حزب الله يقسم اللبنانيين

تفاوت في مستوى الثقة بين حواضنه الشعبية في البقاع والجنوب والضاحية

قوات عسكرية تابعة لحزب الله خلال عرض عسكري في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
قوات عسكرية تابعة لحزب الله خلال عرض عسكري في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

حزب الله يقسم اللبنانيين

قوات عسكرية تابعة لحزب الله خلال عرض عسكري في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
قوات عسكرية تابعة لحزب الله خلال عرض عسكري في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

منح التدخل العسكري الروسي فرصة جديدة لرئيس النظام السوري ليستعيد أنفاسه ويحرز تقدما ملحوظا في مناطق كثيرة في سوريا بمساندة حزب الله اللبناني الذي يلعب دورًا أساسيًا في الحرب الدائرة هناك.
كيف تنظر قاعدة حزب الله الشعبية في لبنان إلى أداء حزبها، في حين أن عدد الإصابات في صفوف المقاتلين يزداد يوما بعد يوم مسجلا حتى تاريخه 1300 إصابة؟ وما الدوافع التي تحث الشباب اللبناني إلى الانضمام إلى صفوف مجاهدي حزب الله؟
هذان السؤالان حملتهما «الشرق الأوسط» لطرحهما مع عدد من القضايا الأخرى ذات الصلة مع عدد من المواطنين اللبنانيين من «بيئة» حزب الله في مناطق البقاع وبيروت.

يعتبر «أبو علي كربل» - وهو اسم مستعار اختاره مقاتل شاب في حزب الله الشيعي اللبناني - أنه انضم إلى الحزب «بهدف الجهاد في سوريا»، وهو يؤمن بـ«أن الجهاد واجب على كل مسلم، إذ يسمح بكسب أجر في الآخرة».
«أبو علي» هو شاب من بين كثير من أمثاله الذين اختاروا القتال ضمن ميليشيا في سوريا دعمًا لنظام بشار الأسد، غير أنه يختلف عن «رفاق السلاح» من ناحية أنه لم يكن قد تخطى 16 سنة حين التحق بصفوف الحزب.
وخلال حوار له مع «الشرق الأوسط» قال لنا: «منذ صغري وأنا متديّن، أحضر المجالس الدينية. ولطالما راودني شعور بأني مستعد للموت والشهادة. وعندما اندلعت الحرب في سوريا، كان واضحًا جدًا بالنسبة إلي أن هذه الحرب هي مواجهة بين الخير والشر. لقد هاجم التكفيريون مقدّساتنا في سوريا، كمقام السيدة زينب، ولا يمكننا أن ندع ذلك يحدث». وشرح «أبو علي» أنه أجرى ثلاث دورات: الأولى دينية، والثانية والثالثة للتدرب على استخدام الأسلحة وأساليب القتال في سوريا.
إلا أن المقرّبين من «أبو علي» لديهم وجهات نظر متباينة بشأن مشاركة الشباب اللبناني الشيعي في القتال في سوريا. وفي هذا السياق تقول «منال»، وهي مدرِّسة من منطقة بعلبك (بشمال شرقي لبنان): «أنا أؤيد عمل حزب الله عبر المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان. نعم، لقد استطاع الحزب تأمين الحدود اللبنانية. لكن تأثير الحرب على اللبنانيين، وخصوصًا الشيعة أصبح سلبيًا، وما زلنا نتذكر التضحيات الكثيرة خلال الصراع إلى جانب الفلسطينيين، والآن إلى جانب السوريين. التكلفة أصبحت مرتفعة جدًا».
ويؤيد «وليد» رأي «منال»، ويعترف «وليد» وهو رب عائلة يناهز الثلاثين من العمر بأن جهود حزب الله أسهمت في إعادة الأمن إلى منطقة البقاع (حيث مدينة بعلبك)، إذ «انتهت سلسلة الانفجارات، وفقد المتطرّفون القدرة على استهدافنا كما توقّف القصف على منطقة البقاع، الذي كنا قد تعوّدنا عليه في العامين الماضيين. كان حزب الله على حق في نشر مقاتليه على طول الحدود. لكنني، في المقابل، لا أرى لماذا يتوجب على شبابنا، وثمة المئات منهم يتحدّرون من البقاع، حيث تكبّدت كل قرية شهيدًا أو شهيدين، أن يذهبوا إلى الداخل السوري للموت من أجل حماية الرئيس بشار الأسد».
على الرغم من المواقف المشابهة لآراء «منال» و«وليد»، يعتبر غالبية أنصار حزب الله كـ«أبو رغيد» أنه لم يكن أمام الحزب أي خيار آخر سوى الانخراط في الحرب. وهنا يعتبر «أبو رغيد» الذي يسكن في إحدى مناطق سهل البقاع ويدرس في إحدى الجامعات في العاصمة اللبنانية بيروت، أن «الحزب واجهة مسألة حياة أو موت» نافيًا «أن يكون تورّطه في سوريا أدى إلى تفاقم التوترات في لبنان، ذلك أن الانقسامات موجودة وعميقة أصلاً». ويستطرد «على العكس، فإن حزب الله بات أقوى منذ الحرب السورية وهو سيحكم لبنان قريبًا، بعد إعادة توزيع السلطة بين الشيعة والسنة والمسيحيين»، على حد قوله.
«أبو رغيد»، كما هو واضح من كلامه، يؤيّد «حزب الله» بشكل مطلق ومن دون تحفّظ. هذا التأييد ملموس بصفة غالبة بين الشيعة المتحدّرين من الجنوب اللبناني الذين يقطنون في الضاحية الجنوبية. فهم يعبِّرون بكل اعتزاز عن الشعور بالأمان الذي يحصلون عليه من حزب الله، سواء إزاء «الطموحات الإسرائيلية» أو تجاوزات الحركات المتطرّفة - التي ترفع لواء الإسلام السنّي - مثل تنظيم داعش الذي يقولون عنه إن فظائعه لا تنفك تتزايد. وحقًا، خلال الأسبوع الماضي وحده عمد مسلحو «داعش» تصفية عشرات الأشخاص واختطف في مدينة دير الزور 400 مدني على الأقل من المسلمين السنّة، من بينهم نساء وأطفال وأعضاء بحجة أنهم موالون للنظام، ونفذت إعدامات جماعية بحق العشرات منهم، وفقا للمعلومات التي جمعها «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وتأكيدا على ما تقدّم، يصرِّح «عماد»، وهو أيضًا يتحدّر من الجنوب اللبناني ويعمل حلاقًا في بيروت أن الثورة السورية بدأت سلميِّة، غير أن المتطرفين مثل «داعش» و«جبهة النصرة» (المرتبطة بتنظيم «القاعدة») باتوا اليوم هم الذين يهيمنون على المشهد السوري. لقد أثبت حزب الله أنه كان أفضل ضمانة ضد هذا الخطر المحدق. واليوم، بعدما أصبحت الحرب دينية أعتبر، كمواطن لبناني شيعي، أن حزب الله هو الذي سوف يحميني.
وفي الاتجاه نفسه، تتكلّم «رنا»، وهي أخصائية تجميل أيضا من جنوب لبنان وتعيش في الضاحية الجنوبية لبيروت، فتقول إن شعورها بالأمان «نابع من قدرة حزب الله القتالية ضد إسرائيل». وتضيف أنها من قرية على الحدود الإسرائيلية «وفي عام 2006، حزب الله هو الذي حماها، ولم تتمكن إسرائيل من احتلال الجنوب. وحزب الله أيضًا هو الذي وضع حدًا لسلسلة التفجيرات والسيارات المفخّخة التي كان وراءها التكفيريون» مشددة أن «ثقتي بالحزب كبيرة».
مع هذا، وعلى الرغم مما يعتبره جمهوره المذهبي «إنجازات أمنية»، لم يعد الحزب بمنأى على الانتقادات. ذلك أن عددًا من الأشخاص التقت بهم «الشرق الأوسط» وحاورتهم ميّزوا بين الأداء الحزب السياسي وأدائه العسكري.
واللافت أن بعض سكان منطقة البقاع - وأحد هؤلاء «وليد» - يتهمون أعضاء الحزب بالفساد، معتبرين أن «كثيرا من أعضاء حزب الله جمعوا المال على حساب نفقات الحزب في سوريا، لا سيما أولئك الذين يتولون تغذية المولدات الكهربائية في مناطق القتال».
أيضًا، يشكو البعض الآخر مثل «منال» من الوضع الاقتصادي، إذ تقول شاكية: «الحزب لم يقدم شيئًا لأهل البقاع، والوضع يزداد سوءًا، كما أن نواب الحزب في البرلمان نادرًا ما يلتفتون إلى هذه المناطق، وكالعادة سوف يدفع السكان هنا ثمن التوترات الطائفية»، حسب رأيها.
وتتردد أصداء هذه التعليقات في أوساط ضمن القاعدة الشعبية للحزب في العاصمة بيروت، حيث يقول «عماد» إنه على الرغم من دعمه لحزب الله، فإنه لا يمكن أن يبقى غير مبال بمواقف نواب وأعضاء الحزب المتشددة التي تؤثر سلبًا على العلاقات مع دول أخرى، لا سيما، العربية منها. مضيفًا «ثقتي بالسيد حسن (نصر الله، أمين عام الحزب) ثقة عمياء، غير أن نواب الحزب لا يظهرون أي مرونة سياسية». ويكمل قائلاً: «نبيه برّي (رئيس البرلمان اللبناني) هو أكثر ذكاء، لأنه يستوعب الاحتقانات، ونحن بحاجة إلى هذا النوع من النهج في لبنان. بعد كل شيء نحن عرب». وبالتالي، كما يرى «لا يمكن أن نعادي جميع البلدان الأخرى، ونحصر تحالفنا بإيران فحسب».
*(جميع الأسماء الواردة في هذه المقالة أسماء مستعارة حفاظًا على مصلحة الأشخاص المعنيين)



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.