«جنيف 3» حلقة جديدة في سلسلة المبادرات الدولية الفاشلة لحل الأزمة السورية

الانكفاء الأميركي يزيد من هواجس المعارضة التي تواجه تحدي تفتيتها

«جنيف 3» حلقة جديدة في سلسلة المبادرات الدولية الفاشلة لحل الأزمة السورية
TT

«جنيف 3» حلقة جديدة في سلسلة المبادرات الدولية الفاشلة لحل الأزمة السورية

«جنيف 3» حلقة جديدة في سلسلة المبادرات الدولية الفاشلة لحل الأزمة السورية

لا تشبه الظروف والمعطيات التي تظلل المحادثات السورية التي انطلقت في جنيف بشيء تلك التي قام عليها مؤتمرا جنيف 1 و2. بل تبدو الصورة اليوم معقدة أكثر من أي وقت مضى، إن كان لجهة تعدد المجموعات الممثلة للمعارضة السورية التي كانت تختصر في السنوات الماضية بالمجلس الوطني السوري، ومن ثم الائتلاف السوري المعارض، أو لجهة تبدل الظروف الدولية التي كانت بمعظم الأحيان تميل لكفة المعارضة، وذلك بعد انخراط روسيا بشكل مباشر بالحرب السورية وسعيها لفرض شروطها بما يتعلق بالوفود السورية المفاوضة، وحتى بأجندة العمل المتوقع بحثها.
ويكاد يُجمع المراقبون على أن مصير الحراك السياسي الجديد، الذي انطلق بالأمس، سيكون مماثلا لمصير كل المبادرات والمؤتمرات الدولية السابقة التي إن نجح بعضها بإقرار جملة من التفاهمات، لم يتم الالتزام بأي من بنودها، خصوصا من جانب النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.
وبحسب المعارض السوري البارز عبد الباسط سيدا، تلعب موسكو حاليًا «ورقة تفتيت المعارضة» بعدما أصرت على دعوة معارضين مقربين منها إلى محادثات جنيف مع أن الدول الكبرى كانت قد أوكلت في وقت سابق مهمة جمع المعارضة في وفد موحّد للسعودية وهو ما تحقق في الهيئة العليا للمفاوضات. إلا أن الأمم المتحدة قررت النزول عند الرغبة الروسية فوجّهت في وقت سابق دعوات لأكثر من 7 شخصيات من خارج هذه الهيئة ومعظمها تنضوي بإطار «مجلس سوريا الديمقراطي» الذراع السياسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي يشكل الأكراد (الذين يسيطرون على مساحات شاسعة شمال شرقي سوريا) ركيزتها.
لكن المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا راعى، من جهة أخرى، كذلك، الإصرار التركي على عدم دعوة «الحزب الديمقراطي الكردي» الذي تعتبره أنقرة مرتبطا بحزب العمال الكردستاني المصنف «إرهابيا». أما وفد النظام الذي باشر محادثاته مع دي ميستورا، يوم أمس، فضم 16 عضوا بينهم نائبان ودبلوماسيان، ويرأسه السفير السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري، ويشرف على وفد النظام نائب وزير الخارجية فيصل المقداد من دمشق.
وبغض النظر عن القرار النهائي الذي قد تتخذه «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة بالمشاركة في المحادثات الجانبية في جنيف أو عدمها، يُرجح سيدا، كما قال لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون «مصير هذه المفاوضات الفشل باعتبار أن روسيا تتحكم بكل الأوراق بغياب أي موقف أميركي». وتابع «جنيف 2 كان كرنفالا حاول المجتمع الدولي أن يقول من خلاله إنه أدى واجبه معتمدا سياسة رفع العتب، وها هو اليوم يعيد الكرة في جنيف 3 متكئا هذه المرة على المساعي الروسية المستمرة لتفتيت المعارضة، وبالتالي تحميلنا مسؤولية فشل الجهود السياسية الجديدة».
من جانب آخر، يرى مراقبون أن المرحلة الحالية ليست مرحلة حلول بل «إدارة أزمة»، وهو ما يمكن تبيانه من سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي سيبقى متمسكا بها حتى تسليم الرئاسة للرئيس المقبل. وهذا ما أشار إليه سيدا بقوله «الروس استغلوا الانكفاء الأميركي فدخلوا من البوابة السورية ليطرحوا أنفسهم قوة عظمى، بينما ظلت أوروبا غير قادرة على القيام بأي خطوة إلى الأمام بغياب الدعم الأميركي».
للعلم، تعتبر واشنطن أن مطالب المعارضة «المشروعة» لا يجب أن تكون سببا لتفويت «فرصة تاريخية» بالتوصل لحل سياسي للأزمة السورية. وهو ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر، أيضًا، قائلا «إنها بالفعل فرصة تاريخية لهم للذهاب إلى جنيف لاقتراح وسائل جدية وعملية لإرساء وقف لإطلاق النار وإجراءات أخرى لبناء الثقة». وأضاف: «ما زلنا نعتبر أنه يتعين عليهم اغتنامها من دون أي شروط مسبقة».
غير أن «الهيئة العليا للمفاوضات» تربط مشاركتها بأي محادثات جديدة بالتزام الأطراف المعنية بتنفيذ القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الذي ينص على إرسال مساعدات إلى المناطق المحاصرة ووقف قصف المدنيين. وتعتبر المعارضة أن هذه المواضيع حسمت في قرار مجلس الأمن ولا يجوز أن تكون موضع بحث على طاولة التفاوض، متهمة النظام بـ«المساومة على الموضوع الإنساني»، وتتمسك بضرورة البحث على طاولة التفاوض في العملية الانتقالية في سوريا.
وكانت المساعي السياسية لحل الأزمة السورية التي اندلعت في مارس (آذار) 2011 انطلقت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 حين أعلنت الجامعة العربية عن اتفاق مع النظام السوري على وقف العنف، الإفراج عن المعتقلين، سحب الجيش من المدن، وحرية حركة المراقبين العرب والصحافيين. لكن لم يجر احترام أي من البنود، وفي الأسابيع التالية علقت الجامعة العربية عضوية سوريا فيها، ثم فرضت عليها عقوبات غير مسبوقة. كذلك فرضت كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي منذ أبريل (نيسان) عقوبات على الحكومة السورية، جرى تشديدها لاحقا، واستهدفت تعاملات الحكومة التجارية والمالية وشخصيات في النظام.
وفي يناير (كانون الثاني) 2012، طرح وزراء الخارجية العرب مبادرة جديدة تنص على نقل سلطات الرئيس السوري بشار الأسد إلى نائبه فاروق الشرع. ثم في 24 من الشهر نفسه، أغلق النظام الباب في وجه أي حل عربي، وأكد تصميمه على قمع الاحتجاجات الشعبية ضده، في وقت كانت البلاد بدأت تسلك طريق الحرب. وعلى الأثر اختفى فاروق الشرع من المشهد السياسي.
وفي فبراير (شباط) 2012 عقد اللقاء الأول لما عُرف بـ«مجموعة أصدقاء سوريا» التي قاطعتها موسكو وبكين، وتضمنت عددا كبيرا من الدول. وتم تنظيم الكثير من الاجتماعات لممثلي الدول الداعمة للمعارضة السورية، ومنها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، في دول عدة. وطالبت المعارضة في كل هذه الاجتماعات بدعمها بالسلاح، الأمر الذي لم يحصل بشكل يمكنها من تحقيق ميزان عسكري على الأرض للدفع في اتجاه حل سياسي.
وفي 12 أبريل 2012 سرا وقف لإطلاق النار بموجب خطة لمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان، لكنه لم يصمد أكثر من ساعات. وما لبث أنان أن استقال من مهمته. وفي شهر يونيو (حزيران) من العام نفسه، اتفقت «مجموعة عمل» مؤلفة من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وتركيا ودول عربية على مبادئ مرحلة انتقالية بإطار ما يُعرف بمؤتمر «جنيف 1»، لكن الأطراف المعنية بالنزاع السوريين وغير السوريين اختلفوا على تفسير هذه المبادئ التي لم تلحظ بوضوح مصير الرئيس بشار الأسد الذي تطالب المعارضة برحيله. واعتبرت واشنطن أن الاتفاق يفسح المجال أمام مرحلة «ما بعد الأسد»، في حين أكدت موسكو وبكين أنه يعود إلى السوريين تقرير مصيرهم.
وأبرمت الولايات المتحدة وروسيا في سبتمبر (أيلول) 2013 اتفاقا حول إتلاف الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية. وجاء الاتفاق بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية في ريف دمشق نسب إلى النظام وتسبب بمقتل المئات. وتجنب النظام، بعد موافقته على الاتفاق، ضربة عسكرية أميركية على سوريا. وعلى الرغم من إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تخلص دمشق من أسلحتها الكيميائية، فإنها أكدت استخدام غاز الكلور في النزاع بشكل «منهجي».
وعُقد مؤتمر جنيف 2 الشهير في يناير 2014 بضغط من الولايات المتحدة الداعمة للمعارضة ومن روسيا الداعمة للنظام، وانتهى من دون نتيجة ملموسة.
وتلته جولة ثانية انتهت في فبراير من العام نفسه، وأعلن وسيط الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي الذي حل محل أنان آنذاك وصول النقاش إلى طريق مسدود. وفي 13 مايو (أيار)، استقال الإبراهيمي بدوره بعد أكثر من 20 شهرا من الجهود العقيمة.
وأعلن مجلس الأمن الدولي 17 في أغسطس (آب) 2015 دعمه بالإجماع مبادرة للتوصل إلى حل سياسي في سوريا. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وبعد مرور شهر على بدء الحملة الجوية الروسية في سوريا الداعمة للنظام، اجتمعت 17 دولة كبرى في فيينا، بينها روسيا والولايات المتحدة والسعودية وإيران وتركيا، لبحث الحل السياسي في سوريا بغياب ممثلين عن المعارضة أو النظام. واتفق المجتمعون على السعي إلى وضع اطر انتقال سياسي، فيما اختلفوا على مستقبل بشار الأسد.
وتوصلت الدول الكبرى في فيينا في نوفمبر الماضي إلى خريطة طريق تنص على تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات وعقد مباحثات بين الحكومة والمعارضة بحلول بداية يناير، من دون الاتفاق على مصير الأسد.
وفي ديسمبر الماضي، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع وللمرة الأولى منذ بدء النزاع السوري قرارا يحدد خارطة طريق تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة الشهر الحالي وينص على وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا، من دون أن يشير إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.