تقارير استخباراتية: عناصر إيرانية ومن حزب الله تستخدم «جوازات» لاتينية لدخول أميركا

وزير فنزويلي سابق أكد أن كراكاس وعواصم أخرى تتعامل مع شركات كوبية لإنتاج وثائق ثبوتية «غير مزورة»

مواطن فنزويلي يعد ورقات نقدية في العاصمة كراكاس الجمعة الماضي (رويترز)
مواطن فنزويلي يعد ورقات نقدية في العاصمة كراكاس الجمعة الماضي (رويترز)
TT

تقارير استخباراتية: عناصر إيرانية ومن حزب الله تستخدم «جوازات» لاتينية لدخول أميركا

مواطن فنزويلي يعد ورقات نقدية في العاصمة كراكاس الجمعة الماضي (رويترز)
مواطن فنزويلي يعد ورقات نقدية في العاصمة كراكاس الجمعة الماضي (رويترز)

أفادت تقارير صادرة من أجهزة أمنية واستخباراتية غربية أن عددا من المنتمين إلى جماعات إيرانية وأخرى تنتمي إلى حزب الله اللبناني مشتبه بارتباطها بالإرهاب، يقومون بالتنقل بحرية في الولايات المتحدة ودول أميركا الجنوبية، بواسطة جوازات سفر من دول لاتينية مثل فنزويلا والإكوادور بمساعدة «تقنية كوبية».
وحسب تلك التقارير فإن أجهزة المخابرات في كندا وبلغاريا رصدت في الآونة الأخيرة تحركات لمواطنين من أصول عربية، وخصوصا لبنانية تابعة لحزب الله، فضلا عن عناصر إيرانية يحملون جوازات سفر فنزويلية أصلية، ويتنقلون بها في عدد من الدول، خصوصا الولايات المتحدة وكندا ودول أميركا الجنوبية. وأكد هذا الاتجاه أنتوني داكين، وزير الداخلية الفنزويلي السابق والموجود حاليا في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن فنزويلا أصبحت مركزا لمنح جوازات السفر لجماعات إيرانية وأفراد من حزب الله، بهدف تسهيل تنقلاتهم بحرية إلى الولايات المتحدة. وكشف الوزير السابق لصحيفة «كلارين» الفنزويلية، أول من أمس، أن كاراكاس قامت بالتعاقد مع شركات كوبية لإنتاج جوازات السفر المميكنة والبيومترية. وكشفت تسريبات داكين عن حجم التجارة التي تقوم بها دولة صغيرة مثل كوبا بنقل تقنية إنتاج وعمل جوازات السفر المميكنة في أميركا اللاتينية، وأن هافانا لديها عقود مع دول أخرى مثل الأرجنتين والإكوادور، وهو ما يؤهلها للحصول على بيانات ما يقارب من ثمانين مليون مواطن. كما يضمن لها ذلك إصدار الوثائق الثبوتية دون التزوير وباستخدام بيانات أشخاص آخرين. وأشار داكين للصحيفة الفنزويلية إلى أن الشكوك حول استخدام مواطنين من دول كإيران لجوازات سفر فنزويلية بدأ منذ أكثر من 10 سنوات، «في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، عندما شرع بتقوية العلاقات بين حكومات إيران وسوريا وفنزويلا». وكان نجاد قام بزيارة في تلك الفترة إلى كراكاس. وتم القبض بعدها، في عام 2003، على إيراني كان يتحرك بجواز سفر فنزويلي، وتم توقيفه في مطار غاتويك البريطاني وبحوزته قنبلة يدوية، مما دفع إلى تشديد إجراءات السفر بعدها، خصوصا أن الحادث كان بعد عامين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2011.
وقال داكين في تصريحاته أول من أمس إن مجموعات إرهابية مثل حزب الله كانت تتحرك بجوازات سفر فنزويلية دون مشكلات حول العالم، إلا أن ناقوس الخطر بدأ يدق في دول المنطقة، وتحديدا عام 2008 عندما استطاع مدير الهجرة في دولة كوستاريكا، ماريو سامورا، اكتشاف تنقل أعداد كبيرة لمواطنين من أصل عربي يحملون جوازات سفر فنزويلية، ينتقلون من بلاده إلى دول أخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهو ما دعاه وقتها لإبلاغ واشنطن، وبالفعل تأكدت المعلومات عندما ذكرت ذلك تسريبات وثائق «ويكيليكس» أن واشنطن اشتكت للحكومة الفنزويلية من تدفق مواطنين من أصل عربي يحملون جوازات سفر صادرة من كراكاس.
وفي عام 2012 صدر تقرير من وكالة خدمات الحدود الكندية يفيد بأن السلطات في كندا رصدت حركة سفر بين عامي 2009 و2011 لمواطنين من أصل إيراني يدخلون البلاد، وذكر أن مطار «مايكيتية» في العاصمة الفنزويلية من أكثر المطارات التي أرسلت مواطنين من أصل إيراني بجوازات سفر فنزويلية أصلية أو مزورة. ونتيجة لهذا التقرير قام «مركز المجتمعات الحرة والآمنة»، (SFS)، وهو مركز يختص بدراسات شؤون الأمن والدفاع في واشنطن، بتقييم خطر إيران وفنزويلا وكوبا بشأن تحركات مواطنيها، وقام بإعداد التقرير كل من فيكتوريا هندرسون وفيرناندو مينديس وجوزيف حميري، وخلص التقرير إلى أن الحكومة الفنزويلية قد قامت بالفعل بإصدار جوازات سفر وتأشيرات ووثائق لمتطرفين متشددين يبحثون عن الدخول إلى الولايات المتحدة. وكشف أيضًا عن تعاون إيراني - كوبي - فنزويلي، وأن هناك دلائل ومعلومات عن أن مواطنين من إيران ولبنان، خصوصا التابعين لحزب الله، قد حصلوا على جوازات سفر فنزويلية للتنقل بها ودخول بلدان أخرى.
وقال جوزيف حميري، رئيس فريق إعداد التقرير، إن طارق العيسمي، وزير الداخلية الفنزويلي ذا الأصول السورية، قد كون جسرا لعبور كثير من الشرق أوسطيين بجوازات سفر فنزويلية، وإنه خلق شبكة لغسل الأموال لجماعات تابعة لإيران وحزب الله، وتجاوزت الشبكات لتعبر إلى دول مثل العراق وسوريا ولبنان، وإن الفريق استند إلى وثائق وزيارات إلى الدول التي وقعت فيها هذه العمليات.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.