«شهرزاد المغربية» كتاب يجمع شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي

قدم في أربعينية الراحلة بالبحرين.. تحت شعار «الحالمون لا يمكن ترويضهم أبدًا»

فاطمة المرنيسي .. وفي الإطار غلاف الكتاب
فاطمة المرنيسي .. وفي الإطار غلاف الكتاب
TT

«شهرزاد المغربية» كتاب يجمع شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي

فاطمة المرنيسي .. وفي الإطار غلاف الكتاب
فاطمة المرنيسي .. وفي الإطار غلاف الكتاب

في أقل من شهر على وفاة فاطمة المرنيسي، صدر كتاب من 326 صفحة يتضمن شهادات ودراسات عن عالمة الاجتماع المغربية الراحلة، تحت عنوان «شهرزاد المغربية: شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي»، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، بدعمٍ من مركز الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة للثقافة والبحوث.
وشارك في الكتاب، الذي أعده وحرره وقدم له الأديب المغربي ياسين عدنان، مجموعة من الكتاب والأدباء العرب، من بينهم المفكر المغربي محمد نور الدين أفاية، الشاعر السوري محيي الدين اللاذقاني، عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب، الروائية العراقية عالية ممدوح، الأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب، الناقد العراقي عبد الله إبراهيم، الناقدة العراقية فاطمة المحسن، الشاعران البحرينيان قاسم حداد وحسن كمال، الاقتصادي المغربي إدريس الكَراوي، الكاتب اللبناني بيار أبي صعب، الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن، وزيرة الثقافة البحرينية مي الخليفة، الأكاديمية السعودية الدكتورة عائشة المانع، الشاعرة الجزائرية ربيعة جلطي، والكاتبة اليمنية أسمهان عقلان العلس، إضافة إلى نخبة من الكتاب والفاعلين المغاربة من مختلف التخصّصات الأدبية والفكرية: لطيفة البوحسيني، فاطمة الزهراء طموح، جميلة حسّون، فاطمة كدو، فريد الزاهي، صلاح بوسريف، محمد اشويكة، حميد لشهب، عزيز الحدادي، وسعيد بوخليط.
وشكلت «أمسية المحبّة» التي التأمت أخيرًا بمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث في مدينة المحرق البحرينية، تحت شعار «الحالمون لا يمكن ترويضهم أبدًا»، وحضرها الكثير من رجال ونساء الفكر من البحرين والسعودية والإمارات العربية والمغرب وإيطاليا وألمانيا، مناسبة لتخليد أربعينية عالمة الاجتماع المغربية وتقديم كتاب «شهرزاد المغربية: شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي»؛ حيث ركّزت وزيرة الثقافة البحرينية مي الخليفة، خلال تقديمها للندوة، على الصداقة التي جمعت فاطمة المرنيسي بالبحرين، فيما تعاقب على المنصة كل من ياسين عدنان، والفاعلة الجمعوية المغربية جميلة حسون، والصحافي الألماني توماس هارتمان، ومترجمة المرنيسي إلى الإيطالية البروفسور إيليزابيتا بارتولي، ليضيئوا جوانب من مسار الراحلة الحياتي والفكري.
وأكد تنظيم أربعينية عالمة الاجتماع المغربية في أقصى الوطن العربي، في البحرين، البلد الذي سبق لها أن زارته الراحلة مرتين، أن الوفاء لا بلد له ولا جنسية له.
وقال ياسين عدنان لـ«الشرق الأوسط»، عن دلالات التخليد وقيمة المؤلف الذي يرصد مساهمات عالمة الاجتماع المغربية: «فاطمة المرنيسي كانت امرأة تؤمن بالكتابة. ترى بأننا نضيع وقتا طويلا في الكلام، لهذا راهنت دائما على الكتابة من خلال ورشات الكتابة التي ظلت تشرف عليها منذ بداية الثمانينات. هكذا جعلت الكثير من الناس يكتبون: ناسجات الزرابي، عاملات بسيطات، سجناء سابقين، أبناء مدن فقيرة مهمشة.. ونحن بدورنا حاولنا أن نحيي أربعينية الراحلة بالطريقة التي تناسبها أكثر، وهي إصدار كتاب جماعي عنها. كتاب لا يضم مراثي، بل شهادات تضيء جوانب من حياة الراحلة، ودراسات تقرّب مشروعها الفكري والثقافي من عموم القراء».
وتتوزع الكتاب ثلاثة محاور كبرى: محور خاص بالشهادات، والثاني بالدراسات، فيما جاء القسم الأخير تحت عنوان «تلويح وداع» وضمَّ مجموعة من التحايا الحميمة لروح الفقيدة الكبيرة.
وكتب ياسين عدنان في تقديم الكتاب أن «فاطمة المرنيسي امرأة عصيّة عن التصنيف. يتداخل الفكر في كتاباتها بالأدب، والبحث الأكاديمي بالتخييل. هي متعدّدة بطبيعتها، لذلك كانت دوما ترفض الاختزال. النسائيات العربيات اللواتي أثارهن بشكل خاص اشتغالها الجريء على قضايا المرأة منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، سرعان ما تنكّرت لهن، أو على الأقل فاجأتهن وهي تغيِّر الوجهة باتجاه المجمع المدني». «لستُ مناضلة نسوية لأنشغل بالمرأة فقط»، تقول فاطمة: «لقد انخرطتُ في دينامية المجتمع المدني لأنه فضاء لا تقف فيه المرأة بمواجهة الرجل، بل يعملان سويا ويتعاونان». ولتجسيد هذا الحلم، أطلقت قافلة مدنية أرغمت من خلالها عددا من المثقفين والفنانين والفاعلين المدنيين على النزول من أبراجهم العاجية للتفاعل مع ساكنة القرى والبوادي في المغرب العميق، المنسي، والمهمّش. فأعطت بذلك لعدد من مثقفي اليسار الذين كانوا يصنّفونها كبورجوازية درسًا في الطريقة التي يمكن بها للمثقف العضوي - فعلاً لا شعارًا - أن يمارس نضاله الثقافي ويضطلع بدوره داخل مجتمعه.
ومثلما أدهشت شهرزاد شهريار - يضيف ياسين عدنان - مارست شهرزاد المغربية غوايتها علينا جميعا. إذ ظلت تفاجئ قراءها باستمرار وتدهشهم وتأتيهم دومًا من حيث لا يحتسبون. بعد عودتها من أميركا، توقع منها الأكاديميون المزيد من الأبحاث «الرصينة» ففاجأتهم بمحكيات الطفولة، وبانحيازها للأدب. توقعت منها مناضلات الحركة النسائية فضح العقلية الذكورية وعمقها المرجعي في الثقافة العربية الإسلامية، فإذا بها تكتب لتشرح لهن كيف كانت المرأة عزيزة رفيعة القدر في تاريخ الإسلام منذ «نساء النبي» حتى السلطانات المنسيات. يساريو تلك الأيام توقعوا منها المزيد من نقد التراث الديني، فإذا بها تدافع عنه بطريقتها، هي خريجة جامعة القرويين. توقع منها الغرب أن تزوده بالمزيد من حكايات «حريم الشرق» وأن تواصل تشريح البنى الذكورية في العالم العربي الإسلامي بشراسة، فإذا بها تنقلب عليه لتفضح «حريم الغرب» الأكثر قسوة على المرأة ونيلا من إنسانيتها. إنها شهرزاد معاصرة، تعرف كيف تستعمل عقلها - لا جسدها - لمواجهة الاختزال، عنف الخطاب، والقتل الرمزي.
وعرفت المرنيسي، التي رحلت يوم 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن عمر ناهز 75 عاما، بأبحاثها وكتاباتها عن الإسلام والمرأة وتطور الفكر الإسلامي، فضلا عن نشاطها في إطار المجتمع المدني، في سبيل حقوق النساء. كما تحسب للراحلة «جرأة وجسارة التناول والمساءلة»، هي التي «غطت أعمالها المشحونة بجرأة، لم يسبقها فيها أحد من الباحثين المغاربة، صيغة جديدة في إدراك القضايا الأكثر عمقا والأكثر تأثيرا، ليس، فقط، في ثقافة المغاربة والعرب، ولكن في اختناقات حياتهم الجماعية والفردية، أي تلك القضايا التي ظل التعامل معها محكوما بصمت مريب، وبواجب عدم الكشف والتناول».
وأغنت الراحلة الخزانة العالمية بعدد غير قليل من المؤلفات التي خلدت أبحاثها بين القراء، عبر لغات العالم، بينها «ما وراء الحجاب.. الجنس كهندسة اجتماعية»، و«شهرزاد ليست مغربية»، و«العالم ليس حريما»، و«الخوف من الحداثة.. الإسلام والديمقراطية»، و«العابرة المكسورة الجناح.. شهرزاد ترحل إلى الغرب»، و«أحلام النساء الحريم.. حكايات طفولة الحريم»، و«سلطانات منسيات»، و«نساء على أجنحة الحلم»، و«الحريم السياسي.. النبي والنساء»، و«هل أنتم محصنون ضد الحريم؟».



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي