العسل.. حلاوة الغذاء

استخدمه المصريون القدماء في التحنيط.. وفوائد جمة عبر العصور

العسل.. حلاوة الغذاء
TT

العسل.. حلاوة الغذاء

العسل.. حلاوة الغذاء

في كهف تاريخي يقع شمال مدينة فالنسيا الإسبانية توجد رسوم تشير إلى جمع عسل النحل من أعشاش النحل البري يعود تاريخها إلى ثمانية آلاف عام هي بداية العصر المعروف لاكتشاف الإنسان لعسل النحل واستخدامه كغذاء.
كما يعود أقدم اكتشاف للعسل إلى جورجيا، حيث تم العثور على آثار لعسل النحل داخل أوانٍ تاريخية تعود إلى 5500 سنة قبل الميلاد. وقد تكون هذه الأواني قد صاحبت مقابر النبلاء الذين كان العسل من بعض أنواع الأطعمة التي صاحبتهم إلى العالم الآخر، وفق معتقدات تلك الحقبة.
وكان عسل النحل يستخدم في مصر القديمة لإضافة الطعم السكري إلى الحلوى، كما كان يستخدم في التحنيط. وكان يقدم أيضًا كنذور لبعض الآلهة القديمة.
وصدر في اليونان القديمة أول قانون ينظم عملية جمع العسل عن طريق وضع خلايا النحل في الحقول، وذلك بعد انتشار نشاط جمع العسل على نطاق واسع. ونص القانون على أن تترك مسافة مائة متر على الأقل بين خلايا النحل.
وقبل اكتشاف السكر كان العسل هو مصدر السكر الوحيد لمنح المذاق السكري للحلوى في مطابخ منطقة الشرق الأوسط. ولكن استخدامه لأغراض الطعام والدواء انتشر من المنطقة إلى الهند والصين قبل أربعة آلاف عام. كما عرفته أيضًا حضارة المايا في أميركا الوسطى. وفي بعض الحضارات كان العسل يستخدم كدواء مطهر للجروح وعلاج لآلام الحلق والزور.
ويستخدم عسل النحل الآن على نطاق عالمي واسع كغذاء ووسيلة تحلية للأطعمة والحلويات والمشروبات وهو متعدد الأنواع والمذاقات. ويستخرج العسل من رحيق الأزهار ويجمعه النحل ويخزنه في خلاياه في أقراص شمعية. وهو يحتوي على الغلوكوز وبه نفس مذاق ونسبة السكر الموجودة في قصب السكر. وهو يصلح تمامًا للاستخدام في أنواع الطعام المختلفة وفي الطهي على النار أو في الفرن. ويفضل بعض الناس مذاق العسل على السكر ويستخدمونه في الكثير من أغراض الطبخ.
ولا يختلف كثيرون على مزايا عسل النحل ويعتبرونه مطهرًا. ولكن العسل له أيضًا بعض المضار المستترة، حيث يحتوي أحيانا على بعض أنواع البكتريا الميكروسكوبية التي يمكن أن تمثل خطرًا على الأطفال الذين لم تنضج بعد أجهزتهم الهضمية، كما لا ينصح بتناوله لمن يعانون من نقص في أجهزة المناعة لتجنب خطر الإصابة بالبكتريا أو الفطريات.
وتحتوي كل ملعقة من عسل النحل على 64 سعرًا حراريًا وغير ذلك يحتوي العسل على عدة فيتامينات ومعادن، بالإضافة إلى الطعم السكري والطاقة الحرارية. وفي الماضي كان جمع عسل النحل يجري من خلايا النحل البري، ولكن نشاط جمع العسل تحول بعد ذلك إلى الخلايا المستأنسة التي يتم جمع العسل منها في نهاية كل موسم مع ترك بعض العسل فيها كغذاء للنحل خلال فصل الشتاء.
وينتشر نشاط جمع عسل النحل حاليًا حول العالم وتعتبر الصين هي الدولة الأولى في العالم إنتاجا لعسل النحل بنحو نصف مليون طن سنويًا، تليها تركيا بنحو 90 ألف طن، ثم الأرجنتين بنحو 80 ألف طن، وأوكرانيا وروسيا بسبعين ألف طن لكل منهما. ويبلغ الإنتاج العالمي الإجمالي من عسل النحل نحو 2.3 مليون طن.
ويختلف طعم العسل من منطقة لأخرى ويعتمد على الكثير من العوامل منها نوع الأزهار المنتشرة في المنطقة خلال الموسم ودرجة الحرارة السائدة ونسبة السكر والماء. ويمكن للعسل أن يتحول إلى مادة كريستالية شبه صلبة في درجات الحرارة المنخفضة كما يعود إلى السيولة مع ارتفاع درجات الحرارة.
ويتم تصنيف أنواع عسل النحل عبر 114 درجة من الأبيض إلى الداكن. ويمكن بتحليل العسل معرفة مصدره الجغرافي وفقًا لحبوب اللقاح والزهور المتاحة في هذه المناطق. والكثير من أنواع العسل المتاحة تجاريًا تكون خليطًا من عدة أنواع من مصادر مختلفة. ويكتسب بعض أنواع العسل نكهة الزهور المستخلص منها الرحيق مثل زهور البرتقال أو الليمون أو التوت.
ويباع العسل تجاريًا في أنماط كثيرة منها العسل الكريستالي والمبستر والطبيعي والصافي. ومنه ما يباع بالأقراص الشمعية داخله، أو المعالج بالأمواج فوق الصوتية لقتل خلايا الخميرة فيه.
من ناحية أخرى، يجري تصنيف العسل على درجات تبدأ بدرجة «أ»، وهو ذو طعم ورائحة جيدين وخالٍ من أي عيوب وصافي اللون. وتنطبق هذه الشروط أيضًا، إلى حد ما مع وجود بعض الشوائب، على العسل المصنف بدرجة «ب». أما درجة «ج» فهو يحتوي على نسبة أكبر من المياه ويحتوي على نسبة من حبوب اللقاح أو الفقاعات. أما الأنواع الأخرى التي لا تصل إلى درجة «ج» فهي تصنف على أنها متدنية النوعية.
ويتم الحكم على أفضل أنواع العسل عن طريق النكهة والطعم ودرجة اللزوجة. وأفضل أنواع العسل تنساب من على طرف ملعقة في خيط مستمر غير متقطع. ولا يصلح العسل الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الماء للحفظ على فترات طويلة.
وفي حالات العسل الطبيعي يمكن الحفظ لفترات طويلة تصل إلى قرون أحيانًا. وأهم عوامل الحفظ هو إبعاد العسل عن مصادر الرطوبة. وتساهم نسبة السكر العالية في حفظ العسل من التخمر. ولكن العسل يمكن مع الوقت أن يتحول إلى كتل كريستالية، ويمكن بعدها أن يعود إلى حالته الأولى مع رفع درجة الحرارة.
وتحتوي كمية 100 غرام من العسل على 304 سعرًا حراريًا و82 غرامًا من النشويات (على هيئة سكر) ونسبة 0.3 من البروتين مع نسب صغيرة من فيتامينات «ب» و«ج»، وعلى الكالسيوم والحديد والفوسفور والبوتاسيوم والماغنيسوم والصوديوم والزنك. وينقسم سكر العسل إلى غلوكوز وفراكتوز ومالتوز وسوكروز وماء.
بالإضافة إلى هذه الفوائد الغذائية من المعروف أن للعسل خواص في علاج الجروح والحروق الجلدية بوضعه على الجلد. ولكنه لا يصلح في علاج القروح المزمنة كما لا توجد قرائن طبية في مساهمة العسل في علاج الكحة. ومع ذلك يدخل العسل والليمون في تركيب الكثير من أدوية علاج البرد والإنفلونرا والرشح. وليس هناك أي دليل على أن العسل يساهم في علاج السرطان ولكنه قد يساهم في تخفيف الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي. ولا يوجد دليل طبي على أن عسل النحل يساهم في علاج حالات الحساسية. وتشير بعض الدراسات إلى قدرة العسل على قتل بعض أنواع الميكروبات والبكتريا.
ولكن استهلاك عسل النحل بكميات كبيرة له أيضًا سلبيات منها القلق والنشاط الزائد وعدم القدرة على النوم وفق عدد من الدراسات، ولو أن هناك دراسات أخرى لم تثبت أي أعراض جانبية.
ويمكن اختيار نوع العسل وفقا للزهور التي أتى منها مثل زهور البرتقال أو الليمون أو اللافندر أو الكافور. وإذا تحول لون العسل الصافي إلى لون غير شفاف نتيجة لعملية تحول كريستالي طبيعية، يمكن استعادة اللون الطبيعي بوضع برطمان العسل في مياه ساخنة لمدة 15 دقيقة أو بعدة دقائق في المايكروويف بعد خلع غطاء البرطمان. وأفضل أماكن تخزين العسل هي أماكن باردة نسبيا ومظلمة داخل برطمانات محكمة الإغلاق. ويفضل استهلاك العسل في غضون 12 شهرا من شرائه.
وهناك الكثير من الاستخدامات الغذائية للعسل مثل الرش على الزبادي أو سلطة الفواكه. وهو يستخدم أحيانًا لتحلية المشروبات أو كبديل للسكر في صناعة الكعك والبسكويت. ويمكن أن يؤكل العسل بمفرده مع قليل من الخبز.

* بعض الحقائق عن عسل النحل:
- ظهرت أول رسوم على كهوف تحاكي عملية استخراج العسل من أعشاش النحل البري في إسبانيا تعود في تاريخها إلى سبعة آلاف عام قبل الميلاد.
- اكتشفت حفريات للنحل تعود إلى ما قبل 150 مليون سنة.
- أول خلية نحل من صنع الإنسان كانت في مصر القديمة ويعود تاريخها إلى 2400 سنة قبل الميلاد. واستخدم المصريون القدماء النحل كبديل للسكر ولتقديم القرابين الدينية وفي علاج الجروح، وأيضًا في عمليات التحنيط. وكانت النحلة هي شعار ملك الوجه البحري في مصر خلال الأسرة الأولى، أي في حدود 3200 سنة قبل الميلاد.
- تم اكتشاف عسل نحل في أوانٍ محكمة الإغلاق داخل مقابر مصرية قديمة يعود تاريخها إلى 2000 عام. وكان العسل داخلها ما زال صالحا للأكل!
- استعار الإغريق أسلوب تربية النحل من قدماء المصريين. وصنعوا من العسل الكعك والحلوى.
- استعار الرومان أسلوب تربية النحل من الإغريق وانتشر هذا النشاط في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، واستخدم العسل في الكثير من الأغذية الرومانية.
- يستغرق صنع برطمان واحد من العسل طيران مسافة 40 ألف ميل من النحل.



«قصر الطواجن»... أكلات العالم على مائدته المصرية

المطعم المصري (قصر الطواجن)
المطعم المصري (قصر الطواجن)
TT

«قصر الطواجن»... أكلات العالم على مائدته المصرية

المطعم المصري (قصر الطواجن)
المطعم المصري (قصر الطواجن)

هل تناولت من قبل طاجناً من «النجراسكو» و«اللازانيا»، أو أقدمت على تجربة «الدجاج الهندي المخلي»، أو حتى «طاجن لحم النعام بالحمام»، يمكنك تذوق ذلك وأكثر، عبر مجموعة من الوصفات التي تخللتها لمسات مصرية على أكلات غربية.

في منطقة حيوية صاخبة في مدينة «6 أكتوبر» المصرية (غرب القاهرة الكبرى) يحتل مطعم «قصر الطواجن» المتخصص بشكل أساسي في تقديم طبق «الطاجن» مساحة كبيرة، وساحة أمامية لافتة، يزينها منطقة للأطفال، بينما تتميز قاعاته الداخلية بفخامة تليق بمفهوم «القصور» المرتبط باسمه.

لا شك أن التدقيق في اختيار اسم المطعم يلعب دوراً في شهرته، إلا أنه تبقى دوماً التجربة خير دليل، بحسب تعبير أحمد مختار، مدير المطعم.

ريش بورق العنب (صفحة المطعم على فيسبوك)

ألوان مختلفة من الطواجن يقدمها المطعم، فإذا لم تكن راغباً في صنف بعينه، فحتماً سيثير «المنيو» حيرتك، وإذا كنت من عشاق الطواجن بشكل عام، فعليك أن تختار ما بين طاجن «البط البلدي» بخلطة «قصر الطواجن» أو «الكوارع» أو «ريش البتلو بورق العنب»، أو «ريش الضاني»، أو «الأرز المعمر بالقشطة واللحم»، أو «طاجن لحم النعام بالحمام»، وهناك أيضاً طاجن «بصلية» و«الفريك بالحمام»، و«لسان العصفور باللحم» و«رول الضاني».

وإذا كنت من محبي الطعام الكلاسيكي، فينتظرك هناك طاجن «بهاريز زمان»، المكون من 5 مكونات بعضها عتيق في المطبخ المصري، ومنها الكوارع، النخاع، قلوب البتلو، والكلاوي، ولا مانع أن تجرب طواجن ذات أسماء من ابتكار المطعم مثل «طاجن السعادة» المكون من المخاصي والحلويات واللحم، أو طاجن «فولتارين» الذي يداوي أي ضغوط نفسية، وفق مدير المطعم.

وأحياناً يسألك طاقم الضيافة هل تريد أن تجرب أكلات عالمية في طواجن مصرية، لتزداد حيرتك أمام طاجن «الدجاج الهندي المخلي» أو«المكسيكي الحار»، أو «إسباجيتي بلونيز»، أو «النجراسكو واللازانيا»، أما في حالة إصرارك على اختيار طبق من مصر، فتتصدر الأطباق الشعبية «منيو» الطواجن، فلا يفوتك مذاق طاجن «العكاوي» بالبصل والثوم والزنجبيل والكمون والفلفل الحلو والكركم.

«ليس غريباً أن يكون في القاهرة مطعم متخصص في الطواجن»، يقول مدير المطعم لـ«الشرق الأوسط»، ويتابع: «لقد تميزت مِصر بأنواع كثيرة من الطواجن الحادقة واللذيذة والشهية، ما بين الخضراوات واللحوم والأرز والطيور والمحاشي، واختصت أيضاً بعدة طواجن من الحلويات».

وأوضح: «وتتميز الطواجن على الطريقة المصرية بطرق ومكونات ووصفات كثيرة، وجميعها مميزة وشهية ويحبها المصريون والأجانب؛ لأنها تعتمد طريقة طهي اللحم ببطء على نار خفيفة غالباً لعدة ساعات، كما يساعد الشكل المخروطي للوعاء على «حبس» النكهة كاملة بالداخل؛ فتكون مركزة وغنية، كما يعمل الطاجن على تنعيم اللحوم والخضراوات المطبوخة».

وأضاف: «طاجن الملوخية بالطشة، البامية باللحم الضأن، التورلي باللحم، الكوسا المغموسة في الصلصلة الحمراء والبصل، هي بعض من طواجن الخضراوات التي يقدمها المطعم أيضاً لرواده، (تشتهر بها مصر كذلك)، ولذلك نحرص على تقديمها في المطعم، من خلال هذه الطريقة تظل الخضراوات محتفظة بقيمتها الغذائية، وتكتسب مذاقاً شهياً ولذيذاً وخفيفاً يحرض الجميع على التهامها، حتى بالنسبة لهؤلاء الذين لا يفضلون تناول الخضراوات، وبالإضافة إلى ذلك فإن الطعام يظل محتفظاً بسخونته لوقت طويل».

يبتكر الشيفات في المطعم في تقديم طواجن بلمسات عصرية: «نحرص على التجديد لتجربة طعام مبتكرة، إن امتزاج الأصالة بالحداثة أمر رائع في عالم الطهي؛ إذا أردت أن تخوض هذه التجربة فأنصحك أن تطلب طاجن الحمام المحشي باللحم، الذي تعلوه جبن الموتزريلا، أو الرقاق بطبقات القشطة، وغير ذلك».

أما «الطاسات» والصواني فهي طرق جديدة لمواجهة الضغوط الاقتصادية؛ فهي تسمح لرواد المطعم بإحضار الأسرة أو عمل ولائم وتقديم أنواع أنيقة ومختلفة من الطعام للمدعوين، بسعر أقل، وفي الوقت نفسه تسمح بالاستمتاع برفاهية المذاق على حد قول مختار.

لا تضم قائمة الطعام الطواجن وحدها؛ إنما هي تمثل الأطباق التي فيها توليفة من النكهات التي تحتفي بثراء التقاليد الطهوية الشرقية، فبجانب الطواجن، يقدم المطعم لرواده قائمة طويلة من المشويات، وأنواعاً مختلفة من الحساء والأرز، والمحاشي والسلطات، إلى جانب أكلات محلية من محافظات مصرية مثل البط الدمياطي والحواوشي والسجق الإسكندراني.

يعد المطعم أن المحافظة على التراث الطهوي المصري من ضمن أهدافه، يقول مختار: «نحافظ على أصالة المطبخ المصري من خلال الحصول على أطيب المكونات، وأفضل خامات الأواني الفخارية الآمنة من الناحية الصحية؛ مما يضمن أن تكون كل وجبة بمثابة مغامرة تذوق طعام مفيد وخالٍ من أي أضرار محتملة».

دوماً ترتفع تجربة تناول الطعام الخاصة بنا إلى مستوى أعلى من المتعة والرقي، حين يكون العاملون في المطعم على دراية جيدة وواعية بفن الضيافة، وهذا ما يتحقق في «قصر الطواجن»؛ فهم يبدون بصفتهم جزءاً من النسيج الثقافي والاجتماعي الغني في مصر؛ عبر ابتسامتهم الدائمة، ومهارتهم، وسرعة تلبية احتياجات الزبائن.