سوريا: حصار داريا يدخل عامه الرابع ومجلسها المحلي يحذّر من كارثة إنسانية

المدينة تدفع ثمن قربها من القصر الجمهوري والنظام يسعى لفصلها عن المعضمية

مصور صحافي يمر بالقرب من الأحياء المدمرة في بلدة جوبر بريف دمشق التي يستهدفها الطيران الحربي لقوات الأسد والطيران الروسي (أ.ف.ب)
مصور صحافي يمر بالقرب من الأحياء المدمرة في بلدة جوبر بريف دمشق التي يستهدفها الطيران الحربي لقوات الأسد والطيران الروسي (أ.ف.ب)
TT

سوريا: حصار داريا يدخل عامه الرابع ومجلسها المحلي يحذّر من كارثة إنسانية

مصور صحافي يمر بالقرب من الأحياء المدمرة في بلدة جوبر بريف دمشق التي يستهدفها الطيران الحربي لقوات الأسد والطيران الروسي (أ.ف.ب)
مصور صحافي يمر بالقرب من الأحياء المدمرة في بلدة جوبر بريف دمشق التي يستهدفها الطيران الحربي لقوات الأسد والطيران الروسي (أ.ف.ب)

أطلق المجلس المحلي لمدينة داريا المحاصرة، بضواحي العاصمة السورية دمشق، صرخة حذّر فيها من خطورة المعاناة الإنسانية لسكان المدينة نتيجة الحصار الذي يفرضه النظام عليها منذ ثلاث سنوات، ومنع دخول المساعدات الغذائية والدواء والمحروقات إليها عدا عن القصف المدمر المستمر. وأشار المجلس في صرخته إلى مخطط للنظام يقضي بـ«الفصل بين داريا ومعضمية الشام للاستفراد بكل منهما، لما لذلك من عواقب كارثية على المدينتين، اللتين تشكلان معاقل الثورة في الغوطة الغربية».
المجلس المحلي لمدينة داريا وجه رسالة إلى «الشرق الأوسط»، قال فيها بأن «الحصار المطبق على المدينة دخل عامه الرابع»، متحدثا عن «أكثر من 12000 مدني محاصرين داخلها منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) يعيشون في ظل انقطاع كافة الخدمات الأساسية ومنع دخول أي شكل من أشكال المساعدات الغذائية أو الدواء، ويعتمدون على الزراعة المحلية وما يمكن تأمينه عن طريق مدينة معضمية الشام المجاورة، المحاصرة أيضًا».
الرسالة أشارت إلى أن «ما يزيد في معاناة المدنيين هو كثافة القصف بأشكاله المختلفة على المدينة، لا سيما، القصف بالبراميل المتفجرة الذي بلغ في الأشهر الأخيرة مستويات غير مسبوقة». وتابع المجلس القول: «في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحده بلغ عدد البراميل الملقاة على مدينة داريا 853 برميلاً متفجرًا، من أصل 1156 ألقيت في جميع مناطق سوريا، حسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أي أن نصيب داريا وحدها زاد على 70 في المائة من إجمالي البراميل في سوريا».
أما عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني (ابن داريا) فلفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «حقد النظام على داريا يعود لبدايات الثورة، ودور المدينة في خلق واقع أمني وعسكري جديد في ريف دمشق». وذكّر الداراني أن «أول مجلس عسكري أنشئ في داريا بقيادة العقيد خالد الحبوس في العام 2012. كما أنها أول مدينة استهدفت القصر الجمهوري بالصواريخ، وأول من أسقط طائرة حربية في مطار المزة العسكري. ثم إنها تطلّ مباشرة على القصر الجمهوري وتبعد عنه 6 كيلومترات، عدا عن أنها حلقة الوصل لأوتوسترادات المزّة ودرعا والـ40». وأشار الداراني إلى أن داريا «كانت نواة الجيش السوري الحرّ مقابل دوما في الغوطة الشرقية، وكانت قد شهدت أكبر مجزرة عام 2013 ذهب ضحيتها 1300 شهيد وكان لها الحظّ الوافر من مجازر الكيماوي الذي استخدمه النظام ضد المدنيين».
أيضًا، تحدثت رسالة المجلس المحلي عن «معاناة أكثر من 250 ألف مدني اضطروا إلى النزوح عن المدينة هربًا من القصف وخوفًا من تكرار مجازر النظام بحق أهل المدينة، الذين يعيش كثيرون منهم في ظروف صعبة للغاية، بينما يحاول النظام جاهدًا منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الفصل بين داريا ومعضمية الشام للاستفراد بكل منهما، وسيكون لذلك في حال نجاحه عواقب كارثية على المدينتين، آخر معاقل الثورة في الغوطة الغربية». وأضاف المجلس «لقد دأبت داريا على التحفظ في إبراز معاناة أهلها وغلب على إعلامها طابع التكتم والصمود والتحدي، لكن ذلك لا يعني أن أهلها لا يعانون كما باقي المناطق المحاصرة، فالمدينة ينطبق عليها قول الله عز وجل (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)». وأمل المحاصرون في داريا «التركيز على معاناة المدينة وأخواتها المحاصرة في ريف دمشق ودير الزور، والاستفادة من الوسائل الإعلامية والسياسية والإغاثية للتخفيف عن معاناة أهلها».
وأوضح الداراني أن «الحصار يطبق على نحو 12000 مدني، بالإضافة إلى نحو ألف مقاتل»، مشيرا إلى أن النظام «يحاول أن يفصل الآن بين داريا ومعضمية الشام المترابطتين، ويسعى لعزل المدينتين عن بعضهما»، وأضاف: «لكن المعضمية هي الأكثر معاناة بسبب الحصار، فداريا مدينة كبيرة وتعتمد على بساتينها وأرضها الزراعية الواسعة ووفرة المواشي، وهي أخذت درسًا من حصار العام 2013 الذي دام عامًا كاملاً قبل أن تدخل هدنة مع المعضمية ومع الغوطة الشرقية التي انقلب عليها النظام وحلفاؤه».
وهذا ما أيده الناشط الإعلامي في المعضمية سامر الحسن، الذي أكد أن مدينته «أكثر تأثرًا بالحصار الذي يهدد حياة من فيها». وأوضح الحسن لـ«الشرق الأوسط» أن «عزلها عن داريا سيزيد من صعوبة الحياة بشكل كبير». وتابع: «إن الحقد على المعضمية له أسبابه الكثيرة، منها أنها في مواجهة مباشرة مع الفرقة الرابعة ومع الحرس الجمهوري ومع مطار المزّة، وهو ما يجعلها مع امتداداتها في الغوطة الغربية شوكة قوية في خاصرة النظام».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.