«الجهاد الإسلامي» الفلسطينية.. السير وسط ألغام التناحرات الإقليمية

حاولت الحفاظ على مسافة واحدة من المختلفين لكن إيران وضعتها على المحك فخسرت الدعم المالي

شبان فلسطينيون يخضعون لدورة تدريبية في معسكر من تنظيم جماعة «الجهاد الإسلامي» في غزة (غيتي)
شبان فلسطينيون يخضعون لدورة تدريبية في معسكر من تنظيم جماعة «الجهاد الإسلامي» في غزة (غيتي)
TT

«الجهاد الإسلامي» الفلسطينية.. السير وسط ألغام التناحرات الإقليمية

شبان فلسطينيون يخضعون لدورة تدريبية في معسكر من تنظيم جماعة «الجهاد الإسلامي» في غزة (غيتي)
شبان فلسطينيون يخضعون لدورة تدريبية في معسكر من تنظيم جماعة «الجهاد الإسلامي» في غزة (غيتي)

بعد نحو 30 سنة على نشأة حركة «الجهاد الإسلامي» التي تعد واحدة من أبرز وأكبر 3 فصائل فلسطينية بعد حركتي فتح وحماس، تجد الحركة التي تستقطب الآلاف من الفلسطينيين ولديها جناح عسكري كبير، نفسها، في وسط أزمة مالية صعبة وخانقة وبلا مصادر تمويل بديلة أو حتى حلول في الآفاق. إذ لم تعتد الحركة خلال العقود الثلاثة الماضية على توقف أنبوب التمويل الذي كان يمتد من إيران إلى قطاع غزة، ما وضعها في موقف صعب أمام موظفيها وعناصرهم الذين لم يتلقوا سوى راتب شهر واحد من بين 6 شهور مستحقة، وهو ما يثير كثيرا من التساؤلات حول مستقبل الحركة في ظل المتغيرات الإقليمية الحالية التي باتت تخنق الحركات الفلسطينية التي لم تعط موقفا منحازا.

ربما كان اعتماد حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية على إيران فقط - أو أكثر من غيرها - بخلاف حركة حماس، أحد الأخطاء الذي تدفع الحركة ثمنه اليوم. إلا أن مصطفى إبراهيم، المحلّل السياسي والخبير في شؤون الحركات الفلسطينية والإسلامية، برّر هذه الاعتماد على إيران، بقوله: «هذه مشكلة الفلسطينيين عامة، ومن الصعب الحكم حول إن كانت الحركة أخطأت أم لا، فالثورة الفلسطينية في السابق وحتى الآن في موضوع تمويلها تقبع تحت ظل الواقع المعقّد إقليميًا وتخضع لحسابات التحالفات التي ترتبط بها. ولذا لم يكن هناك سبيل لـ(الجهاد) أو غيرها سوى إيران وسوريا اللتين قدمتا دعمًا سياسيًا. قضية الدعم كانت وما زالت معضلة تاريخية عانت منها الثورة سابقًا واليوم تعاني من الفصائل الإسلامية لأن مصادر التمويل شحيحة و(الجهاد) اضطرت للاعتماد على إيران إضافة إلى وجود رؤى سياسية مشتركة».
«الرؤى المشتركة»، التي يتحدث عنها إبراهيم، كانت حتى تفجّر الخلاف الشيعي - السنّي بشكل واضح لا يمكن تجاهله كما حدث في الأزمة السورية، حين وقفت فيها «الجهاد» بوضوح إلى جانب نظامي سوريا وإيران. ولكن مع بداية حرب التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين تغير كل شيء. فهنا لم تستطع «الجهاد» الخروج عن القاعدة السنّية التي تنتمي لها، فقطعت إيران التمويل مباشرة عن الحركة بعد رفضها إعلان موقف سياسي مناصر للحوثيين في اليمن أو مندّد بالتحالف، وتفاقم الأمر بعد رفض الحركة اتخاذ أي موقف بشأن الأزمة الإيرانية - السعودية الأخيرة.
مصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الإيرانيين بعد موقفي كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة حماس، اللذين أيدا «الشرعية» في اليمن، كانوا يتطلعون إلى موقف فلسطيني مناهض لحملة «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين، وطلبوا من «الجهاد» تصدير موقف بذلك مشابه لموقف حزب الله اللبناني، لكن «الجهاد» رفضت. ثم ازداد الطين بلة مع خروج مسؤول من «الجهاد» ونفيه ما نشرته وسائل إعلام إيرانية عن أن الحركة تؤيد الحوثيين، مؤكدا بشدة عدم التدخل في شؤون أي بلد عربي. إذ فاجأ موقف قيادة «الجهاد» هذا الإيرانيين الذين كانوا يعتقدون أنه يمكن للحركة أن تقف إلى جانبها في كل شيء، على غرار الموقف الذي اتخذته الحركة من الأزمة السورية.
كما سبقت الإشارة، اتخذت حركة «الجهاد الإسلامي»، بخلاف حماس، موقفًا مساندًا لنظام بشار الأسد ورفضت مهاجمته أو إعلان تأييدها للثورة السورية، كما فعلت حماس. ويذكر أنه بعد رفض «الجهاد» تأييد إيران في خلافاتها مع السعودية واليمن اتخذت حماس موقفًا مماثلاً خلال الأيام الأخيرة. فلقد حسمت حركة حماس موقفها نهائيًا من عرض إيراني على الحركة تضمّن تطبيع العلاقات ودعمًا ماليًا مقابل دعم الحركة للموقف الإيراني في مواجهة المملكة العربية السعودية، وقررت رفضه. وقالت مصادر في حماس لـ«الشرق الأوسط» إن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة «هو الذي رفض العرض الإيراني، وهو يرفض كذلك التقرب من إيران في ظل الظروف الحالية خشية أن يفسّر أي تقارب كأنه دعم لإيران في أزمتها ضد السعودية أو في ملفات أخرى في سوريا وغيرها».
على أي حال، رفضت حماس القيام بأي دعم علني لإيران على الرغم من الأزمة المالية الكبيرة التي تمر بها الحركة، والتي وصلت إلى حد فرض اقتطاعات كبيرة على رواتب موظفيها وعناصرها في قطاع غزة. لكن أزمة حماس تظل مختلفة عن أزمة «الجهاد الإسلامي»، إذ تحصل حماس على دعم مختلف من عدة مصدر منها قطر وتركيا، وكذلك من مؤسسات إسلامية كبيرة محسوبة على الإخوان المسلمين أو السنة.
أما على صعيد علاقة حماس بـ«الجهاد» فإنها الآن علاقة جيدة إلى حد كبير، وإن كانت مرّت بكثير من المد والجزر وتخللها خلافات، بل وحتى اشتباكات مسلحة؛ إذ تحاول الحركتان، اللتان تعتبران من أبرز معارضي السلطة الفلسطينية، الحفاظ على مستوى تنسيق عالٍ ووحدة موقف داخلي، على الأقل، بعدما لم تتوحد مواقفهم من الخارج. وفشلت محاولة جدية للاندماج بين الحركتين في 2009 بعد مشاورات طويلة.
للعلم، كانت الحركتان قد ناقشتا بجدية مسألة توحيد مؤسسات الحركتين، وتشكيل هيئة قيادية موحدة مختصة في الشأن السياسي لتوحيد مواقف الحركتين، يتبعها انضمام عناصر «الجهاد» إلى الوزارات المدنية التي تديرها حماس، وتفريغ مسلحيها إذا شاءوا في الأجهزة الأمنية، لكن تباعد الرؤى حال دون الاتفاقات. ويومذاك، لم تتأثر «الجهاد» كثيرًا بذلك، خصوصًا، أن الدعم المالي الإيراني كان متواصلاً على الحركتين.
ولكن «الجهاد» اليوم تعيش أزمة حقيقية من دون دعم إيراني ومن دون اندماج مع حماس ومن دون أن تكون محسوبة أو قريبة على السلطة الفلسطينية، ومن دون علاقات قوية مع قطر وتركيا (أي مصادر التمويل المتعددة التي تدفع اليوم للفصائل الفلسطينية). ويثير هذا الواقع تساؤلات كثيرة حول مستقبل الحركة، وإذا ما كانت مهدّدة مع توسّع الخلافات الإقليمية.
إبراهيم يقول إنه لا يتوقع قطيعة طويلة من إيران للحركات السنّية في فلسطين، مضيفا «هناك تحالف ودعم كبير من إيران، وهي لم تغيّر من سياساتها تجاه الحركات السنية في فلسطين، لذا من الصعب الحديث عن أن (الجهاد) ستذوب أو تتأثر في ظل المتغيرات الإقليمية الأزمة المالية الحادة». وتابع «الجهاد الإسلامي تنظيم لديه حضوره واتصالاته، وكما قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت: إيران لن تتخلى عن منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا حزب الله وفي غزة حماس والجهاد». ويرى إبراهيم «أن لإيران مصالح مع الحركات السنية في فلسطين».
إيران في الحقيقة بحثت طويلاً عن موطئ قدم في فلسطين، ويتضح اليوم أنها كانت تريد فصائل تابعة لها في المواقف السياسية. وتشير متابعات «الشرق الأوسط» فعلاً إلى أن القيادة في طهران فعلا لا تنوي التخلي عن الساحة الفلسطينية، على الرغم من وقف تمويلها لـ«الجهاد» وحماس. كما تقول مصادر فلسطينية مطلعة إن إيران ما زالت تموّل جماعات فلسطينية صغيرة في قطاع غزة والضفة، إما بشكل مباشر وإما عبر تنظيم حزب الله. وأكدت المصادر أن إيران ساعدت على تأسيس حركة «الصابرين» في قطاع غزة التي يعتقد على نطاق واسع أنها تنظيم متشيِّع. ويمكن القول إن الحركة الجديدة - أي «الصابرين» - نجحت في استقطاب عناصر مختلفة وأغدقت الأموال على محتاجيها وشكّلت جناحًا عسكريًا خلال وقت قصير بنتيجة الدعم المالي الإيراني.
الواقع أن حركة «الصابرين»، التي أسّسها أحد عناصر «الجهاد» سابقًا، كانت من أسباب الخلاف بين إيران و«الجهاد»، ولا سيما عندما بدأت سلطات طهران تخفّض الدعم عن «الجهاد» وتزيده للحركة الجديدة. ولا يبدو راهنًا في الأفق أي حل للأزمة التي تمر بها «الجهاد»، بل ويتوقع أن تتفاقم لدى حماس، وحالها حال منظمة التحرير الفلسطينية إبان حرب الخليج حين فقدت كثيرا من الدعم المالي لها، وحال السلطة الفلسطينية التي تتأزم ماليًا كذلك مع تراجع الدعم الخارجي.
ويقول مسؤولون فلسطينيون إنه ليس أمام الكل الفلسطيني إلا أن يتوحّد للوصول إلى دولة فلسطينية تكون مظلة الجميع.. وإلا فإن التشتت بشقيه الإنساني والمالي سيستمر إلى ما لانهاية ويهدد استمرار أو قوة الفلسطينيين فصائل منفردة وسلطة وشعبا.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».