كاميرون يدعو إلى إجراء طارئ «يكبح» المهاجرين

استطلاع: معظم البريطانيين يؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي

كاميرون يدعو إلى إجراء طارئ «يكبح» المهاجرين
TT

كاميرون يدعو إلى إجراء طارئ «يكبح» المهاجرين

كاميرون يدعو إلى إجراء طارئ «يكبح» المهاجرين

بحث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك أمس مصير المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، حيث أصر كاميرون على تنفيذ إجراء «طارئ كابح» لحرمان المهاجرين العاملين من الحصول على امتيازات مالية، فور إجراء استفتاء في بريطانيا لصالح بقائها داخل الاتحاد.
ووعد كاميرون بإصلاح علاقات بلاده بالاتحاد وإجراء استفتاء على عضويتها فيه قبل نهاية 2017، ويأمل في التوصل إلى اتفاق على الإصلاح خلال قمة بروكسل في نهاية فبراير (شباط) الحالي، مع إجراء الاستفتاء في أقرب وقت ممكن. ويقول كاميرون، إن «الاقتراح الأوروبي الحالي بكبح الهجرة لمدة تصل إلى أربع سنوات يجب تعزيزه وينبغي أن يطبق لأطول فترة لازمة لحل المشكلة». ويريد كاميرون التعامل مع أي إجراء طارئ كابح كإجراء لسد الفجوة قبل وضع آلية دائمة.
ويقول الباحث عن الشؤون الاتحاد الأوروبي في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، توماس راينس لـ«الشرق الأوسط»: «فكرة كاميرون هي إشكالية، لأنها تعامل المواطنين البريطانيين ومواطني الاتحاد الأوروبي بشكل مختلف، والأمر يتنافى مع المبادئ القانونية للاتحاد الأوروبي»، وتابع: «والمشكلة في الخطة هي أن تفترض، من دون أدلة واضحة، أن عدد المهاجرين سيقل بناء على هذه التغيرات الاجتماعية. وهناك القليل من الأدلة تشير إلى أن الرعاية الاجتماعية هي التي تحرك قرارات الهجرة».
ومن المقرر أن ينشر تاسك مطلع الأسبوع المقبل، اقتراحاته بشأن المطالب الأربعة التي وضعها كاميرون بروكسل لتفادي خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي والذي قد تقرره نتيجة الاستفتاء. ويطالب كاميرون شركاءه الأوروبيين بإصلاحات في أربعة قطاعات يهدف الأكثر إثارة للجدل بينها إلى تقليص الهجرة بين الدول الأوروبية وبالأخص من دول الشرق.
ويرغب كاميرون في فرض مهلة أربع سنوات قبل دفع أي مساعدات اجتماعية للمهاجرين الآتين من داخل الاتحاد الأوروبي بهدف العمل في المملكة المتحدة، لكن هذا المطلب الذي اعتبر «تمييزيا» يتعارض مع حرية تنقل الممتلكات والأشخاص وهي المبدأ الأساسي للاتحاد الأوروبي. وتتمحور المفاوضات خصوصا حول آلية «وقف عاجل» في حال فاق الوضع قدرات الخدمات العامة البريطانية أو في حال تعرض نظام الضمان الاجتماعي البريطاني لانتهاكات متكررة.
واستكمل كاميرون وتاسك المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء البريطاني في بروكسل الجمعة الماضي، والتي أحرزت تقدما اعتبره كاميرون «غير كاف»، حيث صرح كاميرون في بروكسل أن اقتراحا بالحد من الهجرة الأوروبية إلى بريطانيا «ليس جيدا بما يكفي». ولكنه لمس تقدما بشأن التوصل لاتفاق لإقناع الناخبين البريطانيين بتأييد استمرار عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي.
ويطالب كاميرون بضمانات بالا يجري أي تعزيز لمنطقة اليورو على حساب الدول التي لا تنتمي إلى هذا التكتل وفي مقدمها بريطانيا.
كما يريد رئيس الوزراء البريطاني إنعاش الجهود لتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي وتعزيز السيادة عبر منح مزيد من الصلاحيات للبرلمانات الوطنية.
وفي سياق متصل، أظهر أحدث استطلاع للرأي بشأن قضية بقاء بريطانيا في الاتحاد أمس، أن عدد البريطانيين المؤيدين لبقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي أكبر من المؤيدين للانسحاب منه، حتى على الرغم من تزايد الاعتراض على هذه العضوية بشكل طفيف بالمقارنة مع الاستطلاع الذي أجرى العام الماضي.
وأشارت استطلاعات أخرى أُجريت في الآونة الأخيرة في بريطانيا إلى أنه بعيدا عن البريطانيين الذين حسموا موقفهم بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي فإن عدد المؤيدين للانسحاب من الاتحاد الأوروبي أكبر من المؤيدين للبقاء فيه.
وأكد 54 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع الذي أجراه معهد «كومريس» لحساب صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، أنهم سيصوتون لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي إذا أُجرى استفتاء غدا بتراجع نقطتين مئويتين عن استطلاع جرى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وقال 36 في المائة، إنهم سيصوتون لصالح الانسحاب من الاتحاد بزيادة نقطة مئوية عن الشهر الماضي، في حين لم يقرر عشرة في المائة موقفهم بزيادة نقطتين مئويتين.



​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

العالم الذي يبدأ فيه دونالد ترمب ولايته الثانية رئيساً للولايات المتحدة، لا يشبه كثيراً العالم الذي فاز فيه برئاسته الأولى عام 2016. في أوروبا تخوض روسيا حرباً ضروساً ضد أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، والاتحاد الأوروبي ما زال يتردد في وضع الركائز الأساسية لاستراتيجية دفاعية موحدة تحجز له مقعداً في الصف الأمامي من المشهد الجيوسياسي الجديد، فيما تقضّ تصريحات ترمب المتعاقبة وتهديداته مضاجع المسؤولين في باريس وبرلين وبروكسل، وتطرب لها آذان القيادات الحاكمة في روما وبودابست ومن لفّ لفيفها من القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تتطلع إلى «عصر ذهبي» تتفتح براعمه خلال الحقبة الترمبية الثانية.

لم تعد المؤسسات الأوروبية الكبرى تخفي قلقها من تداعيات الرياح الأميركية الجديدة، التي بدأت تهب على العالم حتى قبل جلوس ترمب في المكتب البيضوي، وها هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يعلن قُبيل سفره إلى واشنطن لحضور حفل التنصيب، أن ولاية ترمب الثانية ستطلق أجنحة اليمين الأوروبي الجديد، ويبشّر أوربان بحقبة ذهبية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويقول: «أعلن انطلاق المرحلة الثانية من الهجوم الكبير الذي يهدف إلى احتلال أوروبا».

أميركي يعتمر قبعة عليها صورة ترمب بواشنطن الاثنين (رويترز)

وخلافاً لما كان عليه الوضع إبّان ولايته الأولى، حين كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مجرد مشاريع هامشية في المشهد السياسي، أصبح حلفاء ترمب الأوروبيون اليوم على جانب من النفوذ، في الحكم وخارجه، وعلى تناغم تام مع أفكاره ومواقفه الراديكالية حول الهجرة والبيئة والقضايا الاجتماعية، ويشاطرون رؤيته الجيوسياسية لعالم تقوم فيه التحالفات على المصالح التجارية وليس على الأفكار والمعتقدات السياسية. ولم يعد سراً أن المخاوف الأوروبية الكبرى ليست مقصورة على التدابير التجارية المزمعة للرئيس الأميركي الجديد، بل إن أخطرها قد يأتي من «وصفته» لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومن مصير العباءة الدفاعية التي يؤمنها الحلف الأطلسي للدول الأوروبية.

العهد الأميركي الجديد يعرف أن «أحصنة طروادة» التي تفاخر بنصرته في أوروبا لم تعد تلك الأحزاب المنبوذة، التي فرضت عليها القوى التقليدية حجراً صحياً منذ عقود، ومنعت وصولها إلى مواقع القرار والسلطة، بل أصبحت في مراكز الحكم وتتوثّب اليوم، مدعومة بسخاء من الأوليغارشية الرقمية، لتوسيع دائرة شعبيتها ونفوذها المباشر بعد أن صارت تشكّل الكتلة الثالثة في البرلمان الأوروبي.

اجتماع سابق لترمب مع قادة «الناتو» في بروكسل (أرشيفية - رويترز)

وهي لم تنم فحسب على الصعيد الانتخابي، في ألمانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا، بل إن أفكارها وطروحاتها أصبحت تلقى تجاوباً واسعاً في أوساط الرأي العام، وتكاد تتطابق مع تلك التي يطلقها ترمب مثلاً حول الهجرة، أو حول الحرب في أوكرانيا. فكرة الجدار لمنع دخول المهاجرين مثلاً كانت مرفوضة على امتداد المشهد السياسي والاجتماعي في أوروبا، أما اليوم فإن عدداً من الدول الأوروبية يدرس سياسات لمنع الهجرة غير الشرعية التي لا تقلّ راديكالية عن فكرة الجدار.

الانتخابات الأوروبية، التي أجريت مطالع الصيف الماضي أظهرت مدى صعود الموجة اليمينية المتطرفة، وزعزعت أركان الحكم في فرنسا وألمانيا، وأثمرت البرلمان الأوروبي الأكثر جنوحاً نحو اليمين منذ تأسيسه. لكن ذلك لم يكن سوى انعكاس مباشر لواقع ملموس منذ سنوات في الدول الأعضاء، وأصبح اليمين المتطرف اليوم طرفاً في ائتلافات حاكمة، أو طرفاً أساسياً داعماً لها، في إيطاليا والسويد وفنلندا والجمهورية التشيكية وهولندا والمجر وكرواتيا، وهو يتفاوض حالياً للوصول إلى الحكم في النمسا، فضلاً عن أن القوى اليمينية المتطرفة تتطلع إلى زيادة شعبيتها ونفوذها في الانتخابات الألمانية أواخر الشهر المقبل، والرومانية في الربيع، والتشيكية في خريف العام الحالي.

دونالد ترمب يتحدث إلى جانب فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في اليابان 28 يونيو 2019 (أرشيفية - رويترز)

تكفي نظرة سريعة على قائمة المدعوين الأوروبيين إلى حفل التنصيب في واشنطن، لنتبيّن حجم «جبهة الإسناد» الأوروبية لترمب داخل الاتحاد الأوروبي: من الإيطالية جورجيا ميلوني إلى المجري فيكتور أوربان، ومن الإسباني سانتياغو أباسكال، إلى تينو شروبالا من «البديل من أجل ألمانيا»، ومن الفرنسي إريك زمور إلى البرتغالي أندريه فينتورا. ميلوني هي الوحيدة بين قادة الاتحاد التي قررت حضور حفل التنصيب، فاتحة بذلك ثغرة جديدة مع شركائها الأوروبيين، يرجح أن تتعمق أكثر في الأشهر المقبلة. لكن الأخطر من ذلك هو أن عودة ترمب تمنح هذه الأحزاب جواز عبور إلى المشهد السياسي الطبيعي في أوروبا، وتتيح للإدارة الجديدة التأثير المباشر في السياسات الأوروبية، والقدرة على زرع الشقاق لفتح الطريق أمام سياساتها التجارية والتكنولوجية، خاصة بعد دخول اصطفاف الشركات التكنولوجية الضخمة إلى جانب الرئيس الأميركي الجديد، ومساعيها المعروفة للالتفاف على القواعد الأوروبية.

ترمب من جهته أوضح غير مرة أنه يريد تصحيح الخلل في الميزان التجاري مع أوروبا، عن طريق رفع الرسوم الجمركية، وزيادة الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة، فضلاً عن مطالبته برفع نسبة مساهمات الأعضاء الأوروبيين في ميزانية الحلف الأطلسي، وزيادة مشاركتهم في جهود إعمار أوكرانيا. لكن الهاجس الأوروبي الأكبر يبقى في الحفاظ على وحدة الصف والموقف أمام الضغوط والتهديدات الأميركية.