مرشح متفوق لتنقية مياه الشرب من المعادن الثقيلة

تعرضت البرازيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 إلى كارثة إنسانية كبيرة حرمت نصف مليون إنسان من مياه الشرب. إذ انهار سدان للمياه مقامان على منطقة للتعدين، وأدى ذلك إلى تسرب المعادن الثقيلة، وخصوصًا مركبات الحديد المختلفة، إلى مياه نهر «ريو دوس». تلوثت بيئة منطقة كبيرة ونفقت أسماك وحيوانات المنطقة وتعرض البشر إلى مجاعة.
لمنع هذه المعادن الثقيلة من التسرب إلى المياه، ومياه الشرب على وجه الخصوص، ابتكر العلماء السويسريون من جامعة زيوريخ التقنية نظامًا جديدًا لترشيح مختلف المعادن، واليورانيوم أيضًا من المياه. وجاء في النشرة الإلكترونية الأسبوعية لجامعة زيوريخ أن الفلتر يتفوق على كل الفلترات السائدة في عالم تنقية المياه اليوم. وعرضت النشرة صورة لقطع ذهب قالت إن الفلتر نجح في ترشيحها من مياه الشرب.
إذ تعتبر تنقية مياه الشرب من آثار المعادن الثقيلة، ومن المواد المشعة، من أكبر المشكلات الصحية التي تواجه المختصين بالصحة العامة. ولم تنل أنظمة الترشيح السائدة قبول الخبراء في الأمم المتحدة بعد أن كشفت الفحوصات عن آثار لهذه المعادن في مياه الشرب. ويختلف الباحثون حول ضرر هذه المعادن، وخصوصًا المشعة منها، لكنهم يتفقون على أن ضررها على الأطفال لا يمكن إنكاره.
وكمثل، فإن مياه الشرب في بلد متقدم مثل ألمانيا، لا تخلو من رواسب هذه المعادن، وإن صنفت من قبل وزارة الصحة على أنها غير ضارة بالبالغين. وتحتوي مياه الشرب في ألمانيا على الرصاص بكمية 0.009 ملغم / اللتر المكعب السنتمتر، وتعتبر كمية 0,005 - 0.009 ضارة بالأطفال الرضع، وتعتبر منظمة الصحة العالمية المياه ملوثة بشكل خفيف بالرصاص إذا ارتفعت الكمية إلى0.01 ملغم / اللتر المكعب.
وتصنف كمعادن ثقيلة كل المعادن التي تزيد كثافتها عن 5 غم في السنتمتر المكعب، وهذا يشمل الحديد والرصاص والزنك والزئبق والكادميوم والنحاس والكروم والزئبق.. إلخ. وهناك نسب ضئيلة من كافة هذه المعادن الثقيلة في مياه الشرب الألمانية.
وأكد البروفسور رافائيلة ميزنجا، أستاذ الصحة الغذائية وأبحاث المواد في جامعة زيورخ، أن الفلتر الجديد يرشح كل المواد المعدنية الثقيلة من المياه حال مرورها خلال الغشاء البيولوجي الذي اخترعته. وذكر ميزنجا أن الغشاء تمت صناعته من ألياف بروتينات الحليب الطبيعية، كما يحتوي الفلتر على الكربون النشط الذي يستخدم بكثرة في أنظمة ترشيح المياه.
واعتبر ميزنجا، وزميله البروفسور سريناث بوليسيتي، اختراع هذا الفلتر أهم إنجاز لهما في حياتهما العلمية. تمت حيازة براءة الاختراع لدى السلطات السويسرية في مارس (آذار) الماضي، كما تم ترشيحه لنيل جائزة سبارك السنوية التي توزعها جامعة زيوريخ لأفضل منجز يمس حياة البشر. وسيظهر التقرير حول الفلتر في عدد فبراير (شباط) من مجلة «نانوتكنولوجي».
وبحسب ميزنجا، فقد تم في الخطوة الأولى تجريد بروتينات الحليب من خواصها الفيزيائية وتحويلها إلى ألياف الاميلويد. جرى بعد ذلك مزجها بنسبة 2 في المائة مع الكربون النشط الذي يشكل 98 في المائة من المرشح. والمهم في نظام الترشيح أنه يستخدم الفراغ لامتصاص الماء عبر الغشاء، ويكون بذلك غنيًا عن استخدام الكهرباء، ومناسبًا جدًا لمناطق العالم التي لا يتوفر فيها التيار الكهربائي
ويتحمل الغشاء، رغم رقته، درجات حرارة عالية، كما يتحمل الكثير من ضغط الماء. وتكفي كمية كيلوغرام واحد من بروتينات الحليب لتصفية 90 ألف لتر من الماء من المعادن الثقيلة والمواد المشعة، وهي كمية تغطي حاجة إنسان واحد طوال حياته. ومن الممكن إنتاج الفلتر بأحجام كبيرة كي يستخدم في تنقية كميات كبيرة من المياه عند الحاجة (الكوارث). ومن الممكن، بحسب ميزنجا، زيادة نسبة البروتين إلى الفحم النشط في الفلتر بغية التصدي لكميات سموم كبيرة في المياه.
وتمت تجربة الفلتر مختبريًا فنجح بتخليص الماء من الزئبق بنسبة 99.5 في المائة، وارتفعت هذه النسبة في حالة سيانيد الذهب إلى 99.98 في المائة، وإلى 94.5 في المائة في حالة اليوارنيوم. وعمومًا استطاع ترشيح الرصاص والكادميوم والزئبق وسيانيد الذهب والبلاديوم.. إلخ إضافة إلى المادتين المشعتين اليورانيوم والفوسفات 32.
وأكد ميزنجا أن كميات الذهب التي تم ترشيحها بواسطة نظام الترشيح تعادل سعر إنتاج غشاء الفلتر 200 مرة. يستخدم سيانيد الذهب في إنتاج الأجهزة الإلكترونية ويتسرب منها إلى دورة المياه في الطبيعة.
كدليل على ارتفاع نسبة اليورانيوم في مياه الشرب الألمانية منعت السلطات الصحية في ولاية بادن فورتمبيرغ (عاصمتها شتوتغارت) قبل سنتين شركة المياه المعروفة «نورتنغن» بسبب ارتفاع نسبة اليورانيوم في المياه المعدنية التي تنتجها. وثبت أن مياه نورتنغن تحتوي على 474 ميكروغرام يورانيوم / لتر، أي ما يزيد عن 300 في المائة من النسبة المقررة من قبل الأمم المتحدة والبالغة 15 ميكروغرام / لتر فقط. ويتسرب اليورانيوم إلى مياه الشرب من خلال المواد الفوسفاتية المحتوية على مركبات اليورانيوم في طبقات الأرض الصخرية. ومن الواضح أن هذا اليورانيوم يتسرب إلى المياه الجوفية من خلال أعمال تعدين اليورانيوم في المناجم ومن خلال محطات توليد الطاقة الكهربائية من المواد الذرية. وسبق للدائرة الاتحادية للبيئة أن قدرت معدل اليورانيوم في المياه الجوفية الألمانية بين 10 - 100 ميكروغرام / لتر.
وأجرت الدائرة الاتحادية للجيولوجيا والمؤسسات البيئية الاتحادية الأخرى أكثر من 1530 فحصًا على نماذج المياه التي تباع في الأسواق وأرسلت النتائج إلى دائرة حماية المستهلك ودائرة الرقابة على المواد الغذائية. وتكشف هذه الفحوصات أن 97 في المائة من هذه المياه لا تشكل خطرًا على البالغين، إلا أن 56 في المائة منها تشكل خطرًا على الأطفال الرضع لأنها تستخدم في تحضير المواد الغذائية للطفل. وتشترط السلطات الصحية الألمانية أن تكون المياه المستخدمة في تحضير أغذية الأطفال خالية تمامًا من اليورانيوم.