الهوية «الجهادية» للنظام الإيراني

من البيعة إلى تصدير الثورة

اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية  الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
TT

الهوية «الجهادية» للنظام الإيراني

اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية  الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)

لن تصح قراءة النظام الإيراني، خطابا وممارسة، دون استحضار هويته الحاكمة كـ«نظام ثوري إسلامي»، يتماهى ويلهم الجماعات المتطرفة والاحتجاجية الدينية ويلتقي معها، ويحركها كما تحركه مفاهيم الخلافة والإمامة واستعادتها، كما تحفزه شعارات المقاومة العالمية ومبادئ الولاء والبراء، ومنطق الصحة والأحادية والرسالية، وممارسات التوسع وتصدير الثورة والدعوة وما شابه. وهذا الخطاب «الأصولي» والممارسة المتطرفة قد «تلطفهما» قليلا مساحيق الدبلوماسية والالتزام بالاتفاقات.
فضلا عن خطأ بعض المراقبين والخبراء الغربيين عن حصرهم مفهوم «الجهاد» في الطائفة السنية فقط! أو «الأصولية» في إطارها، يكشف ويجيب استجلاء الهوية «الجهادية» والآيديولوجية لنظام الولي الفقيه عن عدد كبير من الأسئلة. أهم هذه الأسئلة احتفاظه المستمر بعلاقات وطيدة مع كل الحركات «الأصولية» في المنطقة، وتأييدها له في كثير من ممارساته، التي كان آخرها الخلاف السعودي الإيراني بعد اقتحام السفارة وإعدام نمر النمر. هنا لاحظنا انحراف بعض الجماعات «السنية»، منها جماعات في لبنان مؤيدة للموقف الإيراني، وكذلك «حركة الصابرين» المنشقة عن حركة «الجهاد الإسلامي» في فلسطين.
تكشف سيرة وخطاب مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني عن إعجابه الشديد وتقديره لعلماء السنة الأتراك الذين واجهوا ثورة مصطفى كمال أتاتورك، وتأثره بكتابات الإسلام السياسي الباكرة عند حسن البنا وسيد قطب. كما تكشف ممارسات البيعة ورسالية تصدير الثورة عن نفس الهم «الأصولي الجهادي»، ويفسر ذلك العلاقات الجيدة التي احتفظت بها إيران مع مختلف «الإسلاميين» من «إسلام سياسي» حتى «القاعدة»، ودعمها ورعايتها لإنشاء أحزاب وأنصار الله وفروع جماعتها حيث وجدت موطئ قدم.
في أيامنا هذه، وعلى الساحات التواصلية، صار السباب الداعشي لعناصر «القاعدة» أنهم «أبناء إيران»، كما قال «أبو محمد العدناني» في خطاب مفاصلته لـ«القاعدة» و«أميرها» أيمن الظواهري «عذرا أمير القاعدة»، الذي بث في 12 مايو (أيار) 2014، وفيه التزام «داعش» بعدم استهداف إيران تبع أوامره، لكن التنظيم لم يلتزم أوامره في عدم استهداف عوام الشيعة: «لو كنا مبايعين لك لامتثلنا أمرك حتى لو كنا نخالفك الحكم عليهم. هكذا تعلمنا في السمع والطاعة. ولو كنت أمير الدولة لألزمتها بك ولعزلت من خالفك، بينما التزمنا طلبكم بعدم استهدافهم في إيران وغيرها». وهكذا يكتب كتاب «داعش» ضد منظّري «القاعدة» وأمثالها هذا التصريح لا التلويح.. بأنهم أبناء إيران.
إن الهوية «الأصولية» السياسية والمتطرفة التي تؤمن بالأمة قبل الدولة والمجتمع، وبالصراع مع العالم انتصارا وانتشارا، تمثل الأساس الفاعل في أداء ورؤية النظام الإيراني، ومشاكله في المنطقة والعالم، وإن أصابها تشوّش فهو ناتج عن كونها الحركة «الأصولية» الأولى والرائدة التي نجحت في تأسيس دولة قبل بها العالم، عكس دولة «داعش» وإمامها التي تتماهى معها في كثير من المفاهيم والأداء والنظم.
اكتشاف الهوية والمنطق الكامن في السلوك الإيراني يفض التشوّش الحادث من مراوغات الخطاب لدى الكثيرين، حين نجد شجبا إيرانيا للإرهاب، الذي تصم به كل من يواجه بقوة مشروعها، وإن كان معارضة معتدلة تواجه الأسد، بينما ترسل هي حتى تاريخه ما يقرب من مائتي ألف مقاتل طائفي لدعم بقايا نظامه، من ميليشيات ترفع ألوية كحزب الله و«فاطميين» و«الهزارة» وغيرها. كذلك فإنها تصف أي تدخل بالعدوان، ما دام لا يوافق هواها، كما كان الموقف من التحالف الدولي ضد «داعش» أو التحالف العربي ضد الانقلاب الحوثي، بينما تبرّر لتدخلها وتفاخر به ويذكره حلفاؤها، ففي يناير (كانون الثاني) الحالي صرح بشار الأسد بأنه لولا الدور الإيراني ما ظل صامدا! أو التدخل الروسي الذي تم بالتنسيق معها، أو تدخلها هي الممتد في العراق عسكريا وسياسيا.
إنها حركة «أصولية» بسمات وهوية دولة على مستوى الخارج، كما تعطي لداخلها سمات الدولة والانتخابات ولكن وفق ثوابتها كآيديولوجيا وكجماعة شمولية صلبة لا تقبل التغيير أو الاعتراض.
وسنحاول توضيح أبرز ملامح هذه الهوية «الأصولية» والمتطرفة، في ما يلي:
أولا - أساس البيعة وإمامة الولي الفقيه:
«إن البيعة مع الثورة والإمام الخميني هي بيعة مع النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم».. هكذا جاء تصريح مرشد الثورة الإيرانية وإمامها آية الله خامنئي أثناء استقباله للآلاف من سكان مدينة قم في التاسع من يناير الحالي، حسبما جاء في وكالة «إيرنا» الوكالة الرسمية الإيرانية. جاء حديث البيعة الخامنئية - التي يشبّهها ببيعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) - أثناء دعوته للمشاركة في الانتخابات التشريعية - مجلس الشورى - التي تتزامن أيضا مع انتخابات مجلس الخبراء مطلع فبراير (شباط) المقبل، والتي استبعد منها 2970 مرشحا إصلاحيا من قبل مجلس الخبراء، لا لذنب أو تهمة غير مخالفتهم للدستور بمعارضتهم للولي الفقيه ونظامه.
إن البيعة للولي الفقيه، ذات الدلالة الدينية، حسب الخميني هي معيار أي عمل سياسي، بل تمثل هوية هذا النظام وأساسه الدستوري المتين، الذي لا يجوز الاعتراض عليه أو التعقيب على أحكامه ورؤاه، من هنا أزيح آية الله منتظري عن خلافة الخميني وعن مناصبه بعد اعتراضاته على إعدامات عامي 1988 و1989 أو مأساة الإصلاحيين في «الحركة الخضراء» عام 2009 لمجرد مطالبتهم بإعادة النظر في سلطات الولي الفقيه وصلاحياته رغم إيمانهم به وتبعيتهم له، ولا يزال مير حسين موسوي ومهدي كروبي رهن الإقامة الجبرية حتى تاريخه!
هكذا تدير البيعة المشهد السياسي الإيراني الداخلي - كما الخارجي - ففي حديثه المذكور يوم 9 يناير دعا خامنئي الجماهير المنصتة المستسلمة له لعدم التصويت إلا لمن يؤمن بالبيعة للثورة والولي الفقيه، قائلا لهم: «علینا أن ننتخب بشكل صحیح، وإذا كان هناك من یقدم قائمة انتخابیة تضم مرشحین متدینین ومؤمنین وثوریین ویسیرون علی نهج الإمام الخمیني (رهـ) فعلینا أن نثق بما یقولون ونصوت لهم، وإذا رأینا أنهم لا یهتمون كثيرا بقضایا الثورة والدین واستقلال البلاد، ویتابعون ما تقوله أمیرکا وغیر أمیرکا، فلا ینبغی أن نثق بما یقولونه».
ثانيا - خلافة شبه معصومة:
البيعة هنا كما المرشد ليست مجرد مترادفات تعبيرية في قاموس الثورة الإيرانية وغيرها من الحركات الاحتجاجية الإسلامية، بل مفاهيم شغالة ومتطابقة تماما، سنيها وشيعيها على السواء، وتمثل ركيزة التنظيم وبنيته الحاكمة، التي لا يجوز الاعتراض عليها أو مخالفتها سواء كان الشأن خارجيا أو داخليا على السواء، كما أن الثورة والتوسع و«الجهاد» من أجل ذلك، وفق منطلقات عقدية، تمثل قاسما مشتركا جامعا بين النظام الحاكم في إيران وبين مختلف هذه الجماعات.
وتبدو صفات الولي الفقيه وصلاحياته صفات وصلاحيات خليفة أو نبي، فحسب المادة الخامسة من الدستور الإيراني هو «أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة»، وهو من يدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107)، وتتوسع صلاحياته لأوسع من صلاحيات الشاه أو أي ملك كما لاحظ الإصلاحيون عام 2009، فتشمل مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة، وإعلان الحرب، والتعيين والعزل من المناصب الآتية:
1) نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدد أعضائه 12 عضوا.
2) رئيس السلطة القضائية.
3) رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
4) القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري الذي يتبعه رسميا.
5) القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن.
وفرض الخميني وخليفته خامنئي مع هذه الصلاحيات الواسعة هيمنته على مجلس الشورى وعلى رئاسة الجمهورية، فأقال أبو الحسن بني صدر رئيس الجمهورية الأول عام 1981 عندما تمرد على تعليماته، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس (المرشد الحالي) علي خامنئي عام 1988 عندما اعترض على بعض ممارساته حين أجاز قانون العمل بعد أن عارضه مجلس صيانة الدستور.
ثالثا - تصدير الثورة الإسلامية:
سأل صحافي لبناني الخميني في 13 ديسمبر (كانون الأول) 1978، قبل الثورة بقليل: ألا تعتقدون أن دائرة الأحداث الإيرانية ستمتدّ إلى تركيا أيضا؟ فأجابه الخميني قائلا: «النهضة الإيرانية المقدسة نهضة إسلامية، لذا من الطبيعي أن يتفاعل معها جميع مسلمي العالم». ويقول في الذكرى الأولى للثورة الإسلامية في 11 فبراير 1980: «إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم، لأنها ثورة إسلامية، فما دامت صرخة (الشهادتين) لا تدوي في أنحاء المعمورة فالصراع موجود، وحيث وجد الصراع ضد المستكبرين في أي نقطة في العالم فنحن موجودون» (من كتاب تصدير الثورة كما يراه الخميني - مؤسسة تنظيم ونشر تراث الخميني الدولية.. من دون تاريخ). إن هذا النزوع الرسالي للصراع والسيادة خارج حدود الأوطان عبر مبدأ تصدير الثورة وعبر الصراع مع المستكبرين والشيطان الأكبر تتطابق فيه هوية النظام الإيراني مع الجماعات الأصولية تماما، ويفسر التدخلات الإيرانية المنحازة دائما لحلفائها في كل مكان، حتى هتف هاتفها في 22 سبتمبر (أيلول) سنة 2014 عقب سقوط صنعاء في يد الحوثيين بأنها غدت تسيطر على أربع عواصم عربية. من هنا تكررت عبارة «الشيطان الأكبر» في عشرة مجلدات هي مجموع ما كتب إمام الثورة الإيرانية ومرشدها آية الخميني 30 ألف مرة، وتكررت عبارة «لا شرقية ولا غربية» 20 ألف مرة، وتعبير دم الشهداء 50 ألف مرة! ونجد التقارب الأميركي الإيراني، ونجد الدماء و«الشهداء» يسقطون على مذبح تصدير الثورة والتوسع والتمدّد الإيراني.. الذي يستتبع بعض فقهائه سوريا حماية للأسد كمحافظة إيرانية جديدة، أو يدين بالولاء لدولتها حزب سياسي لا يرى اعتبارا أو التزاما بسياسة تفرضها دولته في لبنان!
إنها هوية «أصولية» معاصرة، تلاقى مع إيران كثير من ممثليها، أو هوية دولة ما قبل حديثة لا ترى الحدود سيادة أو التدخل والتوسع حرمة. من هنا اختلط الحديث عن الانتخابات المقبلة ببيعة الولي الفقيه، والعكس.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.