وثائق ليبية: «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» يخططون للاندماج في «مجلس شورى» موحد

قادة للمتطرفين في طرابلس وبنغازي يدعمون عمليات تخريبية عابرة للحدود

عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
TT

وثائق ليبية: «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» يخططون للاندماج في «مجلس شورى» موحد

عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)

تبحث تنظيمات داعش والقاعدة والإخوان في ليبيا الاندماج في «مجلس شورى» موحد، في أول رد لاحتواء بوادر خلافات داخلية ظهرت بين عدد من قادة هذه التنظيمات، في الشهرين الأخيرين، بسبب عمليات استقطاب، على ما يبدو، تقوم بها عدة أجهزة استخباراتية لبعض الجماعات المتشددة في هذه الدولة التي تعمها الفوضى منذ سقوط نظام القذافي في 2011.
وتكشف وثائق سرية اطلعت «الشرق الأوسط» على جانب منها داخل ليبيا، عن أن قادة كبارا في التنظيمات الثلاثة أصيبوا بحالة من الارتباك عقب توقيع اتفاق حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، في الصخيرات برعاية الأمم المتحدة، منتصف الشهر الماضي. وسأل قيادي في الجماعة المقاتلة، زعيما إخوانيا مؤيدا للحكومة المقترحة: يا دكتور أريد أن أفهم بوضوح موقف الإخوان من حكومة السراج. من جهة تعلنون دعمها ومن جهة تقولون لنا إنكم ضدها.

أجاب الزعيم الإخواني الليبي: «الذي لا يقال ولا ينشر للعامة هو الصدق. أما ما ينشر فهو لمواكبة الظروف حتى تتاح فرصة لتحطيمها». وتحدث الرجل عن السراج بمعلومات تتعلق بماضيه السري المثير للجدل خاصة في أوروبا، قال إنه استقاها من قائد جماعة الإخوان في تونس.
ووفقا للمعلومات التي استقتها أجهزة أمنية معنية تعمل في الداخل الليبي، فإنه لوحظ تفرغ قادة المتطرفين في طرابلس وبنغازي لإدارة عمليات تحالف عليا في داخل البلاد، وأخرى عابرة للحدود، في محاولة لإظهار القوة والقدرة على التفاوض أمام عدة أطراف دولية خاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وفي المقابل تراجع اهتمام تلك القيادات بأمر الفتاوى التي تنظم تعامل عناصرها المتطرفة مع عامة المواطنين الليبيين، وتركت القيادة في هذا المجال للعناصر الصغيرة، وهي من أصول ليبية وتونسية ومصرية وسودانية وغيرها، خاصة في البوابات والحواجز التي تسيطر عليها في الشمال الأوسط من البلاد وعدة ضواح في مدن ساحلية. ونتج عن ذلك ارتكاب مجازر لإرهاب السكان المحليين وإجبارهم على الانضمام للجماعات المناهضة للسلطة الشرعية في البلاد.
وفي الفترة من بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حتى منتصف هذا الشهر، رصدت الوثائق أحاديث ومفاوضات وتخطيط لقادة من داعش ومن الجماعة الليبية المقاتلة التابعة لتنظيم القاعدة، ومن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، تعكس وجود ما يشبه الخلخلة التي أحدثتها حكومة السراج، والمقرر أن تتقدم للبرلمان الليبي اليوم (الاثنين) لكسب الثقة، والبدء في العمل من أجل بسط الاستقرار في البلاد والتعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة الميليشيات المتطرفة.
ومن أبرز قيادات الجماعة الليبية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف وعبد الوهاب قايد ومهدي الحاراتي وغيرهم. والتقت أطراف دولية أواخر العام الماضي مع عدد منهم لبحث مستقبل ليبيا، لكن يبدو أن بلدانا مثل أميركا بدأت في الابتعاد عن التواصل مع هؤلاء القادة. ومن الزعماء الكبار في جماعة الإخوان الليبية الدكتور علي الصلابي، الذي لا يظهر عادة في واجهة الأحداث. وتراجعت دول كانت على تواصل مع الإخوان الليبيين خطوات إلى الوراء، مما أصاب الإخوان بالغضب. وفي المقابل جرى رصد نشاط لأطراف أمنية غربية في أوساط قيادات ليبية ذات وجوه جديدة، بغض النظر عن درجة تطرفها.
وفي حديث بين قيادي في الجماعة المقاتلة (يقيم في طرابلس)، وعضو في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان (يقيم في بنغازي)، اشتكى الأخير من تراجع الاتصالات الأميركية في الأسابيع الماضية مع إخوان ليبيا، قائلا إن هذا يأتي على خلاف ما كان متبعا من قبل. ويبدو مما قاله أنه كانت لديه معلومات عن شكاوى مماثلة من الجماعة المقاتلة، من «تصرفات واشنطن». ولهذا دار النقاش بين القائدين البارزين في ليبيا، حول ما ينبغي عمله.
وقال القيادي الإخواني إن لفت نظر أميركا لجماعة الإخوان والجماعة المقاتلة في ليبيا، ووضع حساب دولي لهما في أي ترتيبات جديدة، يتطلب زيادة ضرب خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، معتبرا أن نظام الحكم المصري أحد أعداء أميركا الذي ينبغي تكثيف العمليات ضده، من خلال الجماعات المتطرفة في هذا البلد الذي يعاني من مصاعب اقتصادية منذ ثورة 25 يناير 2011 التي تحل ذكراها اليوم.
وجرى الحديث بين هذين القائدين الليبيين، يوم الثاني والعشرين من ديسمبر. ومما قاله عضو التنظيم الدولي للإخوان، وفقا للوثائق، إن واشنطن لا تريد استمرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.. «أميركا لا تريد السيسي.. لا تريد تقاربه مع روسيا، ونهجه القريب من (الرئيس الراحل) عبد الناصر وتحديه لها». وأضاف أن أميركا تريد أن ينتهي نظام الحكم في مصر، وأضاف أن من يساعد الولايات المتحدة على هذا ستسانده. وقال بالحرف: «الطرف الليبي الذي سيساعدها سوف تقف معه».
وطلب الرجل المعروف عنه حبه للظهور بالملابس الليبية التقليدية في الأماكن العامة، من القيادي في الجماعة المقاتلة، زيادة العمليات التخريبية في داخل مصر، من خلال فتح ثغرات في الحدود المصرية مع ليبيا، وعدم الاكتفاء بالدعم المقدم للمتطرفين المصريين في شبه جزيرة سيناء. وقال له: «أريدك أن ترفع نسق العمل الجهادي، فمن غير ليبيا والحدود الليبية، من الصعب التحرك بقوة داخل مصر».
وتشير الوثائق إلى أن القيادي الإخواني لديه علاقات قوية مع زعماء من حركة حماس التي تعد أحد فروع جماعة الإخوان الفلسطينية، ولديه مشاركات اقتصادية كبيرة مع قائد بارز في الحركة التي تهيمن منذ سنوات على قطاع غزة المجاور لسيناء. وشكا أيضا من التضييق الأمني والعسكري المصري على المتطرفين في سيناء، إذ إن السلطات المصرية وضعت رقابة صارمة على حدودها مع قطاع غزة، وتشن عمليات ضد من تسميهم التكفيريين، في عمليات راح ضحيتها مئات من الجنود والعناصر المتشددة، خاصة في مدن العريش والشيخ زويد ورفح.
ومن المعروف أن تنظيم أنصار بيت المقدس الذي كان ينشط في سيناء تحول إلى موالاة داعش، منذ أكثر من سنة، ضمن مجموعات من المقاتلين المتطرفين في شبه الجزيرة الواقعة شمال شرقي القاهرة، أصبحوا منذ ذلك الوقت يطلقون على أنفسهم ولاية سيناء، وينفذون بين وقت وآخر علميات في مدن مصرية أخرى. وهذه هي المرة الثانية، خلال عام، التي تطلع فيها «الشرق الأوسط» على وثائق تربط بين عناصر من الإخوان وتنظيم القاعدة وداعش. وكانت المرة الأولى تتعلق باجتماع شارك فيه قادة من هذه التنظيمات في مبنى جرى شراؤه بأموال ليبية في دولة إسلامية تطل على البحر المتوسط.
وقال الزعيم الإخواني الليبي في حديثه مع القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة بالنص إن «الحدود مع الأراضي الفلسطينية ضُيِّقت أمنيا وعسكريا، ولم تعد ذات فائدة. ثم إن اختزال الإثارة والفوضى في سيناء والشيخ زويد وبعض المناطق الهزيلة، سوف يطيل عمر النظام في مصر». وطلب من قيادي المقاتلة، أن يتم تكثيف العمليات التخريبية في مدينتي القاهرة والإسكندرية، لأنهما، حسب كلامه، يعدان من المدن المهمة اقتصاديا، لما فيهما من مراكز مال وأعمال وشركات، وأن المدينتين تسهمان في الدخل القومي للدولة المصرية.
وبعد أن وجه باستهداف هاتين المدينتين، وعد القيادي الإخواني بتقديم الدعم المالي واللوجيستي اللازمين، لكنه شكا كذلك من نقص العناصر التي يمكن أن تقوم بمثل هذه المهام في الداخل المصري. وأضاف قائلا إن «القاهرة والإسكندرية (هما) مصادر الدخل القومي لمصر. هما اللتان يجب أن توضعا نصب أعيننا. الدعم موجود، ما نحتاجه رجال فقط. والآن وليس عليك.. تمكّنا من تركيب نشاط لوجيستي داخل الساحة المصرية، سيساعدنا كثيرا».
ولم يكن لمثل هذا التناغم بين جماعة الإخوان الليبية والقيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، أن يتحقق لولا الأرضية المشتركة التي كان يبدو أنها كانت تتشكل تحت أقدام زعماء الجماعتين لأسباب متفرقة، على رأسها الشعور بتواصل أطراف غربية (أميركية بالأساس) مع جماعات متطرفة كانت حتى وقت قريب تعمل على هامش الكتائب المتشددة وتعاني من الهزائم والتهميش، مثل جماعة المدهوني القادمة من بلدة صبراتة القريبة من الحدود مع تونس، والتي كانت بمثابة إحدى أذرع أنصار الشريعة في الغرب الليبي، ورفضت الانصياع تحت إمرة قوات فجر ليبيا.
وتعد «قوات فجر ليبيا» أول تحالف بين الإخوان والجماعة المقاتلة، وتأسس لمحاربة السلطات الشرعية في البلاد، ومن أبرز المعارك التي خاضتها معركة مطار طرابلس في صيف عام 2014، ما تسبب في إحراقه بما فيه من طائرات. وتعرضت هذه القوة بدورها إلى الضعف والتفكك، خاصة بعد ارتفاع وتيرة التوافق بين الفرقاء الليبيين في الحوارات التي أدارتها الأمم المتحدة حتى الإعلان عن حكومة السراج، قبل شهر.
هنا تلاحظ لقيادات الإخوان والجماعة المقاتلة، التي تدير المعارك ضد الجيش الوطني الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، تغير مواقف بعض الدول الداعمة لهما، وقيام تلك الدول بفتح أبواب جديدة مع قوى أخرى من بينها الجيش الوطني، وميليشيات تصنف كميليشيات معتدلة خاصة في منطقة الزنتان، ومع ميليشيات متطرفة، لها علاقة مشبوهة بتنظيم داعش منها ميليشيا المدهوني التي تتمركز في مناطق في غرب طرابلس.
لقد بدأت صفحة جديدة في العلاقات تتعارض مع تحالفات أيام الحرب التي بدأت قبل 16 شهرا ضد السلطات الشرعية. في البداية لم تكن هناك خلافات تذكر بين جماعات المتطرفين. كان الهدف المشترك، حتى شهرين سابقين، هو التحالف غير المكتوب لقتال الجيش ورموز الدولة. لكن دون عمل مشترك تحت قيادة موحدة. في ذلك الوقت كان يمكن لقادة إخوان غض الطرف عن مرور شحنات أسلحة ومقاتلين لداعش في درنة، ويمكن لزعماء من الجماعة الليبية المقاتلة، تعضيد قوات أنصار الشريعة في بنغازي.
وباقتراب الأمم المتحدة من توقيع اتفاق الحكومة في بلدة الصخيرات، بدا واضحا، منذ نهاية خريف العام الماضي، أن الضغوط على بعض الميليشيات، خاصة تلك المحسوبة على مدينة مصراتة، للموافقة على مخرجات الحوار، أخذت تثير الشكوك، مع دخول أطراف إقليمية ودولية على الخط، رغم أنها لم تكن موجودة بقوة في المشهد الليبي. حكومة السراج فيها بعض الأسماء القريبة من جماعة الإخوان ومن الجماعة المقاتلة، لكن أغلب هذه الأسماء محسوبة على مصراتة أيضا.
وتشير الوثائق التي تضمنت مواقف لقيادات في الإخوان و«المقاتلة» وداعش، خلال الشهر الذي جرى فيه توقيع اتفاق الصخيرات، إلى أن تبادل الرأي بين هذه الأطراف غلب عليه المفاجأة وتوجيه اللوم وكذا المخاوف من المستقبل. وفي حديث موجه من قيادي في «المقاتلة» إلى قيادي آخر كبير في الجماعة المقاتلة نفسها في طرابلس، يظهر اسم المدهوني مرة أخرى، مقترنا بخبر استقباله لمندوب من الخليفة المزعوم في العراق والشام، أبو بكر البغدادي.
وهذا المندوب اسمه سفيان الغزالي. يقول قيادي المقاتلة الأول وهو يتحدث إلى زميله الزعيم في الجماعة في الصباح الباكر منذ الأول من ديسمبر الماضي، قائلا له: «المدهوني استقبل سفيان الغزالي». فيجيبه الثاني وقد فوجئ: «لا يا رجل. قل غير هذا». فيعود ليؤكد له: «المعلومات أكيدة. وصل له اليوم واستقبله هو شخصيا في (منطقة مطار) امعيتيقة (في طرابلس)».
وفي نفس الحديث بين الطرفين، يقول الأول وهو يعدد مخاطر وجود الغزالي والغرض من قدومه للقاء المدهوني إنه، أي الغزالي: «أحد الأذرع للشيخ أبو بكر (البغدادي)، وأنا من كم يوم عندي معلومات أن المدهوني يسعى لمبايعة البغدادي». ويضيف: «أنا كنت أشعر منذ البداية أن المدهوني رجل لدولة الخلافة، ونشاطه في تونس يؤكد ذلك. والآن شكله له شغل في مصر». ويستطرد قائلا: «سفيان هذا من أحد أسمائه وكيل التفجيرات».
ولمعرفة المزيد عن المدهوني، الذي يعتقد أن عنصرا من المخابرات الأميركية التقى به أيضا في منطقة قرب طرابلس قبل أسابيع، يقول مصدر من القبائل الليبية غرب العاصمة، إنه شقيق الزعيم الراحل لتنظيم أنصار الشريعة في بلدة صبراتة غرب ليبيا، عمر المختار المدهوني، الذي قتل في اشتباكات أواخر عام 2014، ويشتبه في أنه كان على خلاف مع قوات فجر ليبيا لرفضه الانضواء تحت إمرتها. وتولى شقيقه قيادة التنظيم خلفا له.
ويسعى قادة المتطرفين الكبار في تنظيمي الإخوان و«المقاتلة» إلى احتواء الأمراء الصغار الموالين لداعش. وجرى بالفعل غض الطرف عن مقار داعشية في العاصمة وضواحيها، إضافة إلى إجدابيا وبنغازي. ورصدت الوثائق طوال شهر ديسمبر، جنوح قيادات من الجماعة المقاتلة ومن الإخوان، إلى التحالف مع داعش بشكل صريح ومعلن، مع زيادة الدعم للمتطرفين في الداخل الليبي وفي دول الجوار أي في كل من مصر وتونس والجزائر، في محاولة للضغط على المجتمع الدولي، وإجباره على التعامل مع هذا التيار في ليبيا كـ«سلة واحدة».
وتطرقت واحدة من هذه الوثائق إلى خلافات، بين قادة الجماعة المقاتلة وإحدى الدول العربية الداعمة لها، وذلك لأول مرة، منذ الانتفاضة المسلحة ضد حكم القذافي. واتهم زعيم في الجماعة المقاتلة، في حديثه لعدد من زملائه في الجماعة، الدولة العربية التي كانت تدعمه، بأنها «سكتت على تصرفات أميركا تجاه الجماعة (المقاتلة)، ودعم تلك الدولة الخفي غير المعلن لحفتر». ووصف هذا الحال بأنه «مخيب للآمال».
وقال أيضا لقادة جماعته في طرابلس إنه تحدث مع نافذين في هذه الدولة، وإن أحد مسؤوليها ممن يتولى تنظيم العلاقة مع الجماعة، أخبره أن بلاده «تعاني من ضغوطات كثيرة إقليمية وعالمية، ويتم تضييق الخناق عليها، واتهامها بأنها داعمة للإرهاب من قِبل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا، وأن أميركا تفهمت ادعاء تلك الدول وتجاهلت التفنيد الذي قدمته لها (الدولة العربية المشار إليها)».
ومن جانبه وبحسب ما ورد في الوثائق، بدأ قيادي آخر في الجماعة المقاتلة في توجيه اللوم لزملائه بسبب سماحهم للجانب الأميركي في السابق (منذ منتصف 2014) بزرع أجهزة تنصت في أحد مواقع الجماعة. وقال إن أميركا «غرست أجهزة تنصت علينا، ونحن تعاملنا مع ذلك بحسن نية، وكان يفترض ألا يكون». وأضاف أن الجماعة الليبية المقاتلة «فقدت هيبتها بضعف تنظيم القاعدة وقوة تنظيم داعش»، مشيرا إلى أن «أميركا تتحاور مع داعش، متجاهلة دورنا في ليبيا، واستطاعت استقطاب محمد المدهوني، وجماعة أبو عبيدة الزاوي (قائد ميليشيا في غرب طرابلس أيضا)، وخلقت لهم خط تواصل مع التنظيم في سرت، وغضت البصر عن تدفق مقاتلين للتنظيم بسرت والجنوب من كل الدول». وتابع قائلا إن «أميركا لن تحترم أي اتفاق معها، إلا إذا سيطرنا على طرابلس».
وأضاف أن «الوضع صار يستلزم الاندماج مع داعش وأن تكون طرابلس لنا (للجماعة المقاتلة والإخوان)، وسرت لهم (لداعش)، ويأخذ تنظيم داعش التمدد المساحي شرق سرت، وما يحتويه، ونأخذ نحن طرابلس وامتداد الغرب لنا، ونواصل دعم مجلس شورى ثوار بنغازي (هذا المجلس كان يقتصر على تنظيم أنصار الشريعة وأصبح منذ عدة أشهر يضم خليطا من الإخوان و«المقاتلة» وداعش) ومجاهدي درنة (خليط مشابه لكنه على خلاف مع الدواعش).
وجاء مع هذا الاقتراح اقتراح آخر يخص مواصلة تقديم الدعم للمتطرفين في سيناء. وحول هذه النقطة قال قيادي في الجماعة المقاتلة: «أرى أن دعم بيت المقدس في سيناء مهم جدا ويجب عدم توقفه، فهو الخط الذي يلطف لنا الأجواء مع أميركا، ولا يقطع تواصلنا مع (دولة كذا ودولة كذا.. ذكر اسم دولتين إحداهما عربية والأخرى إسلامية)، وخصوصا أن مبالغ كبيرة ستقدم للجنة المشكلة لهذا الشأن وأن للجماعة تفاهما كبيرا معنا».
وأيد الزعيم الآخر في «المقاتلة» هذه المقترحات، ووصفها بأنها «صحية جدا وعقلانية»، لكنه زاد عليها تأكيده على ضرورة الاهتمام بـ«الأخوة في الساحة الجزائرية أيضا، كونها تسير في نفس الخط»، مشيرا إلى أنه لا بد من «طرح أفكار ومخططات لأي عمليات في مجلس شورى يتم إنشاؤه بين الجماعة (المقاتلة والإخوان) والتنظيم (داعش) قبل القيام بأي عمل مسبق.. أي عمل لا يتم إلا بموافقة كل الأطراف». وتحدث عن أهمية السعي إلى السيطرة على المنطقة الحدودية الجنوبية لليبيا والممتدة على مسار الحدود التشادية، «كونها منطقة عليها العين من قبل الغرب، ونعمل بمبدأ أننا نسيطر عليها، ونحن من نقرر.. نعطيها لمن، مقابل دعمه لنا».



الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!