واشنطن وأوتاوا تتعهدان بمواصلة محاربتهما «داعش»

رغم إعلان كندا سحب طائراتها القتالية المشاركة في التحالف

واشنطن وأوتاوا تتعهدان بمواصلة محاربتهما «داعش»
TT

واشنطن وأوتاوا تتعهدان بمواصلة محاربتهما «داعش»

واشنطن وأوتاوا تتعهدان بمواصلة محاربتهما «داعش»

تعهدت الولايات المتحدة وكندا أمس الجمعة، بمواصلة معركتهما المشتركة ضد تنظيم داعش، على الرغم من إعلان أوتاوا سحب طائراتها القتالية الست المشاركة في التحالف ضد المتطرفين.
واستقبل وزير الخارجية الكندي ستيفان ديون في كيبيك (شرق كندا)، نظيريه الأميركي جون كيري والمكسيكية كلاوديا رويز ماسيو في إطار الاجتماعات الدبلوماسية السنوية لأميركا الشمالية.
ويفترض أن تعمل الحكومة الليبرالية الجديدة برئاسة جاستن ترودو على تحقيق توازن بين رغبتها في إعادة كندا إلى ساحة الدبلوماسية العالمية والصفعة التي وجهتها إلى شركائها في التحالف بإعلانها عن وقف ضرباتها ضد تنظيم داعش.
وحتى الآن، تواصل ست طائرات كندية «إف-18» توجيه الضربات إلى مواقع للتنظيم المتطرف في العراق وسوريا. ويؤكد ترودو وديون باستمرار أنّ الطائرات ستعود، لكن الضربات توجه بوتيرة أكبر من تلك التي سجلها المراقبون منذ بداية عمليات القصف في خريف 2014.
وسيشارك وزير الخارجية الكندي الأسبوع المقبل في روما في اجتماع للتحالف بقيادة الولايات المتحدة لمناقشة مختلف المشاريع البديلة للضربات الجوية.
وقال ديون إنّ «الضربات الجوية (من قبل دول أخرى) ستستمر وإن كانت كندا تستثمر جهودها في مجالات أخرى على نفس الدرجة من الأهمية وسنعلن قريبا ما ستكون عليه جهودنا». وأضاف: «سنواصل مناقشاتنا في هذا الشأن في روما».
وبدا كيري مرتاحا لوعود كندا معترفًا بأهمية جهودها في المعركة. وقال إن «كندا لعبت دورًا هائلاً في المكونات العسكرية والبشرية للمعركة ضد تنظيم داعش».
وأضاف: «استنادا إلى حديثي مع ستيفان (ديون) أثق تمامًا بعمل رئيس الوزراء وفريقه لإيجاد وسائل (...) لمواصلة تقديم مساهمة كبيرة في جهودنا».
ووعد جاستن ترودو بتعزيز وجود عسكريين كنديين على الأرض لتأهيل قوات عراقية وكذلك تعزيز الجهود الإنسانية.
كما أفاد ديون: «نعمل على خطة تتركز إلى حد كبير على العراق»، مؤكدًا في الوقت نفسه أنّ هذه الخطة تشمل سوريا «وبلدين آخرين يجب أن يبقيا قويين ويجب ألّا يضعفهما تدفق اللاجئين وهما لبنان والأردن».
وبحث كيري وديون أيضا في الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الكندي إلى واشنطن في العاشر من مارس (آذار)، التي سيتخللها عشاء يقيمه الرئيس باراك أوباما على شرف جاستن ترودو وزوجته صوفي غريغوار ترودو. ويعود آخر تكريم من هذا النوع لرئيس حكومة كندي في الولايات المتحدة إلى 1997.
وقال كيري: «أعرف أن الرئيس الأميركي ينتظر بفارغ الصبر استقبال رئيس الوزراء ترودو في واشنطن». مضيفًا «إنّها أول زيارة لرئيس حكومة كندي منذ نحو عقدين كان يجب أن تجري منذ زمن طويل».
من جهة أخرى، تأمل الولايات المتحدة في أن توقع كندا معاهدة الشراكة عبر المحيط الهادي التي أبرمت بين 12 دولة. وقالت الحكومة الكندية الاثنين إنّها ستوقع هذا الاتفاق الأسبوع المقبل خلال اجتماع للدول الـ12.
لكن قبل ذلك، يريد البرلمان الكندي مناقشة النص. وذكرت وزيرة التجارة كريستيا فريلاند أنّ بعض الكنديين يشعرون بالقلق. وقالت إنّ «عددًا من الكنديين لم يقرروا بعد وكثيرين ما زال لديهم تساؤلات».
من جهة أخرى، أكد ديون من جديد التزام حكومته بإلغاء قرار فرض تأشيرات دخول على الزوار المكسيكيين الذي اتخذته في 2009 الحكومة المحافظة السابقة. وقال إن «رئيس حكومتنا يريد إلغاء التأشيرة».
واتفقت الدول الثلاث على تعزيز الجهود المشتركة بشأن التغييرات المناخية بعد نجاح المؤتمر الدولي حول المناخ في باريس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأعدّ كيري وديون ورويز ماسيو لقمة رؤساء الدول الثلاث في وقت لاحق من هذا العام.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.