسة المناطق والإرهاب، إن أسباب هذا التطور فيها ما هو موضوعي مرتبط بالبنية المجتمعية وطبيعة الدولة في الساحل وغرب أفريقيا؛ وما هو دولي عولمي يرتبط بالصراعات الدولية ذات الطبيعة الجيوستراتيجية.
تعيش دول غرب أفريقيا والساحل في ظل أنظمة سياسية هشة غير قادرة على تحقيق الوحدة الوطنية؛ وهو ما يسهل ظهور النزاعات الإثنية والحركات الانفصالية المسلحة ذات الطبيعة الهوياتية المدافعة عن اللغة والديانة الخاصة، مما يدخل البلدان في صراعات دينية - إثنية تتداخل مع الأجندات الخارجية للدول الكبرى.
ولقد ساعدت مجموعة من العوامل منذ تسعينات القرن العشرين في إحداث بعض التغيير على طبيعة التديّن الصوفي الطرقي - القادري، أو التيجاني المرتبط بالتصوف المغربي والموريتاني، وأخذت الاتجاهات المحافظة المتشدّدة تتوسع بشكل مثير للاهتمام. وانتقل الأمر في بداية الألفية الثالثة لوضع درامي بظهور الحركات الإرهابية المرتبطة بالتنظيمات الجزائرية والصومالية والنيجيرية.
وعلى الرغم من هذا التحول، فإن المسار العام للتديّن ما زال يكرس «الإسلام الشعبي الصوفي» في النيجر، حيث يمثل السكان المسلمون 60 في المائة ويلتزمون بالمذهب السنّي المالكي. والشيء نفسه ينسحب على بوركينا فاسو، حيث المسلمون مالكيو المذهب متصوّفون بطبيعتهم؛ حيث يلعب نظام «المشيخة» هناك دورا بارزا في النسق الاجتماعي المتكوّن من شعب (قبيلة) الموسي، وهو الأغلبية المسلمة، بالإضافة إلى الفولاني والماندينغ، وكذلك من السينوفو. ثم إننا نجد أيضا حضورا للعرق العربي والأمازيغي ذي الأصول المغاربية، في خريطة بشرية يشكل فيها المسلمون نحو 75 في المائة من مجموع السكان. ويبدو أن الدولتين أعلاه لا تتشاركان في طبيعة التديّن وحسب، بل كذلك في طبيعة تحديات الأغلبية المسلمة، التي تعتبر «الفرنكفونية» وما تسميه بـ«النخب العلمانية» التابعة لفرنسا.. خصما لها.
ومن جهة أخرى، تعرف الأنظمة السياسية لهذه المنطقة الممتدة بين ليبيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو انتشارا للفساد وغيابا للديمقراطية وضعفا شديدا للحكم المؤسساتي. فمعظم هذه الدول لا تملك سيطرة فعلية على حدودها الجغرافية، بل وعلى معظم ترابها الوطني، مما يجعل منها «سلطة على العاصمة ونواحيها» فقط. وهذا، في الوقت الذي تعاني مجتمعات الساحل وغرب أفريقيا ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة جدا، وهذا بدوره أنتج ظواهر جديدة ترتبط بالإرهاب والجريمة المنظمة.
لقد استطاعت الجماعات الإرهابية خلق تشابك معقّد مع منظمات الجريمة الدولية، خاصة تلك الناشطة في جرائم الاتجار بالبشر والمخدرات وتهريب السلاح. واستغلت تنظيمات، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم «المرابطين»، هذه الوضعية لتقوية مواردها المالية، والتزود بالسلاح، وساعدها في ذلك ما خلقته من تحالفات مع بعض الشعوب (الإثنيات) والقبائل المنتشرة في المناطق الصحراوية مثل الطوارق في مالي، وتلك القريبة من البحر في الصومال، أو البحيرة الكبرى في تشاد.
وهكذا استطاع تنظيم القاعدة، وأيضا تنظيم «المرابطين» خلق استقلالية مالية، تمكنهما من التجنيد ودفع الرواتب، واستمالة شباب من قبائل مهمة جغرافيا وإثنيا. وتشير منظمة الأمم المتحدة في أحد تقاريرها لخطورة هذا الوضع، حيث سجل «مكتب الأمم المتحدة لشؤون المخدرات والجريمة» أن عمليات الجريمة المنظمة التي تقوم بها الجماعات الإرهابية تدر عليها نحو ثلاثة آلاف وأربعمائة مليون دولار في السنة. وتتوزع بين مداخيل تهريب السلع والمخدرات والأسلحة ومبالغ الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن.
وممّا يقوّي شوكة المنظمات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا الانتشار المهول لظاهرة التسلح؛ حتى أصبح السلاح لا يعرف بدوره الحدود ولا يخضع لسيطرة الدولة الوطنية. فمنذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة انتشرت ظاهرة جديدة غذّت مطامح التوجّهات الإرهابية، وهي ما أطلق عليها «تجارة النمل» (The Ant trade)، التي يجري بموجبها شراء السلاح بصورة قانونية في دولة واحدة، ثم يعاد توزيعه بطريقة غير قانونية تعتمد التهريب في دول أخرى.
وتتشابك هذه الأنشطة الخطرة مع التجارة العالمية للمخدرات، التي تعتبر كل دول غرب أفريقيا والساحل مسرحا لها. فإذا كانت تجارة السلاح تأتي عبر البحر لتجعل من بنين وتوغو منطلقا لها، فإن نحو 14 في المائة من الكوكايين يصل إلى أوروبا عبر غرب أفريقيا. والغريب أن تجارة المخدرات لا تعبر الصحراء والبحر فقط، بل إن مطارات واغادوغو وباماكو والعاصمة النيجرية نيامي، بجانب الجزائر العاصمة، تعتبر نقاطا لهذا النشاط.
لقد استفادت تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«المرابطين» من الجريمة المنظمة وتجارة السلاح الدولي، وكذلك من انهيار النظام الإقليمي بسقوط معمر القدافي ومنظومته الأمنية والعسكرية في ليبيت، وكذلك تفكك السلطة في مالي. وأدى هذا الوضع الجديد إلى تقوية شبكة الجماعات الإرهابية على مستوى شمال أفريقيا، خاصة في تونس وليبيا، وأيضا في منطقة الساحل من مالي إلى النيجر. ثم ازداد الأمر تعقيدا بحصول الجماعات الإرهابية على صواريخ مضادة للدروع، ولطائرات الهليكوبتر التي استعملتها هذه التنظيمات في مالي وغيرها.
ومع التغيرات التي شهدتها المنطقة منذ 2011، أصبحت الصراعات الدولية على المنطقة أكثر حدة خاصة بين فرنسا والولاية المتحدة الأميركية والصين. ففي ظل هذا التنافس الجيوسياسي، رفضت دول الساحل وغرب أفريقيا استضافة القيادة العسكرية الخاصة بأفريقيا (Africom)، في الوقت الذي تبنّت فيه الولايات المتحدة برنامج «بان الساحل» الخاص بمحاربة الإرهاب في كل من النيجر وتشاد وموريتانيا ومالي. وتوسع هذا البرنامج عام 2005 ليشمل تونس والمغرب والجزائر وبوركينا فاسو والسنغال ونيجيريا، وخصصت له نحو 100 مليون دولار، وتقوده قوة عسكرية تسمى «إنديورينغ فريدوم» (Enduring Freedom)، وتعمل هذه الوحدات على التدخل السريع لمواجهة التنظيمات الإرهابية في كل الغرب الأفريقي والساحل.
وفي عام 2014 وضعت الإدارة الأميركية برنامجا لتدريب قوات أجنبية على مواجهة الإرهاب. وتضمنت قائمة الدول المشار إليها الصومال ومالي، وعزّزت الولايات المتحدة تعاونها الأمني والعسكري مع عدة دول في الساحل وغرب أفريقيا، لتشمل الكاميرون وأنغولا. كذلك أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يوم الأربعاء 2014/5/28 أن الجيش الأميركي أرسل سفينة الإنزال البرمائي «يو إس إس باتان» إلى السواحل الليبية، وعلى متنها ألف جندي من مشاة البحرية «المارينز» في إطار مكافحة الإرهاب.
وتأتي هذه الخطوة وغيرها في إطار تقوية الدفاع عن المصالح الأميركية، وتعزيز الوجود العسكري في كل من القاعدة العسكرية في إثيوبيا وبوركينا فاسو، ودعم القوات الخاصة في الكونغو وتشاد وجيبوتي وتعدادها نحو 4 آلاف جندي وطائرات من دون طيار.
وبعد التطورات الأخيرة، في كل من بوركينا فاسو ومالي وليبيا، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الخميس الماضي أن بلاده مستعدة لملاحقة تنظيم داعش أينما وجد بما في ذلك فوق الأراضي الليبية. وهذا التطور يأتي لمواجهة التوسع الجديد لـ«داعش» في كل من ليبيا وتونس. وقال البيت الأبيض في ختام اجتماع عقده مجلس الأمن القومي برئاسة أوباما خصص لبحث الوضع في ليبيا، إن «الرئيس شدد على أن الولايات المتحدة ستواصل مهاجمة تنظيم داعش الإرهابي في أي بلد وجد به»، وأن «الرئيس طلب من فريقه للأمن القومي مواصلة جهوده الرامية لتعزيز الحكم الرشيد في ليبيا ودعم جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا وفي الدول الأخرى حيث يسعى تنظيم داعش إلى تثبيت وجوده».
أما فرنسا فهي البلد الأوروبي الأكثر تأثرا بالخارطة الجديدة للإرهاب في الساحل وغرب أفريقيا. ولقد جسدت العمليات الأخيرة في عاصمتها باريس هذه الحقيقة التي أدركتها فرنسا منذ سنوات. وفي إطار صراعها مع الإرهاب بدول غرب وساحل أفريقيا، أعادت باريس في يناير 2014 نشر نحو ثلاثة آلاف من قواتها في منطقة الساحل الأفريقي تحت ذريعة محاربة الإرهاب، كما تستغل قاعدتها العسكرية «غير المعلنة» في تشاد كمنطلق لطائراتها وقواتها الجوية؛ بينما تتمركز أكبر قوة برية لها في بوركينا فاسو، وتخصّص قاعدتها العسكرية بساحل العاج للإمدادات والتموين الأساسية.
وللعلم، تلعب القوات الفرنسية المتمركزة في مالي منذ تدخلها يوم 11 يناير 2013 في هذا البلد تحت اسم «عملية سيرفال» (القط البري) التي عوّضت أفريقيا في يوليو (تموز) 2014 بعملية «برخان»، دورا كبيرا في مواجهة التنظيمات الإرهابية هناك. ولقد أعلنت القوات الفرنسية في مالي يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) 2015 أنها قتلت 10 من «المرابطين» في منطقة مينكا بشمال شرقي مالي قرب الحدود مع النيجر.
بكلمة موجزة، يمكن القول إن الإرهاب أصبح أمرا واقعا في منطقة الساحل وغرب أفريقيا؛ وإن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية الدولية تجعل منه تهديدا في طريقه للانتعاش وليس الانحصار.
ولا يخفى على راصدي الشأن الأفريقي ما يتسم به الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول غرب أفريقيا من هشاشة، رغم غناها من حيث الثروات المعدنية والطاقية. ولقد باتت الجماعات الإرهابية تلعب على وتر مواجهة فرنسا التي تستنزف موارد المنطقة؛ ففرنسا، مثلا، منذ عام 1971 وهي تستحوذ على استخراج يورانيوم النيجر عبر شركة «أريفا» و«أريفا النيجر»، وتمد النيجر بذلك فرنسا بـ35 في المائة من احتياجاتها من الطاقة النووية، كما تسهم في 75 في المائة من الطاقة الكهربائية الفرنسية. وهذه الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة جعلت منها جزءا من الأمن القومي الفرنسي، كما جعلت منها منطقة الصراع بين الولايات المتحدة والصين وفرنسا، وهو صراع يخاض في إطار محاربة وتوظيف الإرهاب في تلك المنطقة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».