وثائق ليبية: «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» يخططون للاندماج في «مجلس شورى» موحد

قادة للمتطرفين في طرابلس وبنغازي يدعمون عمليات تخريبية عابرة للحدود

عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
TT

وثائق ليبية: «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» يخططون للاندماج في «مجلس شورى» موحد

عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)

تبحث تنظيمات داعش والقاعدة والإخوان في ليبيا الاندماج في «مجلس شورى» موحد، في أول رد لاحتواء بوادر خلافات داخلية ظهرت بين عدد من قادة هذه التنظيمات، في الشهرين الأخيرين، بسبب عمليات استقطاب، على ما يبدو، تقوم بها عدة أجهزة استخباراتية لبعض الجماعات المتشددة في هذه الدولة التي تعمها الفوضى منذ سقوط نظام القذافي في 2011.
وتكشف وثائق سرية اطلعت «الشرق الأوسط» على جانب منها داخل ليبيا، عن أن قادة كبارا في التنظيمات الثلاثة أصيبوا بحالة من الارتباك عقب توقيع اتفاق حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، في الصخيرات برعاية الأمم المتحدة، منتصف الشهر الماضي. وسأل قيادي في الجماعة المقاتلة، زعيما إخوانيا مؤيدا للحكومة المقترحة: يا دكتور أريد أن أفهم بوضوح موقف الإخوان من حكومة السراج. من جهة تعلنون دعمها ومن جهة تقولون لنا إنكم ضدها.

أجاب الزعيم الإخواني الليبي: «الذي لا يقال ولا ينشر للعامة هو الصدق. أما ما ينشر فهو لمواكبة الظروف حتى تتاح فرصة لتحطيمها». وتحدث الرجل عن السراج بمعلومات تتعلق بماضيه السري المثير للجدل خاصة في أوروبا، قال إنه استقاها من قائد جماعة الإخوان في تونس.
ووفقا للمعلومات التي استقتها أجهزة أمنية معنية تعمل في الداخل الليبي، فإنه لوحظ تفرغ قادة المتطرفين في طرابلس وبنغازي لإدارة عمليات تحالف عليا في داخل البلاد، وأخرى عابرة للحدود، في محاولة لإظهار القوة والقدرة على التفاوض أمام عدة أطراف دولية خاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وفي المقابل تراجع اهتمام تلك القيادات بأمر الفتاوى التي تنظم تعامل عناصرها المتطرفة مع عامة المواطنين الليبيين، وتركت القيادة في هذا المجال للعناصر الصغيرة، وهي من أصول ليبية وتونسية ومصرية وسودانية وغيرها، خاصة في البوابات والحواجز التي تسيطر عليها في الشمال الأوسط من البلاد وعدة ضواح في مدن ساحلية. ونتج عن ذلك ارتكاب مجازر لإرهاب السكان المحليين وإجبارهم على الانضمام للجماعات المناهضة للسلطة الشرعية في البلاد.
وفي الفترة من بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حتى منتصف هذا الشهر، رصدت الوثائق أحاديث ومفاوضات وتخطيط لقادة من داعش ومن الجماعة الليبية المقاتلة التابعة لتنظيم القاعدة، ومن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، تعكس وجود ما يشبه الخلخلة التي أحدثتها حكومة السراج، والمقرر أن تتقدم للبرلمان الليبي اليوم (الاثنين) لكسب الثقة، والبدء في العمل من أجل بسط الاستقرار في البلاد والتعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة الميليشيات المتطرفة.
ومن أبرز قيادات الجماعة الليبية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف وعبد الوهاب قايد ومهدي الحاراتي وغيرهم. والتقت أطراف دولية أواخر العام الماضي مع عدد منهم لبحث مستقبل ليبيا، لكن يبدو أن بلدانا مثل أميركا بدأت في الابتعاد عن التواصل مع هؤلاء القادة. ومن الزعماء الكبار في جماعة الإخوان الليبية الدكتور علي الصلابي، الذي لا يظهر عادة في واجهة الأحداث. وتراجعت دول كانت على تواصل مع الإخوان الليبيين خطوات إلى الوراء، مما أصاب الإخوان بالغضب. وفي المقابل جرى رصد نشاط لأطراف أمنية غربية في أوساط قيادات ليبية ذات وجوه جديدة، بغض النظر عن درجة تطرفها.
وفي حديث بين قيادي في الجماعة المقاتلة (يقيم في طرابلس)، وعضو في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان (يقيم في بنغازي)، اشتكى الأخير من تراجع الاتصالات الأميركية في الأسابيع الماضية مع إخوان ليبيا، قائلا إن هذا يأتي على خلاف ما كان متبعا من قبل. ويبدو مما قاله أنه كانت لديه معلومات عن شكاوى مماثلة من الجماعة المقاتلة، من «تصرفات واشنطن». ولهذا دار النقاش بين القائدين البارزين في ليبيا، حول ما ينبغي عمله.
وقال القيادي الإخواني إن لفت نظر أميركا لجماعة الإخوان والجماعة المقاتلة في ليبيا، ووضع حساب دولي لهما في أي ترتيبات جديدة، يتطلب زيادة ضرب خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، معتبرا أن نظام الحكم المصري أحد أعداء أميركا الذي ينبغي تكثيف العمليات ضده، من خلال الجماعات المتطرفة في هذا البلد الذي يعاني من مصاعب اقتصادية منذ ثورة 25 يناير 2011 التي تحل ذكراها اليوم.
وجرى الحديث بين هذين القائدين الليبيين، يوم الثاني والعشرين من ديسمبر. ومما قاله عضو التنظيم الدولي للإخوان، وفقا للوثائق، إن واشنطن لا تريد استمرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.. «أميركا لا تريد السيسي.. لا تريد تقاربه مع روسيا، ونهجه القريب من (الرئيس الراحل) عبد الناصر وتحديه لها». وأضاف أن أميركا تريد أن ينتهي نظام الحكم في مصر، وأضاف أن من يساعد الولايات المتحدة على هذا ستسانده. وقال بالحرف: «الطرف الليبي الذي سيساعدها سوف تقف معه».
وطلب الرجل المعروف عنه حبه للظهور بالملابس الليبية التقليدية في الأماكن العامة، من القيادي في الجماعة المقاتلة، زيادة العمليات التخريبية في داخل مصر، من خلال فتح ثغرات في الحدود المصرية مع ليبيا، وعدم الاكتفاء بالدعم المقدم للمتطرفين المصريين في شبه جزيرة سيناء. وقال له: «أريدك أن ترفع نسق العمل الجهادي، فمن غير ليبيا والحدود الليبية، من الصعب التحرك بقوة داخل مصر».
وتشير الوثائق إلى أن القيادي الإخواني لديه علاقات قوية مع زعماء من حركة حماس التي تعد أحد فروع جماعة الإخوان الفلسطينية، ولديه مشاركات اقتصادية كبيرة مع قائد بارز في الحركة التي تهيمن منذ سنوات على قطاع غزة المجاور لسيناء. وشكا أيضا من التضييق الأمني والعسكري المصري على المتطرفين في سيناء، إذ إن السلطات المصرية وضعت رقابة صارمة على حدودها مع قطاع غزة، وتشن عمليات ضد من تسميهم التكفيريين، في عمليات راح ضحيتها مئات من الجنود والعناصر المتشددة، خاصة في مدن العريش والشيخ زويد ورفح.
ومن المعروف أن تنظيم أنصار بيت المقدس الذي كان ينشط في سيناء تحول إلى موالاة داعش، منذ أكثر من سنة، ضمن مجموعات من المقاتلين المتطرفين في شبه الجزيرة الواقعة شمال شرقي القاهرة، أصبحوا منذ ذلك الوقت يطلقون على أنفسهم ولاية سيناء، وينفذون بين وقت وآخر علميات في مدن مصرية أخرى. وهذه هي المرة الثانية، خلال عام، التي تطلع فيها «الشرق الأوسط» على وثائق تربط بين عناصر من الإخوان وتنظيم القاعدة وداعش. وكانت المرة الأولى تتعلق باجتماع شارك فيه قادة من هذه التنظيمات في مبنى جرى شراؤه بأموال ليبية في دولة إسلامية تطل على البحر المتوسط.
وقال الزعيم الإخواني الليبي في حديثه مع القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة بالنص إن «الحدود مع الأراضي الفلسطينية ضُيِّقت أمنيا وعسكريا، ولم تعد ذات فائدة. ثم إن اختزال الإثارة والفوضى في سيناء والشيخ زويد وبعض المناطق الهزيلة، سوف يطيل عمر النظام في مصر». وطلب من قيادي المقاتلة، أن يتم تكثيف العمليات التخريبية في مدينتي القاهرة والإسكندرية، لأنهما، حسب كلامه، يعدان من المدن المهمة اقتصاديا، لما فيهما من مراكز مال وأعمال وشركات، وأن المدينتين تسهمان في الدخل القومي للدولة المصرية.
وبعد أن وجه باستهداف هاتين المدينتين، وعد القيادي الإخواني بتقديم الدعم المالي واللوجيستي اللازمين، لكنه شكا كذلك من نقص العناصر التي يمكن أن تقوم بمثل هذه المهام في الداخل المصري. وأضاف قائلا إن «القاهرة والإسكندرية (هما) مصادر الدخل القومي لمصر. هما اللتان يجب أن توضعا نصب أعيننا. الدعم موجود، ما نحتاجه رجال فقط. والآن وليس عليك.. تمكّنا من تركيب نشاط لوجيستي داخل الساحة المصرية، سيساعدنا كثيرا».
ولم يكن لمثل هذا التناغم بين جماعة الإخوان الليبية والقيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، أن يتحقق لولا الأرضية المشتركة التي كان يبدو أنها كانت تتشكل تحت أقدام زعماء الجماعتين لأسباب متفرقة، على رأسها الشعور بتواصل أطراف غربية (أميركية بالأساس) مع جماعات متطرفة كانت حتى وقت قريب تعمل على هامش الكتائب المتشددة وتعاني من الهزائم والتهميش، مثل جماعة المدهوني القادمة من بلدة صبراتة القريبة من الحدود مع تونس، والتي كانت بمثابة إحدى أذرع أنصار الشريعة في الغرب الليبي، ورفضت الانصياع تحت إمرة قوات فجر ليبيا.
وتعد «قوات فجر ليبيا» أول تحالف بين الإخوان والجماعة المقاتلة، وتأسس لمحاربة السلطات الشرعية في البلاد، ومن أبرز المعارك التي خاضتها معركة مطار طرابلس في صيف عام 2014، ما تسبب في إحراقه بما فيه من طائرات. وتعرضت هذه القوة بدورها إلى الضعف والتفكك، خاصة بعد ارتفاع وتيرة التوافق بين الفرقاء الليبيين في الحوارات التي أدارتها الأمم المتحدة حتى الإعلان عن حكومة السراج، قبل شهر.
هنا تلاحظ لقيادات الإخوان والجماعة المقاتلة، التي تدير المعارك ضد الجيش الوطني الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، تغير مواقف بعض الدول الداعمة لهما، وقيام تلك الدول بفتح أبواب جديدة مع قوى أخرى من بينها الجيش الوطني، وميليشيات تصنف كميليشيات معتدلة خاصة في منطقة الزنتان، ومع ميليشيات متطرفة، لها علاقة مشبوهة بتنظيم داعش منها ميليشيا المدهوني التي تتمركز في مناطق في غرب طرابلس.
لقد بدأت صفحة جديدة في العلاقات تتعارض مع تحالفات أيام الحرب التي بدأت قبل 16 شهرا ضد السلطات الشرعية. في البداية لم تكن هناك خلافات تذكر بين جماعات المتطرفين. كان الهدف المشترك، حتى شهرين سابقين، هو التحالف غير المكتوب لقتال الجيش ورموز الدولة. لكن دون عمل مشترك تحت قيادة موحدة. في ذلك الوقت كان يمكن لقادة إخوان غض الطرف عن مرور شحنات أسلحة ومقاتلين لداعش في درنة، ويمكن لزعماء من الجماعة الليبية المقاتلة، تعضيد قوات أنصار الشريعة في بنغازي.
وباقتراب الأمم المتحدة من توقيع اتفاق الحكومة في بلدة الصخيرات، بدا واضحا، منذ نهاية خريف العام الماضي، أن الضغوط على بعض الميليشيات، خاصة تلك المحسوبة على مدينة مصراتة، للموافقة على مخرجات الحوار، أخذت تثير الشكوك، مع دخول أطراف إقليمية ودولية على الخط، رغم أنها لم تكن موجودة بقوة في المشهد الليبي. حكومة السراج فيها بعض الأسماء القريبة من جماعة الإخوان ومن الجماعة المقاتلة، لكن أغلب هذه الأسماء محسوبة على مصراتة أيضا.
وتشير الوثائق التي تضمنت مواقف لقيادات في الإخوان و«المقاتلة» وداعش، خلال الشهر الذي جرى فيه توقيع اتفاق الصخيرات، إلى أن تبادل الرأي بين هذه الأطراف غلب عليه المفاجأة وتوجيه اللوم وكذا المخاوف من المستقبل. وفي حديث موجه من قيادي في «المقاتلة» إلى قيادي آخر كبير في الجماعة المقاتلة نفسها في طرابلس، يظهر اسم المدهوني مرة أخرى، مقترنا بخبر استقباله لمندوب من الخليفة المزعوم في العراق والشام، أبو بكر البغدادي.
وهذا المندوب اسمه سفيان الغزالي. يقول قيادي المقاتلة الأول وهو يتحدث إلى زميله الزعيم في الجماعة في الصباح الباكر منذ الأول من ديسمبر الماضي، قائلا له: «المدهوني استقبل سفيان الغزالي». فيجيبه الثاني وقد فوجئ: «لا يا رجل. قل غير هذا». فيعود ليؤكد له: «المعلومات أكيدة. وصل له اليوم واستقبله هو شخصيا في (منطقة مطار) امعيتيقة (في طرابلس)».
وفي نفس الحديث بين الطرفين، يقول الأول وهو يعدد مخاطر وجود الغزالي والغرض من قدومه للقاء المدهوني إنه، أي الغزالي: «أحد الأذرع للشيخ أبو بكر (البغدادي)، وأنا من كم يوم عندي معلومات أن المدهوني يسعى لمبايعة البغدادي». ويضيف: «أنا كنت أشعر منذ البداية أن المدهوني رجل لدولة الخلافة، ونشاطه في تونس يؤكد ذلك. والآن شكله له شغل في مصر». ويستطرد قائلا: «سفيان هذا من أحد أسمائه وكيل التفجيرات».
ولمعرفة المزيد عن المدهوني، الذي يعتقد أن عنصرا من المخابرات الأميركية التقى به أيضا في منطقة قرب طرابلس قبل أسابيع، يقول مصدر من القبائل الليبية غرب العاصمة، إنه شقيق الزعيم الراحل لتنظيم أنصار الشريعة في بلدة صبراتة غرب ليبيا، عمر المختار المدهوني، الذي قتل في اشتباكات أواخر عام 2014، ويشتبه في أنه كان على خلاف مع قوات فجر ليبيا لرفضه الانضواء تحت إمرتها. وتولى شقيقه قيادة التنظيم خلفا له.
ويسعى قادة المتطرفين الكبار في تنظيمي الإخوان و«المقاتلة» إلى احتواء الأمراء الصغار الموالين لداعش. وجرى بالفعل غض الطرف عن مقار داعشية في العاصمة وضواحيها، إضافة إلى إجدابيا وبنغازي. ورصدت الوثائق طوال شهر ديسمبر، جنوح قيادات من الجماعة المقاتلة ومن الإخوان، إلى التحالف مع داعش بشكل صريح ومعلن، مع زيادة الدعم للمتطرفين في الداخل الليبي وفي دول الجوار أي في كل من مصر وتونس والجزائر، في محاولة للضغط على المجتمع الدولي، وإجباره على التعامل مع هذا التيار في ليبيا كـ«سلة واحدة».
وتطرقت واحدة من هذه الوثائق إلى خلافات، بين قادة الجماعة المقاتلة وإحدى الدول العربية الداعمة لها، وذلك لأول مرة، منذ الانتفاضة المسلحة ضد حكم القذافي. واتهم زعيم في الجماعة المقاتلة، في حديثه لعدد من زملائه في الجماعة، الدولة العربية التي كانت تدعمه، بأنها «سكتت على تصرفات أميركا تجاه الجماعة (المقاتلة)، ودعم تلك الدولة الخفي غير المعلن لحفتر». ووصف هذا الحال بأنه «مخيب للآمال».
وقال أيضا لقادة جماعته في طرابلس إنه تحدث مع نافذين في هذه الدولة، وإن أحد مسؤوليها ممن يتولى تنظيم العلاقة مع الجماعة، أخبره أن بلاده «تعاني من ضغوطات كثيرة إقليمية وعالمية، ويتم تضييق الخناق عليها، واتهامها بأنها داعمة للإرهاب من قِبل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا، وأن أميركا تفهمت ادعاء تلك الدول وتجاهلت التفنيد الذي قدمته لها (الدولة العربية المشار إليها)».
ومن جانبه وبحسب ما ورد في الوثائق، بدأ قيادي آخر في الجماعة المقاتلة في توجيه اللوم لزملائه بسبب سماحهم للجانب الأميركي في السابق (منذ منتصف 2014) بزرع أجهزة تنصت في أحد مواقع الجماعة. وقال إن أميركا «غرست أجهزة تنصت علينا، ونحن تعاملنا مع ذلك بحسن نية، وكان يفترض ألا يكون». وأضاف أن الجماعة الليبية المقاتلة «فقدت هيبتها بضعف تنظيم القاعدة وقوة تنظيم داعش»، مشيرا إلى أن «أميركا تتحاور مع داعش، متجاهلة دورنا في ليبيا، واستطاعت استقطاب محمد المدهوني، وجماعة أبو عبيدة الزاوي (قائد ميليشيا في غرب طرابلس أيضا)، وخلقت لهم خط تواصل مع التنظيم في سرت، وغضت البصر عن تدفق مقاتلين للتنظيم بسرت والجنوب من كل الدول». وتابع قائلا إن «أميركا لن تحترم أي اتفاق معها، إلا إذا سيطرنا على طرابلس».
وأضاف أن «الوضع صار يستلزم الاندماج مع داعش وأن تكون طرابلس لنا (للجماعة المقاتلة والإخوان)، وسرت لهم (لداعش)، ويأخذ تنظيم داعش التمدد المساحي شرق سرت، وما يحتويه، ونأخذ نحن طرابلس وامتداد الغرب لنا، ونواصل دعم مجلس شورى ثوار بنغازي (هذا المجلس كان يقتصر على تنظيم أنصار الشريعة وأصبح منذ عدة أشهر يضم خليطا من الإخوان و«المقاتلة» وداعش) ومجاهدي درنة (خليط مشابه لكنه على خلاف مع الدواعش).
وجاء مع هذا الاقتراح اقتراح آخر يخص مواصلة تقديم الدعم للمتطرفين في سيناء. وحول هذه النقطة قال قيادي في الجماعة المقاتلة: «أرى أن دعم بيت المقدس في سيناء مهم جدا ويجب عدم توقفه، فهو الخط الذي يلطف لنا الأجواء مع أميركا، ولا يقطع تواصلنا مع (دولة كذا ودولة كذا.. ذكر اسم دولتين إحداهما عربية والأخرى إسلامية)، وخصوصا أن مبالغ كبيرة ستقدم للجنة المشكلة لهذا الشأن وأن للجماعة تفاهما كبيرا معنا».
وأيد الزعيم الآخر في «المقاتلة» هذه المقترحات، ووصفها بأنها «صحية جدا وعقلانية»، لكنه زاد عليها تأكيده على ضرورة الاهتمام بـ«الأخوة في الساحة الجزائرية أيضا، كونها تسير في نفس الخط»، مشيرا إلى أنه لا بد من «طرح أفكار ومخططات لأي عمليات في مجلس شورى يتم إنشاؤه بين الجماعة (المقاتلة والإخوان) والتنظيم (داعش) قبل القيام بأي عمل مسبق.. أي عمل لا يتم إلا بموافقة كل الأطراف». وتحدث عن أهمية السعي إلى السيطرة على المنطقة الحدودية الجنوبية لليبيا والممتدة على مسار الحدود التشادية، «كونها منطقة عليها العين من قبل الغرب، ونعمل بمبدأ أننا نسيطر عليها، ونحن من نقرر.. نعطيها لمن، مقابل دعمه لنا».



الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة

سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
TT

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة

سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)

بخلاف الناس في البلدان الأخرى وحتى تلك التي تشهد حروباً، لا يملك أهالي قطاع غزة بعد عام على الحرب الإسرائيلية المجنونة عليهم، ترف الحزن على أحبائهم وبيوتهم وذكرياتهم. لقد فقدوا البلد، كل البلد بكل ما فيها: البيوت، والحارات، والشوارع، والناس، والمساجد، والكنائس، والمحال، والمستشفيات، والمدارس والجامعات... كل شيء أصبح كأنه مجرد ذكرى من حياة سابقة، وهم نفدت طاقتهم على الحزن.

لا يعرف الغزيون اليوم ماذا ينتظرهم، لكن بخبرة العارفين بالحروب، يدركون جيداً أن بؤس الحرب لا ينتهي مع وقف إطلاق النار. إنه بؤس ممتد، تغلّفه أسئلة كثيرة: مَن يعيد الأحبَّة والبلاد؟ مَن يبني البيوت؟ كم سنعيش في الخيام؟ من أين وإلى متى وكيف سنؤمّن قوت من بقي حيّاً من أبنائنا؟ والحال أن كثيرين لا تشغلهم هذه الأسئلة لأنهم مرهقون بأسئلة أصعب، أين يجدون جثامين أحبائهم؟ ومتى قد يلتقون أحباء مفقودين؟ وكم سيصمدون على قيد الحياة أصلاً؟

إنها أسئلة الحرب المدمّرة التي تدخل عامها الثاني، وهي حرب غيَّرت إلى حد كبير تفكير الغزيين حول كل شيء.

«الشرق الأوسط» جالت على مَن بقي ورصدت ماذا غيَّرت الحرب في فكر سكان القطاع وعقولهم وقلوبهم.

ليس الكثير فيما يتعلق بحب البلد والعداء لإسرائيل، لكن الكثير والكثير فيما يتعلق بمستقبلهم، ومَن يحكمهم، وإذا كانت الهجرة أفضل أم البقاء.

أطفال فلسطينيون هاربون من قصف إسرائيلي استهدف مكان نزوحهم في رفح (أ.ف.ب)

حلم الهجرة والأمان

يلخص تفكير أيسر عقيلان، وهو خريج كلية التجارة من الجامعة الإسلامية في غزة، ونازح من مخيم الشاطئ غرب المدينة إلى خان يونس جنوب القطاع، ما يجول في عقل كثيرين من الشبان مثله.

قال عقيلان (27 عاماً) لـ«الشرق الأوسط» إنه يخطط لمغادرة القطاع في أي لحظة. وحاول عقيلان كثيراً الحصول على مبلغ 6 آلاف دولار، لتأمين سبيل سفر عبر معبر رفح، إلى مصر ثم البحث عن حياة جديدة، لكنه لم ينجح.

وقال الشاب: «في أول فرصة سأغادر. لم أكن قادراً على العمل قبل الحرب، والآن لا أعتقد أن ذلك سيكون ممكناً أبداً. لا توجد أعمال. لا يوجد بلد أصلاً. لقد دمَّروا كل شيء». وحسب الإحصائيات التي تصدر عن جهات حكومية وأهلية مختصة، فإنه حتى قبل الحرب، كان أكثر من 64 في المائة من سكان قطاع غزة يعانون البطالة وانعدام فرص العمل، واليوم يعتقد أن هذه النسبة باتت شبه كاملة. ورغم صعوبة الحياة قبل الحرب لم يفكر عقيلان في الهجرة، لكن «وجهة نظره في الحياة» تغيرت في أثناء الحرب، كما قال.

ومن يتحدث لأهالي غزة لا يفوته أن غالبية الجيل الشاب ترغب في الهجرة، والبحث عن مستقبل جديد، غير آبهين بما سيصبح عليه الحال في القطاع. وقال باسل سالم (31 عاماً)، الذي حالفه الحظ بالخروج من غزة مع زوجته وطفلته الوحيدة: «لم يبقَ أمامي أي خيارات أخرى. كل ما فكرت فيه هو إنقاذ زوجتي وابنتي من جحيم الحرب».

كان سالم قد فقد شقته السكنية التي امتلكها قبل الحرب بقليل وهو سبب آخر دفعه للهجرة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد هناك بيت يؤويني، تشردنا وتعبنا ومرضنا وشعرت أني وسط كابوس لعين». ونجح الآلاف من الغزيين خصوصاً الغزيين، ممن يحملون جنسيات مزدوجة، في السفر قبيل سيطرة إسرائيل على معبر رفح، ووصلوا إلى بلدان مختلفة، في حين استقر آخرون لا يملكون جنسيات أخرى، داخل مصر، وبعضهم في تركيا. ويعمل سالم في مجال التصميم والغرافيك؛ الأمر الذي سهَّل سفره إلى الخارج من أجل الحصول على فرصة عمل تتيح له الاستمرار بحياة أفضل. ولا يجد سالم كلمات تصف «الأمان» الذي يشعر به مع عائلته: «هذا أهم ما في الحياة».

وفي وقت تغيب الإحصاءات الدقيقة لمن هاجروا إبان الحرب وخلالها، يذهب بعض التقديرات الأهلية إلى أن العدد الإجمالي يزيد على 220 ألفاً.

ومثل سالم لا تخطط إيمان ساقلا (59 عاماً) التي كانت في رحلة علاج خارجية مع بدء الحرب على غزة، للعودة، بل نجحت في التنسيق لإنقاذ أفراد أسرتها وإحضارهم إليها في مصر لكونها تحمل الجنسية المصرية، لكن أيضاً بعد دفع مبالغ طائلة. وقالت ساقلا: «لم يعد لنا في غزة مستقبل. ربما نعود إليها بعد أعوام، لكن الآن لا يوجد سوى الموت والدمار والخراب».

وبينما يرى سالم وساقلا أنهما قد نجوا بنفسيهما وأسرتيهما من جحيم الحرب، يعيش مئات الآلاف من الغزيين، خصوصاً الشبان، في ظروف صعبة ويمنّون النفس بالمغادرة. لكن ليست هذه حال كل الغزيين بالطبع.

سمير النجار (52 عاماً) من سكان بلدة خزاعة، شرقي شرق خان يونس، والذي فقد منزله بعد تجريفه من آليات إسرائيلية، وبات مشرداً ونازحاً في خيمة أقامها غرب المدينة، قال إنه يفضل البقاء في القطاع، وينتظر انتهاء الحرب كي يستصلح أرضاً كان يزرعها.

رجل فلسطيني يسقي نباتاته في جباليا (رويترز)

وقال النجار: «أفهم الذين ينوون الرحيل من هنا. لكن أنا أفضّل الموت هنا. لا أعتقد أن لديّ فرصة لتأسيس حياة جديدة خارج القطاع. كل ما أريده من الحياة هو إعادة بناء واستصلاح أرضي... ولا شيء أكثر».

والنجار واحد من مئات الآلاف الذين فقدوا منازلهم في غزة. ووفقاً لتقديرات أممية حتى شهر أغسطس (آب) الماضي، فإن نحو ثلثي المباني في قطاع غزة تضررت أو دُمرت منذ بدء الحرب، وأن القطاع يحتاج إلى أكثر من 15 عاماً حتى يتم إعادة إعماره. ويتطلع النجار لإعادة الإعمار، ويعتقد أن أي جهة قادرة على إعادة الإعمار هي التي يجب أن تحكم غزة.

وأضاف: «بعد كل هذه الحروب. نريد أن نعيش. بصراحة لم أعد أكترث بالحرب ولا السياسة ولا من يحكمني. أنا أريد العيش فقط. العيش بعيداً عن الحروب والقتل والدمار».

وتتفق نجوى الدماغ (47 عاماً) مع النجار ولا تفكر بمغادرة القطاع، لكنها تمنّي النفس بحياة أفضل.

وقالت الدماغ لـ«الشرق الأوسط» إنها تفضّل البقاء في غزة، لكنها تريد السلام والأمن. وأضافت: «تعبنا من الحروب. أعتقد ما ظل فينا نَفَس. صار وقت نعيش بسلام».

ولا تهتم الدماغ بمن يحكمها، «المهم أن نعيش مثل بقية البشر». وهذا شعور انتقل تلقائياً لابنتها إيمان (22 عاماً) التي خرجت من هذه الحرب وهي لا تثق بأي فصيل فلسطيني سياسي.

وقالت إيمان: «كلهم (الفصائل) يبحثون عن مصالحهم الشخصية ولديهم أجندات. لا أحد يفكر أو يهتم للناس». وبخلاف والدتها، تسعى إيمان للهجرة وبناء حياة جديدة في الخارج «بعيداً من تجار الحروب والدم»، كما قالت.

دمار بمقرّ المجلس التشريعي الفلسطيني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

وبينما يعيش مئات آلاف من الغزيين في مخيمات نزوح موزعة في كل قطاع غزة، تعيش الأغلبية الباقية في منازل شبه مدمَّرة أو نازحين عند أقاربهم، ويعانون مجاعة حقيقية وغلاء أسعار فاحشاً، والكثير من الفوضى التي عمقت شكل المأساة في القطاع. وقال كثير من الغزيين الذي سألتهم «الشرق الأوسط» عن مستقبلهم إنهم لا يفضلون الفصائل ويتطلعون إلى «حكومة مسؤولة»، وفق تعبيرهم.

وشرح الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، ذلك بالقول إن الغزيين لم يعودوا يهتمون بما تتبناه الفصائل وحتى السلطة الفلسطينية من شعارات «ليس لها من الواقع نصيب». وأضاف: «هم يفضّلون جهة تحكمهم قادرة على وقف نزيف الدم وأن تعيد بناء منازلهم وتوفر لهم فرص عمل يستعيدون بها حياتهم». ورأى إبراهيم أن «الأفق السياسي لليوم التالي للحرب ما زال غامضاً ولا يمكن التنبؤ به؛ مما شكّل حالة من اليأس لدى السكان ودفعهم لعدم الاهتمام بمن يحكمهم بقدر اهتمامهم بمصيرهم ومستقبل حياتهم في اللحظة التي تتوقف فيها الحرب».

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويرى إبراهيم أن السكان في غزة ملّوا من الصراع مع إسرائيل والحرب التي تتكرر كل بضعة أعوام، واليوم أصبحوا أكثر من أي وقت مضى يفكرون بالهجرة في حال أُتيحت لهم فرصة حقيقية. وأضاف: «الكلام الذي لا يقوله أهل غزة على الملأ هو: لماذا نحن؟ القضية الفلسطينية والقدس والأقصى ليست قضيتنا وحدنا... فلماذا وحدنا نموت؟».